الدور المصري في حل نزاعات السودان .. وساطة أم دبلوماسية تحقيق المصالح

٢٤ نوفمبر ٢٠١٤

بعد صمت إستمر لسنوات طويلة عادت مصر مرة أخرى للتدخل في ملف الأزمة السودانية، ولعب دور مزدوج فهي من جانب تحاول أن تستعيد دورها في المنطقة ومن جانب آخر تحاول التوسط في أزمات ” الدولة الشقيقة “، لكن ظلت القاهرة تتحرك في مساحة محدودة وتتعامل بدبلوماسية عالية تجاه النزاعات الداخلية في السودان، واهم العوامل التي تحركها في ذلك الحفاظ على مصالحها ، وبالطبع تعقيدات جارتها من ناحية الجنوب يشكل عاملاً آخر يهدد الوضع الامني بالنسبة لمصر ، وهو العامل الاهم .

دعم مصري للحوار السوداني وزيارة مبيكي للقاهرة

وفي أعقاب إنهيار المفاوضات بين وفدي الحكومة السودانية والحركة الشعبية شمال السودان، صدرت تصريحات محدودة من السفير المصري في الخرطوم وليس الحكومة المصرية مما يعني مستوى التدخل ومساحة حجمه، حيث نقلت وكالة السودان للإنباء “الرسمية” تصريحات للسفير المصري لدى الخرطوم أسامة شلتوت، الذي نقل دعوة بلاده للأطراف السودانية كافة إلى الاستجابة لنداء الحور الوطني والمشاركة في عملية الحوار، حتى ينعم السودان بالأمن والاستقرار والنماء، قائلاً إن ” بلاده تدعم مبادرة الحوار الوطني التي أطلقها الرئيس البشير والتي من شأنها أن تفضي لحل مشاكل السودان”، مؤكداً دعم مصر لكل الجهود الرامية لتحقيق الأمن والاستقرار في كافة ربوع السودان .

وقد تأتي تلك الخطوة في أعقاب زيارة رئيس الآلية الافريقية رفيعة المستوى الرئيس الجنوب أفريقي السابق تابو أمبيكي، الوسيط في ملف الحوار ( السوداني ـ السوداني ) والمفاوضات بين السودان جمهورية جنوب السودان حول القضايا العالقة ، والذي وضع ملف الأزمة السودانية للجارة مصر بحثاً عن دور فاعل للتوسط بين الفرقاء السودانين من جهة وبين الدولتين من جهة أخرى، للدفع بجهود الحل الشامل لكآفة القضايا.

توقعات بدور مصري في الازمة السودانية

وما دفع أمبيكي إلى الخطوة الترابط الوثيق والعلاقات بين مصر والدولتين وتأثيرها السياسي على القوى السياسية المعارضة ، خاصة وأن مصر كانت قد إستضافت في وقت سابق المعارضة التي كانت تعرف باسم ” التجمع الوطني الديموقراطي ” لسنوات طويلة، ثم قادت الوساطة ورعت إتفاق القاهرة بين التجمع المعارض والحكومة السودانية عام 2005م التي قادت الى ما يعرف بـ ( اتفاق القاهرة ) .

ويمكن أن تقود القاهرة الوساطة بين الطرفين مرة أخرى بعد تحسن العلاقات مع حكومة الرئيس عمر البشير الذي زار القاهرة الشهر الماضي، ويمكن لمصر أن تعرض على البشير مشروع حل للأزمة الداخلية بإجراء حوار شامل، تشارك فيه القوى السياسية المعارضة في الحكم ويمهد لمرحلة إنتقالية تفضي لتداول سلمي للسلطة، بدلاً من نظام إسلامي يهدد أمن المنطقة وسلامتها ويتحلل من طوق العزلة الخارجية المفروضة على السودان، وهذه المكاسب ستنعكس على أمن وسلامة مصر.

غير أن اللافت في الأمر أن مصر ظلت تتعامل بدلوماسية عالية في قضايا الداخل السوداني، وكانت دائماً تنأى بنفسها عن ملف النزاعات الداخلية، كما أنها تحاول الحفاظ على مصالحها ، وتقييم النخبة السودانية أن مصر كان أمامها فرصة تاريخية لإستضافة المفاوضات بين الحركة الشعبية بقيادة الدكتور جون قرنق والحكومة السودانية، ولكنها فشلت في إقناع الفرقاء السودانين بالمبادرة المصرية الليبية المشتركة، وآثرت الصمت في المفاوضات التي رعتها منظمة الإيقاد، لانها تحفظت على نص حق تقرير المصير، الذي أفضى إلى إستقلال  جنوب السودان في العام 2011، ويعود كثير من المراقبين الى العام 1989 ويعتقدون ان دور مصر كان سلبيا بمساندتها لإنقلاب البشير في 1989م الذي أوصل إلاسلاميين إلى السلطة.

