الرياضة النسوية في السودان في تحديها للتوجه الحضاري
وصفت نشاطات في المجتمع المدني مباراة كرة القدم النسائية التي اقيمت في ملعب التنس جوار مطار الخرطوم الدولي في الاسبوع الاول من شهر نوفمبر الجاري بانه انتصار للمرأة وللرياضة النسوية التي انحسرت في العشرين عاماً الاخيرة بعد وصول الاسلاميين الى السلطة عبر الانقلاب العسكري في يونيو العام 1989 بقيادة عمر البشير ، وتبني الانقلابيون ما اسموه المشروع الحضاري بغرض صياغة الانسان السوداني من جديد ، بحسب فهم الاسلاميين ،ووصف ذلك المشروع بانه يعادي المرأة السودانية بالدرجة الاولى ولذلك تمت مواجهته بشتى السبل .
مطالب باقامة ملاعب كرة القدم للفتيات
وأكدت الناشطات في حديثهن مع (عاين ) ان هناك تجاهلاً من الجهات الرسمية لاسيما الاتحاد السوداني لكرة القدم ووزارة الشباب والرياضة بشان اللعبة الاكثر شعبية في السودان، وطالبن بالاعتراف باللعبة وممارستها وتشجيعها ودعمها مالياً ومعنوياً .
وقد شهدت المباراة التي اقيمت في نادي التنس بالخرطوم حضوراً لافتاً من الرجال والنساء على حد سواء ، وحمل البعض الدفوف للتشجيع وقوارير المياه الفارغة وتجاوب الجمهور مع الاهداف الخمسة التي احرزت في اللقاء، ويقول الكثيرون الذين حضروا مباراة سابقة في صالة هاشم ضيف الله ، ان المباراة التي شهدها نادي التنس مختلفة من حيث الحضور والاداء الفني في اللعب ، وان هناك تطور في المستوى الفني خاصة هذه الاهداف التي تم احرازها وحضور الرجال بشكل كبير في المباراة الاخيرة ، وتعتقد الناشطات ان حضور الرجال للمباراة يعطي دافعاً قوياً ودعماً لاستحقاقهن الدستوري والقانوني في مواجهة السلطات التي ترفض منح النساء حق هذا النشاط والاهمال المتعمد الى جانب الفتاوى التي تصدر من الهيئات الدينية التي علاقة بالسلطات .
مساندة رجالية للرياضة النسوية
وأبدت عدد من المشجعات سعادتهن بمشاهدة كرة قدم نسائية تحت الاضواء الكاشفة وفي ملعب مفتوح امام الجمهور ، بل ان بعضهن أكدن انهن سيرسلن بناتهن الى الفرق النسائية ، وطالبن الاعتراف الكامل بحقوق النساء والفتيات فيما يتعلق بممارسة كافة ضروب الرياضة ومشاهدتها ، وشكل الحضور الرجالي والتشجيع منهم للعبة حافزاً للنساء والفتيات بان ذلك يمثل سنداً لهن خاصة انهن يواجهن ضغوطاً كبيرة وهجوم واسع من المجتمع والسلطة في عدم الاعتراف بممارسة كرة القدم للفتيات .
وتقول احدى مشجعات كرة القدم النسائية لـ ( عاين ) ان ممارسة النساء لكرة القدم ليست بالامر الجديد في السودان حيث كانت الميادين والساحات في السابق (تضج) بالنساء حيث مارست المرأة كل انواع الرياضة وحققت نجاحات في ذلك، ويمكن ان الاشارة الي عدد من اللاعبات عديدة في مجالات الرياضة المختلفة والتحكيم وغيرها ، وتضيف ( لكن في السنوات الاخيرة تراجعت الحركة النسوية الرياضية بسبب سياسية النظام التي تصادم الرياضة النسوية وكانت سبباً في انتكاستها وتراجعها بشكل واضح والنموذج الواضح كان في القرارات الحكومية السابقة عام 2000 والخاصة بمنع النساء من العمل في الطلمبات وتحديد مقاعد محددة للنساء في المركبات العامة وارتداء زي محدد) .
