إمتحانات الشهادة السودانية … لغز التسريبات والشكوك في النتيجة

إمتحانات الشهادة السودانية ... لغز التسريبات والشكوك في النتيجة


– شبكة عاين – ٢١ يونيو ٢٠١٦ –

التردد في إعلان نتيجة الشهادة السودانية في موعدها المحدد وتضارب التصريحات الصحفية بين إرجأ الاعلان إلى أجل غير مسمى، ثم العدول عن ذلك وإعلانها الأسبوع الماضي زاد من الشكوك حول نزاهة إمتحانات الشهادة الثانوية التي كان يتفاخر بها السودانيين إلى وقت قريب. وقد شهد هذا العام أكبر عملية تسريب لأوراق الإمتحانات، وكان المتهمون فيها طلاب من المملكة الأردنية ومصر. وأثارت هذه القضية لغطاً واسعاً داخل البلاد ومع الدولتين، بالرغم من أن نتائح التحقيقيات التي لم تعلن حتى الآن، غير أن هذه القضية ستظل قضية مهمة بالنسبة للسودانيين، وستلقي بظلالها إلى حين كشف لجان التحقيق عن تقريرها وتقديم المتورطين إلى العدالة .

وقد إتهم معلمون في المدارس الثانوية تنظيم الأخوان المسلمون برعاية عملية التسريب وكشف أوراق إمتحانات الشهادة السودانية، وأن الطلاب من الأردن ومصر ينتمون إلى التنظيم الإسلامي. ويرى هؤلاء المعلمون أن ما حدث في إمتحانات هذا العام هو الأول من نوعه في تاريخ الشهادة السودانية على أيدي سودانيين وأجانب ويمس السيادة الوطنية والمصالح العليا للدولة ولإرتباطها بعملية التنمية البشرية بل والتنمية الشامل، ولذلك التهاون في التعامل معها يعتبر إنتقاص في سيادة البلاد .

إحباط وسط الأسر

أسرة الطالبة نوال محمد علي أصابها الإحباط مثل بقية الأسر  التي جلست ابنائها لإمتحانات هذا العام، وتعتقد أن تسريب أوراق إمتحانات الشهادة السودانية قد ضرب هذه الشهادة في مصداقيتها ونزاهتها التي كانت محل ثقة بين السودانيين ودول العالم المختلفة. ولكن الآن اصيبت في مقتل، وبالتالي فإن النتيجة التي تم إعلانها مؤخراً زادت من الشكوك واصبح الكثيرون يتحدثون عن أن النتيجة “مطبوخة وهنا مكمن الخطر لان ذلك سيكون له أثر بالغ في مستقبل الأجيال القادمة في السودان … هناك من بين الذين تم إعلانهم من ضمن الناجحين من سُربت لهم الإمتحانات … هذه النتيحة ليست عادلة“.

وقالت مصادر لـ (عاين) ان المسؤول كان يبدأ في إرسال الأسئلة قبل نصف ساعة من بدء جلسة الإمتحان بفتح مظاريف المادة المعنية وتصويرها ثم إرسالها إلى أولياء الطلاب عبر تطبيق “الواتساب”، على أن يقوم اولياء أمور طلاب مصريين بحل الامتحان وإرسال الأجابات لأبناءهم داخل قاعة الإمتحانات. وقد تم إبعاد المسؤول على الفور من لجنة الإمتحانات وأحيل إلى لجنة تحقيق شكلت بهذا الخصوص، وافاد في التحقيق – بحسب مصادر – أن هنالك مجموعة تعمل معه منهم اربعة في إدارة الإمتحانات بينهم سائق في الإدارة ومثلهم من مسؤولي التأمين .

ويقول معلم في المدارس الثانوية عمل مراقباً في مركز في الجريف غرب ان المركز تمت مداهمته من قبل عناصر جهاز الامن والمخابرات حيث تم ضبط (17) طالباً مصرياً بحوزتهم هواتف ذكية عليها أجابات تخص احد المواد. وقال المعلم لـ(عاين) أن حالات الغش العادية يتم ضبطها بواسطة المراقبين داخل قاعة الإمتحان، ولكن المدهش أن نرى رجال الأمن يدخلون بسلاحهم داخل قاعة الإمتحان للقبض على طلاب متورطين في حالات غش. ويضيف “كان هذا الأمر خطير للغاية … ويبدو أن القضية أكبر من حالات الغش المعروفة في كل الإمتحانات ويتم التعامل معها بطريقة تربوية “.