مبيكي ينتظر دوراً اكبر من القاهرة في الملف السوداني

لكن في رأي الدكتورة أماني الطويل رئيس وحدة أفريقيا في مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية في حديثها لـ( عاين ) ، إن أمبيكي من خلال هذه زيارته الاخيرة الى القاهرة عول على دور مصري قادم، يعني ان تعود مصر الى موقعها الإقليمي في المنطقة، بثقلها في السياسة الخارجية، وتضيف” هذا الدور لكي تمارسه مصر فان عليها الضغط على الرئيس السوداني عمر البشير بشكل أوبآخر على تشجيع فكرة الحوار الوطني ” ، وتقول أن هنالك توجه دولي، وأصبحت الخيارات مفتوحة بضرورة معالجة تلك الخلافات بين الفرقاء السودانين، وتؤكد ” ليست كما كانت في السابق بين الحركة الشعبية بقيادة قرنق والحكومة السودانية برئاسة البشير حيث كانت هنالك مخاوف من إنحياز مصر للشمال ” .

وتقول ” الان الوضع أصبح أكثر مرونة بالنسبة للمجتمع الدولي في أن تلعب مصر دور فاعل في الحوار السوداني، كما أن هنالك ضرورة إستراتيجية أن يتم إنتقال سلمي في السودان، على ألا ينتهي حكم البشير بأي إضطرابات، خاصة في ظل وجود أكثر من مشروع في المنطقة العربية والأفريقية ” ، وتضيف ” هنالك خلايا نائمة لتنظيم القاعدة وحزب التحرير السوداني الإسلامي، وظهور داعش في المنطقة العربية، كل هذه المعطيات تأخذ بها الأطراف الدولية والداخلية لإيجاد نوع من التوافق وتحقيق الإنتقال السلمي للسلطة في السودان ” ، وتشير الى ان تقدم البشير لترشحه لدورة رئاسية جديدة في الإنتخابات القادمة في 2015، في ظل حالة الإحتقان الداخلي يثير جدلاً واسعاً، فالبشير لم يعد مقبولاً داخلياً لإمتداد فترة حكمه الطويلة والتي إستمرت لربع قرن .

وترى الطويل أن ظهور جيل الشباب الذي نشأ خلال الربع قرن الماضي ولم يرى إلا البشير رئيساً، فانهم أكثر ميولاً وتطلعاً للتغيير بمثلما حدث في مصر، وتقول ” وكذلك معظم الشعوب التي إندلعت فيها ثورات الربيع العربي قادتها أجيال شابة ، وطبقاً لهذه التطلعات هنالك فكرة مطروحة في الموائد الدولية لإستقرار السودان، حتى لا يحدث فيه نوع من المفاجآت غير المتوقعة ” ، وتشير الى أن السودان قريب من الصومال، أفريقيا الوسطى وليبيا، وجميعها دول فيها إضطرابات داخلية، ومن هنا يبرز الإهتمام بالحل السوداني خاصة وأن العالم لم يعد يحتمل جبهات أخرى .

وفي ذات السياق يرى مساعد وزير الخارجية المصري للشؤون الافريقية السابق الدكتور مصطفى الفقي أن الأمر طبيعياً في أن تستقبل مصر الوسيط الأفريقي الممسك بالملف السوداني، مشيراً إلى أن الملف السوداني يحتل مكانة هامة بالنسبة لمصر، ويقول الفقي الذي تحدث لـ( عاين ) إن اللقاء الأخير بين الرئيسين السيسي والبشير قد دفع الأمور إلى الأمام وتجاوز الطرفان خلافات الماضي بشكل كبير، أو قل أمّنا على تجميدها في الوقت الحالي ، ضع في الإعتبار أن المنطقة تواجه حرب شرسة ضد الإرهاب في عدد من الدول التي تعاني من عدم الإستقرار .

ويشير الفقي الى ان ملف الحوار السوداني بالنسبة لمصر لايمكن إغفاله ، ومن الضروري أن تعنى مصر بهذا الملف ويقر بقوله ” أن مصر سبق وأن فرطت في الملف السوداني والنزاعات الداخلية بين الفرقاء السودانييين “، وتابع ” عندما كنت مساعداً لوزير الخارجية المصري للشؤون الأفريقية، طرحنا المبادرة المصرية الليبية المشتركة في مواجهة مبادرة الإيقاد التي نصت على حق تقرير المصير ” ، ويقول ” خوفاً من أن تصل الأمور لما آلت إليه الآن والتي في نهاية الأمر قادت إلى إنفصال السودان إلى دولتين، فلو كانت الأطراف السودانية وافقت عليها لما وصلنا إلى هذا الوضع ” ، مبدياً أسفه لكون السودان أكبر دولة أفريقية وأغناها  من حيث الموارد أن ينقسم بهذه السهولة، وبدأ يردد ” لقد كان إنفصال الجنوب ضربة كبيرة للقارة الأفريقية، وللسودان ولمصر لقد تعرضنا لمؤامرة دولية كبرى”.