تضمين حق ممارسة اللعبة في الدستور
من جانبها تقول رئيسة الاتحاد النسائي السوداني عديلة الزئبق لـ ( عاين ) ان المرأة السودانية انتزعت حقوقها في كل المجالات بما فيها الرياضة ، وتضيف ان الرياضة النسوية لم تجد الدعم من الحكومة ومع ذلك فان النساء حققن نجاحات في مجال الكرة مثل اول امراة تمارس التحكيم في كرة القدم في المنطقة العربية والافريقية وهي ( منيرة ) وبلقيس خميس التي نالت الشارة الدولية ، مطالبة دعم الرياضة النسوية والاعتراف بها وتضمينها في الدستور.
ومن نحيتها تقول الناشطة زهرة حيدر ان فريق التحدي النسائي تم تأسيسه في العام 2001 بملاعب كمبوني في الخرطوم بقيادة المدربين جوزيف إسكوباس ومايكل اركانجلو،حيث تم تجميع اللاعبات من شتي المناشط الرياضية داخل ملاعب الكمبوني ، وتشير الى ان كثرة المناشط الرياضية الاخرى فقد تم تخصيص يوم واحد في الاسبوع لمنشط كرة القدم ، وتضيف ان عدد الفتيات اللائي يمارسن المنشط وصل الى (52 ) لاعبة في ذلك الوقت وان ذلك يدل على شعبية اللعبة وسطهن ، واوضحت ان تاهيلاً قد تم لبعض اللاعبات في فريق التحدي لفترات تدريبية كمدربات من قبل الاتحاد الدولي لكرة القدم ( الفيفا ) ، والمركز الثقافي البريطاني والاتحاد الافريقي حيث نالت اللاعبات الرخصة(سي) لاعبات فريق التحدي . وتقول حيدر ان البداية كانت بإلزام اتحاد كرة القدم العالمي (الفيفا) لكل الدول الاعضاء بتكوين فرق كرة قدم رياضية ، وتضيف ان نظام الحكم في السودان رغم انه إسلامي الا انه أٌقر بالخطوة على مضض ، وتشير الى ان الحكومة إشترطت إرتداء الزي الشرعي (ترنيق وتشيرتات بأيادي طويلة وطرحة ) الى جانب ممارسة اللعبة في صالات مغلقة على النساء فقط دون مشاهدة من الرجال ، وتقول ( كما ان الحكومة اشتطرت أجواء تربوية تراعى ما اسمته القيم والتقاليد ) .
تجارب نسائية ونظرة المجتمع
اما كابتن الفريق سارة إدورد فقد اشارت الي صعوبات عديدة واجهت الفتيات في لعبة كرة القدم مثل نظرة المجتمع لفكرة ان الفتاة تمارس لعبة كرة القدم الي جانب نقص المعدات الرياضة وعدم إعتراف المجتمع الذكوري بهن، وبشأن تجربتها الشخصية تقول سارة ان اسرة تمارس الرياضة ، لكنها اشارت الي صعوبات ومشاكل واجهت عدد كبير من اللاعبات في الانضمام للفريق بسبب رفض المجتمع للفكرة عموما .
فيما تقول إبتهاج حفظ الله وهي إحدى لاعبات الكرة انها واجهت في بداياتها النظرة الضيقة من قبل المجتمع ومحاولة حصرها بين اربع كلمات انها (أنثى) فقط ، وتضيف ( انا من منطقة محافظة في السودان لذا كان الأمر صعباً جدا بالنسبة لي لكي أمارس رياضة كرة قدم ) ، وتقول (ومع ذلك فان اسرتي تتفهم حقي في لعب الكرة ) .
من جهتها تقول اللاعبة فاطمة القدال ان كرة القدم بالنسبة لها هواية وعشق للعبة ، وتضيف (نحن نمارس كرة القدم مثلنا مثل رصيفاتنا من السيدات في الدول الاخري ولا نقل عنهن في شي ولدينا القدرة علي تقديم مستويات فنية جيدة) ، ودعت المجتمع لمساعدتهن والوقوف الي جانبهن لكي يستطعن الوصول الي تكوين منتخب قومي يمثل السودان في المحافل الاقليمية والعالمية.
