“حلول خارجية”.. هل فشل السودانيون في وقف الحرب؟
عاين- 5 أغسطس 2025
حالة من الإحباط خيمت على المشهد السوداني، في أعقاب فشل قيام اجتماع ما يُعرف باللجنة الرباعية الدولية الذي كان مقرراً عقده في واشنطن أواخر يوليو الماضي، ويسعى إلى الخروج بتدابير ملزمة للأطراف السودانية المتحاربة لوقف إطلاق النار في البلاد، والانخراط في عملية تضع حداً للحرب المستمرة لعامين وربع.
كان الاجتماع مقرراً أن يستضيفه وزير الخارجية الأمريكي، ماركو روبيو في واشنطون، ويضم إلى جانب بلاده السعودية ومصر والإمارات، بوصف الدول الثلاث فاعلة في الملف السوداني، وتملك نفوذاً على أطراف الصراع في البلاد، ورغم خلو اللقاء من أي مكون سوداني، إلا أن الجميع في هذا البلد بما في ذلك القوى السياسية والمدنية، كانوا يعولون عليه كمدخل لوقف الحرب.
ردود الأفعال الغاضبة على فشل اجتماع اللجنة الرباعية الدولية، تعكس حالة اليأس تجاه الحلول الداخلية للصراع في السودان، وأصبحت كل الآمال معلقة على الخارج في إيجاد مقاربة تضع حدا للحرب المدمرة بين الجيش وقوات الدعم السريع، وما خلفته من تداعيات إنسانية كارثية، تجلت في ارتفاع مستوى الجوع، وتفشي الأمراض الوبائية ونقص الرعاية الطبية.
ومنذ انطلاق الرصاصة الأولى في 15 أبريل 2023م في الحرب الحالية، كانت المبادرات الخارجية تخطف الأضواء، وتثير اهتمام السودانيين، بداء من منبر مدينة جدة السعودية، وصولاً إلى محادثات المنامة ومشاورات جنيف، انتهاء باجتماع الرباعية الدولية، والتي لم تفلح جميعها في تهدئة الأوضاع المضطربة في السودان.
وفي مقابل ذلك، شهدت الفترة الماضية مبادرة سودانية واحدة قادها تحالف “تقدم” الذي يتزعمه رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك، وكانت تهدف إلى توقيع إعلان مبادئ لوقف الحرب، وحظيت وقتها بموافقة قوات الدعم السريع، بينما رفضها الجيش، متهماً التحالف السياسي بمساندة قوات الدعم السريع، مما قاد إلى إنهاء المبادرة دون نتائج.
مصير معلق
ومن واقع تعاطي طرفي الحرب الرئيسيين – الجيش وقوات الدعم السريع – مع مبادرات الحل السلمي للصراع، وما تشهده من تباين، فإن قرار وقف القتال مرهون بحلفائهم وداعميهم الأساسيين في الخارج، فمصر تدعم الجيش، والإمارات تدعم قوات الدعم السريع، وفق ما يستشف من مواقفهم خلال عامين من القتال في السودان، بينما تُظهر السعودية موقفاً محايداً وسط اتهامات لها بدعم الجيش، ما يجعل مصير إنهاء الحرب مرهوناً بضمان مصالح حلفاء الخارج.
الحلفاء الإقليمين لطرفي الصراع، يمكنهما وقف الحرب في السودان حال ضمن كل واحد منهم مصالحه، عبر تسوية خالية من الأجندة الوطنية
محلل سياسي
هذه الفرضية يدعمها المحلل السياسي صلاح حسن جمعة، الذي يؤكد إمكانية التوصل إلى اتفاق بين الحلفاء الإقليمين للجيش وقوات الدعم السريع، تضع حداً للحرب المستمرة في البلاد لأكثر من عامين، لكن العملية السياسية التي تأتي عبر هذا النوع من التفاهمات ستكون بعيدة عن أجندة السودانيين ومصالحهم، والتي أهمها ضمان الانتقال إلى حكم مدني ديمقراطي يحقق العدالة والمساواة والتنمية، وإعادة الإعمار، وسيتم فقط تحقيق أهداف ومصالح الأطراف الخارجية.
