الوضع الصحي والاعتداءات على الأطباء: قصة أسبوع من الإضراب
– شبكة عاين – ٢٤ أكتوبر ٢٠١٦ –
بعد الوعود التي تعهدت بها الحكومة السودانية للاطباء بتنفيذ مطالبهم والتي بموجبها تم رفع الاضراب بعد دخوله يومه الثامن، إلا ان الأطباء فوجئوا بتراجع وزارة الصحة الاتحادية عن ما تم الاتفاق عليه والتي تعهد نائب رئيس الجمهورية حسبو محمد احمد بتنفيذها. وتتمثل في (13) بندا، من بينها علاج الحالات الحرجة خلال أول (24) ساعة مجاناً، علاج الأطفال دون سن الخامسة مجاناً، إضافة الى تأهيل عدد حوادث (22) مستشفى منها (5) داخل ولاية الخرطوم، وتشمل مستشفى (بشائر – البان جديد – التركي – البلك – الشعب) بالإضافة إلى (17) مستشفى ولائي بمعدل حوادث نموذجي لكل ولاية كأولوية في تنفيذ المطالب.
وقالت لجنة أطباء السودان المركزية في بيان لها “تابعتم عدد من المنشورات والقرارات الممهورة بتوقيع السيد وزير الصحة الاتحادي والتي تم نشرها في الوسائط المختلفة”، ونوهت اللجنة أن لا علم لها بهذه القرارات لأنها لم تمر عبر المسار المتفق عليه مع نائب رئيس الجمهورية ولجنة الاستشاريين وممثلي الجمعية الطبية الموقعين على المذكرة.
وكان وزير الصحة بحر إدريس أبوقردة قد طالب فيه مؤسسة الرئاسة بتنفيذ مطالب الأطباء ولكنه أصدر قراراً بإيداع مبلغ مليار جنيه في حساب اتحاد الأطباء، وقد أغضب هذا القرار لجنة الأطباء المركزية وعدته خروجاً عن مسار الذي تم الإتفاق عليه الاتفاق ولا دخل لاتحاد الأطباء في تنفيذ بنوده. فيما شنت وزيرة الدولة بالصحة سمية أكد هجوماً عنيفاً على إضراب الأطباء وقالت في تصريح ورد في صحيفة “السوداني” بتاريخ ٢٠ أكتوبر إن الأطباء خالفوا القسم الطبي بعدم علاج المرضى، وأضافت “لايوجد اتجاه لإعادة تشغيل مستشفى الخرطوم”.
قرار رفع الإضراب
بعد يومه الثامن رفعت لجنة أطباء السودان المركزية الإضراب منذ الخميس الرابع عشر من أكتوبر الحالي في جميع مستشفيات البلاد. وجاء القرار بعد اجتماع ضم نائب الرئيس السوداني حسبو محمد عبد الرحمن ووزير الصحة الاتحادي بحر إدريس أبو قردة ولجنة الأطباء المركزية بوساطة كبار الإستشاريين ومجلس التخصصات الطبية.
ويقول مسؤول الإعلام في لجنة الأطباء حسام الأمين البدوي لـ(عاين) ان الإضراب تم رفعه بعد التوجيهات الرئاسية للجهات المعنية لتنفيذ الاتفاق الذي يشمل تهيئة بيئة العمل في (23) مستشفى من بينها (5) في العاصمة والبقية في الأقاليم، تحسين شروط تدريب نواب الاختصاصيين، سن قانون لحماية الأطباء، وإعادة المفصولين منهم بسبب الإضراب أو اعتصامات سابقة فوراً. ويضيف البدوي “المهلة بدأت منذ الخميس الثالث عشر من أكتوبر الجاري وسنعقد اجتماع الخميس المقبل لتقف الجمعية العمومية على ما حدث من تنفيذ”.
ويقول البدوي إن ضمان تنفيذ الاتفاقية سيتم عبر لجنة الوساطة التي تضم كبار الأطباء الاستشاريين ومجلس التخصصات الطبية ووزير الصحة الإتحادي وشدد على عدم مشاركة اتحاد الأطباء في الإجتماع. ويعتقد الكثير من الأطباء أن الاتفاق يمثل إنتصاراً ليس للأطباء وحدهم وإنما للشعب السوداني بأكمله.
