طيور الرخم تتغذى على جثث ضحايا حرب السودان

عاين- 19 أغسطس 2024

تخلت هذا العام طيور القمامة “الرخم” عن هجرتها المعتادة من جنوب القارة الأفريقية إلى أوروبا، واستقرت في السودان لا سيما في وسط البلاد وغربها لتتغذى على الجثث غير المدفونة لضحايا الحرب السودانية.

وفي مايو 2024 لاحظ المختصون في مجال الطيور البرية أن طائر القمامة الأفريقي من المفترض أن تبدأ رحلة هجرته نحو الشمال في شهر مارس. وبمتابعة شرائح التتبع المثبتة في بعض أفراد أسراب هذه الطيور التي تستخدم لمعرفة خط مسار الطيور المهاجرة، وجد أن أغلب أنواع طائر القمامة ما تزال في داخل الحدود السودانية وتحديدا في وسط وغرب البلاد.

وأصدر المركز الأوروبي لمراقبة الحياة البرية (European Wildlife Monitoring Center – EWMC ) مايو الماضي، تقريرا يوضح أن توفر عدد كبير من الجثث غير المدفونة؛ بسبب الحرب في السودان، وفر مصدر غذاء جعل هذه الطيور تبقى داخل الحدود السودانية، ولا تقوم بهجراتها المعتادة.

طيور الرخم استقرت بالسودان، ولم تعد تشعر بالحاجة إلى الهجرة كما كانت تفعل في السابق

ناشط في الحياة البرية

ووفقا للناشط في مجال الحياة البرية، محمد إسماعيل، فإن طائر الرخم بدأ يستقر في مناطق مختلفة من السودان حيث تتواجد جثث غير مدفونة نتيجة الحرب المستمرة.

ويشير إسماعيل في مقابلة مع (عاين)، إلى أن طائر الرخم معروف بتغذيته على الجيف، وهذه الظروف توفر له مصدر غذاء وفير. وبالتالي، لم تعد هذه الطيور تشعر بالحاجة إلى الهجرة كما كانت تفعل في السابق، مما أدى إلى تغيير في نمط سلوكها الطبيعي.

وكان تقرير المركز الأوروبي لمراقبة الحياة البرية الصادر في مايو الماضي، حذر من تبعات بيئية خطرة؛ حيث إنه من المتوقع أن يتغير سلوك هذه الطيور، وتصبح أكثر شراسة. وتعهد المركز بإجراء بحوث على هذه الطيور حال عودتها لأوروبا لمعرفة ما حدث لها من تغيرات سلوكية.

ظاهرة مقلقة

ويقول إسماعيل: “التغيرات التي تحصل في هجرات الطيور بسبب السودان تعتبر ظاهرة مقلقة، وهي استجابة طبيعية للتغيرات في البيئة مثل توفر الغذاء والمناخ”. وبسبب الحرب وفقا لمحمد، فإن الطيور عدلت من سلوكها بشكل كبير، وهذا يسبب مشاكل وتغيرات في النظام البيئي المحلي، وممكن تصبح شرسة بسبب اعتمادها المتزايد على الجثث كمصدر رئيسي للغذاء.

وتابع: “في الغالب هذا ينطبق على كل طيور القمامة الموجودة في السودان”.

تجاهل رسمي

“طيور الرخم عندما اندلعت الحرب في أبريل 2023، كانت موجودة في السودان؛ لأنها تأتي في أكتوبر من كل عام ووجودها بالسودان أكده تقرير المركز الأوربي لمراقبة الحياة البرية حيث أشار تقرير المركز لوجود الطيور بالسودان وسبب بقائها توفر الجثث غير المدفونة”. يقول الأستاذ بجامعة الجزيرة قسم علوم البيئة، عرابي أحمد البشير لـ(عاين).

التقليل الحكومي الرسمي من حجم المشكلة مغالطات غير مسنودة بدراسة علمية.

