التعليم في السودان بين نقص الامكانات ومطرقة الحرب معلم : نسبة النجاح الحقيقة 30% من النسبة المعلنة

١٧سبتمبر٢٠١٤

اثار التقرير الشهري الذي اصدرته اليونسيف بدايةاغسطس الماضي حالة من الذهول والذعر في آن واحد علي واقع التعليم في السودان وما سيؤل اليه ان استمرت الاوضاع علي ماهي عليه من تدني في الموازنة السنوية من الدولة وعدم استعداد في كل المجالات من تهيئة بيئة مدرسية واعداد معلمين بل حتي ايجاد مدارس بديلة للتي دمرتها الحرب في مناطق جنوب كردفان والنيل الازرق ودارفور ورغم ان اليونسيف في تقريرها الشهري تقول ان هناك حوالي مليون سوداني في سن التمدرس لايتلقون تعليما نظاميا .

وتقول ادارة التعليم الاساسي بولاية الخرطوم ان التعليم مستقر وانها عالجت قضايا تسرب الطلاب من المدارس وان كل الطلاب في سن التعليم يتلقون تعليما نظامياً ، غير ان الواقع يكذب الامر تماما حيث تعلن منظمات وطنية ان التعليم في ولاية الخرطوم بحكم انها من المناطق غير المتاثرة بالحرب تواجه قصوراً في كل اوجه العمل فيه ، حيث تقول منظمة (مجددون ) الوطنية ان حوالي 200 الف طالب اساس بولاية الخرطوم لا يتناولون وجبة الافطار في المدرسة ولا يحضرون معهم نقودا لشرائها لفقر اسرهم وعدم مقدرتها علي ذلك وفي ظل هذا الوضع فأن حديث الوزارة عن استقرار التعليم يبقي حديثا غير صحيح او قل مجافي للحقيقة تماما فهؤلاء الطلاب هنا في عاصمة البلاد حيث الاستقرار وارتفاع مستوي دخل الفرد عن بقية اطراف السودان وبالمقارنة مع مناطق النزاعات يبقي الامر لا يحتاج الي كثير اجتهاد لتحديد الخلل فيما يعتري التعليم في المناطق المتاثرة بالحرب في ولايات السودان الاخري وخصوصا المناطق التي تم فيها تدمير المدارس سواء بالقصف او الاحراق او التي نزح عنها اهلها ولا يوجد بها مدارس او معلمين والمقارنة ايضا معدومة بين الولايات المستقرة والتي تعاني نقصا في المعلمين وغير المستقرة التي تعاني نقصا في كل شيء التحقيق التالي يوضح جانبا من الماسأة :

لمحات من واقع التعليم في السودان:

في السودان الان هناك نظامين للتعليم حكومي وخاص ، وظل السودانيون يرددون ان التعليم الحكومي قد انهار كليا ويبدو ذلك واضحا في واقع انهيار 151 مدرسة بولاية الخرطوم التي تحشد حكومتها الان امكانات كبيرة لعدم كشف واقع تردي التعليم الحكومي فيها والتي صار المواطن فيها لا يذهب بابنه الي المدرسة الحكومية ، حيث ان الواقع الان صار اشبه بالمهزلة حيث طرح بنك الخرطوم علي المدارس الخاصة برنامج لتمويل دراسة الطلاب مع استرداد التمويل من الطالب بفوائد عالية او من اسرته بعد التخرج .

وعن ذلك تقول مديرة مدرسة خاصة فضلت حجب اسمها لـ (عاين ) انها رفضت عرض بنك الحرطوم لما فيه من استغلال بشع لحوجة الاسر الي تدريس ابنائها دراسة مفيدة لا توجد بالمدارس الحكومية للاسف وهذا الطرح من البنك بلا شك يوضح الي اي حد وصل واقع التعليم في السودان ، وتضيف ( كل قادة الحكم الان تعلموا في المدراس والجامعات دراسة مجانية وذهبوا لنيل الدرجات العلمية العليا خارج السودان علي حساب دافع الضرائب السوداني ) .