ويقول جمعة في مقابلة مع (عاين): “بعد عامين من الدمار يستحق السودانيين تسويات تضمن تحقيق تطلعات، لكن حال فرضت من الخارج ستكون انتكاسة كبيرة وخيبة أمل، رغم أن وقف الحرب هدف سامي يسعى الجميع إلى تحقيقه بغرض إنهاء الكارثة الإنسانية في البلاد، لكن الحل السليم مطلب أكبر وأهم لضمان مستقبل مشرق، تسوده العدالة والمساواة، ويعطي أمل كبيراً في عدم تكرار العنف والمجازر”.

ويشير حسن إلى أن السودانيين كان من الممكن أن يصلوا إلى تسوية من خلال منابر جدة والمنامة وجنيف التي كان فيها وجود سوداني، ويمكن أن تكون الأجندة والمصالح الوطنية حاضرة، لكن الانتقال إلى اللجنة الرباعية التي تخلو من أي تمثيل سوداني، يعني خروج الأوضاع عن يد الأطراف الداخلية، إلى الداعمين الإقليميين، الذين هم من يقررون وقف القتال أو استمراره.
ملابسات اجتماع واشنطن
ويضيف جمعة: ” اجتماع اللجنة الرباعية لم يفشل، وإنما أُجِّل، بسبب تطورات في ميدان الحرب والمشهد السياسي الداخلي، خاصة بعد حملة أطلقها الإسلاميون، وهم يتحكمون في الجيش، ضد هذه الاجتماع، وتوعدهم إجهاض أي نتائج تخرج عنه، لكن في نهاية الأمر ستمضي هذه اللجنة إلى الأمام، ونفرض حلولاً غير متضمنة أجندة السودانيين فحسب، بل تهدد وحدته، وقد برزت مؤشرات ذلك في وجود حكومتين وانفصال إداري، ربما يكون انفصالا كاملاً في المستقبل القريب”.
وقبل ثلاثة أيام من الموعد الذي كان مقرراً لانعقاد اجتماع الرباعية الدولية، شكل تحالف السودان التأسيسي الذي يضم قوات الدعم السريع، وحركات مسلحة وقوى سياسية مدنية، حكومة ثانية من مدينة نيالا في إقليم دارفور غربي البلاد، تحت مسمى “حكومة السلام”، حيث جرى إعلان مجلس رئاسي من 15 عضواً برئاسة قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان حميدتي، ورئيس الحركة الشعبية – شمال عبد العزيز الحلو نائباً له، وتسمية حكام للأقاليم، وتعيين عضو مجلس السيادة السابق محمد الحسن التعايشي، رئيساً للوزراء.
وبحسب مصدر مقرب من الجيش في السودان تحدث لـ(عاين) فإن خطوة تشكيل حكومة موازية كان أحد الأسباب التي عمقت الخلافات بين الدول الثلاث السعودية ومصر والإمارات، إذ كانت هناك تفاهمات بعدم إعلان سلطة موازية، لكن الإمارات الداعم الرئيسي لتحالف تأسيس ربما دفعت في اتجاه قيام الحكومة الموازنة لوضع أطراف مشاورات واشنطن أمام أمر واقع.
توازن المصالح
وتدخل حرب السودان في معادلة معقدة، وسط خيارات الحل الخارجي، أو استمرار القتال بتكلفته إنسانية عالية، ما يطرح تساؤلات بشأن السيناريو الأرجح وتداعياته.
الصراع السوداني ذو أسباب خارجية، ولن يتوقف إلا بعد توصل الأطراف إلى مرحلة توازن المصالح، وسنشهد جولة أخرى من العنف
أكاديمي سوداني
ويقول أستاذ العلوم السياسية د. إبراهيم كباشي في مقابلة مع (عاين): إن “ما يجري في السودان ليس صراعاً داخلياً، وإنما حرب تمت بأسباب خارجية، مما جعل دولا خارجية وحلفاء إقليمين مثل السعودية ومصر والإمارات، يمسكون بخيوط اللعبة، ويتضح ذلك ما خلال محطات صعود وهبوط الصراع”.
