إحباط الأسرى
لمصلحة من يُعرقل تسليم أسرى الحكومة لدى الحركة الشعبية؟
– شبكة عاين – ٢٩ يونيو ٢٠١٦ –
“مشكلة الحكومة مع من؟” سؤال تبادله أسرى الحركة الشعبية المفرج عنهم، ولم تكتمل عملية إستلامهم من قبل الحكومة السودانية التي التزمت الصمت حيال عملية تبادل الأسرى، رغم تأكيداتها السابقة عبر وساطة مجموعة (سائحون) وهي مجموعة مكونة من مقاتلي الحركة الإسلامية الذين شاركوا في الحرب الأهلية.
فهنالك ثمة أسئلة تلقي بنفسها على ذهن المتابع لهذا الملف: لماذا رفضت الحكومة إستلام أسرها، وهي التي لم تصرح بشكل رسمي حول عملية تعطيل وصولهم الا بتصريحات خجولة منسوبة لبعض قادتها كتصريح نائب الرئيس في حزب المؤتمر الوطني، الباشمهندس/ إبراهيم محمود حامد.
وذهب بعض المتابعون إلى أن الحكومة التي لن تبقي أسير حرب في سجنوها الواسعة . تنأى بنفسها من الإحراجات حتى وأن دعى الأمر إلى نكران أسراها. ولكن فكيف ينظر الأسرى وذويهم بعد إختلاج مشاعرهم بين الأمل والإحباط، عندما علموا بتأجيل وصولهم،بسبب تعقيدات الحكومة السودانية الصامتة عن القول .
الأسرى: من حق اسرنا الفرح
يسرد الأسير عبد الغفور قصته لـ(عاين) قائلا “قُبضت وانا مصاب بكسر على رجلي بمنطقة انقارتو التابعة لمحلية تلودي بولاية جنوب كردفان في خريف 2011. قامت الحركة الشعبية بإدراجي في مستشفي كونجو في شهر أغسطس 2011. مكثت ثمانية اشهر دون شفاء من الكسر، فقام الطبيب بوضع مسطرة على الرجل ثم ترحيلي الى السجن”. وأضاف عبد الغفور “لقد تم تدريبنا كدفاع شعبي بمعسكر الشهيد عبيد خاتم ‘الجخيس’ بالخرطوم وتم نقلنا للعمليات بتلودي فتم أسري، وما انتظره فقط هو عودتي لأسرتي التي لا أعرف أين هي الان”.
من جانبه قال الأسير شُعيب الذي يعمل بجهاز الأمن و المخابرات الوطني “نحن تم أسرنا في معركة عسكرية. الحركة الشعبية إستجابت لمبادرة سائحون بواسطة الصليب الاحمر، وشرعت فعلياً في الإجراءات، ولكن فوجئنا بعدم إكتمال العملية”.
وطالب شعيب قادة الحكومة بالنظر في هذا الملف وتحريكه قائلاً “اذا كان قادة الحكومة لديهم ابناء وأسر يفرحوا بها ومعهم في هذا العيد، فنحن أيضاً لنا امهات وعوائل من حقها أن تفرح بنا” وزاد “إذا كانت في قلوبهم رحمة نناشدهم بعدم تعطيل إرجاعنا الى ذوينا”. وتسائل شعيب عن سبب تلكؤ الحكومة في إكمال الملف الخاص بهم كأسرى حرب من حقهم العودة الى أسرهم.
لم يتم أسرانا من الأسواق
ومضى في ذات الإتجاه الأسير محمد المصطفي محمد الحسن متسائلا ً “لا ندري هل مشكلة الحكومة معنا أو مع الحركة الشعبية”. وأضاف “عندما حملنا السلاح كانت الغاية هي حماية هذا النظام، فنحن لم يتم أسرنا في ‘الأسواق أو الشارع’ وعندما دخلنا في هذه القوات دخلنا للحوجة وليس حباً في الموت، وفي ذات الوقت لنا أسر من حقها أن تفرح بنا”. اما الأسيرين البيروني وشهاب فقد اكتفيا بالرسائل إلى ذويهم بعد أن بآت أحلامهم بمعانقة أهلهم في مطار الخرطوم بالفشل مناشدين مبادرة سائحون والمهتمين بقضية إطلاق سراح الأسرى بالضغط على الحكومة لقبول وصولهم، لأنهم الأن في حكم المعفي عنه فقط القدم ليه رافع.
