الدعم السريع … اعتداءات في كسلا وحصار علي طوكر

انتقلت حالة الحصار التي تضربها قوات الدعم السريع علي ولاية كسلا منذ نهاية ديسمبر من العام الماضي إلى جنوب ولاية البحر الأحمر وتحديدا منطقة جنوب طوكر التي تقع ايضا على الحدود الارترية السودانية.

وتتعرض محلية جنوب طوكر بكافة مدنها وقراها لحصار غير معلن من قبل مليشيات الدعم السريع التي تم نشرها من قبل الحكومة المركزية في الخرطوم في ولايتي كسلا والبحر الاحمر على خلفية التوتر الذي نشب علي الحدود بين السودان وارتريا منذ نهاية العام الماضي.

وتمنع قوات الدعم السريع وصول المواد الغذائية الي مناطق المحلية لا سيما تلك المجاورة للحدود الارترية بحجة منع تهريب البضائع لارتريا كما تتهم المواطنين العاديين بالانحياز لدولة أرتريا فيما يعرف ب (الطابور الخامس) خلال فترات الحروب وهو مصطلح يشير لمجموعات الجواسيس الذين يحترفون او يمتهنون نقل المعلومات الاسترايتجية للعدو خلال الحروب.

وتمنع قوات الدعم السريع المتشرة في المنطقة الاعلام من دخولها كما تمنع المنظمات الانسانية ايضا من الوصول اليها ومساعدة المحتاجين هناك.   

وتتعامل القوات التي تم نشرها في المنطقة بعنف غير مسبوق حسب افادات مواطنين وشهود عيان من المنطقة ووتتهمهم بصورة عنصرية بانهم ليسوا سودانيون باعتبارهم بعهم ينتمون لقبائل التماس التي تعيش تاريخيا في دولتي السودان وارتريا وتنتقل عبر الحدود ولا تعرف حتي العوائق الطبيعية والسياسية بين البلدين.

وكانت قوات الدعم السريع تورطت في بعض الاعتداءات علي المواطنين بالضرب، والتحرش ببعض الفتيات مما أدي لحالة احتقان عالية بمدينة كسلا في يناير الماضي. وفرضت المليشيات الوافدة الي الولاية لحمايتها من الاعتداء المزعوم حصارا علي التجارة الحدودية بين كسلا  وارتريا ما أي لخسائر كبيرة للتجار.

موارد غنية وواقع مأساوي

وتقع محلية طوكر بجنوب ولایة البحر الاحمر علي بعد أكثر من 200 كيلومتر ولها حدود تقدر بمئات الكيلومترات مع دولة ارتریا ، ، وتشمل المنطقة حوالي 47 قریة ، وتقدر كثافتها السكانیة بحوالي 151 الف نسمة. وتقطن في طوكر عدد غير قيل من قبائل شرق السودن بمافي ذلك البني عامر والارتيقا وغيرهم من القبائل ذات الجذور الضاربة في القدم في تلك المنطقة والتي توصف بالقبائل الحدودية لما لها من امتداد اثنية في المناطق المتاخمة الاخري في دولة أرتريا.    

وتعتبر المنطقة تاریخیا” احد اهم مراكز التجارة الحدودیة ، وتضم عدد من الاسواق المحلیة ، كما یعتبر سوق منطقة قرورة هو اكبر الاسواق فیها ، حیث یشهد السوق حركة تجاریة ضخمة ، تشتهر بتجارة المواد الغذائیة ك المحاصیل الزراعیة والسكر وغیرها من المواد المتعلقة بالاستهلاك الیومي للمواطن .

وتشتهر  طوكر بموارد اقتصادية غنية ومتعددة ففيها يقع مشروع دلتا طوكر وموانئ مرافيت وعقيق علي البحر الاحمر بالاضافة  الي كميات كبيرة من المعادن لا سيما الذهب والنحاس والحديد. وكانت تنتعش في المحلية تربية المواشي وصيد الاسماك بالاضافة للتجارة الحدودية الرائجة مع دولة ارتريا المجاورة.

لكن اعترت المحلية حالة من التردي المعيشي في السلع والخدمات الاساسیة من تعلیم وصحة وطرق ومواصلات اضافة لشح مياه الشرب النظيفة منذ منتصف تسعينات القرن الماضي.

وكانت المحلية مسرحا للعمليات العسكرية المتبادلة منذ العام 1996 بين قوات التجمع الوطني المعارض الداعمة لمتمردي مؤتمر البجا والحكومة السودانية، ما أدي لتدهور الاوضاع الامنية والانسانية في المنطقة واغلاقها أمام المنظمات الانسانية والحقوقية والاعلام.

ورغم وقف الحرب بين قوات التجمع الوطني المعارض والحكومة السودانية من خلال اتفاقات (نيفاشا 2005) مع الحركة الشعبية، (القاهرة 2005 مع التجمع الوطني الديمقراطي)، (سلام الشرق مع مؤتمر البجا في 2006) الا ان حالة الحصار الانساني والاقتصادي والمعيشي التي تضربها الحكومة علي منطقة طوكر لم تتوقف.

