تقرير: شبكة عاين 13 سبتمبر 2017
بعد إندلاع الحرب في جنوب السودان بين فصيلي الحركة الشعبية، تدفق المئات من المدنيين إلى دول الجوار، و كان السودان أكبر مستقبل للفارين من الحرب؛ بحكم حدوده الجغرافية مع دولة جنوب السودان الوليدة؛ التاريخ المشترك بين الشعبين، حيث إنفصل جنوب السودان في العام 2011، بعد أن صوت لحق تقرير المصير، ولكن بعد الإنفصال توترت الأوضاع بين البلدين، وصلت مرحلة الاحتراب. لكن الحكومة السودانية أدارت وجهها لشعب جنوب السودان، الذي ما إنفك يدفع فاتورة الإستبداد والبطش والتنكيل، من كل الحكومات قبل وبعد الانفصال، بدرت هذه المرة بوادر إستعلاء عنصري ممنهج، يتهم الجنوبيين بإدخال بعض الأمراض كـ(الكوليرا)، وتعدى ذلك إلى عدم إحترام حقوق اللاجئين، حيث قامت مليشيات الحكومة السودانية بإستخدام اللاجئين سخرة لخدمة مشاريعهم الشخصية، إلى أن وصل الأمر إلى حادثة (خور الورل) بولاية النيل الأبيض، والتي خاضت فيها وسائل الإعلام المملوكة للدولة، وغيرها، خوض يندرج تحت إطار العنصرية.
وبالرغم من أن السودان يمر بذات الظروف، بسبب الحرب المشتعلة في ثلاث مناطق، والتي تتدفق على إثرها عدد كبير من اللاجئين، إحتوتهم جنوب السودان! دون أن تُمارس عليهم ذات الممارسات، سوى بعض التفلتات التي شاع إنها بإيعاز من الحكومة السودانية في منطقة المابان التي تستضيف أكثر من 35 ألف لاجئ. كانو قد فروا من الحرب في النيل الازرق.
أسئلة بدون إجابات
ويشكى لاجئو معسكرات النيل الأبيض من سوء التعامل، الذي وصل إلى حد الإهانة حسب مدينق شوانق دينق، الذي قال لـ(عاين) (أصبحنا نحاسب على كل شى حتى من قبل المواطنين)، موضحاً إنه في الفترة القريبة الماضية كان الناس يتعاملون مع كل الجنوبيين بأنهم ناقلي لمرض الإسهالات المائية (الكوليرا)، في الوقت الذي لم يصاب فيه سكان المعسكر بهذا المرض، مقارنة بالمصابين بعموم الولاية. وعلقت على هذه الجزئية الكاتبة أجوك عوض قائلة لـ(عاين): (فيما يخص نقل الأوبئة؛ تحديدا الكوليرا، الجهات المسؤولة عن الحقل الطبي والصحي علي أعلى مستوياته مُمثل في السيد وزير الصحة الإتحادية، كان قد نفى رسمياً المزاعم والإتهامات التي حملت اللاجئين الجنوبيين تفشي الوباء، لأنه في ذلك الحين لم ترصد حالة إصابة واحدة داخل معسكرات الجنوبيين، أضافت:(من جهة أخرى وبحسب ما أعلن أن سبب الوباء هو تعرض الماء للتلوث)، وعرجت أجوك مباشرة بالحديث لحادثة خور الورل قائلة: (فيما يخص تهمة الإعتداء والإغتصاب بخور الورل، بالرغم من اللغط الكثير حولها وما ترتب عليها من ردود أفعال عنيفة، بوضع كل اللاجئين الجنوبيين في دائرة الذنب لم ترد أي جهة رسمية أو غيرها بدليل يقطع الشك باليقين، وهو ما يفتح الباب على مصراعيه حول هذه الحادثة)، وأضافت قائلة: (حتى المفوضية السامية لشئون اللاجئين في بيان لها بخصوص حالة الشغب الذي إندلع في المعسكر كرد فعل لما تعرض له طفل داخل المعسكر، لم تشير أو تذكر حادثة الإغتصاب، نفيا أو تأكيداً، الأمر الذي يثير الكثير من الإستفهامات؟ و حتي لو افترضنا جدلا بأن الواقعة صحيحة، لماذا لا يحاسب الجناة بالقانون! بدلاً عن الإستهداف المنظم للكل؟!). ويطالب مِدينق بالتحقيق الدقيق حول هذه الحالة، لأن ما نجم عنها من أضرار كان ضحيتها اللاجئين.
