استفتاء دارفور وخروج اليوناميد … العودة إلى الحرب
– شبكة عاين – ٢٥ يناير ٢٠١٥ –
فتح قرار الرئيس السوداني عمر البشير بإجراء الاستفتاء في دارفور جدلاً واسعاً، وتكهنات حول مآلات هذا الاستفتاء ونتائجه المتوقعة التي سبقتها احداث في الآونة الأخيرة، وترى الحكومة أن تمسكها باستفتاء دارفور كأحد استحقاقات إتفاقية الدوحة التي وقعتها مع حركة التحرير والعدالة وتمر هذه الأيام الذكرى المئوية على إنضمام دارفور إلى الدولة السودانية (1916-2016)، فضلاً عن أن القرار تزامن ايضاً مع مطالب الخرطوم بخروج البعثة المشتركة للامم المتحدة والاتحاد الافريقي (اليوناميد) من الاقليم والمتوقع مناقشته في مارس المقبل، مع تصاعد العنف في منطقة (مولي) في ولاية غرب دارفور التي راح ضحيتها العشرات ونزوح المئات من المواطنين الى مدينة الجنينة عاصمة الولاية، ونازحين آخرين من جبل مرة إلى نيالا ، عاصمة ولاية جنوب دارفور في الايام الماضية، والعمليات العسكرية التي شنتها القوات الحكومية ومليشيات الجنجويد (الدعم السريع) في منطقة جبل مرة، وما جرى على الارض يعني أن الحكومة تسعى لفرض واقع جديد على الارض، وهذه الاحداث المترابطة التي تمهد للإستفتاء تثير شكوكاً حول سلامة اجراءته ونزاهته.
وخرجت تظاهرة كبرى في العاصمة البريطانية لندن نظمها إتحاد أبناء دارفور في المملكة المتحدة وايرلندا للتنديد بالجرائم التي وقعت في بلدة (مولي) في ولاية غرب دارفور قبل اسبوعين، وطالب المتظاهرون في مذكرة سلمت إلى مكتب رئيس الوزراء ديفيد كاميرون بوقف الجرائم في دارفور وحماية المدنيين والإبقاء على بعثة (اليوناميد) إلى جانب تسليم الرئيس السوداني عمر البشير وبقية المتهمين بإرتكاب جرائم إبادة جماعية في الإقليم إلى المحكمة الجنائية.
وكانت الحكومة السودانية قد طلبت من البعثة المشتركة للامم المتحدة والاتحاد الافريقي في دارفور (اليوناميد) وضع خطة للخروج من الاقليم، وتعتقد الخرطوم أن الوضع في الإقليم اصبح أكثر إستقراراً من ذي قبل، وما زالت المناقشات مستمرة بين الأطراف الثلاث، وحدد مارس المقبل موعداً لوضع إستراتيجية لخروج البعثة التي نشرت قواتها بمشاركة عدد من الدول الأفريقية في الإقليم أواخر العام 2007.
المؤتمر الوطني يستبق إجراء الإستفتاء بإعلان نتائجه مبكراً
وقد استبقت الحكومة وعلى لسان نائب الرئيس حسبو محمد عبد الرحمن ومسؤولين آخرين إجراء الاستفتاء باعلان نتائجه، حيث يقول إن العودة لتطبيق نظام الأقاليم بدلاً عن الولايات مستحيلة، مشيراً إلى أن ذلك قد يقود دارفور إلى المطالبة بالحكم الذاتي، الذي يقود إلى الانفصال، مضيفاً (علينا الاستفادة من تجربة الجنوب وعلينا ألا نعيد الانكفاءة.. إن فعلنا ذلك سنضعف الوحدة الوطنية وقد تتحول العودة للأقاليم إلى مناداة أو مطالبة بالحكم الذاتي)، فيما قال رئيس مجلس الولايات السابق الفريق أدم حامد موسى إن الاستفتاء هو إلتزام سياسي لابد من الوفاء به، مشيراً إلى أن الوضع الأمثل هو بقاء الولايات الحالية لأنها تتيح المزيد من السلطات، وعد أن العودة إلى الإقليم الواحد ردة عن أهداف الحكم اللامركزي.
