غرب كردفان.. من يقف وراء توسيع دائرة حرب السودان؟
عاين- 23 أغسطس 2023
دخلت مدينة “الفولة” عاصمة ولاية غرب كردفان إلى دائرة الحرب في السودان، وذلك بعد أن ظلت مستقرة طوال الفترة التي أعقبت اندلاع الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع في منتصف شهر أبريل الماضي.
وشكل انتقال الصراع المسلح الى الفولة نقطة توقف في المشهد السوداني نظراً لخصوصية هذه المدينة التي تعتبر واحدة من أهم الحواضن الاجتماعية لقوات الدعم السريع التي تضم آلاف المقاتلين المنحدرين من مجموعة المسيرية الأهلية صاحبة الثقل في المنطقة.
ومنعت جهود زعماء اهليين استمرار المواجهات بين الجيش والدعم السريع في الفولة، لكن مجموعات قبلية مسلحة استباحت المدينة بشكل كامل وتوقفت الحياة وكادت الأوضاع أن تنزلق الى صراع داخل مكونات “المسيرية”، بينما تدهورت الحالة الإنسانية في المدينة وبدأ السكان في مغادرتها وفق ما نقله شهود لـ(عاين).
مدينة الفولة إلى جانب الضعين عاصمة ولاية شرق دارفور، هما المدينتين الوحيدتين غربي السودان لم تشهدا اشتباكات عسكرية منذ نشوب الحرب الحالية فهما مركز ثقل للقبائل العربية التي تمثل ثقل قوات الدعم السريع.
وفقا لسكان محليين فإن الجيش سعى لخلق توترات داخلية في المنطقتين لشغلهما عن إرسال مقاتلين جدد لإسناد قوات الدعم السريع التي تخوض معه حرباً ضارية في العاصمة الخرطوم، لكن المخطط ما زال يواجه الفشل في الضعين التي تمكنت الإدارات الأهلية من فصل القوتين.
بداية الصراع
بعد هدوء أمني شديد استيقظ سكان الفولة الخميس الماضي على أصوات الرصاص ونيران الأسلحة الثقيلة تغطي المدينة، واستباحت مجموعات قبلية مسلحة المدينة بشكل كامل بما في ذلك المؤسسات الحكومية وقسم الشرطة والأسواق الرئيسية وسط أعمال نهب وسرقة للممتلكات الخاصة والعامة.
وبدأت أعمال العنف وفق مصدر حكومي محلي تحدث لـ(عاين)، بعد تصدي استخبارات الجيش الى عربة دفار محملة بالمقتنيات كانت قادمة من الخرطوم وفتحت عليها الرصاص الحي مما أدى لمقتل 3 شبان كانوا على متنها ينتمون إلى إثنية “الفلايتة” أحد بطون المسيرية ويُعتقد انتمائهم إلى قوات الدعم السريع.
وفور وقوع الحادثة تحركت قوة من الدعم السريع وهاجمت قوات الاحتياطي المركزي والجيش عند المعبر الرئيسي شرقي المدينة مما أجبر “الاحتياطي” على الانسحاب الى حامية الجيش الواقعة في الجزء الغربي للفولة، وهدأت الأوضاع نسبياً بعد جهود الإدارة الأهلية التي منعت وقوع صدام مباشر بين الجيش وقوات الدعم السريع ساعتها.
لكن في اليوم التالي بحسب المصدر نفسه، فتح عناصر من الشرطة النار على ثلاثة شباب ينتمون الى “الفلايتة” كذلك مما أدى لمقتل اثنين منهم واصابة الثالث وهو ما أثار الغبن وسط هذا المكون وتجددت معه أعمال العنف والفوضى في المدينة، قبل أن يفلح زعماء الإدارات الأهلية في تهدئة الأوضاع.
استباحة المدينة
وقال محمد طاهر – ناشط مجتمعي في الفولة في مقابلة مع (عاين)، إن مسلحين اقتحموا السوق الرئيسي بالمدينة ومقر أمانة حكومة ولاية غرب كردفان ومعظم الوزارات ومركز الشرطة والمستشفى التعليمي، وجرت اعمال نهب واسع للممتلكات وسط غياب تام لقوات الجيش والشرطة والمسؤولين الحكوميين بما في ذلك الوالي المكلف ونائبه”.