أوضاع مهينة بالكرامة
بلغ عدد لاجئي جنوب السودان 80,000 في السودان، مع إنعدام المعسكرات الكافية لإستيعابهم، الأمر الذي أدى إلى قيام بعض منهم بأعمال هامشية، مثل حراسة البنيات الجديدة دون مقابل بُغية السكن. ففي شرق دارفور ظل اللاجئين في حالة تدفق مستمر مع إنتشار الأطفال في سن التعليم وسط المدن بحثاً عن مأكل ثم مرقد. وتصف الكاتبة أجوك عوض موقف الحكومة السودانية من فتح المزيد من المعسكرات بالنِغمة (الإبتلاء)، وقالت لـ(عاين): (لا يمكن فتح معسكرات جديدة، لأن السيد الرئيس عمر البشير عقب إندلاع الحرب في دولة الجنوب، وإشتداد أوارها الذي أدى إلى تدفق اللاجئين للسودان، كان قد صرح في تصريحاته المشهورة، بإنه سيستقبل الجنوبيين كاخوة، و إنه لا يريد فتح معسكرات جديدة، ولن يعتبرهم أجانب، وإنما يعاملون معاملة الإخوة، ، تلك التصريحات الرئاسية وجدت إستحساناً وترحيبا كبيراً من قبل الجنوب سودانيين.
لكن ولأن الحقائق علي خارطة السياسة والواقع لا تعترف إلا بالمعطيات الموجودة، لم تلبث تلك التصريحات،أن تحولت من نعمة إلى نقمة، لأنها لم تكفل بموجبها للاجئين الجنوب سودانين توفير الإعانة المطلوبة، ولا صيانة حقوقهم الذي أقرتُه المنظمات الدولية وفقا لحالتهم وضعهم و ظروفهم المعروف، وتسدرك أجوك قائلة: (لم أعني ذلك أن الحكومة السودانية لم تستطيع وإغاثة اللاجئين الجنوبيين، ولكن السودان يعيش ظروف مشابهة في بعض أجزائه، بمعنى أن هناك ضغوط وحاجة ماسة داخليا، مما يؤكد إستحالة القدرة على تغطية إحتياجات اللاجئين الجنوبيين في ظل شح الإمكانيات).
عجز وتجاوزات قانونية
وتضيف أجوك: (نعلم أن هناك منظمة سودانية، وهي الهلال الأحمر تجتهد في إيفاء المطلوب، ولكنها لن تستطيع تغطية العجز، وما تقدمه مع الشكر قليلا جداً جداً، و لا شك أن الأمر كان سيبدو مختلفاً لو تم الإعتراف من قبل السلطات بأن اللاجئين الجنوبيين يتم إيكال أمرهم للمنظمات المناطة بحالتهم، لأن الأوضاع الإنسانية في المعسكرات متردية و مزرية و مهينة للكرامة الإنسانية)، وترى أجوك بأن السلطات في النيل الأبيض تبرر الكشات الخاصة بالجنوبيين في الولاية بأنها حملات تنظيم! اذ أن المعسكرات هو المكان الطبيعي لحالات اللجوء، ولكنها تؤكد أن القانون الدولي لا يجيز تجوال و تنقل اللاجئين داخل البلد المستضيف، ولكن تصريحات الرئيس المار ذكرها جعلت من وضع اللاجئين الجنوبيين موقف إستثنائي، إذ تقول: (فلا يمكن أن يتم وفق ما يحكم الهوى معاملتهم كأجانب في موضع، وإعتبارهم مواطنين في مواضع توافق المزاج العام).
وتمضى أجوك قائلة: (نقل اللاجئين إلى المعسكرات تترتب عليها الكثير من المعاملات القانونية والحقوقية والإنسانية، إبتداءاً بتجميعهم في حراسات تفتقر لأبسط المقومات الانسانية؛ وحبسهم لأيام بقصد زيادة العدد، توطئة لترحيلهم إلى المعسكرات، بالإضافة لما يتعرضون له من سوء معاملة، وفقاً لروايات بعضهم). وترى أجوك بأن الحل يكمن في الإعتراف بهم كأجانب ولاجئين، عدا ذلك فإن الصورة تبدو شائِحة، فضلا عن توفير جو مناسب لتشفي لاسيما و أن هناك من يري ضرورة معاقبة الجنوبي لإختياره الإنفصال، لذلك تجد من يردد بأنهم ذهبوا وعادوا مرة أخري، في إيحاء إلى أن اللجوء مسبة و منقصة.