ومن جانبها تقول الناشطة انتصارالعقلي في حديثها لـ(عاين) ان ممارسة المراة لكافة ضروب الرياضة لاسيما كرة القدم قديمة وعريقة وكان اداءها الفني جيد ولديها مهارات فنية ممتازة وكان ذلك قبل الحكومة الحالية ، ولفتت الي ان الرياضة كانت متاحة للفتيات في المدارس والجامعات في ظل تنافس كبير لكن ذلك تراجع اليوم بسبب هذا النظام الذي بدأ عداءه على النساء لا سيما في الرياضة وتحديد زي للفتيات بان يكون ( بنطلون وفوقه بنطلون بدلا عن الشورت بجانب ارتداء الطرحة) ، واعتبرت ان النظرة الجسدية للمراة امر متخلف ، وتشير الى ان ذلك لم تكن ظاهرة كما في الوقت الراهن ، وشددت على ان كرة القدم النسائية نوع من الرياضة لا تحتاج الي ارتداء لبس طويل كما تطالب به السلطات الحكوية .
اعتراف حكومي وجدل برلماني وتحدي امام النساء
ومن جهتها ترى المدير التنفيذي لمركز الرؤية للدراسات النسوية تغريد عووضة إفتتاح صالة لممارسة الرياضة النسوية مؤخراً من قبل النائب الاول لرئيس الجمهورية بكري حسن صالح اقراراً من الحكومة للنساء بممارسة كرة القدم ، وتقول ( هذا اصبح واقعاً والتخوفات والفتاوي الدينية تلاشت وليس هناك ما يخيف الفتيات من ممارسة كرة القدم ) ، وشددت علي ضرورة ملء الفراغ الناجم عن غياب الحكومة في مضمار كرة القدم النسائية وفشلها الذريع في ذلك ، وتضيف (نجحنا في تحقيق المناصرة والتحريض علي انتزاع الحق في ممارسة كرة القدم للفتيات حيث صارت واقعاً معترفاً به) ، وتقول ( لقد التقينا بالاتحاد المحلي لكرة القدم وهو ليس لديه مانع في اقامة منشط نسائي تنافسي بمشاركة خمسة فرق وهذا تحدي بالنسبة لنا نحن في منظمات المجتمع المدني لبناء فرق رياضية) .
قضية كرة القدم النسائية وجدت في وقت سابق بالبرلمان حيزا من النقاش والجدل إنقسم معه النواب الي مؤيد للفكرة بإشتراطات تتمثل في إرتداء اللاعبات لما يسمونه بالزي الشرعي ، ومجموعة اخرى ترفض الفكرة تماما بإعتبارها دخيلة على المجتمع المحافظ وضد الشرع ، ويقود الفريق المتشددة النائب البرلماني المثير للجدل عضو مجمع الفقه دفع الله حسب الرسول الذي سبق وأن تم ضربه بواسطة زوج إحدى المدافعات عن لعب الفتيات لكرة القدم كانت مستضافة معه في حلقة تلفزيونية تناقش القضية فإحتد معها ونعتها بصفات مما اغضب زوجها الذي كان يراقب الموقف من خلف الكواليس وما إن إنتهت الحلقة حتى إنقض على حسب الرسول وأنهال عليه وضربه ضرباً مبرحاً .
فتاوى تحريم لعبة الكرة للنساء
قبل عامين أصدر مجمع الفقه الإسلامي فى السودان فتوى تحرم تكوين فرق نسائية لكرة القدم تلعب خارج السودان في أفريقيا ،آسيا وأوروبا ووصف ذلك بأنه مفسد للأخلاق وبعيد عن تقاليد المجتمع السوداني، وجاءت تلك الفتوي عقب مطالبة الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) من السودان بتكوين فريق نسوي لكرة القدم للمشاركة في المنافسات العالمية والإقليمية.