وسبق أن طالب نائب الرئيس في أواخر ديسمبر الماضي من النازحين في دارفور الاختيار بين الموافقة على التوطين في مناطق النزوح أو العودة إلى المناطق الاصلية، بل وذهب أكثر من ذلك بأن قال إن الحكومة قررت تفكيك معسكرات النازحين مع بداية هذا العام. ويرى كثيرون أن هذه الرسالة هي بداية حرب جديدة في الاقليم، وتسعى الحكومة في ذات الوقت لإنهاء تفويض البعثة المشتركة للامم المتحدة والاتحاد الافريقي في دارفور (يوناميد) في مارس المقبل رغم انعدام الأمن في الإقليم. ويرى مراقبون أن خروج (اليوناميد) سيسمح للحكومة بإرتكاب جرائم ابادة جديدة وفرض واقع جديد في المنطقة، من جانبه وجه القيادي في حزب المؤتمر الوطني الحاكم كبشور كوكو أعضاء حزبه في دارفوربالإعداد المبكر للاستفتاء وحسمه بالتصويت لصالح خيار الولايات الحالية، وقال إن ولاية جنوب دارفور ستحسم الاستفتاء بثقلها السكاني، وأضاف (لابد من الانتباه إلى خطورة إدخال مستوى رابع إلى سلطات الحكم في قيام اقليم واحد وهو منقصة من السلطات التي لدينا في الولايات).
الاستفتاء غرضه تقسيم الإقليم عرقياً
ويرى الكاتب والباحث في المعهد الافريقي في جامعة كورنيل الأمريكية أحمد حسين آدم أن كل الاحداث مرتبطة ببعضها البعض، ويأتي ذلك على أبواب الذكرى المئوية لانضمام دارفور الي السودان، ويقول إن إجراء الاستفتاء له مغزى خطير لأن السلطة تسعى إلى فرض أمر واقع جديد بتقسيم دارفور عرقياً، فضلاً عن أن الجنجويد يفرضون سيطرتهم في عدد من المناطق، ويضيف (الجنجويد فرضوا انفسهم بالقوة وأصبحت دارفور مستعمرة (للجنجويد) مما ضاعف الازمة فيها)، ويقول لـ(عاين) إن المجتمع الدولي مشغول حالياً بالازمات الدائرة في منطقة الشرق الاوسط ومحاربة الارهاب وقد إستغلت الخرطوم تجاهل الاهتمام الدولي بدارفور وسارعت علي فرض سياسة الامر الواقع، معتبراً إن احدى تجليات ذلك مطالبة الخرطوم بطرد اليوناميد من الإقليم حتى لا تصبح شاهدةً على تكرار الابادة الجماعية الثانية.
ويرى آدم أن إجراء الإستفتاء له خطورته على الارض لانه سيقوم على أساس اثني وعرقي، وإن رغبة الحكومة الآن هي تفكيك معسكرات النازحين باعتبارها تمثل آخر حلقات الوصل مع المحكمة الجنائية الدولية لان النازحين هم شهود العيان على الجرائم التي ارتكبت خلال (12) عاماً. ونوه إلى أن الاستفتاء ليس مقصوراً على تطبيق إتفاقية الدوحة بل يتماشى مع الإستراتيجية القديمة الجديدة لتدمير النسيج الاجتماعي في الإقليم مجدداً عبر سياسة فرق تسد، ويشير إلى أن بعض القبائل الحليفة للحكومة قامت بمراجعات لمواقفها ورأت أن الحكومة هي المستفيد الاول من الصراع، ويضيف متسائلاً (لماذا الاستفتاء الان؟ الأمر الواضح هو أن الحكومة تستغل الازمات التي تدور في العالم، وتوقع أن تدخل دارفور في حرب إبادة جديدة تبدأ بتفكيك معسكرات النازحين بالقوة، ويقول (يقف وراء هذاه المخطط الخطير نائب الرئيس حسبو محمد عبدالرحمن وهو ممثل الجنجويد في القصر الجمهوري)، وتابع (نحن في القرن الحادي والعشرين نرى أن انسان الاقليم يعيش في سخرة وعبودية).