وعقب كشف “الفضيحة” قامت وزارة التربية والتعليم بالتعاون مع جهاز الامن بتكريم الاستاذة منجدة التي كشفت عملية الغش في أحد مراكز الإمتحانات. وكان وكيل وزارة التربية والتعليم دكتور السر الشيخ قد ذكر لـ(عاين) أن وزارة التربية والتعليم السودانية متفردة في امتحاناتها وعصية على التشويش من قبل بعض الدول، معتبراً الامتحانات لوحة شرف يتبارى لنيلها الطلاب من دول الجوار. واضاف أن عملية الغش التي وقعت لعبت فيها أيادي أجنبية دوراً بارزاً في الايقاع بأساتذة السودان، موضحاً ان ضعف الرواتب وسوء اوضاع المعلمين لم يكن هو العامل الأساسي للايقاع بإستاذ في هذا الفخ المنصوب. وزاد “سوء الاوضاع الاقتصادية والمعيشية لم يتقصر على التربية والتعليم وانما ضرب جذور كافة مكونات الحياة في السودان“.

نتيجة الإمتحانات لا تعكس الواقع التعليمي في البلاد

وترى المدرسة نجدة منصور أن هنالك فوارق في تقديم الخدمات التعليمية بين مدارس المركز والمدارس الطرفية في الولايات وتشمل أيضاً أطراف العاصمة الخرطوم. وتقول “المعاناة أكبر في المناطق التي تشهد حروباً أهلية“، وتعتقد أن تسريب الإمتحانات سيؤثر ولسنوات طويلة بسمعة الشهادة السودانية، وتقول “كانت سمعة الشهادة السودانية كالذهب لسنوات طويلة جدا“. ووضحت أن هناك ثغرة كبيرة في إمتحانات الشهادة السودانية بسبب إستخدام الطلاب التقنيات الحديثة وتطبيقات الهواتف الذكية في عمليات الغش والتسريب لابد أن تتم مواجهتها بأسلوب حديث. والخوف من تزوير النتائج في المستقبل بعد هذه التقنيات التي يتم أستخدامها من قبل بعض المجرمين او من يعرفون “بالهكارز”، ولعل الإعتداء على موقع وزارة التربية والتعليم على شبكة الإنترنت بعد إعلان النتيجة تعتبر خير دليل. ويقول تربويون ان القانون في مواجهة مثل هذه التسريبات يجب أن يكون رادعاً ولا يتهاون مع اي شخص ومن اي جهة او بلد حتى لا تفقد الشهادة السودانية مصداقيتها إقليمياً ودولياً وقبل كل ذلك داخلياً.

اما رئيس لجنة التربية والتعليم بالبرلمان القومي الخير المبارك يرى أن نتائج الشهادة السودانية التي تم الاعلان عنها الممتازة خاصة بعد الضجيج الذي حدث حول عملية التسريبات التي إعتبرها إدارية تعامل معها الجهاز التنفيذي بإحترافية، ولم تتم مطالبة من قبل أعضاء البرلمان بإستدعاء وزيرة التعليم حول قضية التسريبات وما تم إتخاذه من إجراءات وآثار ذلك على نتيجة الشهادة السودانية. غير أن المبارك يعتقد أن التداول الإعلامي قام بعملية تضخيم لا مبرر لها وأن جهات – لم يسمها – تسعى لإظهار الشهادة السودانية بإنها غير نزيهة، ويقول ” لكن وزارة التربية والتعليم تعاملت بحكمة وحسم“.

وفضيحة تسريب إمتحانات الشهادة الثانوية كشفت هشاشة الجهاز التنفيذي خاصة وزارة التربية والتعليم. ويقول المعلم في المدارس الثانوية محمد أحمد يحى لـ(عاين) ان إمتحانات الشهادة السودانية تعني أجراءات ومراحل متعددة تقوم بها وزارة التربية والتعليم ضمن العملية التربوية والتعليمية وتبدأ بوضع الامتحان ثم المراقبة والكنترول. وهي محل إعزاز لما يحيط بها من دقة، سرية وإنضباط ما جعل الإمتحانات من المسائل التي تتصل بما يعرف بالضمير المهني، ويضيف “كانت إمتحانات الشهادة السودانية إبنة شرعية للإمتحانات البريطانية منهجا وطريقة ونزاهة“.

ويرى يحى أن ما حدث هذا العام لم تشهده إمتحانات الشهادة السودانية طوال تاريخها من تسريب لأوراق عدد من المواد على الإطلاق. ويشير إلى حوادث متفرقة ونادرة الحدوث أبرزها في العام 1982م عندما تم توزيع ورقة امتحان لمادة واحدة عن طريق الخطأ قبل اليوم المحدد لتلك المادة، ويقول “لكن المعالجة كانت في حينها وتمت بحكمة حيث سيطرت الوزارة على الموقف بأن قامت على الفور بإحتجاز الطالبات والمراقبين إلى حين مجئ موعد إمتحان تلك المادة وكانوا يقيمون داخل المركز تحت حراسة مشددة من قبل الشرطة“.