وتقول الناشطة أميرة عثمان لـ(عاين)وهي لاعبة سابقة في كرة الطائرة وحالياً تمارس رياضة الرماية ان الحكومة حاربت الرياضة النسوية بشدة ، لكن فريق التحدي صارع لانتزاع حقه بشكل جيد ، وتضيف (هناك تهميش ممنهج وتمييز يمارس ضد النساء في الرياضة حيث يتم منعها من التدريب وتفضيل الرجال عليها ) ، وتقول انها مارست منشط الكرة الطائرة حتي العام 1995 وسافرة مع الفريق للمشاركة في بطولة الدورة المدرسية في مدينة الابيض حاضرة ولاية شمال كردفان ، ولفتت الي ان المضايقات للنساء في بدات من تلك الفترة حيث تم الزام الفتيات بارتداء الطرحة والاكمام الطويلة والاسكيرت فوق البنطلون ، تتابع (الحكم يوقف الكرة اذا سقطت الطرحة من على رأس اللاعبة).
صحفيات في تغطية النشاط الرياضي
ويقول مراقبون تحدثوا لـ (عاين) ان الوسط الصحفي الرياضي في الاونة الاخيرة شهد دخول صحفيات يقمن بتغطية النشاط الرياضي بشكل شامل واصبحن ويشاركن في المحافل الاقليمية والدولية ، ويضيفوا ان هناك روابط لمشجعات كرة القدم الرجالية تحت مسميات لهن مثل ( مهيرات الهلال ) – نسبة الى مهيرة بت عبود في التاريخ السودان – ومشجعات المريخ باسم ( عواتق المريخ ) ، الى جانب ان اتحاد الخرطوم المحلي لكرة القدم استقطب الفتيات من خلال دورات تدريبية مكثفة لتأهيلهن لإدارة مباريات كرة القدم مستقبلا.
الزام دولي بممارسة الرياضة النسوية
وتعتبر نسرين مهدي من جيل الحكام الجدد التي تحمل العديد من الطموحات الرياضية إلى جانب عملها كمساعد تدريس في إحدى الجامعات السودانية ، وتقول مهدي إن تشجيعها لفريق الهلال قادها إلى صافرة التحكيم ، وتضيف أن خلفيتها الكروية وانخراطها في روابط المشجعين جعلها أقرب للوسط الرياضي ، وتؤكد أن التجربة مثيرة في حد ذاتها خاصة أن الجمهور لم يعتد على مشاهدة امرأة تمسك بالصافرة لتدير وقائع مباراة ساخنة، وتشير الى إنها بدأت كمساعد حكم رابع (مراقب) يقوم بأعباء إجراء التبديلات في المباراة فيما تقول الناشطة غادة مكي التي مارست لعبة الكرة الطائرة لـ(عاين) انها مازالت تحن لهوايتها القديمة وانها تمارس الان رياضة المشي ،وتشدد علي ضرورة الاعتراف بالرياضة النسوية وتشجيعها .
وفي المقابل يقول الصحفي الرياضي حسن فاروق في حديثه مع (عاين) ان الرياضة لاسيما كرة القدم هي منظومة مستقلة تماماً عن اي نشاط حكومي سياسي وسلطتها علي الاتحاد الدولي (الفيفا) ، ويضيف (سر قوة كرة القدم هو استقلاليتها وان دور الحكومات والدول اشرافي في شان اللعبة ودعهما ماليا ومعنوياً ) ، ويشير الى انه في حال وجود اي تدخل سافر من الحكومات فان الاتحاد الدولي (الفيفا ) يقوم بخاطبة الاتحاد الوطني بوقف هذه التدخلات ، ويتابع (الفيفا لاتمنح الحكومات شرف مخاطبتها) ، ويؤكد ان قرار الفيفا يلزم الاتحادات المنضوية لعضويته بتكوين فرق نسائية لكرة القدم وقيام منافسة دورية وفي حال عدم تنفيذ ذلك يتم تجميد النشاط الرياضي برمته ، ويوضح ان الرياضة ليس فيها دين ولا جهوية اوعنصرية وليست سياسية ، ويقول (الرياضة هزمتها وانتصرت عليها).