حكومة معتز موسى: هل تحمل البشير الى 2020؟
وسط تحديات اقتصادية ضخمة و وضع سياسي متأزم وانقسامات داخل الحزب الحاكم، قبل رئيس الوزراء ووزير المالية الجديد، ذو الخمسين عاما والذي ينتمي بصلة قُربى بالرئيس البشير، معتز موسى بإدارة دفة البلاد عقب حل حكومة الوفاق الوطني وتشكيل حكومة تقشف تهدف إلى تقليل وطأة الأوضاع الاقتصادية التي أثقلت كاهل البلاد والمواطنين.
ورغم البدايات المتعثرة للتشكيل الحكومي برفض العديد من الوجوه للانخراط فيها، الا ان رئيس الوزراء أقبل على أداء مهامه المتمثلة في إصلاح الحال الاقتصادي . و يرى مراقبون ان مهمته الاساسية تكمن في تخفيف الغضب الشعبي وحمل البشير سالما الى انتخابات 2020. بينما يري البعض ان الحكومة التي شكلت على عجل سيكون مصيرها الفشل في الهدفين القريب والبعيد مع تصاعد الأزمات التي تلاحق النظام داخليا وخارجيا.
واقع مزري
منذ شهور مضت، ظلّ جل سكان المدن الثلاثة للعاصمة السودانية الخرطوم يخرجون أعمالهم ومشاغلهم في وقت باكر جدا قد يسبق مواعيد عملهم بثلاثة ساعات أو تزيد، وذلك تحسباً للتأخير المرتبط بانعدام المواصلات، أو توفرها بقيمة تفوق إمكانياتهم البسيطة، وبنفس الوتيرة تكون العودة بعد نهار عمل شاق، وقد يتخللها التوقف عند صفوف الرغيف وخلافه من احتياجات المنزل التي أصبحت مكلفة وغير متوفرة في ظل الأزمة والضائقة التي تمر بها البلاد.
بين هؤلاء البسطاء يخرج عصام باكراً من أطراف الريف الشمالي لمدينة بحري، متوجهاً لمكان عمله القريب من مبنى السلطة القضائية بوسط الخرطوم، ليقضي وقته الذى ينفق ثلثه للوصول لمكان العمل ، وسط مشاغل حياتية وصعوبات باتت لا تطاق في العاصمة على حد تعبيره. لا يدري عصام على وجه الدقة ما هو التغيير الذي حدث في التشكيل الوزاري الجديد الذي تم إعلانه، ويعبر عن ذلك لمراسل (شبكة عاين) بقوله أنه “لم يحدث أي تشكيل حكومي جديد وإنما حدث تبديل مواقع. ويضيف عصام أن التعديلات والتشكيلات الحكومية أصبحت متكررة بصورة غير منطقية ولا يوجد مبرر لها، مشيراً إلى أن “نفس الوجوه يتم نقلها من وزارة لأخرى وهذا هو السبب في عدم حدوث تغيير للأفضل”، مؤكداً على أن غالبية الشعب السوداني أصبحوا غير مهتمين بشأن التعديلات الحكومية “لا يندهشون بها ولا تشغل حتى حيزاً ولو بسيط في نقاشاتهم، فهم لا يعلمون من ذهب ومن بقي غير البشير الذي يحكم في نفس منصبه حتى الآن”!!..
ترهل واعتذارات
على الرغم من أن حالة الترهل التي باتت واضحة بجسد المنظومة الحاكمة في السودان مؤخراً، وتحديداً عقب إعلان حزب المؤتمر الوطني الحاكم عن نيته ترشيح، عمر البشير 74 عاماً، لخوض الانتخابات الرئاسية 2020م، بيد أنه لم تصل التكهنات لتوقع حالة التخبط التي ارتبطت بالتشكيل الوزاري الأخير، الذي تم الإعلان عنه بعد إجتماع المكتب القيادي للحزب الحاكم ليل الخميس 13 سبتمبر الماضي.
وكان البشير قد استبق هذا التشكيل الذي يقع في الترتيب الرابع منذ تمكنه من البقاء على كرسي الحكم بعد انتخابات 2015م، بإختيار وزير الكهرباء، معتز موسى، رئيساً للوزراء، مبقياً على، بكري حسن صالح، في منصب النائب الأول، بينما تم تعيين والي شمال دارفور السابق في منصب نائب ثاني للرئيس..
ثلاثة وجوه قدمت اعتذارها عن التكليف الوزاري بعد الإعلان ، كان أبرزهم هو الخبير الاقتصادي، عبدالله حمدوك، عن وزارة المالية، إلى جانب سمية أبو كشوة، التي كُلفت بوزارة الرعاية والضمان الاجتماعي، وناجي شريف، الذي تم ترشيحه لشغل وزير دولة بالمالية.