الحكومة ترى أن الوضع الأمني في افضل حالاته
ويقول وزير الدولة في مجلس الوزراء أحمد فضل لـ (عاين) إن إجراء الإستفتاء بند منصوص في وثيقة الدوحة لسلام دارفور واجب النفاذ، و يضيف أن الأطراف الموقعة على الوثيقة ليس لديها خيار الإ تنفيذ ما ورد فيها. ويرى فضل أن الوضع الامني في دارفور افضل بكثير من السنوات السابقة، وليس ذلك سبب اساسي لتأجيله. واكد ان دليله على الاستقرار هو قيام الانتخابات السابقة التي اجريت في كل ولايات دارفور، ولم تشهد اي توترات وإن شرط الاقتراع في صناديق الاستفتاء ليس مرتبطاً أن يقيم الفرد داخل المعسكرات او خارجه ولكن الشرط الاساسي هو أن يكون مقيماً داخل حدود الاقليم الغربي، وصناديق الاقتراع ستصل كل فرد اذا رغب أن يدلي بصوته، وابدي فضل تفاؤله من نجاحه، ويضيف (رغم ان الوقت غير مناسب ،لكن العملية ستصل الي نهايتها، وخروج اليوناميد يتم عبر الاتفاق).
خروج بعثة اليوناميد تمهيد لارتكاب انتهاكات جديدة
يقول الامين العام لحزب المؤتمر السوداني مستور أحمد لـ(عاين) إن النظام يسعى عبر إجراء الاستفتاء صرف الأنظار عن قضايا مهمة، لا سيما أن بنود وثيقة الدوحة الأخرى تشمل مهام يجب تنفيذها، وأوضح (الاستفتاء يجب أن يرتبط بالاستقرار وتحقيق السلام على الارض وإجراءه بالطريقة التي تعدها بها الحكومة سيكون محصوراً عل سكان المدن)، معتبراً إن الاستفتاء سيصبح منقوصاً وغير شامل لكل سكان دارفور، مؤكداً أن مهمة بعثة اليوناميد هي حماية المواطنين وفق التفويض الممنوح لها الى جانب مراقبة عملية السلام رغم ضعف اداءها، رافضاً فكرة خروج اليوناميد في ظل استمرار الحرب في دارفور، ويقول (خروج اليوناميد تعد جريمة في ظل حوجة الناس للحماية رغم أن وجودها في الفترة الماضية لم تمنع الحكومة من ارتكاب الجرائم وفشلت في حماية المواطنين)، ويضيف أن البعثة الاممية المشتركة تحتاج إلى إجراء اصلاحات.
العودة إلى المناطق الاصلية
يعتقد بشارة منقو القيادي في حركة تحرير السودان قيادة مني اركو مناوي أن الاستفتاء يحتاج إلى إستحقاقات حقيقية حول أهمية الاقليم الواحد، أو وضعيته الحالية بالولايات الخمس، وأن الوضع على الارض لا ينفصل عما تمارسه الحكومة من الابادة والحرق وضرب المواطنين وتسميم آبار المياه، ويقول (كل هذه العمليات لم تتوقف، والنازحون تتزايد أعدادهم يومياً، ورأي الحركة هو الإبقاء على الاقليم الواحد)، ويضيف (إذا تم اجراء الاستفتاء في الوقت الراهن فإنه لا يمثل سكان دارفور)، ويشير إلى أن نجاح الاستفتاء رهين بعودة النازحين واللاجئين إلى قراهم ومناطقهم الاصلية، وحول وجود بعثة اليوناميد، يقول منقو إن دورها ضعيف وليس بالمستوي المطلوب، لكن وجودها مفيد على الارض،ثم ان دورها يجب ان لا يكون منحصراً في المراقبة، بل يجب أن يشمل حماية المدنيين بتفويض من الامم المتحدة وفق البند السابع من ميثاق المنظمة الدولية، وعلى المجتمع الدولي أن يرفض خروج اليوناميد.