فيما تقول المعلمة مني لـ (عاين) ان الحكام في الخرطوم لا يتعلم ابنائهم في المدارس الحكومية اطلاقا ولا يدرسون الجامعات داخل السودان حتي لذلك هم غير معنيين بامر التعليم او معالجة مشاكله التي صارت بائنة لكل صاحب بصيرة واعية ، وتضيف ان الاوضاع المادية للاسر اسمهت بشكل كبيرفي عدم الحصول على خدمات جيدة في التعليم خاصة في المدن الكبرى ، وتشيرا الى ان هناك فاقد تربوي ، وتقول ( هنالك العديد من المواطنين لا يملكون حق تعليم ابناءهم والرسوم الدراسية قد تصل مبلغ 300 جنيه ولا توجد مدارس قريبة من منازلهم وفي المناطق الطرفية لا تتوفر بيئة مدرسية للتعليم حيث لا يوجد معلمون بسبب عدم ضعف المرتبات وعدم صرفها في مواعيدها ) ، واكدت  ان في هذا العام لايوجد كتاب مدرسي في المدارس الحكومية حتي ان عدد كبير من الطلاب يشتركون في الكتاب ، واضافت قائله أن الطالب لايملك مالاً لشراء وجبة الافطار فكيف بشراء الكتاب المدرسي ، وكشفت عن طلاب يعولون اسرهم وهم في عمر التمدرس يشتغلون الاعمال الهامشيه في الاسواق ونحن نعاني من مشكله كبيره وهي الانهيار الاخلاقي الي هولاء الطلاب فهم في عمر التربيه ويفتقرون النضوج الفكري والعقلي المتكامل لذلك كثرت المشاكل في المدارس الحكوميه واغلبية هذه المشاكل اخلاقيه وسلوك  غير سليم من قبل الطلاب                                        

الواقع التعليمي في مناطق النزاع

من جانبه ركز خالد بشير علي آثار الحرب في المناطق الثلاث : جنوب كردفان ،النيل الازق ودارفور وعدم ملاءمة الوضع في معسكرات النازحين ، ويقول ان كل ذلك اسهم في قلة تقديم خدمة التعليم ، ويضيف ( حتي المدارس بعيدة في الجبال واهالي الطلاب يخشون علي ابناءهم من القصف الجوي عند ذهابهم او عودتهم او حتى داخل مدارسهم ) ، ويقول ان هناك عوامل اخرى مثل المناخ حيث ان هناك مدارس تبدأ عامها الدراسي مع فصل الخريف وان ذلك يسبب في غياب الكثيرين بسبب تحضيرات الزراعة في المناطق الريفية  ان العام الدراسي لا يتوافق مع العوامل المناخيه في السودان فالمدارس تفتح في فصل الخريف ، وطالب خالد بايقاف الحرب اولا وتحقيق السلام في مناطق النزاع في السودان ، داعياً الدولة بلقيام بدورها في الحاق ابناء المناطق المتأثرة بالحرب بالتعليم النظامي حتي لا يصبحوا فاقد تربوي يوثر علي النماء الكلي بالسودان .

ويرى الدكتور مبارك التوم الخبير في التعليم في حديثه لـ(عاين ) ان  واقع الحرب الحالية في جبال النوبة والنيل الازرق ودارفور جعلت الكثير من الطلاب يتسربون من المدارس بعد ان اجبرتهم الحرب للنزوح الى مناطق اخرى لا تتوفر فيها المدارس او المعلم ، ويقول ان الحرب اثرت بشكل مباشر على الاطفال في سن التعليم في تلك المناطق وان ذلك سيخلق فجوة كبيرة حتى بعد تحقيق السلام في التفاوت بين المناطق التي تشهد النزاع والتي تعيش في استقرار ، داعيا القيادات السياسية في الحكومة والمعارضة لاعطاء الاولوية لقضايا التعليم وبخاصة في المناطق المتأثرة بالحرب .

