العنصرية ضد السودانيين في الشارع المصري

العنصرية ضد السودانيين في الشارع المصري١ كتوبر ٢٠١٣

“الشارع المصري سيء!” تقول أحلام صالح، وهي ناشطة حقوقية سودانية: “أبناؤنا يتعرضون لمضايقات في المواصلات العامة وأثناء سيرهم فى الشارع. مصر تغيرت كثيراً إلى الأسوأ منذ ثلاث سنوات. بعض المصريين يروا أننا جزء من أسباب الأزمة الاقتصادية التي تعيشها مصر، وهذا كلام غير صحيح اطلاقاً”.

لم يتوقف السودانيون عن التدفق إلى القاهرة منذ التسعينيات من القرن الماضي. سواء الهاربين من الحرب، خصوصاً مع تدهور الأوضاع الأمنية في إقليم دارفور، أو الفارين من التدهور الاقتصادي والقبضة الأمنية التي لاحقت المعارضة السلمية. وتبقى معاناة اللاجئين السودانيين مضاعفة بسبب مظاهر العنصرية والإقصاء التي تبرز إلى السطح في مواقف وأحداث متفرقة في الحياة اليومية للمجتمع المصري.

“جئت من السودان من أجل إنقاذ والدتي المعاقة. لكن مفوضية اللاجئين عجزت عن تقديم المساعدة لها لأنها دون الستين عاماً”. هكذا تقول ميمونة سليمان، والتي لجأت إلى مصر نظراً لظروفها الاقتصادية. لكنها واجهت صعوبات كثيرة فى الحصول على عمل: “فالمهن المتاحة هي الأعمال المنزلية ولا أرغب العمل بها. نسبة لسوء معاملة المصريين تجاة [ذوي] البشرة السمراء”.

يقول نجم الدين وهو لاجئ سوداني: “بعد الأحداث والاحتجاجات التي شهدتها مصر أصبحنا نواجه مشكلة أمنية ومضايقات فى الشارع أحياناً تصل إلى الاعتداءات الجسدية”. الأمر الذي يحيله الكثير من اللاجئين إلى تفشي العنصرية تجاه الأفارقة. تضيف ميمونة : “كثيراً ما أسمع في الشارع المصري عبارات مسيئة مثل: ضلمة، يا سودة، وغيرها، إلا أنني لم أعط الأمر أدنى أهمية”.   

“التمييز العنصري يحاصرنا في كل ناحية. نجده فى الشارع والمؤسسات الحكومية والمعاملات اليومية وتوجه لنا أسئلة استفزازية وإساءات عنصرية”. يقول الدومة حنظل وهو ناشط سياسي سوداني. الذي يرى أن العنصرية في مصر سياسة ضمنية لا تقتصر على المواطنين: “السلطات المصرية وبعض المؤسسات لا تعترف ببطاقة اللجوء، ويتم تمزيقها أحياناً، وكثير من اللاجئين السودانيين أتهموا بتهم مفبركة تعرضوا من خلالها إلى التعذيب والسجن أو الترحيل قسراً إلى السودان”. مشيراً في ذلك إلى حالة عبد المنعم سليمان، الناشط السوداني الذي تم ابعاده عن مصر في ظرف مشابه العام الماضي.

يقول ياسر آدم، وهو لاجئ سوداني آخر: “خرجت من دارفور بسبب ظروف الحرب بحثاً عن ملاذ آمن. إلا أنني فوجئت فور وصولي إلى مكتب المفوضية السامية لشئون اللاجئين [ بالقاهرة ] بالتعامل مع اللاجئين حسب اللون والشكل، وما يؤكد ذلك أن اللاجئ السوداني لا تقدم له مساعدات مالية مثل غيره من اللاجئين”. وهو ما يدفع بعضهم إلى العمل، تقول ن.ع : “جئت إلى القاهرة عام 2008 هرباً من الحرب فى دارفور وبطش النظام السوداني، واجهتني صعوبات كثيرة منها صحية بسبب اختلاف المناخ الذي سبب لى مرض الروماتيزم، وارتفاع مادة الكلور في الماء تسبب فى إصابتي بمرض الكلى. كما واجهتني صعوبة فى العمل”.

 

رغم الصعوبات يواصل الكثير من اللاجئين البحث عن عمل في ظروف قد لا تلائم خبراتهم الوظيفية أو مستواهم الأكاديمي. تواصل ن.ع. الحاصلة على درجة الماجستير بالقول: “أعمل عاملة نظافة لمدة ثماني ساعات يومياً .. خلالها لا تقدم لنا سوى وجبة تتكون من كوب شاي صغير ونصف رغيف، والأجر الذي أتقاضاه لايكفي احتياجاتي من إيجار الشقة والمصروف اليومي”.

