سقوط “عاصمة النفط” بيد الدعم السريع .. ماذا جرى في الفولة؟
عاين- 20 يونيو 2024
تسببت الاشتباكات العسكرية بين الجيش وقوات الدعم السريع في الفولة عاصمة ولاية غرب كردفان الغنية بالنفط، في نزوح آلاف المواطنين وخروجهم من المدينة سيراً على الأقدم في ظل انعدام تام في وسائل النقل، بينما نتج عن أعمال القتال في المدينة مقتل مواطن واحد على الأقل وإصابة آخرين بجروح متفاوتة.
وقال شهود عيان لـ(عاين) إن المناوشات بدأت ليل الأربعاء، واستمرت المواجهات حتى صباح اليوم التالي، لكن الاشتباكات توقفت ظهر الخميس، عقب سيطرة قوات الدعم السريع على حامية الجيش الواقعة في الاتجاه الغربي من الفولة، قبل أن تنتشر في كل أرجاء المدينة بما في ذلك أمانة حكومة ولاية غرب كردفان ومؤسسات الدولة، والسوق الرئيسية.
ووفق الشهود، أن قوات الدعم السريع بدأت أعمال نهب في سوق المدينة مع اقتحام للمنازل بدعوى البحث عن السلاح ومصادرته من أيدي المواطنين، وحدثت عدة احتكاكات بين سكان منسوبين للدعم السريع داخل الأحياء السكنية، لكن اُحْتُوِيَت، كما توقفت أصوات الرصاص، وشهدت المدينة هدوءا، خاصة من الأعمال العسكرية.
تكمن أهمية الفولة، لكونها تمثل خط الدفاع الأول عن حقول نفط السودان التي تتركز في الجزء الجنوبي الغربي من ولاية غرب كردفان، في مناطق هجليج وبليلة وغيرها.
وأصدرت قوات الدعم السريع تعميماً صحفياً، قالت فيه إنها سيطرت على رئاسة اللواء 91 الفولة للجيش التابع للفرقة 22 بابنوسة بولاية غرب كردفان، وبثت مقاطع مصورة تظهر جنودها وهم يحتفون بالنصر أمام الحامية العسكرية المذكورة.
ولم يصدر الجيش السوداني أي تعليق بخصوص معارك الفولة، لكن حكومة ولاية غرب كردفان قالت في بيان صحفي إنها “تدين الاعتداء الغاشم اليوم من قوات الدعم السريع على رئاسة الولاية بالفولة والمؤسسات الرسمية، ونهب أسواق المدينة، والمدنيين العزل، في مشهد تخريبي بربري لا يمت للأخلاق بصلة”.
وأضاف البيان “ظلت الفولة تحتضن آلاف المدنيين الفارين من اعتداءات قوات الدعم السريع في بعض مناطق الولاية، وتأويهم وتقدم الخدمات في كل مراكز الإيواء والمعسكرات، إلا أن الدعم السريع باتت تطاردهم وتمنع عنهم مستلزمات الحياة الضرورية، مما يعد جريمة مكتملة الأركان يعاقب عليها القانون الدولي”.
مياه ملوثة
وقال شهود عيان لـ(عاين) إن مواطني الفولة اضطروا للخروج من منازلهم مع بدء المناوشات بين الجيش وقوات الدعم السريع في المدينة ليل الأربعاء، نحو مناطق “كجيرة، سنطاية، البجة، بقرة، صموعة، وادي القلعة، كدام، وهي جميعها قرى وفرقان صغيرة محيطة بالفولة.
وبحسب الشهود، فإن الفارين من الفولة اضطروا للإيواء بظلال الأشجار، ويشربون من مياه الأمطار الراكدة غير الصالحة للشرب، في ظل شح في الغذاء، بينما توجد مساعي متواضعة من السكان المحليين ومتطوعي غرف الطوارئ لتقديم بعض الوجبات الجاهزة، كما أن من بين النازحين نساء وأطفال وكبار في السن، وآخرين كانوا قد نزحوا إلى الفولة من قتال بابنوسة.
وقالت غرفة طوارئ بابنوسة في تعميم صحفي: إن “نصف سكان الفولة اضطروا إلى النزوح بسبب الاشتباكات بين الجيش وقوات الدعم السريع، وتضم المدينة في مراكز الإيواء 1618 نازحاً ونازحة قادمين من بابنوسة، بينهم 324 طفلاً، و714 امرأة، ويوجد آخرون مقيمين في المؤسسات مستضافين في المنازل”.
