– شبكة عاين – ٦ أغسطس ٢٠١٥ –
مرت اربعة اعوام على الحرب في منطقة النيل الازرق بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان شمال، ومازال المواطنون يعانون، فبعد التهجير الذي تعرض له حوالي 800 الف مواطن من السكان، واقحام فلذات اكبادهم عنوة في اتون الحرب بالتجنيد القسري، وصل الامر الى احراق القرى وتهجير ساكنيها في بادرة وصفت بانها الاعنف على الموطن منذ العام 2011، اضافة الى استخدام اسلحة محرمة دولياً، فضلاً عن تدهور الاوضاع الحياتية في معسكرات المابان، جندراسة، دندور، وموفو التي وصلت فيه الحياة الى انعدام كافة سبلها الرئيسية.
الالغام تودي بحياة العديد من المواطنين
تتمثل اكبر المخاطر على مواطن النيل الازرق في الالغام البشرية والتي اصبحت تتزايد في الاونة الاخيرة، فضلاً عن القصف المتزايد على المدنيين من قبل الطيران الحكومي، ويقول مراقبون لـ (عاين) إن الطيران التابع للجيش السوداني يستهدف المواطن اكثر من إستهدافه للجيش الشعبي التابع للحركة الشعبية – شمال، وتشير معلومات من النيل الازرق الى أن الالغام البشرية أودت بحياة عدد كبير من المواطنين في الفترة الاخيرة كان اخرها حادث منطقة (قلدمول) التي وقع فيها إنفجار صبيحة الثاني من يوليو الماضي، وقد تسبب في تفجير عربة لنقل المواطنين وادت الى وفاة كل من (جدو كمندان، ومحمد هارون، ابوشوك ادوك، الشيخ سردار وليد مطر)، واصابة كل من المواطنين (سليمان بونج، عبد الله عمر، العجب بونج، على جافدار، مارنجان خليفة، وعوض خليفة)، و تجدر الاشارة الى المواطنين كانوا في طريقهم الى قرية (ديرنق) لجلب بعض مواد البناء المحلية.
تحريم وانتهاك
وفي اول تعقيب على الحادثة اعرب مركز النيل الازرق لحقوق الانسان عن اسفه من الاستهداف الممنهج الذي بات يتعرض له المواطن البسيط، ويقول سليمان حامد عثمان المدير التنفيذي لـ(عاين) ان استخدام الالغام المضادة للبشر بات سلاحاً اخر من الاسلحة المحظورة دولياً، ولكن لم تزل الحكومة السودانية تستخدمه بجانب القصف الجوي، كاشفاً عن ضبط شاحنتين محملتين بالالغام المضادة للبشر في العام 2013 تتبع للقوات المسلحة السودانية مما يعتبر انتهاكأ للمعاهدة الدولية لحظر الالغام.
من جانبه رفض اللواء معاش الخير الفهيم استخدام الالغام البشرية في حرب لاطائل منها غير تشرزم البلاد، ويقول لـ(عاين) عبر الهاتف من مقره في مصر ان الالغام المضادة للبشر فوق انها محرمة وفق المواثيق الدولية، فان لها اثار جانبية مدمرة لايمكن حصرها، ويضيف (عملية زرع الالغام تتم بخطة هندسية ينفذها احد افراد الجيش مما يصعب نزعها الا بواسطة الشخص الذي قام بزراعتها تحت الارض لانه الوحيد الذي يعرف الخرطة الجغرافية لها)، ويتابع (في حال وفاة من زرع اللغم او تمت احالته للصالح العام فمن الصعب نزع الالغام حتى وان تم توقيع اتفاقية السلام)، ويشير الى ان الالغام تستهدف كل من يطئها ان كان انساناً اوحيوان، ويقول (لذلك تم تحريمها دولياً لانها ضد الحياة).
وطالب الفهيم الذي شغل من قبل منصب رئيس ادارية منطقة ابيي من الجانب السوداني القوات المسلحة عدم اللجؤ الى اساليب تجاوزها التاريخ واصبحت تصنف ضمن ادوات الابادة الجماعية في الحرب، ويقول وان الحرب الدائرة في السودان تعتبر حرب اهلية بسبب الخلافات السياسية وتمسك الحكومة بجانب البطش لتروض خصومها، وهو ما فشلت فيه في جبال النوبة والنيل الازرق، واستدرك قائلاً (النظام الحاكم فقد البوصلة لذلك يستخدم قاعدة علي وعلى اعدائي).
