الحرب في النيل الازرق
٢٩ يوليو ٢٠١٣
أمضت ولاية النيل الأزرق ما يقارب العامين من القصف الجوي والتدمير الشامل الذي إستهدف المواطنين العزل الذين لايعرفون كيف يختبئون من الرصاص والقصف الذي يستهدف كل من هو حي. فمنذ أن بدأت الحرب أصبح الوضع الإنساني فى حالة تدهور مريع. وما زاده سوءً هو منع العون الغذائي من الدخول عبر المنظمات العاملة فى الشأن الإنساني. مما حدا بعض المحللين لإتهام الحكومة السودانية بإستخدام الغذاء كسلاح حرب ضد المواطنين. (عاين) وقفت مع مواطني النيل الأزرق لمعرفة ماهي المتغيرات هنالك. فكانت الحصيلة وفيات بسبب الحرب فضلاً عن أمراض فتكت بالمواطنين إضافة الى النزوح واللجوء.
حالات الوفاة و تفشي الأمراض
يقول مراسل (عاين) الميداني من النيل الأزرق بعد مسح قام به مع الإدارت الأهلية بالمنطقة وسط أعيرة النيران المتبادلة بين طرفي الحرب: “نسبة الوفيات بين الأطفال وكبار السن لهذا العام تفوق الـ٣٦٥٠ حالة”. الأسباب الرئسية للوفاة بين الأطفال كانت سوء التغذية وأمراض الطفولة الستة. أما كبار السن فأغلب وفياتهم كانت بسبب الأسهالات والوبائيات وإنعدام الرعاية الأولية. من جانبه قال العمدة (أحمد التوم عبد الله) المشرف الإداري على معسكرات النيل الأزرق في جنوب السودان: ” إن الوفيات بسبب مرض الكبد الوبائى بلغت الـ٦٥٠٠ حالة خلال الستة أشهر الماضية”.
أما مسؤولة المراة فى معسكرات النيل الأزرق في جنوب السودان الأستاذة (عاليا تاج الدين) فقد قالت لـ(عاين) أن أوضاع النساء فى معسكرات الولاية أصبحت فى تردى مريع. و كشفت عن فقدانهن لكافة وسائل الإسعافات الأولية. وقد أدى هذا الى إنتشار الإلتهابات الخاصة بالأنوثة التي عادة ما تتطور الى أمراض بالغة الخطورة. و أوضحت أن هنالك ٢٠٠٠ حالة إجهاض لنساء فى بواكير سن الولادة بكافة مناطق الولاية نجمت جلها من السير لمسافات طويلة أو الخوف من القصف الجوي المتواصل.
و كشف (سيماوي عدلان) المشرف الصحي لمعسكرات النيل الأزرق لمراسل (عاين) عن ظهور حالات عديدة من مرض الإيدز فى الآونة الأخيرة. وصل عددها حتى الآن الى ٨٣ حالة. وهنالك عدد كبير من الأمراض المنقولة جنسياً كالسيلان والزهري وغيره من الأمراض التى تتطلب تدخل عاجل لمكافحتها عبر الأدوية اللازمة. إضافة الى تثقيف مصابي الإيدز و غيره من الأمراض الجنسية للحد من إنتشارها.
إنعدام الخدمات
يقول مراسل (عاين) أن مواطني النيل الأزرق أصبحوا “لايعرفون مايسمى بالخدمات “. إن الوضع متردي حتى أصبح هَم المواطن الأكبر تناول وجبة واحدة في اليوم. وهي غالباً عبارة عن بليلة عدس أو ذرة بمعدل كوب صغير فى اليوم. مما أدي الى صرف النظر عن بقية الخدمات مثل التعليم والصحة. فهنالك مناطق مأهولة بالسكان لايوجد بها أي مستشفى. بينما تكاد تخلو الولاية من الأطباء المتخصيين للإشراف على المرضى. وهذا أدى الى إرتفاع نسبة الوفيات بين السكان.
أما التعليم فيقدرعدد الاطفال الذين هم فى سن التعليم بـ١٥ ألف طفل، إلا أن مدارس المنطقة كلها مغلقة. وصارالأطفال فى سن التعليم مشردون يبحثون عما يسد رمقهم.
تراجع في نسبة النزوح
يقول مراسل (عاين) أن نسبة النزوح لهذا العام هى الأقل مقارنة بنازحي العام ٢٠١١ و ٢٠١٢. مرجعاً السبب الى تدني مستوي العيش بالمعسكرات إضافة الى إنتشار الأمراض المختلفة فى كافة المعسكرات المكتظة بالنازحيين. فقد بلغت نسبة النزوح فى ولاية النيل الأزرق لهذا العام ١١ ألف نازح. كان أغلب النزوح فى الفتره مابين مارس ويوليو من العام الجاري بسبب القصف الممزوج بعمليات برية إستهدفت المواطنين فى كل من منطقة (ميق)، (موفو) و (ميزانة) إضافة الى محلية (الكرمك). مما خلف وراءه العديد من القتلى والجرحى وأدى الى فقدان عدد كبير من الماشية.