وبذلك أتت قائمة الوزراء المؤدين للقسم الوزاري مختلفة للحد الذي جعل من رئيس الوزراء الجديد، معتز موسى، مكلفاً بحقيبة إضافية وهي حقيبة وزارة المالية.. وكان المكتب القيادي للمؤتمر الوطني قد أقرّ في إجتماع التشكيل الذي التأم برئاسة البشير، الإبقاء على عدد من وزرائه في مناصبهم السابقة، وأبرزهم وزراء الدفاع والخارجية ورئاسة الجمهورية، بالإضافة إلى ديوان الحكم الإتحادي..
معالجات سطحية
العنوان الأبرز للحكومة الجديدة التي أعلنها البشير كان هو تخفيف الإنفاق الحكومي في محاولة لفك الضائقة المعيشية ووضع حلول قصيرة المدى للأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تعيشها البلاد، وهو ما أعتبره الخبير الاقتصادي والباحث في مجال التخطيط التنموي، أحمد عبدالسلام “من المعالجات السطحية لجذور المشكلة”، ولفت عبدالسلام في إفادته لـ(شبكة عاين) إلى أن مسألة تقليل الصرف الحكومي وما يتبعها من تقليص عدد الوزارات تساهم في خفض فاتورة الصرف الحكومي ولكن “بشكل ضئيل جداً وليس له أثر على مؤشرات الاقتصاد الكلي”، موضحاً أن هذه المحاولات كانت قد حدثت بالفعل منذ أول حكومة بعد انفصال الجنوب 2011، التي كان هدفها المعلن هو تقليل الصرف الحكومي، ولكن حدث العكس بطبيعة الحال وذلك “بسبب وجود حكومة داخل الحكومة المعلنة متمثلة في جهات سيادية ومنظمات حزبية وأجهزة أمنية لديها فاتورة صرف مفتوحة”. وأشار عبدالسلام إلى أن هذه الحكومة لا تمتلك الرغبة في حل هذه الأجسام لأنها أرض صالحة لزراعة فكرتها ومنها تستمد شرعية وجودها، مؤكداً على أنه بدون حل هذه الأجسام لن تكون هنالك أية حلول للأزمة الحالية. وفي استبيان قامت به شبكة عاين وسط متابعيها حول قراءة التعديلات الوزارية أجاب 93% بان التعديلات الوزارية الغاية منها التلاعب بالمواطن للوصول الى انتخابات 2020 بينما اجاب 7% لصالح أن التعديلات الوزارية تصب في تحسين الوضع الاقتصادي.
ومن جانبه أعتبر المحلل السياسي، محمد الأسباط، أن البشير “حاول أن يرسل رسالة للشعب للتأكيد على جديته في حل معضلة الضائقة المعيشية بتقليص عدد الوزراء ولكنه في الأساس أراد التخلص من بعض الشخصيات التي كانت تمثل عبء عليه، أو التي تخدم خطوط المتصارعين داخل المؤتمر الوطني”، مبيناً في تصريح لـ(شبكة عاين)أن 21 وزير هو رقم كبير ولكن المستوى الإداري للسودان لا شيء. رافضاً تسميتها بالحكومة ومشيراً إلى أنها “مجرد توليفة وترتيبات مرحلية يصل بها إلى انتخابات 2020”. واعتبر الأسباط في حديثه من العاصمة الفرنسية باريس عبر الوسائط، أن “البشير قرّب إليه أقرب الأقربين في موقف مشابه تماماً لما فعل الرئيس العراقي السابق صدام حسين في آخر أيامه.
مشروع بديل
ويرى عبدالسلام أن الحل ليس في تشكيل حكومة جديدة وإنما “في مشروع اقتصادي بديل” موضحاً أنه تجب صياغة “خطة إسعافية قصيرة المدى لفك الضائقة المعيشية تلحق بها معالجات على المدى الطويل لكل الاختلالات الهيكلية للاقتصاد السوداني التي تسبب فيها هذا النظام”. مستدركا أن “هذا لن يحدث إلا عبر مشروع سياسي بديل تتوافق عليه منظمات المجتمع المدني والشعب السوداني”، أما بالنسبة لحكومة معتز موسى، فقد أعتبر أنها سوف تكون كسابقاتها ولن تعمل بجدية لحل الأزمة لأنه “ببساطة من تسبب في الأزمة لا يصلح لأن يكون هو الحل”.
من جهته استبعد الأسباط إمكانية حدوث تغيير شامل يتمخض عنه مشروع سياسي بديل في الوقت الراهن، معللاً ذلك بما أعتبره “تمسك عدد من اللاعبين المهمين في المجتمع الدولي ببقاء الرئيس السوداني في منصبه”، مردفاً أن سياسة الجزرة والعصا التي يتبعها المجتمع الدولي مع البشير ونظامه تمكن من السيطرة على الحكومة السودانية وإدارتها بسهولة.
