احداث “الجنينة”.. روايات الشهود وأسباب وراء العنف
24 مارس 2021
محاولات السلام العديدة التي عمدت حكومة الرئيس المخلوع عمر البشير لاحلالها في إقليم دارفور المضطرب غربي السودان وكذلك الحكومة الانتقالية الحالية، قل ما توصف بأنها فشلت في تحقيق السلم الاجتماعي ووقف المجازر الأهلية المستمرة بين المكونات السكانية بالإقليم.
أكبر العقبات التي واجهت هذه العمليات في السابق والوقت الحالي، العمليات الواسعة التي قادها نظام الرئيس المعزول بتسليح مليشيات وإعطاء الشرعية القانونية لبعضها لتنفيذ القانون لا لشيء سوى سندها القبلي ومعاونتها نظام البشير في سنوات الحرب ضد الحركات المسلحة.
روايتين
أكثر من مجزرة قبلية ارتكبت في الإقليم القاسم المشترك فيها كانت هذه المليشيات، وتمظهر ذلك في الاحداث الاخيرة شهدتها ولاية غرب دارفور في 16 يناير 2021م الماضي إثر اندلاع اشتباك عنيف بين قبيلتي المساليت وبعض المجموعات التي تنتمي للقبائل العربية عقب مشاجرة دارت بين طرفين ينتمون للمجموعتين المتصارعتين بالولاية والذى أسفر عن مقتل أحدهم، لتهاجم في اليوم الثاني مليشيات مسلحة معسكري كريندق واباذر للنازحين والذى ادى إلى مقتل 163 مواطنا بينهم 3 نساء و12 طفلا بحسب البيان الذى أصدرته منظمة العفو الدولية في مارس الماضى.
رواية أخرى استمعت إليها عاين من اكثر من شهود في مدينة الجنينة تقول، أن الهجوم على معسكر كريندق جاء عقب تجمع عدد من المجموعات من خارج الولاية بدعوى قيام سباق فروسية، ثم بدأت ترتيبات سرية لتنفيذ الهجوم وكان من اهدافه الرئيسية محاولة تفكيك المعسكرات داخل مدينة الجنينة.
تبادل اتهامات
عضو تنسقية النازحين واللاجئين ولاية غرب دارفور احمد تجاني يتهم جهات لم يسميها بالتخطيط والترتيب لأحداث السبت السادس عشر من يناير الماضي، ويقول لـ(عاين) أن الصمت في هذه الصراعات في ظل التنامي الخفى لأسباب الشتات والتفرق التى مازالت مستمرة تعبير مؤشر للاستمرارية في ذات النهج في غرب دارفور ويرى أن على الحكومة القيام بدورها في وضع حلول جذرية للنزاعات الاهلية التي تمر بها الولاية.
وفي الوقت نفسه عقدت تنسيقية البدو والرحل بولاية الخرطوم خلال مؤتمر صحفي في منتصف يناير الماضى أن مجموعات من قبيلة المساليت هاجمت ابوسم حماد والذى تلقى طعنات أدت إلى مقتلة كما هاجمت ذات المجموعة المشرحة واطلقت النيران على ذويه، والذي أسفر عن إعلان اعتصام القبائل العربية في مطلع فبراير الماضى والذى جاءت أولى مطالبة بإقالة والي ولاية غرب دارفور محمد عبدالله الدومة، وتفكيك معسكرات النازحين داخل مدينة الجنينة، بالإضافة إلى هيكلة القوات الامنية.
ويقول عضو اللجنة العليا لتنسيقية أبناء الرحل والنطاق باسم أعلام اعتصام النسيم ياسر بعبوش لـ(عاين)، ” الاعتصام لم يمثل توجها اثنيا وأن تجمع المعتصمين فقط للمطالبة بتحقيق البنود التي حوتها المذكرة” وهي 19 بندا ويرى أن هذه المطالبة عادلة ويتمسكون بضرورة أنفذها”.
واستمر اعتصام الجنينة 14 يوما والذي بدأ في ال24 من يناير حتى الـ7 من فبراير اي عقب أسبوع من أحداث حرق معسكر كريندق وقد وصل وفد حكومي برئاسة عضو مجلس السيادة محمد الفكي سليمان وضم الوفد أيضا قائد ثاني قوات الدعم السريع عبدالرحيم دقلو الذين توجهوا إلى الجنينة عقب اندلاع الاقتتال القبلي وتوصلوا مع المعتصمين إلى اتفاق يقضي برفع الاعتصام وفتح المعابر والممرات من والى الجنينة وإعطاء مهلة لا تتجاوز ال21 يوما لتحقيق المطالب. الا أن والي الولاية محمد الدومة قال في تصريحه لـ(عاين)، “انه سيظل باقيا في الولاية ولا يستطيع أحد إجباره للتخلي عن منصبه”.