وكانت عمليات الفرار من الفولة بعد التطورات العسكرية المفاجئة، مماثلاً لما حدث مع سكان بابنوسة التي تشهد قتالاً ضاري منذ يناير الماضي، حيث غادروا بلدتهم سيراً على الأقدام، ولم يجدوا الإيواء والطعام اللازم.
وتفاقم أحداث الفولة أزمة النزوح في ولاية غرب كردفان في ظل غياب تام للتدخلات الإنسانية، حيث يعيش نحو 64 ألف شخص فروا من قتال بابنوسة أضاع إنسانية قاسية بعد توقف متطوعي غرفة الطوارئ عن تقديم الوجبات المجانية لهم نتيجة لنفاد الدعم المادي الذي استقطبته من المنظمات والجهات الخيرية.
وتنقطع شبكات الاتصالات بشكل تام عن مدينة الفولة عاصمة ولاية غرب كردفان، لكن المواطنين يستطيعون التواصل عبر أجهزة الإنترنت الفضائي “استار لنك”.
خبير عسكري: خطورة تطورات مدينة الفولة تكمن في منع قوات الدعم السريع تشغيل الخط الناقل من حقول النفط إلى الشمال وموانئ التصدير، واستخدام مطار الفولة لتشوين تلك القوات خلال فصل الخريف والأمطار التي تؤدي إلى إغلاق الطرق البرية.
وتكمن أهمية الفولة، لكونها تمثل خط الدفاع الأول عن حقول نفط السودان التي تتركز في الجزء الجنوبي الغربي من ولاية غرب كردفان، في مناطق هجليج وبليلة وغيرها، وأن سقوطها في يد قوات الدعم السريع يمهد لتحكم تلك القوات على هذا المورد، وفق ما يقوله الخبير العسكري أمين مجذوب في مقابلة مع (عاين).
سلاح اقتصادي
وأضاف مجذوب: “خطورة هذه التطورات تكمن في منع قوات الدعم السريع تشغيل الخط الناقل من حقول النفط إلى الشمال وموانئ التصدير، واستخدام مطار الفولة لتشوين تلك القوات خلال فصل الخريف والأمطار التي تؤدي إلى إغلاق الطرق البرية”.
وشدد أن العمليات العسكرية في غرب كردفان ستقطع الطريق أمام المزارعين في فصل الخريف؛ مما يزيد خطر المجاعة، كما تهدد مدن وقرى غرب وشمال كردفان”.
“لقاء قادة من أهلية المسيرية وإعلان مساندهم للجيش وراء سيطرة الدعم السريع على مدينة الفولة”.
صحفي مهتم بشؤون كردفان
وكان قادة أهليون اقنعوا الدعم السريع بعدم مهاجمة حامية الجيش في مدينة الفولة، ولكن على ما يبدو حدثت تطورات سياسية قادت إلى هذه الهجمات، من بينها حسب الصحفي المهتم بشأن كردفان ودارفور أحمد حمدان، ابرزها ذهاب زعماء من أهلية المسيرية إلى بورتسودان ولقاء الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان ومبايعته على الولاء للجيش.
وقال حمدان في مقابلة مع (عاين): إن “الوفد الأهلي كان قد وعد البرهان، باستنفار أبناء المسيرية للقتال إلى جانب الجيش، وما تم في تقديري خطوة استباقية من جانب قوات الدعم السريع، حتى لا تصبح الفولة محطة للتحشيد العسكري ضدها، كما تشكل الفولة مفتاحاً للسيطرة على حقول النفط ومناطق أخرى، مما يعقد الوضع الميداني للقوات المسلحة في ولاية غرب كردفان”.
واستبعد حدوث مواجهات عسكرية بين بطون قبيلة المسيرية على خلفية سقوط مدينة الفولة، فهي ثان أكبر مكون تتألف منه قوات الدعم السريع بعد الرزيقات، ولن يكون هناك أي سيناريو لصدام أهلي بالمنطقة.
وبعد سقوط مدينة الفولة أصبح الجيش يحتفظ برئاسة الفرقة 22 بابنوسة، واللواء 81 في النهود، مع توسع نطاق سيطرة قوات الدعم السريع في ولاية غرب كردفان التي تضم حقول النفط السوداني، ومعبر لبترول دولة جنوب السودان.