وعبر عن أسفه لأن الوزارة لم تفلح في المعالجة ويرى أنه إنعكس على النتيجة، وعزا أسباب تأخير النتيجة لخلافات حول اعادتها. ويذكر أنّ الحادثة التانية كانت عندما تم الإستيلاء علي سيارة كانت تحمل أوراق الإمتحانات في دارفور وتم تسريبها إلى الخرطوم عن طريق اشخاص لا علاقة لهم بالوزرارة، وقد تمت اعادة الامتحانات تحت إصرار المعلمين.

المعالجة كانت أمنية

ويعتقد مدرسون في المدارس الثانوية إستطلعتهم (عاين) أن تسريبات إمتحانات الشهادة السودانية هذا العام كانت سياسية بإمتياز خاصة أن هناك نافذون في النظام الحاكم كانوا وراء عملية التسريب لطلاب أجانب. ويرى هؤلاء أن تدخل جهاز الأمن أدى إلى تعقيد المشكلة وقلل من دور وزارة التربية والتعليم بإعتبار أن العملية التعليمية تتبعها إجراءات أخرى من بينها إعادة الإمتحانات مرة أخرى تحقيقاً للنزاهة والإنضباط، غير أن الحكومة لم تتجه نحو ذلك وتعاملت مع القضية بإسلوب أمني وقد إنعكس ذلك على نتيجة الإمتحانات وسيطول أثره لسنوات.

ويرى المدرس طه محمد في حديثه لـ(عاين) أن الامتحانات كان يجب إعادتها بعد أن تسريب بعض من أوراقها، ويقول “نسبة التسريب كانت أقل من العام 2003 بكثير، ولكن حتى اذا كانت نسبة التسريب تصل (1٪) كان يجب أن تعمل الوزارة على إعادة الامتحانات“. وعلى الرغم من التكلفة المادية في إعادة مادة واحدة ومع موازنة وزارة التربية والتعليم والتي تعتبر من أفقر الوزارات في الموازنة العامة للدولة على مدى سنوات إلا أن العملية التعليمية والتربوية وتحقيق النزاهة تقتضي ذلك. ويقول “ليس هناك جهاز نقابي فعال بالنسبة للمعلمين وهذا كان سيساعد في المطالبة بإعادة الإمتحانات“، ويشير إلى أن المعلمين كانوا وراء إعادة عدد من أوراق الإمتحانات في العام 2003 بعد ممارسة ضغوط على الوزارة.

ويعتقد مجذوب عبد الرازق بان قرار اعادة الامتحانات كان هو الاصوب والافضل لسمعة امتحانات الشهادة السودانية من واقع ما اكتسبته الحادثة من شهرة عمت الارجاء. ويشير الى انه عندما اعيدت الامتحانات في السبعينيات لم يكن الاعلام وقتها بهذا التاثير وكان بأامكان مسؤولي ذاك الوقت معالجة الامر بالطريقة التي عالجت بها الحكومة الحالية قضية التسريب هذه، لكن الانضباط والالتزام كان عنوان ذلك الوقت.

ويعتقد المدرس محمد أحمد يحى أن ما حصل هو تسريب وليس غشاً، ويقول “لأن الغش يحدث في وقت الأمتحان ولكن التسريب يسبق الأمتحان)، ويؤكد أن تدخل الجهات الأمنية أثار جدلاً. ويتفق المدرس طه محمد مع زمليه ويقول “لم نرى دور للوزارة وانما تدخلاً أمنياً وهذا يخالف العملية التعليمية“.

إتهام تنظيم الأخوان المسلمين بإنه راعي عملية التسريب

وإتهم المدرس محمد أحمد يحى صراحة التنظيم الدولي للإخوان المسلمين برعاية العملية الأخيرة في كشف أوراق إمتحانات الشهادة السودانية، والتي أخذت بعداً إقليمياً بضلوع طلاب من الأردن ومصر. ويقول ان أبناء أعضاء التنظيم الإسلامي يتعرضون لملاحقات في بلادهم ولهذا السبب يلجأون إلى السودان لإكمال الدراسة. ويضيف “جاءوا إلى بلادنا بأموال ضخمة للإعاشة ومن بينهم من أبدى رغبته في التقدم إلى الجامعات السودانية وهذا يعني أنهم سيقيمون لفترة أطول في السودان“.