سودانيات: تحرش السلطات لن يثنينا عن التغيير
تقرير: عاين 30مارس 2019م
تُفيق عيوشة باكراً عندما يكون هناك موكبُ مُعلن فى إحدى المدن السودانية، تتواصل مع صديقاتها لتحديد نقطة تجمع للخروج إلى الشوارع، تقوم بارتداء ما يساعدها على الحركة؛ وفي حال التعرض للاعتقال. هناك في المعتقل تواجه النساء اسوأ انواع التحرش؛ لفظي … عنصري وجسدي من عناصر مسلحة!. تعلم عيوشة ورفيقاتها أنهن قد لا يعُدن الى المنازل اليوم و قد يمضين وقتاً داخل المعتقلات؛ يقبعن فيها ساعات قد تمتد لأيام وربما شهور. إذن عليهن مواجهة كافة أشكال الانتهاك من قبل أفراد الأجهزة الأمنية، خاصة وإن السلطات تعمل على تكسير حواجز الأخلاق.
تتحسس أجساد الفتيات تارة؛ وتُهددهُن بالإغتصاب اخرى، بل وتعتبر إن ذلك من صميم أعمالها! في محاولة للتلاعب على الموروثات الإجتماعية المتعلقة بالشرف في السودان. لكن كل هذه الوسائل لم تكن سلاحاً فعالاً. إذ أن عيوشة ورفيقاتها دئبن على الخروج إلى الشوارع باستمرار؛ وهُن أكثر هِمةً لإسقاط الحكومة التي كانت ومازالت المراة هي أكبر شرائح المجتمع تضرراً منها ومن قوانينها الذكورية الاقصائية للنوع
إحساس المسؤولية
في الثالث والعشرون من فبراير الماضي قررت فتاة فضلت حجب هويتها في (عاين)، الخروج بمعية زملائها الطلاب في تظاهرة سلمية. رفضاً لقتل الطلاب والمتظاهرين السلميين؛ واستمرار الدراسة في جامعتها الخاصة التي تدرس فيها في ظل الأوضاع الدامية. قالت ذات الفتاة لـ(عاين): “ كنت انقل حدث مباشر علي تويتر كجزء من التوثيق قبل أن تتم مهاجمة الطلاب بالغاز المسيل للدموع من كل الجهات لم يكن هناك خياراً إلا أن نحتمي بأحدى المطاعم المجاورة للجامعة وسيارات الأمن كانت منتشرة في كل مكان اختبأنا في حمامات المطعم انا ومجموعه من البنات قبل ان تتوقف أصوات الضرب في الخارج”. كاشفة عن أنه بعد اقتحام الحمامات تم الاعتداء عليهم بالضرب من قِبل ملثمين، وأُطلقت قنابل صوتية داخل المطعم، وبعد القبض عليهم تم تخريب كافة ممتلكاتهم واجبارهن على الجلوس ارضاً، وزادت “تلقينا تهديدات بالقتل والإغتصاب وتم إتهامنا بالعديد من الأشياء التي لم نفهم صلتها بالموضوع كـ(الكفر) وغيرها، لم تتوقف التهديدات وكان رجال الأمن يقتربون منا بأجسادهم حتى وصولنا الى مكتب الأمن” واستطردت قائلة ” بالنسبة لي أن الذي حدث زاد إحساس المسؤولية عندي تجاه الثورة”.
