حصرياً على (عاين): مقابلة مع عبد العزيز الحلو

عبد العزيز آدم الحلو

 

مقابلة حصرية لشبكة (عاين) مع الفريق عبد العزيز آدم الحلو نائب رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال، حول الوضع الراهن داخل تنظيم الحركة الشعبية، وحيثيات تقديم إستقالته وبرنامج السودان الجديد.

 

  • عاين: لماذا قررت أن تقدم إستقالتك في هذه المرحلة بالذات؟ لماذا الآن؟

    الحلو: دفعت بإستقالتى فى هذا التوقيت نتيجة لتفاقم الأزمة داخل التنظيم وإنسداد أفق الحل على مستوى الضباط الثلاثة، بالإضافة لعدم الإلتفات لآراء قواعد وجماهير الحركة من جانب القيادة، والإنغماس فى عملية التفاوض وبإندفاع محموم للتوصل لأي صفقة مع النظام، دون إهتمام بالنتائج، وهل ستؤدي لتحقيق التحول الديمقراطى أم لا؟
  • عاين: هل كان خطاب الإستقالة مقصود للعامة؟ لماذا تم إرسال الإستقالة إلى مجلس التحرير النوبة؟

    الحلو: نعم، خطاب الإستقالة وثيقة داخلية موجهة لإجتماع مجلس التحرير، وهي تقدم خطوط عريضة وبشفافية لطبيعة الأزمة الداخلية، والمحاور التي يجب أن تؤخذ فى الإعتبار فى مداولات المجلس للخروج بتوصيات وقرارات تساعد في الخروج من الأزمة، ولكن تسريبها فى ذلك التوقيت أدى لتدخل أطراف خارجية، وقادت لنتائج سلبية بصرف نظر الناس عن القضايا الجوهرية التي طرحها الخطاب. قمت بتوجيه الخطاب لمجلس تحرير إقليم جبال النوبة لأنه أعلى مؤسسة سياسية تشريعية قائمة فى غياب مجلس التحرير القومي، بالإضافة للإستقطاب الذى حدث على مستوى الضباط التنفيذيين الثلاثة، وتحول الرئيس والأمين العام طرفاً فى الخلاف، واستحالة التوصل لحل فى ذلك المستوى.
  • عاين: كيف ترد على أولئك الذين يقولون أن مجلس التحرير جبال النوبة الحالي غير شرعي؟

    الحلو: هذا المجلس قائم منذ عام 2013 وعقد هذا الإجتماع بعلم وموافقة الرئيس والأمين العام، فالقول بعدم مشروعية هذا المجلس جاء فى إعتقادى بسبب تعارض قراراته وتوصياته مع مصالح البعض، ولكن يكفى إنه يمثل شعب جبال النوبة، وهذا مصدر المشروعية الأعظم.
  • عاين: قيادة الحركة الشعبية – شمال إتهمت مجلس تحرير الإقليم بتجاوز صلاحياته، حتى زعمت أن بعض الذين خارج العضوية تسللوا الى الجسم، هل توافق؟ وهل مجلس تحرير الإقليم تخطى صلاحياته؟ أم أن هذه قضية لإسكات المعارضة وتجاهل المبادئ الديمقراطية؟

    الحلو: المجلس القيادى القومى الذى يوزع الإتهامات هو نفسه غير منتخب، فبأي حق يطعن فى مشروعية قرارات مجلس تحرير الإقليم الذي عينه هو. وممثلى شعب الإقليم لهم الحق فى مناقشة كل القضايا والسياسات المتبعة بواسطة القيادة والتى تؤثر عليهم. والأن كون قد عدنا لنظرية الحق الإلهي مرة أخرى، ويا للعجب فباسم الثورة! أما مسألة مشاركة أشخاص من خارج عضوية المجلس، فهذا أمر عادي، لأن الأعراف البرلمانية تسمح للمجالس الإستعانة بخبراء لمساعدتها فى القيام بأعمالها بمهنية، ولكن لا يحق للخبراء الإدلاء بأصواتهم عند الاقتراع فقط. هذه الحجة واهية ولا تنتقص من مشروعية أو صلاحيات المجلس. ولكن كما ذكرت سابقا فإن منشأ هذا النقد الغير موضوعى هو عدم رضاء تلك الجهات من مخرجات إجتماعات المجلس، ومحاولة البحث عن ذرائع لإبطالها.
  • عاين: وفقا لأحدث بيان صحفي صادر من أردول، هناك العديد من النقاط التي تعالج بعض المخاوف التي أثرتها، وسلطت عليها الضوء في خطاب الإستقالة الخاص بك. وهي: (إعداد المانيفستو والدستور المعدل، تشكيل مجلس تحرير قومي، عقد إجتماع لمناقشة تقرير المصير، وضع الجيش الشعبي لتحرير السودان- شمال، ومنع إعادة الإدماج مع الجيش الحكومي)، هل هذه التدابير تعالج بما فيه الكفاية، في رأيك؟

