انهيار سد “أربعات” يضع العاصمة البديلة على حافة العطش
عاين – 30 أغسطس 2024
دخلت مدينة بورتسودان، العاصمة السودانية البديلة شرقي البلاد، في أزمة حادة بمياه الشرب بعد انهيار سد أربعات الذي يمثل أكبر مصدر يمدها بالمياه النقية.
ووصل سعر برميل المياه سعة 12 جركانة إلى 20 ألف جنيه، و24 ألف جنيه في بعض الأحياء السكنية في بورتسودان، وفق ما نقله سكان في المدينة لـ(عاين).
وانهار سد أربعات الواقع وسط سلسلة جبلية شمال غرب مدينة بورتسودان بشكل مفاجئ، وتسبب في خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات، حيث سقط عشرات القتلى، وغرقت أكثر من 20 قرية، وفقد العشرات في كارثة إنسانية حصدت التضامن الواسع من المجتمع المحلي، والإقليمي، والدولي.
وبعد اندلاع الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في 15 أبريل من العام الماضي في الخرطوم، تحولت بورتسودان إلى عاصمة بديلة للبلاد، انتقلت إليها كل المؤسسات السيادية والمركزية، بما في ذلك مجلس السيادة والنيابة العامة والمصرف المركزي، كما يتخذها قائد الجيش عبد الفتاح البرهان مقراً لإقامته.
وتأوي بورتسودان أكثر من 250 ألف نازح، كانوا يعشون أوضاعاً إنسانية سيئة، ويخشون تفاقم مآسيهم بسبب أزمة مياه الشرب التي تشهدها المدينة الساحلية.
تداعيات انهيار سد أربعات تمضي في خلق وضع أكثر مأساوية، لأنه وفق الخبير في شؤون المياه عادل باراوث، يمثل أكبر مصدر يزود مدينة بورتسودان بمياه الشرب، حيث يخزن حوالي 5 ملايين متر مكعب، وبعد جفافه ستشهد المدينة التي تعاني في الأصل أزمة في مياه الشرب، كارثة حقيقة، خاصة في ظل وجود آلاف النازحين واكتظاظ سكاني عال في المنطقة.
ارتفع جوز مياه الشرب من عربات الكارو إلى ألفي جنيه، وسكان بورتسودان يعيشون تحت خوف ورعب شديدين من قادم الأيام
مواطن
ويبدي محمد علي، وهو مواطن من مدينة بورتسودان خوفه الشديد من تفاقم أزمة العطش التي بدأت بالفعل بعد انهيار سد أربعات، وقد ارتفع السعر بصورة كبيرة ربما لا يستطيعون شراء المياه خلال الأيام القليلة القادمة.
ويقول لـ(عاين): “وصول سعر جوز المياه، جركانتين إلى 2000 جنيه في بعض الأحياء، ومع ذلك ربما تكون غير تكون صالحة للشرب؛ لأنها مجمعة من مجاري السيول والأمطار، وبعد توقف الأمطار قد لا نجد مياهاً لنشتريها نسبة إلى عدم وجود مصادر قريبة للمياه باستثناء بعض محطات التحلية داخل المدينة وهي قليلة مقارنة بالحاجة من المياه”.
زيارة العجز
وبحسب مصدر في هيئة مياه ولاية البحر الأحمر تحدث لـ(عاين)، فإن استهلاك بورتسودان من المياه ارتفع خلال الصيف نتيجة الزيادة السكانية الناجمة عن وصول آلاف النازحين، وصارت المدينة تستهلك من 100 – 120 الف متر مكعب في اليوم، بينما استطاعت كل مصادر المياه أن تغطي نحو 30 بالمئة، وأصبحت تعاني عجزاً يقدر بنحو 70 بالمئة.
وشدد على أنه بعد انهيار سد أربعات سيرتفع العجز بصورة كارثية، بينما طرحت هيئة مياه البحر الأحمر خطة مطلع العام الجاري لإنشاء محطتي تحليةلمياه البحر الأحمر لإنتاج 35 ألف متر مكعب في اليوم، لكن وزارة المالية لم توفر المبالغ اللازمة لتنفيذها.
توقف إمداد مراكز إيواء النازحين في بورتسودان بمياه التانكر، ويخشون تفاقم مآسيهم لتصبح جوعاً وعطشاً
نازحة
وتقول فوزية سليمان وهي نازحة تقيم في أحد مراكز الإيواء في بورتسودان لـ”عاين” “كنا نعاني العطش مع ارتفاع درجات الحرارة، لكن تأتينا المياه عبر التناكر من المتطوعين فتخفف عنا، لكن توقف الإمداد عبر التناكر بعد حادثة انهيار السد، واضطررنا الآن إلى شراء المياه من محطات تحلية مجاورة وعربات الكارو”.
وتشير إلى أن النازحين كلهم لا يملكون الأموال حتى يخصصونها لشراء مياه الشرب، لأنهم بلا عمل أو مصدر دخل، بينما لا ترى أملا في سلطات العون الإنساني التي ظلت عاجزة عن تقديم الغذاء لهم، ويوفر المتطوعين المياه عبر التناكر.
“إعادة تأهيل سد أربعات يحتاج إلى ثلاث سنوات على الأقل، وينبغي فتح الطريق إلى آبار جوفية محيطة به، والتوسع في محطات التحلية لتخفيف حدة كارثة مياه الشرب في بورتسودان”
عضو منظمة طوعية
ويقول المدير العام لمنظمة “سقيا الرحمة” التطوعية في بورتسودان عادل باوارث، إن بورتسودان ستشهد كارثة في مياه الشرب بعد انهيار سد أربعات، بجانب دمار نحو 24 بئر محيطة به تعمل بالطاقة الشمسية، وكانت المصدر الأساسي للتناكر والتي لها الدور الأكبر في فك ضائقة المياه في المدينة في أوقات الذروة.
وشدد عادل في مقابلة مع (عاين) على أن معاجلة السد تحتاج إلى 3 سنوات على الأقل وميزانيات كبيرة، وينبغي المسارعة إلى فتح الطريق إلى الآبار المحيطة بسد أربعات وتأهيل سريع، لتخفيف حدة أزمة المياه في بورتسودان.
ويضيف: “90 بالمئة من المياه في مدينة بورتسودان مالحة وغير صالحة للشرب، بينما يجتهد الجميع في إيجاد بدائل لتخفيف حدة الأزمة، مثل حفر الآبار المنزلية وهي لأغراض الغسيل وغيره، لكن نحن بحاجة إلى مياه صالحة للشرب والأكل، وقد نشأت العديد من محطات التحلية في المدينة، لكنها غير كافية”.
ويشير باوارث، إلى أن الحل الجذري لمشكلة مياه بورتسودان هو توصيل خط من نهر النيل من مدينة عطبرة التي تبعد عن بورتسودان غربا بنحو 519 كلم، وذلك يتطلب مبالغ طائلة، ولكن كمعالجات قصيرة المدى يمكن التوسع في محطات التحلية من خلال تشجيع القطاع الخاص للاستثمار في هذا المجال الحيوي.