حرب السودان تنتقل للحدود مع ليبيا ومصر
عاين- 11 يونيو 2025
جبهة جديدة من حرب السودان تفجرت في الحدود الصحراوية بين السودان وليبيا ومصر للمرة الأولى منذ اندلاع الصراع المسلح في الخرطوم، مما يثير المخاوف من مواجهات إقليمية مباشرة في المنطقة الاستراتيجية.
مواجهات بدأت ملامحها تتشكل في أعقاب اتهام الجيش السوداني، الجيش الليبي بقيادة خليفة حفتر بالتوغل داخل الحدود السودانية ومهاجمة قواته، الأمر الذي نفاه الأخير.
ونشبت التوتر في المنطقة الأسبوع الماضي، بعد هجوم القوة المشتركة للحركات المسلحة المتحالفة مع الجيش السوداني، على دورية لكتيبة سبل السلام التابعة لقوات خليفة حفتر، ودارت معركة ضارية عقب وصول تعزيزات ليبية من الكفرة، مما تسبب في سقوط قتلى وجرحى من الجانبين.
وفي منتصف الأسبوع الجاري، بدأت قوات الدعم السريع هجمات ضد القوة المشتركة، وأعلن مقاتلون من الدعم السريع أمس الثلاثاء سيطرتهم على منطقة جبل العوينات الحدودية مع دولة ليبيا.
واليوم الأربعاء، قالت قوات الدعم السريع في بيان، إنها تمكّنت من السيطرة على منطقة “المثلث” الاستراتيجية، التي تُشكّل نقطة التقاء محورية بين السودان وليبيا ومصر، في خطوة نوعية سيكون لها ما بعدها على امتداد عدة محاور قتالية، لا سيما في الصحراء الشمالية، كما يُسهم هذا الانتصار في مكافحة الهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر على الحدود السودانية”.
وتتسم منطقة “المثلث” بموقع جغرافي حيوي وتُعد معبراً حدودياً اقتصادياً واستراتيجياً بين ثلاث دول، ومركز محوري للتجارة والنقل بين شمال وشرق إفريقيا، كما تحتوي المنطقة على موارد طبيعية غنية بالنفط والغاز والمعادن؛ وفق بيان الدعم السريع.
انفتاح قواتنا على محور الصحراء الشمالي يُعد تحوّلاً استراتيجياً في تأمين الحدود وحماية البلاد
قوات الدعم السريع
وتابع “انفتاح قواتنا على محور الصحراء الشمالي يُعد تحوّلاً استراتيجياً في تأمين الحدود وحماية البلاد، خاصة بعد تكرار تعديات حركات الارتزاق والمليشيات المدعومة من “سلطة بورتسودان”.
وفي وقت سابق من الأربعاء، قال بيان صادر عن مكتب المتحدث الرسمي للجيش السوداني “في إطار ترتيباتها الدفاعية لصد العدوان، أخلت قواتنا اليوم منطقة المثلث المطلة على الحدود بين السودان ومصر وليبيا”.
اتهام ونفي
وقال المتحدث باسم الجيش السوداني في بيان صحفي أمس الثلاثاء، إن هجوم قوات الدعم السريع جاء مسنوداً بقوات خليفة حفتر الليبية (كتيبة السلفية) مما اعتبره “بادرة مستهجنة وغير مسبوقة وانتهاك صارخ للقانون الدولي”.
وأشار البيان، إلى أن الهجوم استهدف “نقاطنا الحدودية في المثلث الحدودي بين السودان ومصر وليبيا بغرض الاستيلاء على المنطقة، مضيفاً أن “التدخل المباشر لقوات خليفة حفتر إلى جانب قوات الدعم السريع في الحرب يعتبر تعدياً سافراً على السودان وأرضه وشعبه وامتداداً للمؤامرة الدولية والإقليمية على بلادنا تحت سمع وبصر العالم ومنظماته الدولية والإقليمية”.
من جهته، نفى الجيش الليبي بقيادة خليفة حفتر ما وصفه بمزاعم مهاجمته للأراضي السودانية، واعتبرها محاولة مفضوحة لتصدير الأزمة الداخلية السودانية وخلق عدو خارجي افتراضي.
وقال بيان حفتر: “مزاعم الاستيلاء على الأراضي السودانية والانحياز لأحد أطراف النزاع رواية مكررة لا تمت للواقع بأي صلة”، وشدد على أنه “لم نكن يوما مصدر تهديد للجيران، بل نحرص على استقرار وضبط الحدود ومكافحة الإرهاب والهجرة بتنسيق أمني صارم ومحكم مع الجوار”.
وأضاف: أن “القوات السودانية كررت مؤخرا اعتداءاتها على الحدود الليبية، وهو أمر آثرنا معالجته بهدوء حفاظا على حسن الجوار”، وتابع: “نحتفظ بحق الرد على أي خرق كما حدث الأيام الماضية واليوم، بعد اعتداء قوة تتبع القوات المسلحة السودانية على دوريات عسكرية تتبعنا”.
تقاطعات بالمنطقة
وتفرض طبيعة منطقة المثلث الحدودي الاستراتيجية وأهميتها إلى ثلاث دول السودان، ليبيا، مصر، واقعا استثنائياً للصراع حولها، وسط تناقض في التحالفات بين الأطراف العسكرية في البلدان الثلاث.
ويتحالف النظام الحاكم في مصر مع الجيش الليبي بقيادة خليفة حفتر، في الوقت نفسه يدعم الجيش السوداني على حساب قوات الدعم السريع الذي تمثل دولة الإمارات أكبر داعميه، في حين تساند القاهرة وأبو ظبي حفتر عسكريا في صراعه مع الفصائل الليبية الأخرى، مما يجعل الصراع معقداً في المثلث الحدودي.
ويقول الضابط المتقاعد في الجيش السوداني د. خليل محمد الصائم لـ(عاين): إن “دولة مصر لن تفرط في أمنها القومي مهما كانت الحسابات، إذ يمثل توغل قوات الدعم السريع إلى المثلث الحدودي تهديداً مباشراً لها”.
ويشير إلى أن تدخلات خليفة حفتر في الحرب السودانية ومساندة قوات الدعم السريع ليست بالمسألة الجديدة وهي قديمة، ولا يتوقع أن تتحول منطقة المثلث الحدودي إلى صراع بين دول الإقليم. وقال: إن “الغرض من هذه الهجمات هو محاولة لشغل الجيش السوداني بجبهات بعيدة، من أجل تحقيق أهداف عسكرية في عمق البلاد، وهو تكتيك معروف في الحروب، ولا أعتقد أن القوات المسلحة السودانية ستكون غافلة عنه”.
وأضاف “لا تخلو الهجمات على المثلث الحدودي من محاولة قوات الدعم السريع من الاقتراب من الولاية الشمالية، حيث لوح قائدها مؤخرا أنه بصدد اجتياحها كما قام بقصف مدينة الدبة أمس الثلاثاء بطائرات مسيرة”.
ولا يستبعد الصائم، أن هدف قوات الدعم السريع من معارك الصحراء هو تأمين خطوط إمدادها البري، وذلك بعدما تمكن الجيش من ضرب مطار نيالا وتهديد استمرار الامداد الجوي.
وتسببت الاشتباكات في عرقلة حركة الفارين من حرب السودان إلى ليبيا، حيث رفع المهربون قيمة التذكرة من المثلث الحدودي إلى الكفرة من 150 الف جنيه إلى 800 الف جنيه؛ مما يفاقم الوضع الإنساني، وفق مصدر تحدث مع (عاين).