    الحلو: بيان اردول فيه إقرار وإعتراف بوجود الأزمة والخلل فى التنظيم، مثل غياب الوثائق كالمنفستو، عدم بناء أو تكوين المؤسسات، عدم الإلتزام بالمؤسسية، وعدم الإلتزام بمبدأ التمثيل العادل للمكونات. البيان ملئ بالتناقضات وعدم الإلتزام بقيم الديمقراطية واللجوء للقرارات الفوقية، مما يشيب محاولة تسييد روح شمولية وتجاوز الأعراف والتقاليد الخاصة بأساليب عمل الحركات الثورية، وإلغاء قرارات وتوصيات ممثلي الشعب، مع أخذ نفس هذه التوصيات لتنفيذها ولكن بأوامر قيادية فوقية، مثل القرار الخاص بعقد المؤتمر الإستثنائي، أى بيدى لا بيد عمرو. هذه الروح الوصائية لن تساعد فى التوصل لحلول تعالج أدواء التنظيم.
  • عاين: إذا تناولت قيادة الحركة الشعبية – شمال معظم مخاوفك التي سلطت عليها الضوء في رسالتك، هل ستعيد النظر في الإستقالة والإستمرار بصفتك نائب رئيس للحركة؟

    الحلولقد هدفت بهذه الإستقالة إفساح المجال لمؤسسات الحركة الشعبية للقيام بالتصحيح وحل المسائل التنظيمية بطريقة جماعية وديمقراطية من أجل مصلحة القضية. و ليس من بين أهدافي الحصول على مناصب أو مواقع أعلى إطلاقا. وإنما هدفى هو رؤية حركة شعبية قوية وفاعلة تسير فى الإتجاه الصحيح لتحقيق حلم السودان الجديد.
  • عاين: كيف تعتقد أن الحركة الشعبية كحركة في جميع أنحاء السودان سوف تتأثر بإستقالتك وتسريب رسالتك الى مجلس التحرير؟

    الحلو: الحركة الشعبية لتحرير السودان كتنظيم ورؤية لا تتأثر بخروج شخص مهما كانت إسهاماته، وحتى خروج عدة أشخاص. وأنا فرد واحد، وغيابى لن يؤثر فى مسيرة النضال، بل إن إستقالتي ستفتح الطريق أمام الحركة للتخلص من الآثار السالبة لوجودى فى موقع نائب الرئيس، وستتقدم بقوة وفعالية نحو تحقيق أهدافها. أما مسألة تسرب خطاب إستقالتى ربما كان من مصلحة القضية، بتمليك الشعب السودانى بعض حقائق الأزمة الداخلية للحركة، للمساعدة فى المعالجة. وقيل: رب ضارة نافعة.
  • عاين: قرار الإستقالة والتعبير عن رأيك قد لاقى قبولاً بين النوبة الذين أظهروا الدعم المدوي لموقفك. هل هذا يدل على أن شعب النوبة كان محبط من قيادة الحركة الشعبية – شمال لفترة من الزمن؟

    الحلو: كل متابع لمواقع التواصل الإجتماعى والصحف منذ عام 2013  يستشف التململ فى أوساط عضوية الحركة الشعبية، والإنتقادات العديدة الموجهة لقيادة الحركة. وهذا لم يكن قاصراً على القواعد فى جبال النوبة وحدها، ولكن شمل معظم عضوية الحركة الشعبية بمختلف منابتهم وقطاعاتهم. جاء تجاوب مجلس تحرير جبال النوبة مع الخطاب لأن الخطاب عبّر عنهم، ولمس ذات القضايا التى يعانون من ويلها لزمن طويل، ولا يجدون من يستمع إليهم.
  • عاين: هل تخشى إحتمال أن قيادة الحركة الشعبية – شمال قد تنقسم إلى معسكرين؟