ولا يبدو أن هذا هو رأي اللاجئين وحسب، ولكن حتى المتخصصين في شئون اللاجئين يشاركونهم الرأي نفسه. يلقي نزار صالح، وهو ناشط حقوقي سوداني جاء إلى مصر لاجئاً، باللائمة على الحكومات. فيقول: ” التمييز العنصري ضد السودانيين فى مصر يتم بصورة واضحة بالرغم من توقيع اتفاقية الحريات الأربعة بين مصر والسودان، والتي تضمن لشعب البلدين حرية التنقل والعمل والتعليم والاعاشة، وهو ما لم ينفذ على أرض الواقع”. مشيراً إلى أن معظم السودانىين يواجهون صعوبة فى إيجاد العمل المناسب حسب شهاداتهم العلمية وخبراتهم، مما يضطرهم إلى العمل فى وظائف هامشية كعمال نظافة أو بوابين، إضافة إلى التمييز في أجور العمال السودانيين مقارنة بين أقرانهم من الدول الأخرى، وهو الدافع الأكبر للحصول على الإعانات. لكن هذا قد لا يبدو كافياً في حالات الأسر. حيث تتقاضى الأسرة من منظمة كرتاس – وفقاً لنزار – مبلغ يقدر ما بين  800 إلى 900 جنيه مصري فى الشهر. “وأحياناً قد تصل إلى شهرين فأكثر، وهذا لايكفي لإيجار شقة والإحتياحات الضرورية الأخرى”. وهو ما يدفع اللاجئين للسكن في الضواحى.  

 

إلا أن المشاكل لا تنتفي عند حصول الأسرة على سكن زهيد. يضيف نزار : “إن السكن فى المناطق الهامشية يعرض أطفال السودانيين لمزيد من المخاطر والإضطهاد بألفاظ العبودية والرق. مثل مناداتهم: “شكولاته، سمارة” وغيرها من العبارات العنصرية أثناء سيرهم وعودتهم من والى المدارس، ويزعم نزار أن البحوث التي أجريت وسط الطلاب السودانيين كشفت ان نسبة عالية من الطالبات تعرضن لتحرشات جسدية وممارسات سيئة من قبل بعض الطلاب المصريين.

يتفق مع هذا الرأي د. إبراهيم السيد، وهو طبيب نفسي مصري يعمل بمنظمة تقدم الدعم النفسي والاجتماعي للاجئين بالقاهرة : “نعم توجد عنصرية واضحة في التعامل مع اللاجئين السودانيين” مشيراً إلى تصاعد هذه الممارسات : “تزايدت شكاوى اللاجئين السودانيين منذ فترة بعد تصاعد نبرة الخلاف مع أثيوبيا حول سد النهضة”.  وهو يرى أن العنصرية لا تستهدف السودانيين وحدهم بل الأفارقة إجمالاً. حيث تتعامل منظمته مع مجموعات عرقية مختلفة من اللاجئين كالأريتريين والصوماليين ومجموعات من قبيلة الأورومو الأثيوبية.

لا يمتلك د. إبراهيم أرقاماً واضحة عن أعداد اللاجئين، لكنه يرى أن النسبة الأكبر من اللاجئين الأفارقة في مصر هي من السودانيين، يعاني أغلبهم من مظاهر العنصرية. يقول إبراهيم : “تم تسجيل رصد حالات اعتداء متكررة داخل محطات المترو والشوارع ضد الأفارقة عموماً بصورة أكثر من المعتاد من تعليقات عنصرية. بل يصل الأمر لاشتباكات واعتداءات”. متفقاً في ذلك مع نجم الدين، حيث يرى إبراهيم أن المشكلة الأكبر مؤخراً هي الإنفلات الأمني. “يتعرض عدد من اللاجئين السودانيين للسرقة بالإكراه، وتتهاون الشرطة المصرية في التعامل مع المحاضر أو التحقيقات. ما يجعل من اللاجئ ضحية للسرقة والاصابة وضياع حقه في إثبات الضرر” ملمحاً إلى أنه ينجم عن بعض هذه الاعتداءات حالات وفيات بهدف السرقة. “على الرغم من كل هذه الحوادث فاللاجئ السوداني يتم معاملته كالمواطن المصري في  حقوق مثل التعليم أو العلاج أو العمل”. يستدرك إبراهيم.  

تحاول أحلام الوصول إلى مقاربة متوازنة إلى حد ما لا تلقي فيها باللائمة على المصريين، حيث تقول : “أرى أن الشارع المصري يحتاج إلى توعية، ولا أظلم بعض المصريين المتعلمين المثقفين فهم على دراية بعادات وتقاليد السودانيين، فنحن مستقرين في بلادنا. إلا أن الظروف السياسية والأمنية تسببت فى خروجنا إلى مصر، فعلى المصريين معرفة معنى “مصر أم الدنيا”  ليس للمصريين فحسب، بل للعالم العربي على وجه العموم”.

إن حظر التمييز العنصري مذكور في جميع الصكوك الدولية لحقوق الإنسان. وهذا يلزم جميع الدول على إستئصال التمييز العنصري في النطاقات العامة و الخاصة. ولكن رغم وجود هذه المواثيق و التشريعات إلا أن التمييز العنصري والإثني و كراهية الأجانب وخاصة اللاجئين أو المهاجرين تشكل أحد مصادر العنصرية المعاصرة. اللاجئين السودانيين فى مصر دلالة حية على ذلك. فإتفاقية الحريات الأربعة، حق التنقل، السكن، الإعاشة و العمل، التي وقعت بين مصر و السودان كان لها أن تخفف من حدة التمييز العنصري الممارس فى المؤسسات المصرية و الشارع المصري. إلا أن تجارب أغلب من شملهم التحقيق تدل على أن الإتفاقية لم تطبق على أرض الواقع و العنصرية جزء من الحياة اليومية لدى اللاجئين السودانيين فى مصر.