الاتفاق بين نائب الرئيس ولجنة الأطباء
وكانت لجنة الأطباء قد أعلنت في ساعة متأخرة من يوم الخميس الماضي، أنها توصلت إلى مخرجات حول الموضوعات التي ناقشتها مع نائب الرئيس السوداني حسبو محمد عبد الرحمن، وهي:
وذكر البيان أن الرئاسة وجهت بتفعيل تنفيذ قانون الخدمة المدنية من جانب الاعتداء على الأطباء باعتبارهم موظفي خدمة مدنية وإلزام المستشارين القانونيين للمستشفيات بتولي الدفاع عن الأطباء في جميع القضايا التي تخصهم، إلى جانب توجيه رئاسي بسن قانون لحماية الطبيب والكادر الطبي. وشمل الاتفاق إصدار قرار من وزارة الصحة بتعديل عقد التدريب، وتحديداً الإلزام الزمني للنواب وفق لائحة التدريب القومي لتصبح لمدة (4) سنوات للابتعاث الداخلي على نفقة الدولة، والتزام الوزارة بكافة الرسوم للمبتعثين على نفقة الدولة، وتشمل التدريب، الكورسات المشروطة لنيل درجة التخصص واستخراج الشهادات للمتدربين، وقرار بدفع بدلات التدريب وفق اللائحة و بدل العيادة (250) جنيهاً سودانياً، وتبني ودعم مركز التدريب التابع لمجلس التخصصات الطبية في الخرطوم والولايات. وأوضحت اللجنة أن الاتفاق شمل أيضاً قراراً بإضافة نواب الاختصاصيين لحافز الكشف الموحد 2%، وأن يتم تصحيح الأوضاع للنواب في المستشفيات.
ومن ضمن القرارات إعادة جميع المفصولين ومن اتخذت ضدهم عقوبات إن وجدوا بما فيهم أطباء مستشفى كوستي، وتقديم دعم عاجل بمبلغ (1,500,000) جنيه لتهيئة استراحات الأطباء، ومعالجة قضية نواب أم درمان الذين تم اتهامهم بالقتل العمد بفصلها من ملف الجاني.
خلفية قصة الإضراب
بشكل روتيني، بدأ الطبيب محمد عمله اليومي في مستشفى امدرمان التعليمي، وعند انتصاف اليوم حضرت حالة طارئة لرجل تعرض للطعن في الصدر. وبعد الإسعافات الأولية كان المريض يحتاج إلى عملية قلب مفتوح مستعجلة. ليس لدى مستشفى امدرمان القابلية لإجراء مثل هذه العمليات الكبيرة، لذلك قرر الطبيب المعالج نقله إلى مستشفى الشعب في الخرطوم. لكن نتيجة للنزيف الحاد فارق المريض الحياة قبل نقله، وهذا ما أغضب أهله الذين حملوا المسؤولية للأطباء، وانهالوا عليهم بالضرب وتكسير معدات المستشفى، وقدر وزير الصحة الولائي قيمتها بـ(500) مليون جنيه.
الإعتداءات المتكررة على الأطباء أثناء العمل
وهذا الاعتداء لم يكن الأول الذي يتعرض له الأطباء خلال هذا العام، وأصبحت سنة متبعة. وفي اليوم التالي من الاعتداء على مستشفى أم درمان ضرب مواطنون أطباء في مستشفى بحري، ويقول العاملون في المستشفيات أن الاعتداءات تحدث من مواطنين عاديين وفي كثير من الأحيان من عناصر القوات النظامية عندما يتوفى قريب لأحدهم بسبب ضعف إمكانية المستشفيات. وهذا ما دفع الأطباء إلى تقديم مذكرة إلى وزارتي الصحة الولائية والاتحادية شملت إلى جانب المطالبة بحماية الطبيب وتوفير المعدات الطبية والأدوية المنقذة للحياة وتأهيل المستشفيات.