    الحلو: الحركة الشعبية لا يمكن أن تنشطر لمعسكرين، لأن الحركة الشعبية هي رؤية وأهداف واضحة، أما سودان جديد أو سودان قديم، بأمراضه المعروفة، لذلك سيذهب ممثلي السودان القديم ويبقى ممثلي السودان الجديد، والحركة  الشعبية واحدة والهدف واحد لا يتجزأ.
  • عاين: وافقت الحركة الشعبية – شمال على إضافة المزيد من الأفراد إلى الوفد المفاوض بأديس أبابا – بما فيه اللواء عزت كوكو، والحاكم بالإنابة – ولكن لا يزال عرمان يقود هذه المحادثات. ما هي الضمانات – إن وجدت – التي أعطيت لك حول مخاوفك بشأن تقرير المصير، وإندماج الجيش، وهل سيتم تعديلها أو معالجتها؟

    الحلو: المسألة ليست مسألة عدد إعضاء التيم التفاوضي أو قيادته والرتب المشاركة فيه، المسألة تكمن فى كيفية تحديد الهدف المراد تحقيقه من العملية التفاوضية. فى حالة الإتفاق على هدف واضح وسقوف واضحة، بعدها لا يهم من الذي سيمثل التنظيم أو يقود وفد التفاوض.
  • عاين: المشكلة التي طرحتها – تقرير المصير –  تعني العملية التي تحدد بلداً ما دولتها الخاصة وتحدد الولاءات، وشكل الحكومة. للتوضيح، هل تقترح للمنطقتين تحقيق الإستقلال التام مثل جنوب السودان؟ – رفض حزب المؤتمر الوطني بالفعل هذا الطلب في محادثات السلام وفقاً لتقارير إخبارية – هل من الممكن أن هذا الطلب يمنع سير مفاوضات السلام إلى الأمام؟

    الحلو: الحركة الشعبية تدعو للوحدة الطوعية كمبدأ. وفى هذا السياق يأتي مطلب حق تقرير المصير كجملة شرطية، أما السودان الجديد العلماني الديمقراطى الموحد أو تقرير المصير. ولكن المغرضين يقومون بتجريد الجملة من شرطها، ومن ثم مهاجمتها خارج السياق، للأسف هؤلاء كثر، حتى من بعض المنتسبين لمشروع السودان الجديد. ونحن لا نكترث لرأي المؤتمر الوطنى وموقفه من مطلب تقرير المصير، بل من حقه أن يرفض حتى سماع هذه الكلمة لأنها آلية ديمقراطية تجرده من الهيمنة. ونحن بمطلب تقرير المصير نسعى لمخاطبة جذور الأزمة لإيجاد الحلول الناجعة التي تضع حداً للحروب الطاحنة التى تدور فى السودان منذ عام 1955، وبشكل نهائى ليتفرغ السودانيين للبناء والتعمير واللحاق بركب الدول المتقدمة. أما الحق فى الإستقلال فليس بكثير أو بعيد على شعب جبال النوبة ولكن الأولوية الآن للوحدة العادلة.
  • عاين: ماذا تقول لأولئك الذين يخشون من أن أهل جبال النوبة يدعون للإنفصال، وأن هذه الإستقالة كانت شرارة إشعال لمثل هذا الطلب؟