مراحل تحرش
قصة أخرى ترويها إحدى ضحايا التحرش والانتهاكات لـ(عاين) واصفة الذي حدث لهم بعد القبض؛ وأثناء ترحيلهم بعربة (بوكس) بالقول: “بدأت مرحلة التحرش الأولي عند بداية تحرك العربة”؛ و استدركت “كان بمقدور الجميع الصعود الى العربية بدون مساعدة اخرين”، لكن ارغام الفتيات على ركوب سيارة الأجهزة الأمنية لحظة الإعتقال تم بطريقة مهينة يتم إمساك الفتاة من الخلف لمدة، ومن بعد يتم رفعها للعربة وحينها تظهر حركات التحرش عند الرفع للعربة، مؤكدة أن ”معظم الذين يقومون بهذه الحركات هم من أفراد جهاز الأمن الذين قاموا بالقبض علينا”. وتمضي واصفة : المرحلة الثانية تبدأ عندما تسير السيارة بسرعة غير طبيعية وعند محاولة إيقاف العربة “قام أحدهم بإلقاء نفسه علي جسمي ووقت لذيتو قال لي بقع فيك وبقتلك عديل! وبعد النقاش إستهدفني بالإحتكاك والميل على جسدي من شخصين وملامسة مناطق حساسة فيني”. وترى ذات المصدر أنه كان من الصعوبة عليها التركيز على ملاح الشخص الآخر والذي ظل يهددها بقانون الطوارىء بل انها اكتفت بالزود عن جسدها بالدفع المستمر في ظرف نفسي قاسي كانت تعانيه. وتزيد “ووضعت شنطتي في جسمي من الخوف بعديها توقفوا عن التحرش الجسدي وقام واحد منهم بالتحرش اللفظي بألفاظ نابية”.
شاهدة تحرش
الصحفية درة قمبو تعرضت لتجربة إعتقال ودونت تفاصيل ما يحدث للفتيات داخل المعتقلات والحراسات تقول تفاصيل ماروته درة انها وصلت نقطة الإعتقال الثانية في مكتب الأمن بأم درمان جوار مجمع الجوازات غربي العاصمة الخرطوم بمعية معتقلات اخريات وجدت تسعة بنات والعاشرة كانت في مكتب المُحقق، مضيفة “كانت البنت تعاني من إصابات تجعلها لا تقوى على الوقوف ولا الجلوس على كرسي ولا التمدد على الارض ودموعها لا تتوقف، كانت مصابة على ما “يبدو إصابات كتيرة بس اصعبها على رجلها اليمين
تحسس الجسم
تقول درة : الموجودات بوصف دقيق جدا وواضح عليهن التحرش الجنسي الذي وقع بحقهن أثناء الإعتقال وقبل وصولهم مقر التحقيق، وأن التحرش الجنسي وصل مع أكثر من اثنين حسب روايتهم لدرجة تحسس أجسادهن وتوعدهم بالإغتصاب، وكل هذا تم بوجود بقية الأفراد الذين ألقوا عليهن القبض، بل بمستوى انه يقول احدهم ( دي خلوها لي .. دي حقتي)! وحسب قمبو أن أعمار الفتيات اللاتي تعرضن للتحرش لا تتجاوز الخامسة والعشرين في أغلب الأحوال، لكن الغالبية ما بين التاسعة عشرة والثانية والعشرين. وتقول: “ضربوهن بقسوة مبالغ فيها لدرجة تُقعد بهن عن الحركة كما الفتاة في غرفة التحقيق المستلقية في الفراش الأبيض بعد دهسها المتعمد وكسر رجلها والحوض” ولسان حالهم يقول (وإن لم ينفع ذلك، لننتقل للتحرش والتهديد بالاغتصاب، سيرجعهن للبيوت خوافاً)
تحجيم أدوار
خبيرة الطب النفسي د. سليمي الشريف، ترى أن الوسيلة التي تستخدمها الأجهزة الأمنية فى إظهار التحرش بالصورة الفاجرة ، و تضيف غالباً مثل هذه التصرفات تدار بالخفاء، واضح انه مثلا عندما يتم القبض على الفتاة ومحاولة تحسس مناطق حساسة من جسدها مثل الصدر يمثل بالنسبة لي عنف ممنهج ومقصود، القصد منه تحجيم دور البنات من ناحية، اللعب أيضا بمفاهيم المجتمع السوداني من ناحية اخرى، تريد الأجهزة الأمنية ان تلعب على العامل الثقافي من أجل لفت الأسر لتحجيم دور الفتيات ورفض ذويهن المشاركات فى النضال من أجل الحفاظ على الشرف وتخويف البنات أيضاً ، واضافت “هذا سلاح يستخدمه الأمن بدليل أنه لدينا قوانين كثيرة مثل قانون النظام العام من أجل تحجيم دور البنات”، ولكن الشاهد في هذه المرة عندما تحدث مثل هذه الحالات تزيد الغبن عند البنات، ولكن مازال الإصرار متواصلاً من البنات ولن تمنعهم من الخروج إلى الشارع