ويقول بعض مواطني طوكر ان الحكومة كانت تمنع وصول الاغاثة المساعدات الانسانية كما منعت  وصول عدد من منظمات الاغاثة الدولية ووكالات الامم المتحدة في أوقات سابقة من الوصول الي المنطقة.

تصريح دخول لشرق السودان

الاستنفار الحالي لقوات الدعم السريع  تم عقب صدور تصريحات حكومية حذرت فيها من تحركات عسكرية علي الحدود مع أرتريا وتصاعدت حدة التوتر لدرجة الاتهامات المتبادلة صراحة في مارس الماضي بحشد القوات استعدادا للدخول في حرب مفتوحة بين البلدين.

وبدأت الالاف من قواتها في الانتشار في ولايات شرق السودان الثلاث بما في ذلك كسلا والقضارف والبحر الاجمر منذ نهاية ديسمبر من العام الماضي.

وأطلقت مصادر حكومية اتهامات عن خطة اقليمية بين مصر والامارات وارتريا بمساندة جزء من الحركات المسلحة في محاولة لغزو السودان من الشرق.

ويري مراقبون من شرق السودان ان  تلك الاتهامات فتحت ابواب شرق السودان امام قوات الدعم السريع لتصل بالالاف لكسلا وطوكر والقضارف وغيرهما من مناطق ومدن شرق السودان، مشيرين الي ترويع تلك القوات للمواطنين في مناطق مختلفة من شرق السودان لا سيما في محليتي كسلا وطوكر وعدم احترامها للخصوصية الثقافية لانسان شرق السودان.  

شهود عيان

ويؤكد عدد من المواطنين والمواطنات من محلية جنوب طوكر تحدثت اليهم (عاين) تدهور الاوضاع الانسانية والمعيشية جراء الحصار، ويكشف المواطنون -الذين فضلوا حجب هوياته بسبب المخاطر الامنية المتعاظمة علي كافة مواطني المنطقة- عن تعرضهم للضرب والاذلال من قبل المليشيات التي تتحكم في المنطقة دون رقيب ولا حسيب.

“صرنا نتعرض للضرب بمجرد امتلاكنا  لبضائع تتعلق بحیاتنا الیومیة” يقول احد مواطني طوكر، مضيفا في حديثه ل (عاين) انهم یجدون صعوبة في شراء احتیاجاتهم الیومیة من السلع الاستهلاكیة ، لان السلطات المتمثلة في القوات العسكریة “الدعم السریع” ، قامت بمصادرة كل البضائع في المنطقة ، دون ابداء ایة اسباب لتلك المصادرات سوى اشتباههم في ان هذه البضائع سوف یتم تهریبها.

“الكثیر من المواطنین قد تعرضوا للضرب المبرح لمجرد حیازتهم على بضائع او اثبات ملكیتهم لها ، بالرغم من ان جمیع هذه البضائع لدیها تصادیق من جهاز الامن والمخابرات الوطني “الامن الاقتصادي ” بولایة البحر الاحمر”

قرية عندل

ويروي شهود العيان ان مصادرة البضائع ما تزال مستمرة بحجة تهريبها الي ارتريا ، مشيرين الي استمرار تعرض التجار الى الضرب والاحتجاز الشخصي. ويروي شهود من قرية “عندل” مصادرة قوات الدعم السريع لبضائعم رغم انهم يمتلكون التصاديق اللازمة. “احتجزت السلطات في حامية طوكر عدد 21 عربة بوكس و 2 لوري محملة بالبضائع دون اي تحريات ا تحقيقات مع أصحابها”.

“تمت مداهمة المنازل التي یتخذها التجار مخازن لبضائعهم وتم تحمیل كل ماتم تخزینه ، على عربات النقل وعربات الدفع الرباعي “التاتشر” التي تخص تلك القوات “.

ويروي اخر بانه منطقة “عندل” شهدت احتجاج من بعض المواطنین على مصادرة بضائع كانت محملة على ظهور الجمال، لكن السلطات تعاملت معها بالعنف والتخويف والضرب والاعتقال لعدد من المواطنين.

قرورة

وفي منطقة قرورة ، التي تعد حاضرة محلية جنوب طوكر الاوضاع ليست بأفضل من بقية انحاء المحلية ، حيث تقوم القوات المدججة بالسلاح بذات الهجمات علي المواطنين والتجار وتتم المصادرات والمضايقات المستمرة.

ويقول احد الشهود من المنطقة “ان انتشار هذه القوات العسكریة ادى الى تدهور الاوضاع التجاریة في المنطقة والذي القى بظلاله على الاوضاع المعیشیة للمواطن مما ادى الى إرتفاع اسعار المواد الغذائیة ، نسبة لندرتها و صعوبة إدخالها الى الاسواق ، ومصادرتها من مخازن التجار”.