وبعد تسليم المذكرة إلى وزارة الصحة، أعطى الأطباء المسؤولين مهلة للرد عليها، ولكنهم تجاهلوها – بحسب لجنة الأطباء المركزية التي تقدمت بالمذكرة. ومن ثم اتخذت اللجنة قرارها باللجوء إلى سلاح الإضراب، وفي الخامس من أكتوبر، أعلنت لجنة الأطباء المركزية الإضراب عن الحالات الباردة، العادية والمتابعة في المرور اليومي والعمليات غير الخطرة في المستشفيات والمراكز الصحية، وتم استثناء أقسام الطوارئ والحوادث من الإضراب.
المطالبة بالحماية
يقول المتحدث باسم لجنة الأطباء المركزية الدكتور حسام الأمين البدوي لـ(عاين) ان الاعتداءات المتكررة على الأطباء لا يمكن السكوت عليها، إذ وصلت خلال الشهر الماضي إلى (8) حالات ويشير عدد من الأطباء إلى أن هناك حالات تصل إلى أقسام الحوادث نتيجة اعتداءات جسدية لأسباب مختلفة ولا يتم معالجتها إلا بعد استخراج الشرطة ما يعرف بـ “اورنيك 8″، ويقول “إستخراج هذا الورقة تأخذ بعضاً من الوقت ويمكن أن يفارق المريض الحياة … ومع ذلك يحملون الطبيب المسؤولية”.
ويرى الأطباء أن سلاح الإضراب وسيلة مجربة، ويقول البدوي أن وزارة الصحة كان موقفها سلبي في مواجهة الاعتداءات التي تتكرر على الأطباء، لافتاً إلى أن إصدار قانون لحمايتهم ليس لوقف الإعتداء عليهم وحسب، بل حمايتهم أمنياً ومن عدوى الأمراض أثناء تأديتهم للعمل التي يمكن أن يتعرض إليها الطبيب والعاملين في المجال الطبي، وينظر إلى أن بيئة العمل في المستشفيات رديئة للغاية.
الحكومة واتحاد الأطباء لا يعترفان بالإضراب
وتعتقد وزيرة الدولة في وزارة الصحة سمية إدريس في حديثها مع (عاين) أن الإضراب لم يؤثر في عمل المستشفيات التي واصلت أعمالها بصورة طبيعية. وتقول إن الوزارة أكملت النقص في أكثر من (60) مستشفى في العاصمة والأقاليم، وترى إدريس أن أعداد الأطباء الذين دخلوا الإضراب ليس بذلك الذي تتناقله وسائل التواصل الاجتماعي. وتضيف إدريس أن “القضايا التي تحدث عنها الأطباء في ما يتعلق تأمينهم وحمايتهم تعكف الوزارة مع الجهات المختصة الأخرى على حلها، وعدت منشور وزارة العدل الذي وجه بمعالجة الحالات الطارئة في أقسام الحوادث بدون الإجراء المحدد بـ ‘اورنيك 8’ سيمكن الطاقم الطبي من أداء دوره دون تعرضه للمسؤولية الجنائية”.
وكان رئيس إتحاد أطباء السودان عبد اللطيف عشميق قد قلل في تصريحات سابقة من لجنة الأطباء المركزية التي تقف وراء الإضراب، وقال إنها لا تمثل الأطباء وغير معترف بها. لكنه أكد أن المطالب بتحسين بيئة العمل التي تقدمت بها اللجنة المركزية، وجدت اهتماماً لدى وزارة الصحة ورئاسة الجمهورية، من جهة ثانية، يتهم رئيس النقابة العامة للمهن الصحية والطبية الدكتور ياسر أحمد إبراهيم الحزب الشيوعي السوداني بالوقوف وراء إضراب الأطباء واستغلاله قضاياهم العادلة لتنفيذ أجندته السياسية.
رقابة الصحف ودخول مستشفيات تابعة للقوات النظامية في الإضراب
وقد فرضت الأجهزة الأمنية رقابة مشددة على الصحافة ووسائل الإعلام للتعتيم طوال فترة إضراب الأطباء. ووجهت شبكة الصحفيين السودانيين بـالانحياز لمطالب الأطباء إحتجاجاً على تدني بيئة العمل الصحي بالمستشفيات العامة وطالبت في بيان لها الصحفيين بمتابعة مجريات الإضراب عن كثب ونشر التفاصيل في المواقع الإعلامية ووسائل التواصل الإجتماعي.
