“نزوح واضطهاد”.. نساء يكابدن قسوة العمل في مزارع القطن بنهر النيل
عاين- 27 ديسمبر 2023
بعد مرور (12) يومًا على إنجاب مولودها غادرت “أكوير نيون” النازحة المقيمة بمدرسة حي الوحدة بمدينة عطبرة في ولاية نهر النيل مع ابنها حديث الولادة وزوجها المصاب بطلق ناري في قدمه إلى منطقة أم الطيور الريفية غربي المدينة، للعمل في جني القطن بحثا عن مبلغ مالي يعيلها وأسرتها.
تقضي “نيون” المريضة بسوء التغذية أكثر من عشر ساعات يوميا في مزارع القطن مقابل أجر زهيد لا يتجاوز 10 آلاف جنيه لقاء العمل وجني الفدان الواحد، وهي كما تقول لـ(عاين) تهدف إلى جمع مبلغ تسافر به إلى مدينة أويل بجنوب السودان هربًا من نيران الحرب في السودان، وسداد مبلغ 40 ألف للقابلة التي قامت بتوليدها .
“يبدأ عملنا في المزرعة من الساعة السادسة صباحا وحتى الخامسة مساءً يوميا، وفي المزرعة التي أعمل بها تم توزيع 35 امرأة على 65 فداناً ،وكل فدان به 10 أو 9 عاملات يأخذن مقابل الفدان الواحد مبلغ 60 ألفاً توزع بينهن”. تضيف نويل.
وتواصل: “قبل الحرب كنت أدبر أموري بالعمل في المنازل، رغم قساوة العمل بالمزرعة الآن، إلا أنه الخيار الوحيد الذي توفر لي في عطبرة بعد النزوح، وأفضل العمل هنا على البقاء في المدرسة التي نعتمد فيها على تبرعات المنظمات الطوعية والخيرين”.
وفي استطلاع أجرته شبكة عاين للوقوف على أوضاع النازحات بمدرسة الوحدة- إحدى أكبر مدارس إيواء النزوح في مدينة عطبرة- وتأوي عشرات النساء الفارات من حرب الخرطوم، يعتمد ملاك مزارع القطن غربي الولاية على مدرسة الوحدة كوجهة أساسية لاستئجار عمالة لجني القطن، وذلك من خلال إرسال عربات كبيرة كل فترة أمام المدرسة لترحيل الراغبات في العمل بالمزارع.
ويوجد بولاية نهر النيل عدد من المشاريع الزراعية للقطن في قطاع سولا (الفاضلاب وأم الطيور غربي الولاية)، ومنطقة الزيداب وكدباس ومناطق شرق الولاية في العالياب وأم حديبة والمناصير.
كمال عبد الله، وهو صاحب مزارع قطن بمنطقة أم الطيور أوضح في حديث لـ(عاين) إنهم يقصدون مدرسة الوحدة على وجه الخصوص لعلمهم بأنها تأوي شريحة كبيرة من الأيدي العاملة، وأشار إلى إحضارهم عدد 26 عاملة من المدرسة قبل 10 أيام للعمل في 55 فداناً مملوكة ل 11 مزارعاً، ووفقا لـ كمال، فإن كل مزارع منهم يوفر مبلغاً قدره 60 ألف مقابل العمل في الفدان الواحد، ويتم توزيع عدد خمس أو ست نازحات على الفدان.
ويتابع كمال: “يوفر أصحاب المزارع سكناً جماعياً للعاملات، به سجادات للنوم على الأرض، إذ لا يتم توفير أسِرّة، وفيما يتعلق بالأكل والشرب نوفر مواد تموينية فقط، وليس طعاماً جاهزاً، إذ تطبخ النساء وحدهن”.
وأشار كمال إلى أن مزرعته بها أمهات ل12 طفل أعمارهم أقل من عام، أرجع أغلبهن للمدرسة بسبب عدم قدرة الأطفال على تحمل برد الشتاء وعدم حصولهم على ساعات رضاعة كافية؛ بسبب انشغال الأمهات في عملية الجني.
خميسة موسى وهي إحدى النساء اللائي عدن إلى مدرسة الوحدة قبل انتهاء العمل، وذلك اعتراضًا على الأجر الذي تلقته هي وشقيقاتها وبنات خالاتها بعد قطفهن قطن فدانيين فقط، تقول لـ(عاين): “اصطحبنا أحد المزارعين، ورفضنا العمل معه بعد ملاحظتنا الحالة السيئة للمزرعة المتسخة، وبالتالي بدأنا العمل مع شخص ثاني، وامتنعنا من المتابعة لقلة المبلغ ومشقة العمل”.
وتسرد خميسة: “كنا خمس عاملات في فدانين أجر الفدان الواحد 60 ألفاً، وكل فدان به 4 أحواض كبيرة تحتاج حوالي 5 أيام لنفرغ منها، وكان معنا في المزرعة 5 أطفال برفقة أمهاتهم، بالإضافة إلى نساء بالغات في الكبر وامرأة حامل”.
وتذكر خميسة أن صاحب المزرعة التي كانت تعمل بها تجاهل عملية إرجاعهن، رغم علمه بعدم معرفتهن طريق العودة إلى المدرسة التي يقمن بها.
حقوق منتهكة
“كان حريا بأصحاب هذه المزارع بعد فتحهم سوق العمل للنساء كقوى منتجة وضمن إطار علاقة الإنتاج التي أقاموها مراعاة حفظ حقوقهن في العمل، لكنهم فضلو الكسب الرخيص وتراكم رأس المال وزيادة الأرباح على حقوق هؤلاء العاملات وهنا نرى كافة أنواع الاستغلال الاجتماعي والثقافي المترسخة عند الرجال ضد النساء”. تقول الناشطة الحقوقية نعمات كوكو لـ( عاين) في سياق رفضها لاستغلال النساء النازحات.
وأوضحت كوكو، أن تجربة النازحات مع مزارع القطن يتجلى فيها معنى الاضطهاد المزدوج للمرأة وهو الاضطهاد الطبقي والنوعي على حَدِّ سواء، إذ مارس أصحاب المزارع العنف الاقتصادي القائم على النوع الاجتماعي في هذه الحالة؛ مما يؤكد لنا أن من يدفع ثمن الحروبات هم الفئات الاجتماعية الضعيفة.
وترى كوكو، أن نساء مدرسة الوحدة جمعت بين ثلاثة أدوار اجتماعية أولها دور إنتاجي بالعمل في المزارع، بالإضافة إلى الدور الإنجابي بتربية الأطفال ودور اجتماعي بتحضير الوجبات الغذائية بأنفسهن داخل السكن.
ودعت الناشطة الحقوقية، إلى ضرورة عدم ترك القوى المنتجة تحت رغبة أصحاب الأعمال، واتخاذ خطوات عملية تشمل تنظيم النساء بدعم من منظمات وطنية وعالمية؛ لأن التنظيم أحد مرتكزات التمكين الاقتصادي والعمل لإيقاف الحرب وضرورة العودة إلى طريق الثورة لحماية حقوق المرأة والنساء.