من ناحيته يقول الناشط عيسى محمد من مدينة نيالا في ولاية جنوب دارفور أن المواطنين لم يسمعوا عن الاستفتاء، ويضيف لـ(عاين) أن الحكومة ستسخدم القوة لإجبار المواطنين للمشاركة في الاستفتاء مثل ما حدث في الانتخابات الماضية حيث تم إرغام النازحين للادلاء باصواتهم، وتوقع اندلاع الحرب في دارفور بشكل أوسع مما سيزيد من تدهور الوضع الأمني، ويقول إن الاستفتاء يحتاج إلى تعداد سكاني لضمان مشاركة أهل الاقليم، وأوضح أن المدة التي حددتها المفوضية لمن يحق له التصويت بثلاث اشهر سيقود إلى عملية تزوير، ويشير إلى عدم وجود تعريف للمواطن حول الاستفتاء، ويعتقد أن مشاركة الحركات المسلحة في العملية هي الضمانة لجعل الاستفتاء يتوصل الى إتفاق سلام ، لكنه استدرك قائلاً (مستحيل أن تشارك الحركات مع هذه الظروف المعقدة).
ويرسم محمد عبدالرحمن حمدي من ولاية شمال دارفور صورة قاتمة للإوضاع الأمنية في دارفور، ويقول إن الإقليم لم يشهد إستقراراً أمنياً لاكثر من (12) عاماً، ويضيف (كيف نضمن نجاح الاستفتاء مع إنعدام الأمن والشروط القانونية والشفافية)، ويشير إلى أن المعارك التي شهدتها جبل مرة في الأونة الأخيرة إلى جانب احداث مولي في غرب دارفور تؤكد فشل الاستفتاء قبل قيامه، ويقول إن هناك نزوح كبير للمواطنين بشكل مستمر.
إستفتاء دارفور صنيعة حكومية لإشعال حرب قبلية
هنالك شبه اجماع في معسكر (الحصاحيصا) في ولاية وسط دارفور برفض إجراء الاستفتاء وخروج بعثة اليوناميد من الإقليم ومحاولة إجبار إخلاء معسكرات النازحين قسرياً وتركهم للمجهول. ويقول مصدر من المعسكر لـ (عاين) إن اجراء الاستفتاء وخروج اليوناميد هي صنيعة حكومية تحاول من خلالها تمرير رسالة مضللة إلى المجتمع الدولي والمهتمين بقضية دارفور. ويضيف (على جميع سكان دارفور مقاطعة الاستفتاء وخطة الحكومة التي تعمل على هتك النسيج الاجتماعي وإشعال حرب قبلية في الاقليم)، ويقول إن النظام الحاكم يسعى من خلال إجراء الإستفتاء فرض واقع جديد في دارفور عبر إستقدام سكان جدد من قبائل بعينها مكان السكان الأصليين وهذا سيقود إلى إبادة جماعية جديدة، ويتابع (من المؤسف أن المجتمع الدولي يشاهد كل ذلك ويظل صامتاً دون القيام بدور فعال لوقف الجرائم)، مستبعداً موافقة الامم المتحدة والإتحاد الأفريقي على خروج البعثة المشتركة (اليوناميد) من الإقليم رغم ضعف أداءها، ويشير إلى أن سكان دارفور يتمسكون ببقاء البعثة، ويقول (لن يشارك سكان الإقليم سواء في المعسكرات أو خارجها في هذا الإستفتاء المزيف لأنه ضد إرادتهم).