“توقف المستشفى بشكل كامل ويضطر المصابين والمرضى الذهاب الى مدينة بابنوسة لتلقي العلاج، بينما يقوم أطباء من أبناء المنطقة بالتعامل مع بعض الحالات وإسعافها داخل الفولة، وبدأ سكان في المغادرة باتجاه النهود والأضية وغيرها من المناطق الآمنة خشية نشوب مواجهات”. يضيف طاهر.
وأفاد بأن الأحداث التي شهدتها الفولة خلفت نحو 9 إصابات متفاوتة وسط السكان المدنيين ولم يسقط قتلى من المواطنين، بينما تتزايد الرغبة في الخروج من المدينة.
وقاد محمد وشباب آخرين مبادرة مجتمعية تنادي بإرجاع المقتنيات المسروقة إلى أصحابها بالتزامن مع حراك مماثل يقوده زعماء الإدارات الأهلية تحث على عدم ممارسة أي أعمال نهب على أن يتبرأ أي مكون أهلي من منسوبه حال تم ضبطه يمارس النهب والسرقة، الشيء الذي قاد إلى تخفيف حدة الانفلات الأمني في المدينة.
وتمكنت مبادرة شباب المنطقة من إعادة العديد من المقتنيات المسروقة إلى المستشفى التعليمي وبعض مؤسسات الدولة بعد أن قام سارقوها بإرجاعها بشكل طوعي استجابة لتلك النداءات، وفق طاهر.
ومع الغياب التام لقوات الشرطة والأجهزة الأمنية الأخرى، تولت مجموعات شبابية تملك أسلحة نارية، مهمة تأمين الأحياء السكنية والمحال التجارية في مدينة الفولة ومازالوا مستمرين منذ نشوب أحداث العنف في المدينة.
وبحسب الصادق إسحق – أحد سكان الفولة فإن “سكان المدينة يعيشون حالة من التوجس رغم الهدوء وتوقف إطلاق النار، فما زال السوق الرئيسي مغلق حيث يأتي التجار ببضائعهم وعرضها وسط خوف كبير ومن ثم العودة بها الى منازلهم قبل حلول المساء، وايضاً توقف المستشفى التعليمي واغلب المراكز التجارية بسبب الأحداث علماً أن أقرب مستشفى بديل هو في مدينة بابنوسة.
ويقول إسحاق في حديثه لـ(عاين)، إن مئات الأسر غادرت الفولة الى النهود وغيرها من المناطق الآمنة فهناك مخاوف من تجدد المواجهات المسلحة بين الجيش وقوات الدعم السريع، بجانب تدهور الخدمات حيث ينقطع التيار الكهربائي عن المدينة وتوقف المصالح إلى حد كبير.
أين القوات؟
بعد معركة ضارية في مدخل الفولة من الناحية الشرقية انسحبت قوات الاحتياطي المركزي الى حامية الجيش في الجزء الغربي من المدينة واختفى عناصر الشرطة عقب اقتحام مجموعات قبلية مسلحة مركزها، بينما غادرت قوات الدعم السريع باتجاه مدينة “الأضية” استجابة لنداء الإدارات الأهلية ونظارات القبائل.
ويقول قيادي أهلي لـ(عاين) -مفضلاً عدم ذكر اسمه- إن “جهة ما تريد إحداث فتنة بين المسيرية الحمر والزرق وإدخال المنطقة في دوامة العنف، والدليل هو تصدي استخبارات الجيش لشباب أهلية الفلايتة العائدين من الخرطوم وضربهم في هذا التوقيت تحديدا في حين كانت السيارات وما يسمونها بالمسروقات تدخل الفولة بشكل عادي منذ بداية الحرب دون أن يعترضها أحد”.
