مقاومة العطش والرصاص.. أزمة مياه تحاصر العالقين بحرب الخرطوم
عاين- 22- أبريل 2024
تصاعدت أزمة مياه الشرب بشكل قاس في العاصمة السودانية الخرطوم، وأطلق السكان العالقون في مناطق الصراع المسلح نداءات استغاثة، بينما لم تحدث أي استجابة في ظل ارتفاع وتيرة العنف وغياب المسارات الإنسانية الآمنة، واضطر بعض المواطنين للشرب من مياة الصرف الصحي في سعيهم لمقاومة العطش.
وتعتبر مناطق جنوب الخرطوم، وشرق النيل الأكثر تأثراً بأزمة مياه الشرب، وذلك نتيجة لانقطاع التيار الكهربائي لأكثر من 3 أشهر في بعض الأماكن، حيث توقف الإمداد عبر المحطات النيلية، كما خرجت الآبار الجوفية عن الخدمة، ولم يتسن تشغيل المولدات الاحتياطية؛ نظراً لشح وغلاء الوقود.
ويقول عضو غرفة طوارئ جنوب الحزام في الخرطوم، عمر إبراهيم لـ(عاين): إن “السكان في منطقته يواجهون مصير الموت البطيء بسبب انعدام مياه الشرب، حيث أصبحوا يعتمدون على الشرب من عربات الكارو، مقابل 5 آلاف جنيه، وهي مبالغ طائلة تفوق مقدرة المواطنين في مناطق الحرب، وتشكل عبئاً إضافياً عليهم”.
وليس بمقدور المواطنين في مناطق الحرب جنوبي الخرطوم، وفق إبراهيم تحقيق أي كسب مادي بعد أن توقفت كل أعمالهم، ونفد ما لديهم من مدخرات، وهم يواجهون مصاعب معيشية بالغة، وتتوقف حياتهم على مساعدات تصلهم من أقاربهم في الخارج والمناطق الآمنة عبر التطبيقات المصرفية، بجانب وجبات يعدها متطوعون، فأزمة المياه فاقمت تلك المآسي.
واقع قاسي
وتداول ناشطون على منصات التواصل الاجتماعي صورا وفيديوهات لمواطنين في شرق الخرطوم، وهم يحفرون الأرض من أجل الحصول على مياه الشرب، وآخرين يصطفون لانتشال المياه من آبار الصرف الصحي، بعد أن وضعوا أوانيهم على هيئة طوابير.
من جهتها، بثت غرفة طوارئ شرق النيل مقطع مصور، قالت إنه لمواطنين اضطروا لانتشال المياه يدوياً من آبار الصرف الصحي الموجودة في المنازل تحت الإنشاء، مما يعرض حياتهم للخطر من الوقوع في مثل هذه الآبار المكشوفة وغير الآمنة، إضافة لاحتمال تلوث هذه المياه وعدم صلاحيتها في الطعام والشراب.
وناشدت الغرفة، الجهات المعنية بالسماح إلى الطواقم الهندسية بالتدخل لإصلاح العطل الذي أدى إلى انقطاع التيار الكهربائي، وسبب أزمة حادة في إمكانية الوصول إلى مياه الشرب وعدم عرقلة عملهم، كما ناشدت المنظمات المختصة والجهات الخيرية بالمساهمة في توفير الوقود لتشغيل محطات المياه لإنقاذ المرضى في المستشفيات، وليحصل المواطنون على حاجتهم من مياه الشرب؛ لأن ذلك حق من حقوقهم الأساسية في الحياة.
وقال المتحدث باسم غرف طوارئ جنوب الحزام محمد كندشة إن حالة الإظلام ما تزال تتسيد الموقف في العاصمة الخرطوم، ومن ضمنها منطقته، إذ يدخل انقطاع التيار الكهربائي شهره الثالث، وما صاحب ذلك من توقف خدمات مياه الشرب والاتصالات والإنترنت، والتي ستلقي بأعباء جديدة على المواطنين وزيارة فاتورة المعيشة من المياه والفحم والثلج، ومقابلة تكاليف الإنترنت الفضائي “إستار لنك”.
ويضيف كندشة في تعميم صحفي: “مع ارتفاع سعر المياه من عربة الكارو، والذي وصل إلى نحو 5 آلاف جنيه، وعطفاً على الأوضاع المعيشية، اضطر المواطنون للبحث عن حلول بديلة للحصول على مياه الشرب من بينها حفر الأرض”.
مشافي تعاني
وتقع المناطق التي تشهد انقطاعاً طويلاً في التيار الكهربائي والإمداد المائي تحت سيطرة قوات الدعم السريع، والتي تفرض قيوداً واسعة على حركة المواطنين في الشوارع والأسواق، وتقوم باعتقالات تعسفية تحت ذريعة الانتماء إلى نظام المؤتمر الوطني المخلوع، والتخابر مع الجيش وفق شاهد من (عاين)، وهو ما يجعل صعوبة بالغة في وصول فرق الصيانة لأصلاح الأعطال التي نجمت عن عمليات القصف العشوائي.
وتشهد مناطق واسعة في مدينة بحري شمالي العاصمة، وبعض من أحياء أمدرمان القديمة أزمة حادة في مياه الشرب كذلك، ولجأ المواطنون العالقون فيها إلى حفر باطن الأرض في سبيل الحصول على مياه الشرب.
ونتيجة لانقطاع التيار الكهربائي والمياه، أصبحت المستشفيات القليلة المتبقية، وهي التركي وبشائر في جنوب الخرطوم، والبان جديد في شرق النيل، تعاني كثيراً، وصارت المرضى على حافة الموت، لا سيما مرضى الفشل الكلوي الذين يعتمدون على مركز بشائر فقط لإنقاذ حياتهم.
وبحسب مصدر طبي تحدث لـ(عاين) فإن شح المياه وتدهور الإمداد الكهربائي تسبب في تقليص جلسات الغسيل الدموي لمرضى الفشل الكلوي إلى مرة واحدة فقط في الأسبوع بدلاً عن ثلاث مرات لبعض الحالات، الشيء الذي سيؤدي إلى تراكم السموم في أجسادهم، ويؤدي إلى مزيد من التدهور في صحتهم، فالوضع “كارثي ويحتاج إلى تدخلات قوية وعاجلة”.
ويقول: “لم يتسن تشغيل المولدات الاحتياطية نسبة لغلاء سعر الوقود، فيبلغ سعر جالون الجازولين سعة 4 لترات 100 ألف جنيه، وربما يحتاج المولد إلى برميل في اليوم بمبلغ يتجاوز الأربعة ملايين جنيه، وهي تكلفة عالية تفوق مقدرة مستشفى بشائر الذي يُشَغَّل بجهد طوعي، ومن شباب غرفة الطوارئ وبعض المنظمات، فهناك تدخلات لكنها غير كافية وأقل من الحاجة الفعلية”.