الخرطوم ترسل مليشيا الدعم السريع لارتكاب جرائم حرب جديدة
١٩ دسمبر ٢٠١٤
مرة اخرى وفي اقل من عام تعاود مليشيا قوات الدعم السريع التابعة لجهاز الامن والمخابرات ( هم في الاصل مليشيات الجنجويد التي ظلت تقاتل الى جانب القوات الحكومية ) رحلتها الى جنوب كردفان وربما مناطق اخرى لخوض معارك عسكرية جديدة ، قاطعة هذه المسافة من الخرطوم الى مناطق العمليات عبر سيارات الدفع الرباعي وشاحنات الاسلحة الثقيلة والذخائر والمؤون، بعد ان قامت بعملية استعراض قوة داخل العاصمة السودانية بحشد قوامه اكثر من (5 ) الف جندي .
ووصلت القوة الى مدينة ام روابة ثم انقسمت الى جزءين واحدة توجهت ابو جبيهة والاخرى الى منطقة ( المقينيص ) على الحدود مع دولة جنوب السودان ، مما يشير الى اماكنية نذر حرب بين الدولتين في ظل الاتهامات المتبادلة بينهما في ايواء ودعم متمردي اي من البلدين ضد الآخر ، وقد تخلط مثل هذه الخطوة الاوراق في المنطقة باثرها ، لا سيما بعد فشل محادثات السلام بين حكومتي البلدين مع معارضيهما والتي تحتضنها العاصمة الاثيوبية اديس ابابا .
طابور السير الطويل في الخرطوم
وقد شهدت الخرطوم صباح الاربعاء الماضي حشداً وطابوراً عسكرياً من مليشيا الدعم السريع اطلقت عليه ادارة العمليات في جهاز الامن والمخابرات التي تشرف عليها اسم طابور ( السير الطويل ) ، وطافت القوة العسكرية في حملة ( استعراض للقوة ) عدد من شوارع العاصمة ، ووفق محللون تحدثوا ( لعاين ) فان الطواف كان على طريقة ( اياك اعني فاسمعي يا جارة ) ، لارهاب الخصوم السياسيين من ان هذه القوة اصبحت هي اليد الباطشة للنظام سواء في مواجهة ( المتمردين ) او دعاة العمل السلمي .
ويعتبر المراقبون ان هذه القوة الضخمة من مليشيا الدعم السريع وما تلقاه من ميزانية مفتوحة لا يطلع عليها البرلمان او حتى وزارة الدفاع توضح بجلاء ان هناك تطور خطير في عمل جهاز الامن والمخابرات بتوسيع صلاحياته في تناقض مع الدستور الانتقالي لسنة ( 2005 ) الذي نص على ان يكون دور الجهاز الامني جمع المعلومات وتحليلها وتقديمها لمتخذي القرار ، وليس له اي دور قتالي او سياسي كما هو الحال الان ، وبحسبهم – المراقبون والذين دائما ما يطالبون بعدم كشف اسماءهم لدواعي امنية – ان الفرق القتالية التابعة لادارة العمليات في جهاز الامن تتلقى افضل التدريبات والاسلحة الخفيفة والثقيلة والمروحيات اضافة الى المرتبات العالية مقارنة مع القوات المسلحة السودانية .
تمدد جهاز الامن سياسياً واقتصادياً
وفي لغة تفاخرية بامكانية قوات الدعم السريع قال مدير جهاز الامن والمخابرات محمد عطا المولى خلال احتفال الجهاز بتخريج دفعتين من تلك القوات في كرري الاربعاء الماضي انه يتحدى بهذه القوات جماعات المتمردين ومن اطلق عليهم الجهات التي تقف وراءهم ، واضاف أن ” قواته ستملأ ساحات القتال ” ، وهذا التصريح يعتبر اجازة لهذه القوات لكي ترعب المواطنين وتحرق قراهم في ولايات النيل الازرق ، جنوب كردفان والنيل الازرق بان تستمر على ذات النهج ، وهناك من يقول ان مرتب جندي ( الجنجويد في قوات الدعم السريع ) يساوي راتب (10 ) من جنود القوات المسلحة .
