خلاف الممرات الإنسانية وتدهور أوضاع المنطقتين

تقرير: شبكة عاين 22 فبراير 2018

في الوقت الذي تتمسك فيه الحكومة السودانية بشرط إدخال المساعدات الإنسانية لمنطقتي جنوب كردفان (جبال النوبة) وجنوب النيل الأزرق من أراضيها وبكامل تحكمها، ترى الحركة الشعبية – شمال، إن حدود الأراضي المحررة تجاور دولتين يتسنى إدخال المساعدات الإنسانية منهما، أو من دولة المنشأ عبر دول الجوار.

وترفض الخرطوم إدخال الاغاثة من دول الجوار، لعدم  ضمانتها الكافية بوصول غذاء فقط.  هذا في الوقت الذي يفقد فيه مواطنو مناطق الصراع  الثقة في الحكومة التي ظلت ترفض أي مقترحات لإدخال المساعدات الإنسانية الاّ عبر أراضيها.

هذا الموقف يعكس عدم الثقة والتباين الحاد بين الطرفين، مما ساهم بشكل كبير في انهيار الجولة الثالثة عشر من المفاوضات، وقد تلقي بظلالها على ما يعقد من جولات قادمة، ما لم تتنازل الاطراف المعنية.

وكانت آخر جولة من مفاوضات بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية –  شمال قد فشلت، بعد أن تمسك الطرفان بمواقفهما، فيما يختص بالقضايا الانسانية” ادخال المساعدات”  وعلقت الالية الافريقية رفيعة المستوي برئاسة ثامبو مبيكي، رئيس جنوب أفريقيا الأسبق.

وكانت جولة المفاوضات المنتهية دون نتائج قد تزامنت مع عدة أحداث في السودان، أبرزها دخول وفد الحركة الشعبية هذه الجولة بعد مؤتمرهم العام، والذي إنتهى بقيادة جديدة للحركة وإدارة جديدة لملف التفاوض بعد 12 جولة رسمية  و 3 غير رسمية، إنتهت بالفشل.

سوء الاوضاع الإنسانية
تعاني منطقتي جبال النوبة، وجنوب النيل الأزرق من شح الغذاء  في الاعوام الماضية فضلاً عن إنعدام الأدوية المنقذة للحياة، ويصف المواطن النور دلدوم الموسم الزراعي بالفشل قائلاً لـ(عاين): “السنة دي الأمطار جات كتيرة وأفسدت الزراعة كلها، ما حصدنا أي شي ممكن يقعدنا للخريف الجاي”.

وجرت العادة في جنوب كردفان على إنتظار الحصاد لإتخاذه مؤونة للفصول الأخرى، حيث يتم تخزين الحصاد الزراعي،لأوقات الشدة من فصول السنة، لذلك فشل الموسم الزراعي ينذر بمجاعة، وهو ما يؤكده  دلدوم: “السنة دي  الله يستر المجاعة ممكن تجينا من شهر مارس، لأنو هسي قدر الشوية اللميناهو من الزراعة خلاص ماشي يكمل، ومافي إغاثة عشان نقول ممكن تقطع بينا زمن يقارب نهاية موسم حصاد السنة الجاية“.

ويذهب في ذات الاتجاه المواطن إبراهيم كالو من مقاطعة هيبان الواقعة تحت سيطرة الحركة الشعبية مبدياً تخوفه من معاناة المواطنين في مقبل الايام القادمة قائلا لـ(عاين): “الموسم الزراعى السابق لم يكن ناجحا مما ينذر بالمعاناة فى الشهور القادمة”. وإستدرك قائلاً: “فيما يختص بالأزمة الإقتصادية التي أدت إلى إحتجاجات رافضة للغلاء بمدن السودان إنها غير مؤثرة”.

“الازمة الاقتصادية لا يوجد لها أى تأثيرات مباشرة على سكان المناطق المحررة، لكون إن السكان أصلا هم خارج الاقتصاد السودانى، يعتمدون على الزراعة والمنتجات المحلية” هكذا يقول كالو، ويضيف:”هنالك نقص في بعض الأدوية، لذلك مسألة دخول المساعدات الإنسانية مسألة ملحة”.

ولم يتوقع كالو أي تقدم في القريب العاجل بالمفاوضات بالقول: “لا أعتقد أنه سيكون هناك تقدم فى القريب العاجل، حتى بعد وقف إطلاق النار من الجانبين، لكون إن الملفات التى سيتم مناقشتها هى ملفات مصيرية ومعقدة، مثل حق تقرير المصير وغيرها من القضايا الشائكة”.

أزمة ثقة
أصبحت معاناة المواطن هي السمة الأساسية بمنطقتي الصراع، بفقدان المواطن للأمل في نتائج جولات التفاوض، إذ يقول المواطن أيزك من النيل الازرق: “نحن ما عندنا أي ثقة في الحكومة، لأنها تستهلك في الزمن لزيادة فترة الحرب”، مطالباً الحكومة بالسماح بالوصول الاغاثة إن كانت جادة في الوصول الى سلام.

ومضي في ذات الاتجاه المواطن النور دلدوم، متهماً الحكومة بالسعي إلى إبادة إنسان المنطقتين برفض إيصال الغذاء والدواء: “الحكومة ما بتخلي الإغاثة تدخل، وهي دايرة تقتل الناس بالجوع بعد ان فشلت في قتلنا بالطيران في الـ7 سنوات الفاتو، وهسي في ناس كتار قاعدين يموتو لانو أدوية مافي في كل الجبال”.