فضح السلطات
تقول سليمى المردود النفسي على الفتاة يكون صعباً فى المرة الأولى ولكن في المرات القادمة ان حدث وتعرضت للاعتقال تكون متعرفة على الأذى النفسي والغضب ولا تخاف كما المرات الاولى، ولكن مايحدث الأن ارى انه يزيد من الغضب ومواصلة الخروج لأخذ الحقوق، لأن السلوك الجمعي في الرفض أكبر ولا يعطي احساساً بالأذى النفسي و الخوف والمطاردة، والفتيات فى حالة غضب أكثر من الحزن بسبب حالات التحرش التي تتعدى إلى اذي نفسي بالصورة الفجة، وتعتقد هذه الطريقة هي أوامر لتحجيم ادوار البنات فيها إهانة، التحرش يتم بشكل ممنهج و إن ممارسة عنف مبني على الجنس والتحرش لتخويف البنات، وهذه الممارسات يجب أن تنبه لها الأجهزة العدلية والقانونية ويجب صد مثل هذه الامور ، مطلقة رسالة عبر (عاين) بالقول “رسالتي للبنات يجب الحديث عن مثل هذه التحرشات دون تخوف ، ويجب النظر الى العمل الإيجابي من جانب الخروج من اجل العمل الوطني والحديث عن مثل هذه الأمور إلى الأقربي”.
مخالفة قانونية
يقول الخبير القانوني ، وجدي صالح لـ(عاين) ” بالطبع التحرش بالفتيات داخل أي معتقل سواء كان داخل معتقلات الشرطة أو معتقلات النيابة الأخري هو مخالف للقانون وستتم المحاسبة عليه وسيتم تقديمهم للمحاكمة العادلة وبالتالي، لن يضع هذا التحرش الذي يتم بالفتيات المناضلات داخل المعتقلات أو خارجها حدا لمزاولة نشاطهُن السياسي ، لأنهُن مؤمنات و قادرات على حماية انفسهن حينما خرجن مدافعات عن الوطن؛ فالمرأة السودانية أكبر من أن يتم ابتذالها بهذه الطريقة أو إعاقتها عن أداء دورها بمثل هذه الأفعال المشينة والتي لاتشبه الشعب السوداني فى شي
كما أن الأصل أن يكون الفتيات فى المعتقلات الرسمية وهي اقسام الشرطة وتحري بإشراف النيابة هكذا علق المحامي وجدي صالح لـ(عاين) عن التحرش الجنسي . كاشفاً عن انه اذا تم اعتقال الفتيات فى أي معتقل آخر بعيدا عن رقابة النيابة العامة وبعيدا عن رقابة القضاء وبالتالي يسهل الاعتقال غير المشروع في الأماكن غير المشروعة وغير معلومة. ويضيف ظهور مثل هذه الظواهر سواء كان تحرش بالفتيات أو الإعتداء عليهن أو التعنيف اللفظي أو المادي أو بالتعذيب النفسي ، كل هذه الأشياء مرفوضة، يجب النظر في هذه الأشياء وحق الإعتقال الممنوح للأجهزة الأمنية، لأن الرقابة بعيدة عنهم يجب ان تكون هناك رقابة قضائية، وهذا القانون الذي يُطبق الآن هو قانون الأمن والمخابرات الوطني السوداني وهو مخالف للدستور، “لأن مهمة الأجهزة الأمنية وجهاز الأمن والمخابرات الوطني بموجب الدستور هو جمع المعلومات ثم تحليلها ووضعها أمام الجهات المختص”
يرى وجدي ان المرأة السودانية لن تقبل ان تساوم علي مبادئها مقابل وظيفة أو إمتناع عن عمل أو غير ذلك تاريخها ناصع وهي من النساء اللاتي تقلدن الوظائف العليا وانتزعت هذا الحق انتزاعاً عبر حركة نسوية منظمة بنضال طويل ، فالمرأة السودانية هي أول قاضية فى الوطن العربي وهي أول نائبة في البرلمان سواء كان علي نطاق افريقيا أو الوطن العربي ، هي السودانية عالية لن تستطيع أيد ان تنال منها ولن تستطيع أي قوة أن تحد من حركتها ونضالها ودورها المستمر فى حركة البناء والنضال الوطني .