التقلبات السياسية وراء ازمة التعليم

الخبير التربوي ابو القاسم علي تحدث لـ (عاين ) عن تدهور التعليم ، ويرى ان التقلبات السياسية في البلاد وتدخل الحكومات خاصة التي تأتي عبر انقلاب عسكري كانت اكبر الكوراث في التعليم ، ويقول ان المنهج نفسه صار جزءا من الفشل الذي يعتري العملية التعليمية والتربوية في السودان الان وصار لا يخرج طالبا مؤهلا للعمل الوظيفي او الحياتي العام وصار هناك اختلاف في المنهج الذي لم يعد كالسابق في السودان ، ويضيف ان هناك ظروف كثيرة اسهمت في تسرب اعداد الطلاب في سن التعليم اهمها انعدم الامن والاستقرار في عدد من ولايات السودان والبيئة المدرسية الطاردة كذلك وعدم توفر المال لدي اغلب الاسر السودانية ، واوضح ان اغلب الاسر تعاني من توفير الوجبات والكتب ولوازم التعليم الي ابناءها مما تدفعها الى اخراجهم من المدارس لمساعدتها بتوفير لقمة العيش ، ويقول ان العدد الذي ذكره التقرير قد يكون اكبر من الحقيقة لكن لو كان العدد نصف هذا فهو ايضا خسارة كبيرة للسودان بلا شك ان يكون فيه حوالي 500 الف غير مؤهلين وغير مساهمين في التطور والتنمية فيه في مقبل الايام .

ومن جانبه يقول الدكتور مبارك التوم الخبير التربوي لـ (عاين ) ان التعليم في السودان مر بمراحل متدرجة من التردي وان التدهور بدأ منذ فترة حكم الرئيس الاسبق جهفر نميري والذي شهد عهده تراجع قيمة الجنيه السوداني وبقاء راتب المعلم علي ماهو عليه وصارت الاوضاع في تدهور متسارع حيث تمت توسعة التعليم بدون بنيات تحتية حقيقية ، ويشير الى ان التوسع في التعليم استند على زيادة المدارس فيما هناك نقص كبير في المعلمين بسبب ضعف الراتب وعدم التدريب والبيئة المدرسية الطاردة  ، ويقول ان الدستور الانتقالي لسنة 2005 كفل حق التعليم للتلاميذ في سن التعلم .

ويقول التوم ان ولاية الخرطوم 76% من طلابها لا تستطيع اسرهم ان توفر لهم وجبة الافطار وهذا ان يحصل المواد التي يدرسها وينجح فيها ويصير له شأن في المجتمع كما ان دخول التعليم الخاص الذي صار يخصم كثيرا من التعليم العام اثر بشكل كبير علي العملية التعليمية في السودان فشهدنا مدارس الخمس نجوم التي صارت ملاذا لابناء المسؤلين والاسر المقتدرة بتجهيزاتها المتكاملة ولكن المدارس الحكومية كاللتي توجد في امبدة مثلا تجد الفصل الدراسي فيه 90 طالب او اكثر وزمن الحصة 40 دقيقة فقط مما يعني ان لكل طالب في الحصة الواحدة اقل من نصف دقيقة من الاستاذ الذي يقوم بتدريسه وهذا لايساعد علي التعلم باي حال من الاحوال بل لا ينتج شخص مؤهل للعمل العام وهو يخلق الفجوة التي نراها الان لكن هم بلا شك افضل حالا من الذين لا يتلقون تعليما نظاميا علي الاطلاق فهؤلاء حكم عليهم بالجهل في بقية حياتهم بينما العلم حق لهم كفلته الدساتير والقوانين المحلية والدولية .

لقد تضرر التعليم في السودان كثيراً من سياسيات الحكومة منذ وصولها الى السلطة في العام 1989م ،  وصار التعليم سلعة من السلع التي تباع بالمال لذلك تدهور الوضع العام في الدولة لما للتعليم من ارتباط كبير بالتطور والتنمية في صورتها العامة في الدول ولكن هناك مؤشرات علي استمرار التردي وعدم