نازح يروى ماساة الحريق
تفاجاً مواطنو قرية (الجبل) في النيل الازرق بحريق يلتهم قريتهم دون ان يتعرفو على المصدر مما اضطرهم الى النزوح، ويروي المواطن سليمان الشارتاي من القرية قصته لـ(عاين) بقوله (في صبيحة احدى الايام وفي الثالثة صباحاً بالتحديد شعرنا بهواء ساخن جدا يدخل علينا، قمنا من النوم فوراً، شاهدنا النار تشتعل في القش ولامجال غير الهروب … وقد هربنا)، ويضيف (اي شخص منا حمل الحاجات التي في قدرته حملها من البيت واخرجنا الاطفال، في اللحظة دي سمعنا ضرب ذخيرة من الجهة الشرقية من ثم تحركنا في الاتجاه المعاكس عشان نحمي الاطفال)، ويقول ان المفاجاة كانت عملية التوقيف من قبل قوات رسمية للاستجواب والتحري، قد تم منع البعض من مغادرة القرية.
ويشير الشارتاي الى ان المواطنين تحركوا من القرية وهربوا في اتجاهات مختلفة وانه اتجه نحو مدينة الروصيرص، ويقول انه وصل مع اسرته الى الروصيرص بعد عدة ايام سيراً على الاقدام وفي بعض المناطق استطاعوا ان يجدوا سيارات، ويتابع (لقد التهم الحريق كل شئ كاشفاً ان الحريق لم يستثنى شي منازل على دكاكين)، ويقول في حسرة (شاهدنا بلدنا تحرق امام اعيننا دون معرفة المصدر حريق وسلاح… رغم علمنا التام بأننا في منطقة حرب الا اننا لم نتوقع ذلك لقربنا من مناطق الحكومة).
اتهامات المجتمع المدني
واتهم مركز النيل الازرق لحقوق الانسان الحكومة السودانية صراحة بحريق قرية الجبل استعداداً لمعارك ضد الحركة الشعبية شمال، ويقول سليمان عثمان المدير التنفيذي لمركز النيل الازرق لـ(عاين) ان مصادرهم اكدت انه تم احراق وتدمير قرية (مديم الجبل) بالكامل في يومي الحادي عشر والثاني عشر من شهر مايو المنصرم، وقد ادى الحريق الى اضرار بالغة حيث تضررت (6 الف) اسرة مايزيد عن (30 الف) مواطن، موضحاً إن المركز قام بتوثيق عدد من شهادات المواطنين الذين اكدو احراق كافة المرافق الصحية فضلاً عن حملة الاعتقالات الواسعة التي قامت بها قوات الاستخبارات التابعة للحكومة.
وقد انتقد عثمان تعنت الحكومة السودانية في موقفها الرافض بالسماح للمنظمات الانسانية الدولية ومنظمات الامم المتحدة من الوصول وتقديم العون الانساني للنازحين الذين فروا الى مناطق (العزازة، شانشا، ود اوفوي، بيضاء وام بارد شمال الرصيرص)، بينما لجأت مجموعات منهم الى منازل ذويهم بالدمازين والرصيرص.
ولمعرفة جانب الحكومة حاولت (عاين) الاتصال بالحكومة الولائية لمعرفة ردها حول الحادثة، ولكن كافة محاولات الاتصال بأت بالفشل بسبب عدم إستقبال الهواتف.
هذا وسيظل مواطن النيل الازرق عرضة للاستهداف من قبل الحكومة السودانية في ظل استمرار الحرب الدائرة، حيث ان الخاسر الاكبر من هذه الحرب هو المواطن، في ظل الصمت الدولي المريع بفضل التعتميم الممارس من قبل الخرطوم التي تظهر واقعا مغاير للمراقبين، في الوقت الذي يفتفر فيه الانسان لابسط مقومات الحياة، وليست هناك حلول الا بالضغط على الحكومة السودانية لفتح ممرات امنة لايصال الاغاثة للمتضريين.