ومن يرى ان مصر لا تملك رؤية حول السودان حالياً

يرى الدكتور حيدر أبراهيم الخبير علم الإجتماع السياسي ومدير مركز الدراسات السودانية لـ ( عاين ) ان زيارة أمبيكي للقاهرة مجرد علاقات عامة ،ويستبعد أن يكون لمصر أي دور في الملف السوداني ، ويقول أن زيارة أمبيكي للقاهرة لم تخرج عن كونها مجرد علاقات عامة لإحاطة السيسي والقيادة السياسية بمايدور في ملف الأزمة السودانية، خاصة وأن مصر غير مؤهلة في الوقت الحالي للقيام بأي مهام في هذه المرحلة خارج حدودها، نسبة إلى أنها مشغولة بقضاياها الداخلية، غير أنه إستدرك قائلاً ” أي ترتيبات ستحدث في المنطقة لايمكن أن تتجاوز مصر” .

ويقول ابراهيم أن مصر لاتمتلك أي رؤية في الوقت الحالي أو في المستقبل القريب للتعامل مع السودان، وأرجع ذلك إلى أن السودان نفسه غير واضح بالنسبة لمصر، ولم يتمكن المصريون من تحديد إتجاهات السياسية السودانية ، ويضيف ” ولكي تستطيع مصر أن تلعب الدور المطلوب يجب عليها أن تعرف السودان بشكل جيد ” ، ويقول ” لكن في ظل النظام الحالي يصعب عليها معرفة ذلك  لاسيما ان الحكومة المصرية تريد أن تحقق التوزان المطلوب في العلاقات مع النظام في السودان ” .

بينما عد المحلل السياسي ورئيس حزب البعث السوداني الأستاذ محمد علي جادين ان زيارة رئيس الآلية الافريقية الى القاهرة قد جاءات بإيعاز من بعض قيادات القوى السياسية السودانية ، لكنه أمسك في الكشف عنها، مرجحاً أن تكون منطلقاتهم قائمة لإضفاء البعد العربي للأزمة السودانية ممثلاً في تدخل مصر وجامعة الدول العربية، حتى لاتترك القضية في يد الإتحاد الإفريقي لينفرد بها لوحده ، ويتفق جادين مع ماذهب إليه حيدر ابراهيم بأنه من الصعوبة أن تقحم مصر نفسها في السياسة الداخلية للسودان، مؤكداً حاجة مصر الملحة للنظام الحالي في السودان لدعم مواقفها في مواجهة عدد من التحديات المتمثلة في قضية النزاع على الحدود، وقضية مياه النيل سواء كان سد النهضة الأثيوبي أو إتفاقية عنتبي لمياه النيل، إضافة إلى أن مصر مشغولة بقضاياها الداخلية وتحاول تجاوز أزماتها لذلك من الصعب أن تتوسط بين الفرقاء السودانين.

ويشير المحلل السياسي إلى أن السودانيين لايعولون كثيراً على الدور المصري ويرى أنه تاريخياً لم يكن تدخل مصر إيجابياً في القضية السودانية ، ويقول ان القاهرة لم تكن راضية بالحكم الديموقراطي في نسخته الثالثة في السودان ” فترة حكومات الصاداق المهدي رئيس الوزراء السابق ” لذلك كانت أول دولة أيدت إنقلاب الإسلاميين في الثلاثين من يونيو 1989 بقيادة عمر البشير ، ويضيف ” بعد محاولة إغتيال الرئيس المصري الاسبق محمد حسني مبارك حاولت إحتضان المعارضة السودانية، لكنها سرعان ما غيرت من موقفها بمجرد أن أجرت مصالحة مع النظام السوداني في العام 2000ـ 2001 بعد ابعاد البشير لعراب نظامه حسن الترابي ” ، ويقول ” رغم أنها لعبت دور الوسيط في مفاوضات القاهرة بين الحكومة السودانية وتجمع المعارضة في عام 2005م وكانت راعية لهذه الإتفاقية إلا أن إنسحبت منها بمجرد توقيعها ولم تبذل مجهود على متابعتها .

غير أن جادين رهن تدخل مصر في حل النزاعات الداخلية في السودان بالتطورات والمتغيرات في المنطقة، بالتحالف الجديد بين مصر والأمارات والسعودية والخاص بمكافحة الإرهاب في المنطقة، والتي من الممكن أن تجبر النظام على تغيير سياساته ومن ثم حمله على القبول بتسوية سياسية مع كآفة القوى السياسية السودانية.