ويرى أن الصدمة الناجمة عن عدم انعقاد اجتماع اللجنة الرباعية في واشطون كانت نتيجة لرفع سقف التوقعات، بحدوث اختراق في مواقف الأطراف بما يفضي إلى وقف الحرب، لكن الواقع يشير إلى أن الفاعلين الإقليمين لم يصلوا إلى مرحلة توازن المصالح، وما تزال رؤاهم بشأن الحلول متباينة، مما يعطي مؤشراً بجولات أخرى من العنف.
ويضيف: “يعيش السودان حالة انقسام واستقطاب حاد، وخطاب كراهية عال، وظهور لوردات الحرب وشبكات المصالح تتحرك في الفراغ في ظل غياب القادة الحقيقيين، كل ذلك يساعد القوى الخارجية تعزيز إمساكها بخيوط اللعبة في البلاد وتحقيق مصالحها، فالعقل السياسي السوداني لم تغيره هذه الحرب، فما زال يتعامل بخطط تكتيكية يومية، ولا يوجد مشروع استراتيجي، يراعي مصالح وطنية استراتيجية مثل التعليم والصحة، وقضايا الشباب وغيرها”.
ويشير كباشي، إلى أن الصراع في السودان مرتبط بمشروع هندسة الشرق الأوسط، وربما هناك نزاع في محطة الصراع، فأمريكا لا تريد خسارة الدول الثلاث مصر والسعودية والإمارات، وفي الوقت نفسه غير قادرة على إدارة هذه التوازنات، فهي عاجزة عن فرض هيبتها كقضبية أحادية؛ بسبب خلافات مع بعض الأوروبيين، كما أن السودان ليس في سلم أولوياتها.

وشدد إبراهيم:”دورة العنف في السودان لم تكتمل ولم نصل مرحلة توازن الضعف للأطراف في الداخل وحلفائهم الإقليميين في الخارج، لذلك سيستمر القتال، رغم وجود ضوء في آخر النفق بتغيير بعض داعمي استمرار الحرب مواقفهم، وشكلت لهم قناعات بضرورة توقفها”.
ديمقراطية توافقية
“تضارب المصالح بين الداعمين الإقليمين كان أحد أهم الأسباب التي أدت إلى اندلاع الحرب في السودان، ومن ثم تطاول مدها، فكل طرف ينتظر ويعول على الوقت لضمان أكبر قدر من مصالحه”. يقول المحلل السياسي مجاهد عبد الله، مشيرا إلى تمحور الخلاف في الثلاث دول، مصر والسعودية والإمارات.
ويرى عبد الله الذي تحدث مع (عاين) ضرورة أن تسعى القوى السياسية المدنية في السودان إلى إيجاد مقاربة لحل الصراع داخلياً، لتجنب حلول الخارج، فرغم التباين إلا أن طرح مشروع الديمقراطية التوافقية يمكن أن يشكل مدخلاً لمعالجة الأزمة السودانية.
ويقول عبد الله:”تَعويل السودانيين على اجتماع الرباعية نابع من إنهاك الحرب والخوف من انقسام البلد، حتى صار أي منبر خارجي يبدو كأنه المخلص من هذا الكابوس، لكن فشل أو تأجيل الاجتماع كشف هشاشة الرهان على الخارج، والذي تحكمه مصالحه بالطبع، إذ تدعم أطراف الحرب حتى تغوّلت وأضحت رهينة لأجندات إقليمية ودولية”.
ويضيف: “إذا فُرضت حلول خارجية خالية من أجندة سودانية، فلن تنتج استقراراً دائماً، ربما يحدث تسكين مؤقت يعيد إنتاج الحرب، لذلك الحلّ السوداني السوداني وحده هو الذي يعيد الإرادة المختطفة لأهلها، ويمكنه إيقاف نزيف إلى الأبد”.