أكاديمي متخصص في علوم البيئة

وردا على ما ذكره تقرير المركز الأوربي، بأن هناك مخاطر بتغيير هذه الطيور سلكوها، يجيب عرابي بالقول: “هذا يعني أن هناك تغييراً في سلوك تلك الطيور على المدى الطويل، وهذا التغيير في السلوك يجعلها شرسة، وحاليا الحرب دخلت عامها الثاني، لكن بعض الجهات الرسمية قللت من حجم هذا التغيير”.

ويتابع عرابي: “اطلعت على بعض التعليقات لتلك الجهات، وهي تقول إن هذا التغيير سيكون مؤقتاً، لكنني أرى بأن هذه الفرضية تعتمد على استمرارية الحرب، وليس هناك مؤشرات لوقفها واستمرار الحرب يعني استمرار وجود الجثث غير المدفونة”.

ويضيف: “التقليل من حجم المشكلة مغالطات غير مسنودة بدراسة علمية”، وتابع: “الحرب أهدرت كرامة الإنسان السوداني الموجود قيد الحياة، والذي قتل بسبب الحرب لم يُدْفَن وأصبح غذاء لتلك الطيور”.

اللون الأخضر الداكن والأزرق يوضح مناطق موطن طائر القمامة الأصلية
– اللون الأخضر الفاتح و الأزرق الفاتح يوضح مناطق هجرات طائر القمامة الموسمية
– اللون الأحمر الداكن والفاتح يوضح المناطق التي من النادر جدا أن يتواجد فيها طائر القمامة.
المصدر: دراسة أعدها: د. عرابي البشير

ويشير عرابي، إلى أن تقرير المركز الأوروبي صدر في شهر مايو، ووقتها لم يصدر أي بيان أو تصريح حكومي يعلق على ذلك، وفي “تقديري فإن صمت الحكومة كأنما الأمر لا يعنيها والتغيير في سلوك تلك الطيور كما قلت سيجعلها شرسة وخطرة على الإنسان”.

أهمية بيئية:

يحفظ طائر القمامة التوازن البيئي، وذلك لقيامه بدور مهم في السلاسل الغذائية وهو دور التخلص من بقايا الكائنات الحية، وذلك عن طريق أكله للجثث والجيف للكائنات المختلفة بما فيها الإنسان. يقول الأستاذ بجامعة الجزيرة قسم علوم البيئة، عرابي أحمد البشير لـ(عاين).

ويتابع عرابي: “يساعد طائر الرخم بشكل كبير في التخلص من النفايات والقمامة، وذلك لأنه يقتات عليها، حيث تشكل القمامة مشكلة بيئية كبيرة يعمل طائر القمامة على حلها”.

وينوه البشير، إلى مثال عملي للاستفادة من طائر القمامة في التخلص من النفايات ما حدث في دولة بيرو في أمريكا الجنوبية. حيث سعى العلماء هنالك إلى استخدام إعداد من طائر القمامة مزودة بأجهزة تحديد الموقع الجغرافي، ثم تركوا هذه الطيور تتحرك بحرية. وبما أن هذه الطيور تذهب مباشرة إلى مناطق القمامة فبهذه الطريقة تمكنت الجهات المختصة من تحديد أماكن النفايات ليُتَعَامَل معها والتخلص منها. بمعنى أنه تم استخدام هذه الطيور كمستكشف لأماكن تكدس النفايات.

ويشير عرابي كذلك، إلى أن طائر القمامة يساعد على التخلص من الآفات البيئية والزراعية والمنزلية، وذلك لأن هذا الطائر بجانب أنه يتغذى على القمامة والجيف، فإنه أيضا يتغذى على آفات المحاصيل مثل أسراب الجراد وبعض الحشرات والديدان وكذلك يتغذى أيضا على الضفادع والأسماك والثعابين. كما يتغذى على بيض التماسيح والسلاحف، ويستطيع أكل الطيور الصغيرة الأخرى.

شبكة (عاين) تواصلت مع مدير حديقة السودان للحياة البرية، عثمان صالح وسألته حول استقرار طائر القمامة (الرخم) في السودان وفقا لما ذكرت تقارير منظمات متخصصة، فأجاب بأنه ليست لديه معلومات مؤكدة حول ذلك.