وفي آخر أرقام توضيحية، قبيل رفع الإضراب قالت اللجنة إن أعداداً متزايدة في إنضمام العيادات الخاصة إلى الإضراب، إضافة إلى مستشفيات تابعة للجيش والشرطة وجهاز الأمن. وشمل الإضراب في ولاية الخرطوم (26) مركزاً صحياً في مدينة امدرمان ومحلياتها، إلى جانب (7) مراكز صحية في مدينة بحري، و(4) مراكز في مدينة الخرطوم ومحلياتها. وفي ولاية نهر النيل شمل الإضراب (4) مراكز صحية في مدينة شندي، وفي ولاية النيل الابيض، شمل التأمين الصحي ويبلغ عدد النقاط والمراكز الصحية (12)، وبذلك كان عدد المستشفيات المضربة قد بلغت (86) مستشفى.
تردي في القطاع الصحي
مشكلة الأطباء تعد واحدة من المشكلات الكبرى في القطاع الصحي في البلاد، حيث عمد وزير الصحة بولاية الخرطوم مأمون حميدة على تجفيفالمستشفيات المرجعية الكبرى، مثل مستشفى الخرطوم التعليمي والاعتماد على الطرفية التي تفتقد لأبسط المقومات خاصة غرف العناية المركزة والأدوية المنقذة للحياة. ويقول الدكتور عمر الطيب أن التجفيف للمستشفيات المرجعية متعمد لصالح القطاع الخاص، ويشير إلى أن وزير الصحة يعد أكبر المستثمرين في هذا المجال حيث يمتلك مستشفى الزيتونة ولا يستطيع محدودي الدخل تحمل تكاليف العلاج فيه ويؤكد ان الاطباء يعملون في ظروف صعبة مرتبات متدنية متوسطها (1000) جنيه. وهذا ما دفع الأطباء للهجرة وقد وصل عددهم إلى (9) ألف طبيب في السعودية، وسجلت بريطانيا وايرلندا حوالي (3) ألف طبيب، ويقول ان صيدليات المستشفيات تفتقد الادوية المنقذة للحياة ولابسط ادوات العمل.
ويؤكد طبيب آخر في حديثه مع (عاين) أن (60%) من الأطباء يعملون خارج السودان، مشيراً إلى أن الأطباء السودانيين يمثلون بنسبة (14%) من الأطباء بالمملكة بنسبة تفوق الدول الأخرى، مما أثر على النظام الصحي بسبب فقدان كفاءات وفقد التدريب.
وباء الكوليرا يظهر تردي الأوضاع الصحية
قبيل إعلان الإضراب بدأ تفشي مرض الكوليرا في ولايات النيل الأزرق، كسلا ونهر النيل، وقد رفضت الحكومة إعلان حالة الطوارئ في المناطق التي إنتشر فيها المرض، بل اعتبرته “اسهالاً مائياً”، وساهم نقص الأدوية والتوعية في انتشار المرض خاصة في القرى. وأعلنت وزارة الصحة تسجيل (416) حالة إصابة بـ”اسهالات” توفى منها (17)، وان نظام الترصد المرضي رصد زيادة في عدد حالات الإسهالات في المناطق الطرفية في ثلاثة ولايات هي كسلا والنيل الأزرق ونهر النيل.
وكشفت لجنة الأطباء المركزية عن (99) حالة وفاة، في الأيام الأولى لظهور المرض، غالبيتهم في مستشفى الأطفال، والمراكز الطرفية، وفي مدينة الدمازين عاصمة ولاية النيل الأزرق توفي أكثر من (30) حالة وفاة للأطفال، بينما سجلت أكثر من (6) حالات وفاة في قسم الباطنية. وفي مدينة الروصيرص سجل مستشفى الأطفال والمراكز الطرفية أكثر من (45) حالة وفاة للأطفال من عمر شهر الى (15) عام، و سجل قسم الباطنية بالمستشفى أكثر من (18) حالة وفاة، وفقاً لبيان لجنة الأطباء المركزية.