ويعرف السودانيون ان جهاز الامن والمخابرات الوطني قد تمدد في الحياة السياسية والاقتصادية في السودان حتى اصبح موازياً للدولة او كما يتردد صار ” دولة داخل دولة ” ، ويقول مدير سابق في جهاز الامن والمخابرات فضل عدم كشف اسمه لـ ( عاين ) ان جهاز الامن صار متمدداً في كل مناحي الحياة في السودان بامتلاكه الشركات الاقتصادية التي تجاوزت (130 ) شركة لتمويل انشطته واصبح متحكماً في الاقتصاد الوطني ويعقد الصفقات مع شركات كبرى في العالم ولديه ميزانية مستقلة ومفتوحة لا يطلع على تفاصيلها الجهاز التنفيذي للحكومة او البرلمان ، ويضيف ” لذلك صار جهاز الامن بما يشبه الدولة داخل دولة ولذلك ليس هناك من يحاسب الجهاز الذي صار مهاباً حتى داخل الحكومة نفسها ” .
فيما يقول خبير امني آخر كان ضابطاً في جهاز الامن برتبة عميد طلب عدم ايراد اسمه لـ( عاين ) أن جهاز الأمن السوداني اصبح يمتلك سطوة علي كل اجهزة الدولة واصبح دولة داخل الدولة وله من القوة ما يجعل التعامل معه بالقانون غير مجدٍ ، ويضيف ” بدلا ان يقوم الجهاز بدوره في حماية الدولة من الاخطار الخارجية باعتبار الامن هو قرن الاستشعار لكل بلد صار يحمي السلطة القائمة وترك مهمة حماية الدولة من الأخطار الخارجية لجهات أخري ” ، وهذه اراء خبراء الامن السابقين حول الاستراتيجية التي يقوم بها جهاز الامن والمخابرات في دولة هشة مثل السودان تحاصره الحروب من كل جانب ، اضافة الى الحصار الاقتصادي من قبل العديد من دول العالم بما فيها دول الخليج العربي .
طابور السير الطويل والطريق الى العمليات
وضمن استعداداتها للمرحلة الثانية لما يعرف بعمليات الصيف الحاسم دشنت ادارة العمليات في جهاز الامن مشروع طابور السير الطويل من عناصر قوات الدعم السريع، وسبق ان اشرف كل من وزير الدفاع الفريق أول عبد الرحيم محمد حسين ومدير جهاز الأمن الفريق أول محمد عطا، على تخريج دفعات جديدة من قوات الدعم السريع في كل من الفاشر ونيالا الاسبوع الماضي.
ويقول شهود عيان تحدثوا لـ (عاين) ان طابور (السير الطويل) لمليشيا قوات الدعم السريع قد من منطقة (واوسي الشيخ عبد القادر)، شمال الخرطوم إلى مقر رئاسة هيئة العمليات وسط الخرطوم وهذا الأمر يوضح الاعداد القتالي الذي صار يقوده جهاز الامن والمخابرات الوطني ، وهذه القوات تصفها المعارضة بانها من المرتزقة من مناطق دارفور وكردفان الى جانب ان بعضاً منهم من قبائل عربية ينتمون لدول افريقية مثل النيجر ، تشاد ومالي ولذلك هي قوات غير منضبطة تماما حيث انها تمارس القتل وترويع المدنيين الآمنين الى جانب حرق القري والمدن.
ويقول المواطن مبارك حسن من مواطني الخرطوم لـ (عاين) أن الاجهزة الأمنية في الخرطوم صارت تسبب الرعب للمواطن اكثر من ان تعطيه احساس بالأمان لا سيما انها انصرفت عن اداء دورها الاساسي الي حماية النظام ، وهذا حديث يكرره المواطنون في كل المناطق التي توجد فيها قوات الدعم السريع ، حيث تقول سارة لـ (عاين) عن ان جميع الاجهزة الامنية من شرطة وجهاز امن صارت تستهدف المواطن من تنكيل وترهيب له ، وتضيف ان قوات الدعم السريع تعمل تحت ادارة جهاز الامن ، وتشير الى ان هذه القوات ارهبت خلال وجودها في الخرطوم المواطنين.
حشد وتحريك مليشا الدعم السريع
ويعتبر نهاية موسم الخريف ودخول فصل الصيف ، ايذاناً بحرب ضروس على ولاية جنوب كردفان وربما حرب بين السودان وجنوب السودان ، وقد نشطت الحكومة السودانية في علمية حشد قوات الدعم السريع قبالة المناطق المتاخمة للعمليات العسكرية بينها والحركة الشعبية شمال.
وتحركت مليشيا الدعم السريع من الخرطوم غرباُ في صبيحة السبت الماضي في قوة قوامها (5) الف جندي وعدد كبير من سيارات الدفع الرباعي وشاحنات محملة بالاسلحة لم يحدد مصدرنا عددها، استقر بها المطاف عشية الاثنين الماضي في محلية ام روابة بشمال كردفان ، وفي صبيحة الثلاثاء الماضي تحركت القوات صوب العباسية تقلي التي وصلتها عصر ذات اليوم .