الحركة تتهم
وكانت الحركة الشعبية قد شرعت فعلياً في تسليم (20) أسير حرب وقعوا في أسرها في معارك بمنطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان إضافة إلى (22) موظف تعدين ضلوا الطريق فوقعوا على ايديها بالنيل الأزرق. وتأتي هذه العملية كبادرة لحسن النوايا بينها ومجموعة سائحون التي كانت قد طرحت مبادرة تبادل الأسرى في العام 2014. وقالت الحركة على لسان عضو لجنة تسليم الأسرى مبارك اردول “هذه الدفعة الاولى من الاسرى، تُعبر عن جديتنا في عملية تحسين النوايا، ولكن الحكومة لم يرضيها ذلك فعطلت العملية بأكملها”.
وقُبل خبر تعطيل تسليم الأسرى ؛ الذي أعلنته الحركة الشعبية بردود افعال متباينة وسط مجموعة سائحون، وأسر واصدقاء الأسرى المفرج عنهم، خاصة الذين تناولت وسائط الإعلام المختلفة اخبارهم بالموت كالبيروني الذي كانت السلطات قد اعلنت وفاته واقامت عليه عرس الشهيد وهو لا يزال حياً يرزق.
وكشفت الحركة الشعبية عن تعطيل الملف، متهمة الحكومة السودانية بالإيعاز للأثيوبيين بعدم إعطاء الطائرة التابعة للصليب الاحمر إذنا بالهبوط. وقالت الحركة في بيان، لقد باشرت اللجنة التي كونتها قيادة الحركة العمل ميدانياً من كاودا ويابوس وأصوصة مع الصليب الأحمر الدولي، ووفد من السائحون وقنصل حكومة المؤتمر الوطني باثيوبيا على الإجراءات بعد أن وافق وزير خارجية النظام إبراهيم غندور وأعطى كل التصريحات اللازمة لإكمال العملية.
وبناءاً على ذلك إتفق جميع الأطراف على يومي 23-24 من هذا الشهر، لوصول الأسرى إلي أصوصة ومن ثم إلى الخرطوم، وتم وداع الأسرى رسمياً في المناطق المحررة وأحضر الصليب الأحمر طائراته. ولكن حكومة المؤتمر الوطني التي تتحدث بأكثر من لسان ولا تعطي أجهزتها الأمنية إعتباراً لوزير خارجيتها، قامت بعرقلة العملية في وضح النهار.
والحكومة السودانية علقت على هذا الموضوع بالنفي والاستنكار وقال القيادي بالمؤتمر الوطني مسئول ملف سلام دارفور امين حسن عمر لـ(عاين) “كيف نرفض إستلام اسرانا؟”، واصفاً هذا الحديث بعدم الاستقامة، وزاد إنه كان على الحركة الشعبية التعامل مباشرةً مع الحكومة السودانية.
ولم تعلق مجموعة سائحون على هذا الحديث، واكتفي الناطق الرسمي بإسمها علي عثمان بالقول لـ(عاين) “كل الجهود لم تكلل بالنجاح لذلك تم تعليق وصول الأسرى إلى وقت لاحق”. ولكن الصحفي طلال اسماعيل المقرب من مجموعة سائحون قال لـ(عاين) “رغم الإختلاف الأيديلوجي مع بعض الحركات، إلا أن خطوة الحركة الشعبية وجدت استحساناً كبير لانها اوضحت مدى إلتزامها بالمواثيق والقوانين”، معرباً عن آسفه لموقف الحكومة الذي وصفه بغير الواضح رغم الاشارات التي ظل يطلقها بعض قياداتها. وأضاف “الحكومة لم تعطي هذا الملف إهتماماً كما كان متوقع بإعتبار أن هذه القضية إنسانية متجاوزة للصراعات”. وكتفت مجموعة الصليب الاحمر الدولي بالقول بأن عملية نقل الاسرى تعطلت بسبب عدم الحصول على إذن اقلاع وهبوط بمطار أصوصة الاثيوبية. وكانت الحركة الشعبية قد قامت بتسليم مجموعة من الصينيين الذين تم أسرهم بجنوب كردفان في صيف 2012 عبر الصليب الاحمر الدولي. وقامت ايضاً بإرجاع الطفلة ايمان التي فقدت أسرتها اثناء المعارك العسكرية فقامت الحركة بإرجاعها عبر ذات المنظمة.