ويضيف:”عندما فشلت هذه الحادثة في تحقيق غرضها، قامت عناصر من الشرطة في اليوم التالي مباشرة بقتل شابين ينتمون ايضاً لمجموعة الفلايتة الشيء الذي قاد إلى اضطراب أمني كبير وكادت أن تمضي الأوضاع إلى فتنة واسعة لولا حكمة ناظر عموم الفلايتة الذي نزل بنفسه إلى الشارع حاملا مكبر صوت من على سيارة مكشوفة يدعو إلى التهدئة”.
وتابع: “كان تركيز الإدارات الأهلية على منع حدوث أي اشتباك بين الجيش وقوات الدعم السريع لأن الغالبية العظمى في القوتين ينتمون إلى أهلية المسيرية، وقد نجحت تماماً في الفصل بينهما وسوف تعود الحياة لطبيعتها بشكل تدريجي”.
ولاء متباين
وبحسب القيادي الأهلي، فإن غالبية الشباب في ولاية غرب كردفان يدينون بالولاء لقوات الدعم السريع في تحول كبير، بعد أن عرف مكون المسيرية تأريخياً بالقتال الى جانب الجيش السوداني ضمن ما يعرف بقوات الدفاع الشعبي.
ويضيف: “الجيش الموجود في الفولة أيضا يضم منسوبين من المسيرية، لذلك فإنه من الحكمة أن يتم التعامل بشكل متزن لأن أي مظاهر انحياز لطرف سوف يجر المنطقة الى حرب سيكون القاتل والمقتول من نفس المكون الأهلي”.
ولاية غرب كردفان حقول رئيسية لإنتاج البترول مثل هجيلج وأبو جابرة وبليلة، مما جعل الإدارات الأهلية هناك أكثر حرصاً على عدم انزلاق المنطقة إلى دائرة الصراع المسلح خشية على هذا المورد الهام.
ويقول الباشا حامد – وهو موظف بالخدمة العامة في الفولة لـ(عاين): “إذا اندلعت الحرب في منطقتنا سيكون من الصعب تداركها لأنها ستأخذ منحى قبلي ولن تتوقف عند حد الجيش وقوات الدعم السريع”.
“لقد تم التعامل بحكمة مع الأحداث الحالية والتي في طريقها الى الانتهاء، وذلك بفضل جهود الإدارات الأهلية ونأمل الا تتجدد مستقبلاً ونظل في استقرار مثلما كنا خلال الفترة السابقة” يضيف حامد.
مخطط
ويفسر المحلل السياسي أحمد حمدان، أحداث الفولة بأنها تأتي ضمن مخطط يقوده عناصر نظام الإخوان المسلمين المخلوع يستهدف إشعال الحرب وسط المناطق التي يعتقدون أنها حواضن اجتماعية لقوات الدعم السريع حتى لا تفكر في إرسال جنود لإسناد القوات التي تقاتل في العاصمة الخرطوم.
ويقول حمدان في مقابلة مع (عاين):”بدأت محاولات الفلول في مدينة الضعين عاصمة ولاية شرق دارفور وهي مقر نظارة أهلية الرزيقات التي يشكل أبناءها المكون الأكبر في قوات الدعم السريع، لكنها فشلت بعد جهود ناظرها التي تمنع حتى الآن خروج رصاصة واحدة في المنطقة، وتكررت مساعيهم في الفولة”.
ويضيف حمدان: “يحاولون اللعب على التركيبة الهشة في ولاية غرب كردفان التي تشهد احتقانا أهليا في بعض أنحائها. فمن الواضح كان الهدف إشعال فتنة داخل بطون المسيرية وقد فشل ذلك بسبب مجهودات الزعماء الأهليين، لكن يتوقع أن يتكرر المخطط بالعمل على إحياء صراع المسيرية ومجموعة الحمر في المستقبل القريب مما يستوجب الانتباه والحذر”.
ويشير، إلى أن دخول الفولة الى دوامة الصراع يعني توسع دائرة الحرب في السودان وهذا أيضاً يلبي رغبة عناصر نظام الإخوان المسلمين الذين لا يريدون لهذه الحرب أن تتوقف.