سهام الحلفاء
جزءا مقدرا من أحزاب الحوار الوطني التي يتوكأ عليها البشير في قرار حله للحكومة فاجأته وبدت زاهدة في نصيبها من كيكة التفصيل الوزاري الجديد، بل وذهبت لاعلان تحالف جديد لدخول الانتخابات المقبلة في 2020 ضد مرشح الحزب الحاكم عمر البشير.
ودشن تحالف يتكون من 26 حزبا من أحزاب الحوار الوطني برئاسة زعيم حزب الإصلاح الان غازي صلاح الدين تحالف ما سمي ب (قوى 2020) للمنازلة في الانتخابات، معلنا رفضه لتعديل الدستور لاتاحة الفرصة للبشير للترشح مرة أخرى.
وكانت قيادات بارزة في الحزب الحاكم عبرت عن رفضها العلني لاعادة ترشيح البشير في 2020 واعتبرته خيانة لدستور الحزب الحاكم والبلاد معا.
وفي ذات السياق مضى القيادي بالمؤتمر الشعبي، كمال عمر، مشدداً على أن هذه الحكومة جاءت غير ملبية للطموحات، حيث كان من المتوقع الدفع بحكومة كفاءات تملأ الخانات في هذه المرحلة الجديدة، وأضاف كمال أنه “هنالك شخصيات فاشلة ظلت باقية فيها، بينما تم استبعاد ناجحين حققوا نجاحات مشهود بها”.
أما نائب رئيس الوزراء السابق مبارك الفاضل، فقد اعتبر التعديل الوزاري جاء لمجرد طمأنة المواطنين، مضيفا انه أتي بعد انكشاف تلاعب قيادات نافذة في الحزب الحاكم بسوق النقد الأجنبي والتجارة في الدولار ما أدى ألى الأزمة الاقتصادية الراهنة.
كومبارس
أحزاب المعارضة على اختلافها وعلى رأسها قوى الاجماع الوطني أجمعت على رفض الحكومة الجديدة واعتبرت التعديلات الاخيرة عديمة الجدوى، ووصفته باعادة تدوير ذات الشخصيات والمسئولين الفاشلين في جهاز الدولة. فيما قال تحالف نداء السودان الذي يتزعمه الصادق المهدي ان لا حل لمشاكل السودان إلا بذهاب نظام عمر البشير.
في غضون ذلك وجه نائب رئيس حركة العدل والمساواة، الصادق يوسف انتقادات قاسية للخطوة، واصفا إياها في حديث ل(شبكة عاين) بانها مجرد تحصيل حاصل “ولن تحل أي مشكلة اقتصادية في ظل الفساد المستشري”، ويضيف الصادق انها “حكومة تتكون من ٨٠٪ من المؤتمر الوطني والباقي لأحزاب غير معروفة وشخصيات ليس لها ثقل”، مؤكدا في ذات السياق أن أي حكومة لا تأتي بعد اتفاقات واضحة وضمانات من المجتمع الدولي مع المعارضة بشقيها المدني والعسكري لن تحدث أي تغيير، موضحا أن شكل الترضيات التي انتهجها النظام فيما يخص التشكيل الحكومي وتوزيع السلطة “أسس لجهوية وأنتج فسادا مجتمعيا”. مردفا: “أنا شاهد على هذه التجربة منذ أبوجا ومرورا بالدوحة، الحكومة تأتي بشخصيات غير مؤهلة وعديمة المواهب لمجرد الترضية وضمان الولاء”.
وشدد الصادق على أن الحل لن يكون بتشكيل حكومة جديدة مكونة من “التابعين والكومبارس”، على حد تعبيره، مبديا تمسكه بالحل الشامل الذي يمزق فاتورة الحرب ويحدث التغيير الشامل في السودان وفاتحا الباب امام توزيع عادل للسلطة.
تحديات
علي المدي القريب تواجه حكومة معتز موسى تحديات جمة وسط واقع اقتصادي منهار ، تتمثل في أزمة السيولة، انهيار قيمة الجنيه ،شح العملات الصعبة، وتوحيد سعر الصرف ،ارتفاع الأسعار ومعدلات التضخم وأزمات الوقود والخبز والغاز والمواصلات والأوبئة التي ضربت البلاد. بينما تظل الأزمات الاقتصادية الأكثر تجذرا متمثلة في ديون السودان التي تجاوزت الخمسين بليون دولار وعقبات عودة السودان للنظام المصرفي العالمي رغم رفع الحظر المصرفي عن البلاد، اضافة الى الفجوة الضخمة في الميزان التجاري بين الصادرات والواردات، وضعف الإنتاج وتدهور القطاعين الزراعي والحيواني وتراجع انتاج البلاد من النفط لما هو أقل من احتياجات الاستهلاك.