وتتهم المنسقية العامة للنازحين جهات حكومية بالسعى لتفكيك معسكرات النازحين بالقوة، وذلك لطمس آثار جرائم “الإبادة الجماعية والتطهير العرقي والجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب”، التي إرتكبها النظام البائد في إقليم دارفور. كما كشف قيادي من قوى الحرية والتغيير بغرب دارفور فضل حجب اسمه عن جهات نافذة في حكومة الفترة الانتقالية أستقلت هذا النزاع القبلي لتصفية عدد من شهود مجزرة كريندق1 في ديسمبر2019م
مكان الاعتصام
الاتجاه الشمالي الشرقي الطريق الرابط بين المطار الدولى والمنطقة العسكرية مع الجنينة. وهنالك اعتصام آخر في جووسر كريندق الذي يعد المعبر الرئيسى من الناحية الشرقية الرابط بين الجنينة وزالنجي ويعد من الناحية الاستراتيجية المدخل الرئيسي للبضائع القادمة إلى الولاية.
حاكم الولاية
يقدم والي ولاية غرب دارفور، محمد عبد الله ادومة سببا من أسباب عدة تفجرت على اثرها احداث مدينة الجنينة ويقول لـ(عاين)، “عقب تطهير مؤسسات الولاية من انصار النظام السابق وكرد فعل طبيعي استعان كوادرهم بالعديد من مؤيديهم من مناطق اخرى كولاية وسط دارفور وبعض المناطق الحدودية مع الولاية”.
ويضيف الدومة، “الهجوم الوحشي الذي تعرض النازحين سبب آخر في وقوعه هو أن القوات لم تكن بالجاهزية الكافية لصد الهجوم يومها بالرغم من التعليمات الصارمة التي اصدرتها قبل يوم من الهجوم عقب أن تلقيت معلومات تفيد باحتمالية تعرض المعسكر للهجوم على النحو الذي جرت عليه العادة منذ سنوات طويلة من قتل ونهب عشوائي للنازحين وترويع العزل كما ان دارفور عرفت هذا النوع من الانتهاكات لسنوات طويلة”.
وعن الأوضاع الامنية في الولاية عقب تكوين القوات المشكلة من الشرطة والجيش وقوات الدعم السريع يقول الدومة، مازالت المدينة تعاني من تعرض المواطنين من حوادث سرقات بالإكراه وتحت تهديد السلاح.
نزوح
يعيش النازحون داخل مدينة الجنينة وسط انعدام في الخدمات، يقول حاكم الولاية لـ(عاين) ويضيف “لكن أستطاعت الحكومة بالتعاون مع المنظمات العاملة في مجال الغذاء في توفير بعض الاحتياجات الا أنها تعتبر قليلة بالمقارنة مع عدد النازحين المتواجدين داخل مراكز الايواء والتي يبلغ عددها الـ 86 مراكز منتشرة بين المدارس وبعض المؤسسات الحكومية. إذ أن ما يتوفر من المواد الغذائية دائما ما لا يتعدى سد الحاجة لمد شهر”.
ويشير الدومة، إلى انه فيما يتعلق بالاوضاع الصحية خصوصا للنساء والاطفال مازلنا نحتاج إلى تضافر الجهود من أجل توفير المعينات اللازمة والمتعلقة او التى تعمل على تحسين الصحة الانجابية بالنسبة للحمل على سبيل المثال.
ويقول الدومة، “أن عدد من الوزارات والإدارات بحكومة الولاية متوقفة تماما عن العمل بسبب تواجد النازحين بداخلها، ولا تستطيع القوات الأمنية اخراجهم بالقوة لانهم لجأوا إلى داخل هذه المؤسسات تحت ضغط كبير كما أنهم فقدوا منازلهم جراء الهجوم الذى تعرض له معسكر كريندق.
وحول مطالب أعتصام تجمع الرعاة والرحل في تحويل المعسكرات إلى خارج المدينة يرى ادومة أن مثل هذه المطالب لايمكن تنفيذها ويقلل من احتمالات الحديث عنها ويعده مطلب ساذج على حد تعبيره خصوصا المتعلقة بتفكيك المعسكرات. ويشير أن للنازحين قانون دولى كفيلة بحمايتهم والدفاع عن قضاياهم حتى يعودا إلى مناطقهم وقراهم الاصلية
ويضيف الدومة أن حكومة الولاية بدأت في تنفيذ مشروع يتعلق بتوطين النازحين وإعطائهم مخططات سكنية يتوفر فيها الأمن والخدمات، للذين يرغبون في ذلك إلى حين تطبيق اتفاقية جوبا الا أن المشكلة التى مرت بها الولاية في الآونة الاخيرة أدت إلى توقف المشروع.