فيما كشف احد التجار الذي كان یمتلك توكیلا للجاز والبنزین  في قروره ل (عاين) انه رغم امتلاكه لتصديق من جهاز الامن المخابرات بالمنطقة بجمیع بضائعه ، الا ان الاستخبارات التابعة لقوات الدعم السريع قامت بالقاء القبض علیه ومصادرة بضاعته.

شبح المجاعة والفساد  

استمرار الحصار الانساني علي محلية طوكر وقراها التي تعاني أصلا من التهميش وقلة الاهتمام من حكومة ولاية البحر الاحمر منذ سنوات أدي الي تدهور الاوضاع الانسانية بصورة غير مسبوقة.

التعامل مع المنطقة باعتبارها منطقة عمليات عسكرية اعطي القوات المتواجدة هناك فرض حالة طوارئ غير معلنة ومنع المنظمات الانسانية من دخول المنطقة الامر الذي فاقم من الازمة الغذائية في كافة ارجاء المحلية.

ويقول أحد المواطنين  ل (عاين) ان بعض القري تسير باتجاه المجاعة بسبب ذلك الحصار، كاشفا علي سبيل المثال عن انعدام كامل للسلع الغذائية ومياه الشرب  في قرية “اب سلاب” الواقعة جنوب طوكر.

ذلك فيما سجلت اسعار المواد الغذائية في بعض المناطق مثل قرورة ارتفاعا “جنونيا” ، مشيرا الي ان سعر جوال السكر وصل الي 1600 جنيه.

محاولات بعض أبناء المنطقة لتقديم الشكاوي لجهاز “الامن الاقتصادي” الموجود بالولاية لم تجد اذانا صاغية ولم تغير شيئا في واقع الحال.  

فيما تصدت السلطات بالقوة والضرب لبعض من حاولوا الاحتجاج العلني.

في غضون ذلك كشف الشهود عن فساد كبير تشرف عليه ذات القوات التي تصادر الممتلكات والبضائع الشخصية وقوت المواطنين، مشيرا الي ان ذات البضائع المصادره تم العثور علي جزء منها من قبل بعض التجار اثناء تداولها بالبيع والشراء في منطقة مرافيت الحدودية مع أرتريا.

 

تحذير

وتفرض الحكومة حالة طوارئ غير معلنة علي كافة انحاء محلية جنوب طوكر منذ توقيع اتفاق سلام الشرق في العام 2006 بين الحكومة وتحالف جبهة الشرق الذي كان يضم تنظيمي مؤنمر البجا والأسود الحرة بوساطة قادتها دولة ارتريا نفسها وباشراف رئيسها الحالي اسياس أفورقي.

ويعد شرق السودان الاقليم الوحيد الذي لم يعد الي الحروب رغم كونه أحد المناطق التي تعاني من التهميش السياسي والاقتصادي منذ ما بعد استقلال السودان. ويري الكثير من مثقفي وناشطي شرق السودان ان عدم الالتزام بتنفيذ افاقية سلام شرق انتشار الفساد وسط صندوق اعمار الشرق يعد أحد الاسباب التي أدت لاذكاء روح احباط واسعة وسط ابناء الاقليم. ومما يزيد من احتقان الاوضاع وجود المئات من المسرحين من المقاتلين السابقين لمتمردي جبهة الشرق الذين لم ينالوا حقوقهم بسبب عدم التزام الحكومة بتنفيذ ذلك الجانب من الاتفاق. ومما يزيد من تعقيد الوضع السياسي في شرق السودان وجود قوات اجنبية في شمال وجنوب الاقليم اذ تسيطر مصر علي مناطق واسعة في مثلث حلايب الحدودي في شمال ولاية البحر الاحمر، بينما تضع اثيوبيا يدها علي اراض سودانية زراعية واسعة بمحلية الفشقة بولاية القضارف.  

ويحذر الناشط بقضايا شرق السودان والقيادي بمؤتمر البجا عبدالله موسي من تبعات نشر قوات الدعم السريع المشهورة بانتهاكاتها الواسعة في دارفور في شرق السودان الذي يتصف اصلا –حسب موسي- بالهشاشة الاقتصادية والسياسية- ، ما ينذر بنقل ما حدث في دارفور من نزاع قبلي وجرائم الي الشرق.

ويكشف موسي في حديث خص به (عاين) عن انباء عن مقتل عدد من المواطنين بولاية كسلا عقب اشتباكات بين قوات الدع السريع ومواطنين بينما لقي أحد المواطنين مصرعه ايضا في منطقة جنوب طوكر برصاص القوات القادمة من خارج الاقليم.

ويمضي الخبير بقضايا شرق السودان للقول “نحن ندق أجراس الخطر جراء نشر قوات الدعم السريع في الاقليم، واذا كان هناك بالفعل هجوم ارتري او مصري محتمل ونحن نستبعد ذلك فاننا نطالب بان تاخذ القوات المسلحة مهمتها الدستورية في الدفاع عن ارض الوطن وليس تلك المليشيات المشبوهة التي لن تسهم الا في عدم الاستقرار في شرق السودان”.