معارك ضارية
قال مراسل (عاين) فى وصف حالة النيل الأزرق من الجانب العسكري , شهدت الآونة الأخيرة تصاعد فى القتال. ففى شهر مارس من العام صدت الجبهة الثورية – الجيش الشعبي شمال هجوما شنه الجيش السوداني على منطقة (سركوم) بواسطة الطائرات والاليات الثقيلة و المدافع طويلة المدي مثل مدفع (130)من أكثر المدافع ذا صوت مدوي ومرعب عرفه المدنين فى تلك المناطق.
وأضاف مراسل (عاين) قائلاً: “بينما كنت حول ميدان المعركة ,فإذا بأحد الطائرات من طراز ميج تحلق بالقرب, فتمكن أحد المدفعجية من إصابتها بدقة أدت الى سقوطها على الفور. و ادى هذا الى ابعاد القوات المسلحة لمسافة بعيدة من المنطقة. الا ان الجيش السوداني إستعاد قوته وشن هجوما فى أوائل ابريل من هذا العام , فكان هو الأشرس منذ بداية العام. عرف بمعركة ( سركوم) التى أدت وحدها الى نزوح ١٠ ألف مواطن الى المعسكرات الداخلية. بينما لجأ ٦ الف الى دولتى إثيوبيا وجنوب السودان.
و قال مراسل (عاين) أن في الفترة من مارس الى يوليو الحالي شهدت مناطق سيطرة الحركة الشعبية-شمال أكبر عمليات قصف جوي منذ إنطلاق الحرب. حيث تقدر عدد القنابل التى تم إسقطها عبر الأنتنوف فى مختلف مناطق الولاية بـ١٥٠ قنبلة. منها ٤٠ قنبلة بمنطقة (موفو) و ٣٥ قنيلة بمنطقة (مينزة) و٤٥ بمنطقة (جندراسة). أما بقية ال٣٠ قنبلة فكانت فى كل من (جبل حلة) وبعضها بـ(دندور) والبقية فى مناطق خالية من السكان.
سياسة العون الإنساني
وصف مسؤول الشؤون الانسانية للحركة الشعبية بالنيل الأزرق (هاشم أورطة) مايحدث فى الولاية بالكارثة. وقال فى تصريح لـ(عاين) عبر الهاتف: “هنالك مشاكل صحية وسط المدنيين متمثلة فى إنتشار الملاريا، اليرقان والإسهالات بالمعسكرات”. موضحاً أن الإسهالات المائية و ما يعرف بالكبد الوبائي قد أودى بحياة الكثير من المواطنين. مما أدى الى مغادرة العديد منهم لمعسكر (جندراسة) و (دورو).
وناشد (أورطة) المنظمات العاملة فى الشئون الإنسانية بالإسراع لإنقاذ حياة مايفوق الـ١٠٠ ألف شخص من سكان المناطق الواقعة تحت سيطرة الحركة الشعبية-شمال. وقال: “نحن لن نرضخ الى الضغوط التى تمارسها الحكومة من منع دخول المنظمات وبرنامجنا ماضي فى التنفيذ الى حين إسقاط النظام”. و قال موضحاً أن أى مفاوضات بين الحركة الشعبية-شمال ونظام الخرطوم ستنحصر فى القضايا الإنسانية فقط. وقطع أن لا حوار دون فتح ممرات آمنة لإيصال الغذاء والدواء الى إنسان المناطق المسيطرة عليها الجبهة الثورية فى كل السودان.
ولكن القيادى بالمؤتمر الوطنى الحاكم (ربيع عبد العاطي) حمل الحركة الشعبية-شمال مسؤولية تردي الأوضاع الإنسانية وقال لـ(عاين): “الحكومة لها رؤية واضحة فى كيفية إيصال الغـذاء وهو أن تضع الحركة الشعبية سلاحها وتترك المنظمات الوطنية لممارسة مهمتها الإنسانية فى مساعدة المتضريين”. وهذا ماعلق عليه الأستاذ (آدم علي) الناشط فى مجال حقوق الانسان قائلاً لـ(عاين): “إن أسواء مافي نظام الحكم بالخرطوم أنه يستخدم الغـذاء كسلاح فى حربه مع الحركة الشعبية -الشمال وهو أمر مرفوض للغاية”. و طالب الأستاذ (آدم علي) الإتحاد الأفريقي بإيجاد صيغة عاجلة لإدخال الغذاء للمتضررين فى مناطق الصراع بالسودان.