حل سياسي وليس أمني
يُحمل كل طرف من الأطراف الأخر مسؤولية إنهيار جولة المفاوضات الثالثة عشر. ففي الوقت الذي تتمسك فيه الحركة الشعبية بالحل السياسي الشامل، بمناقشة الجانب الإنساني منفصلاً عن الامني وكذلك السياسي – لإجتثاث أسباب جذور الحرب، بُغية عدم عودتها، يتمسك المؤتمر الوطني بربط الحلول كلها في الإطار الإنساني، موقف ظلت تُطلق عليه الحركة الشعبية مصطلح (استخدام الدواء والغذاء كسلاح آخر).

رئيس وفد الحركة الشعبية المفاوض وأمينها العام عمار أمون دلدوم يقول لـ(عاين ): “كالعادة إختلفنا في فتح المسارات الآمنة للغذاء والدواء، من جهتنا ننظر للمشكلة على أنها  سياسية فيجب أن تحل سياساً، ولكن الحكومة تنظر لها من منظور أمني، فهي تعتبر وقف إطلاق النار ترتيب أمني، وتريد أن تفصل بين الإنساني  الجذور التاريخية، المشكلة السودانية تحتاج إلى حل سياسي قبل الأمني، وهنا كان تباين وجهات النظر”.

وكان رئيس وفد الحكومة المفاوض الباشمهندس ابراهيم محمود قد حمل الحركة الشعبية مسؤولية فشل المفاوضات متهمها (بالحذر والتمسك بملفات قديمة) وأفاد أن الحركة الشعبية أرادت أن تأتي المساعدات عبر حدود تشرف عليها بنفسها دون علم الدولة وبلا رقابة. ويعلق أمون على هذه الجزئية قائلاً: “الحكومة ترفض إدخال الإغاثة الاّ عبر أراضيها، وهي متناسية اننا نملك حدود واسعة تجاور دولتين، فنحن لن نسمح بذلك.   قدمنا تنازلات تتمثل في وصول الاغاثة من دول المنشأ مباشرة. ولكن تفاجئنا بموقف الحكومة الرافض لكل شي حتى اغاثة دول المنشأ، تطلب ان تمر بأراضيها”.

إطالة الحرب
من جانبه يصف عضو الوفد الحركة الشعبية المفاوض، وسكرتيرها بالنيل الازرق، سيلا موسى، يصف موقف الحركة بالواضح في مسألة الإغاثة بالقول: “المفاوضات بالنسبة لنا إحدى أليات السلام المستدام العادل، وهذا ما قلناه للوسيط، لن نرفض كل ما يقود إلى سلام، فقط على الحكومة الجدية، والتعامل مع موضوع القضايا الانسانية بمرونة ان كانت جادة في تحقيق سلام”.

موضحاً عدم ثقتهم في الحكومة السودانية للسماح لها بإدخال الاغاثة عبر اراضيها واشرافها التام، وقال: “الحكومة تريد إطالة امد الحرب، حتى السلام بالنسبة لها وسيلة لتقوية جانبها وإخراس الأصوات الرافضة للغلاء، نحن من جانبا نرفض القمع ضد المواطن السوداني في اي مكان، المبادئ لا تتجزأ.

هنا تجدر الاشارة الى ان شبكة عاين كانت قد حاولت الاتصال بعضو وفد الحكومة المفاوض، وزير الثروة الحيوانية بشارة جمعة ارور للحديث حول المفاوضات، إلا أنه رفض الحديث بعد الإطلاع على الأسئلة.

وقف العدائيات
هذا وكان الطرفان قد اعلنا تمديد لوقف العدائيات. الحركة الشعبية أعلنت التمديد إلى مايو القادم، يقول امون حول إشاعات توقيعهم على وثيقة وقف إطلاق النار مع الحكومة، يقول حول هذه الجزئية: “نحن لم نذهب لوقف إطلاق النار الشامل بقدر ما إننا أعلنا إلتزامنا بوقف العدائيات وتمددها بشكل غير رسمي، فما وقعته الحركة مع الحكومة في البيان المشترك هو رغبة الطرفين في العودة الى المفاوضات وحل المشكل بالتفاوض، كواحدة من آليات تحقيق السلام في السودان”. وإستدرك قائلاً: “لكن الطريق مازال مسدود، لأن الحكومة ليست جادة في الوصول الى سلام”.

من ناحية اخرى، رفض الأمين العام للحركة الشعبية الحملة (القمعية) التي تقوم بها الحكومة السودانية ضد الرافضين لغلاء المعيشة مطالباً باطلاق سراح كافة المعتقلين دون قيد او شروط، او تقديمهم لمحاكمات عادلة، يقول عمار أمون: “نحن في الحركة الشعبية ندين العنف المفرط ضد المدنيين في الخرطوم، ونقول لهم هذه هي حكومة المؤتمر الوطني تواجه بالقمع كل من يقل لا، ولا جديد في ذلك، الشعب السوداني مقهور على امره، فهو يواجه غلاء طاحن في الأسعار وقمع مفرط، ومن هنا نعلن كامل تضامننا معهم، على الناس المواصلة في التعبير عن صوتهم، كل الآليات يجب أن تستخدم ضد هذا النظام المتعجرف”.