تقسيم قوات المليشيا الى جزءين
والرحلة من الخرطوم الى ابو جبيهة عبر ام روابة وغيرها من المدن في شمال وجنوب كردفان لم تستغرق وقتاً طويلاً ، حيث تم تقسيم القوات الى جزءين قبل وصولها الى ابو جبيهة في جنوب كردفان.
وتحرك جزء من هذه القوة الى جنوب شرق العباسية تقلي ناحية ( المقينص والترتر) في جنوب كردفان وهذه القوة قوامها (200) من سيارات الدفع الرباعي، مع (50) شاحنة قوات وامدادات عسكرية، وانواع مختلفة من الاسلحة الثقيلة لم يحدد مصدرنا بالعباسية انواعها موضحاً ان هذه القوات لم تحدث اي نوع من الفوضى في المنطقة حتى تحركت المجموعة الاولي ناحية الترتر المقينص.
اما الشق الآخر من القوة تحرك ناحية الجنوب تحديداً محلية رشاد التي عبرتها ليلاً الى محلية ابوحببيهة فوصلتها عشية الثلاثاء، وفي طريقها الى ابوجبيهة علمت (عاين) ان هذه القوات احدثت نوع من الرعب والفوضى، تمثلت في ان هذه القوات قامت بتناول وجبات في مطاعم ليلة ب(تجملا) وشراب بعض الشاي ولم يدفعوا فاتورة الطعام، مما ادي الى خسارة كبيرة في مطعم (محمد تاندك) وفي اثناء مغادرتها سمع المواطنون اصوات اطلاق نار دون اصابات.
وصول قوات الدعم السريع الى ابو جبيهة
وفي ابو جبيهة تم استقبال القوات من قبل لجنة الامن بالمحلية ، وتم ايواء القوة التي بلغ عددها (2.500) مقاتل وهم على (255) من سيارات الدفع الرباعي الى جانب (20) شاحنة محملة بالذخائر ، وفي كل سيارة تم وضع مدافع (دوشكا اربجي ومدفع 42 )، ويقول مصدر من ابو جبيهة طلب عدم ذكره اسمه لـ(عاين) ان القوات تم إنزالها ببورصة المحاصيل شمال المدينة حي (القلعة) وهو من احدث واكبر الاحياء بالمدينة.
وافاد المصدر ان القوات دخلت علي ثلاثة دفاعات في يوم واحد كان في استقبالها رئيس لجنة الامن ومعتمد المحلية (بابكر الشريف) ،الذي قام بمخاطبة القوات ومرحباً بها ، قبل ان يتلقى إتصال من نائب رئيس الجمهورية (حسبو عبد الرحمن) الذي كان في زيارة لمحلية تالودي والذي اثنى على دور قوات الدعم السريع، واكتفي قائد حامية مدينة ابوجبيهة بتمثيلهم في الخطاب.
ونفي المصدر حدوث اي فوضى من قبل هذه القوات في المدينة ، لكنه اشار الى انها اطلقت نيران في الهواء ولم يذكر وقوع اصابات وسط المدنيين، مؤكداً انتشارهم بكثافة في السوق بالزي الرسمي مما اثار رعب وسط السكان.
غير ان مصدر آخر قال لـ (عاين) ان القوة حين دخولها الى ابو جبيهة اعلنت انها ستقوم بتأديب القوى السياسية في المدينة قبل الذهاب الى مناطق العمليات في جنوب كردفان ، حيث يقول القيادي في حزب البعث العربي الاشتراكي عادل خلف الله ” حين وصلت هذه القوات قبل يومين الي منطقة ابو جبيهة اعلنت وعلى رؤوس الاشهاد انها قبل الذهاب لقتال الحركات المتمردة في الميدان تريد ان تقوم بتأديب الاحزاب السياسية في المنطقة “
معارك صغيرة قبل وصول الدعم السريع قرب كادوقلي
قبل ان ترسل الخرطوم قوات مليشيا الدعم السريع التي وصلت ابو جبيهة ، كانت قد ارسلت ست كتائب من الجيش السوداني الى مدينة كادوقلي ، وقالت المصادر ان هذه القوات كانت قد دخلت في اشتباكات متفرقة مع الجيش الشعبي المقاتلة في منطقة (الدشول) ، وافادت مصادر (عاين) في كادوقلي التي تشهد هذه الايام مناوشات مستمرة من الجيش الشعبي ان قوات الحكومة تم توجيهها الى (تافري) غرب المنطقة وهي بعيدة لايمكن الوصول اليها هذه الايام بسبب تبادل اطلاق النار بين جيش الحركة والحكومة في هذه المنطقة والمناطق المحيطة بها.