    الحلو: هذه مخاوف أنصار المركزية القابضة ودعاة الهيمنة والأحادية فى دولة لا يميزها سوى التعددات، وهى مخاوف بلا أساس. لماذا يريدون للنوبة أن يقبلوا بالعيش كمواطنين درجة ثانية فى وطنهم وسيف الجهاد معلق فوق رؤوسهم منذ عام 1992 وحكومة مركزية فرغت من كل مهامها إلا محاربة ومهاجمة النوبة بكل الوسائل، من أسلحة كيماوية وقصف جوي ومدفعي لإبادتهم وإحتلال أراضيهم. لذلك على المتخوفين أن يسألوا أنفسهم أولاً عن ماذا قدموا لجذب النوبة والآخرين لإختيار الوحدة أو لأن يبقى السودان موحداً؟
  • عاين: يرجى توضيح، كيف تعتقد أن تقرير المصير ورؤية السودان الجديد يمكن أن تعملا جنبا إلى جنب؟ وكأن رأي البعض أن هذه مسارات مختلفة؟
    الحلو: رؤية السودان الجديد تتضمن حق تقرير المصير لأنه حق إنساني وديمقراطى للشعوب، وهو مكمل ومعمق لمبدأ الوحدة العادلة التي تقوم على أسس الحرية والعدالة والمساواة، مما يضع حداً للتمايزات والتفاوتات القائمة منذ تأسيس الدولة السودانية. أما إذا  تمسك البعض بإمتيازاتهم فليكن، ولكن عليهم أن يتركوا الآخرين وشأنهم. وهنا يأتي مبدأ الوحدة الطوعية الإختيارية.
  • عاين: نقطة واحدة سلطت الضوء عليها في رسالتك، هي قرار قيادة الحركة الشعبية – شمال للسماح بإدماج الجيش الشعبي في القوات المسلحة السودانية على الفور إذا تم التوصل إلى اتفاق سلام. كان نزع السلاح أحد الأسباب التي عاد بها الجيش الشعبي إلى الحرب في عام 2011. ماذا يمكن أن يكون السبب أو الدافع وراء هذا القرار من وجهة نظرك؟

    الحلو: لا أعرف دوافعهم. ولكن المهم أن الجميع مدرك لطبيعة المؤتمر الوطني وتاريخه فى عدم الإلتزام بالإتفاقيات، وأن المؤتمر الوطنى غير راغب فى تقديم أى تنازلات تقود لحل سلمي عادل ودائم للمشكلة السودانية، وأن كل هدفه من وراء هذه المفاوضات ينصب على جمع السلاح من عضوية الجيش الشعبي، والعودة بعدها لمواصلة نفس السياسات الإقصائية ضد النوبة وبقية المهمشين، من الإبادة الثقافية للابادة الحسية، كما يفعل الآن فى دارفور من خلال إستهداف المدنيين، وفي الخرطوم عبر إستخدام القوة المفرطة فى مواجهة المتظاهرين العزل.
  • عاين: يدعي بيان صحفي صادر عن الجيش الشعبي – شمال أنه سوف يفتح جبهة عسكرية جديدة في دارفور، هل هذا واقعي؟ هل الجيش الشعبي له هذه القدرات؟

    الحلو: هذه دعاية فى غير محلها، لأن فتح الجبهات لا يتم عبر البيانات.
  • عاين: لقد كان هناك الكثير من الدعاية ضدك – مثل إدعاء العرقية، لعل هذا الموضوع صعب للغاية، لا سيما كل التضحيات التي قمت بها للحركة. هل تؤثر عليك؟ هل يعني هذا، على الرغم من الجهود من الحركة الشعبية-شمال للشمولية الوطنية، لا تزال الحركة الشعبية مدفوعة عرقياً وغير قادرة على قبول المجتمعات الأخرى؟

    الحلو: تلك الحملات التى تستغل الإثنية لا تؤثر فى معنوياتي، لأن مصدرها كان دائما هم المعارضين للمشروع، وهي ليست بجديدة. ولكن أخيراً بدأ يتم إستغلالها فى حالتى كنائب رئيس لتمرير أجندة وسياسات ضارة بمستقبل الثورة، لذلك أشرت إليها فى خطابى. أما الحركة الشعبية نفسها فهي حركة قومية ومفتوحة لكل السودانيين بغض النظر عن إثنياتهم، بدليل إنني التحقت بها منذ عام 1985. وقرارات مجلس تحرير الإقليم برفض إستقالتي وتمسكهم باستمراري فى قيادة الحركة أكبر دليل على قومية الحركة. ووجود المئات من مختلف الإثنيات السودانية الأخرى داخل الجيش الشعبى دليل على إحترام الآخر وقبوله فى صفوف الجيش الشعبي.
  • عاين: ما هو أملك لمستقبل الحركة في السودان؟

    الحلو: تمنياتي أن تتجاوز الحركة الشعبية هذه الأزمة، وتخرج منها أقوى مما كانت وأكثر ديمقراطية ومشاركة جماعية فى إتخاذ القرار، لتحتل مكانها الصحيح فى قيادة عملية التغيير فى السودان، وتضع حداً للحروب والتناقضات القائمة حالياً فى الدولة السودانية.