الحرب تضاعف متاعب الاقتصاد السوداني، ما الذي حدث؟

18 مايو 2023   

منذ اندلاع المعارك في صباح منتصف أبريل الماضي، توقف القطاع المصرفي في السودان عن العمل مع محاولات لوزارة المالية والبنك المركزي السوداني في إستئناف النشاط المصرفي بالولايات السودانية البعيدة عن المعارك التي تنحصر بشكل كبير في العاصمة الخرطوم.

مصدر ببنك السودان: القطاع المصرفي خسر 1.6 مليار دولار خلال فترة النزاع المسلح التي تعدت الشهر.

مبدئيا تشير تقديرات القطاع المصرفي إلى تكبده خسائر بقيمة 1.6 مليار دولار خلال فترة النزاع المسلح التي تعدت الشهر بأيام، فيما يؤكد الخبير المصرفي أحمد عبد العزيز، أن المشكلة التي تواجه القطاع المصرفي أن جميع المقار الرئيسية للبنوك تقع وسط العاصمة الخرطوم حيث تستعر المعارك الحربية بالتالي من الصعب تشغيلها أو نقل أصولها الضرورية إلى فروع الولايات الأكثر أمنا.

مركزية المصارف

الخبير المصرفي أحمد عبد العزيز في مقابلة مع (عاين )، إن الحرب انعكست بشكل أساسي على القطاع المصرفي لأن السودان دولة مركزية تدار من العاصمة الخرطوم فيما يتعلق بتعاملات النقد حتى تحديد سعر الصرف و الاحتفاظ بالأصول والكتلة النقدية 80 بالمئة منها بالخرطوم مقابل 20 بالمئة بباقي الولايات.

وأضاف :”هذا خلل كبير يستوجب التفكير خارج الصندوق مثلا اذا قرر البنك المركزي الذي يتغيب عن الراهن ولا يقدم سوى تطمينات شحيحة اذا قرر معالجة هذه الأزمة يتعين عليه تأسيس نظام مصرفي وفق بنية تحتية جديدة في مدينة مثل بورتسودان قرب الموانئ الرئيسية وهذا مشروع مكلف للغاية لا يقل عن 50 مليون دولار “.

خبير مصرفي:”لم يكن الوضع الاقتصادي والمالي طبيعياً في السودان قبل الحرب، لذلك فإن الأوضاع ستكون سيئة حتى وإن توقفت الحرب اليوم.

ويجري البنك المركزي السوداني نقاشات مع وزارة المالية لتشغيل المصارف بشكل رئيسي في مدينة بورتسودان لكن هناك مشاكل تقنية كبيرة تواجه البنوك لأن البنية التحتية مقتصرة على خدمة بنوك محلية فقط حسب ما نقل مصدر من بنك السودان في مقابلة مع (عاين).

النهب قد يغلق مصارف

يقول المصدر، إن أعمال النهب التي طالت البنوك تشكل 35 في المئة من القطاع المصرفي في العاصمة السودانية ويمكن القول إن الخسائر تتجاوز 1.6 مليار دولار اذا نظرنا الى نهب كتلة النقد الأجنبي في حوالي 22 مصرفا بالعاصمة الخرطوم الى جانب كتلة النقد بالعملة الوطنية والتي تتجاوز 200 مليون جنيه علاوة على تلف وتحطيم وسرقة الأصول وجميع الأجهزة.

ويرى المصدر، أن الأضرار التي طالت البنوك التي تعرضت فروعها للنهب قد تجعلها تكتفي بالفروع التي لم تتعرض الى النهب وعدم اعادة تشغيل فروعها  المتضررة.

يقول مصدر في بنك السودان، إن أعمال النهب التي طالت البنوك تشكل 35 بالمئة من القطاع المصرفي في العاصمة السودانية

وعما اذا كانت النزاع المسلح وطول أمده سينعكس على السيولة النقدية يقر المصدر بحدوث هذا الأمر الآن. ويقول: “مشكلة السيولة بدأت منذ اليوم الأول حينما بدأت الاشتباكات العسكرية توقفت البنوك عن العمل لم تتلق الأسواق كتلة نقدية منذ ذلك اليوم من المصارف عدا بعض الولايات بشكل قليل”.

ويكشف المصدر من البنك المركزي، أن اجتماع مسؤولي البنوك مع وزير المالية جبريل ابراهيم في مدينة بورتسودان بولاية البحر الأحمر شرق البلاد تطرق الى إمكانية تشغيل “المقاصة” لتغذية أجور القطاع العام في المصارف بالولايات وبعض أفرع العاصمة السودانية كما ناقش الاجتماع مشكلة السيولة النقدية.

وأضاف:”أكد الاجتماع أهمية استمرار خدمة تطبيقات الدفع الإلكتروني في الهواتف النقالة كواحدة من الحلول الفعالة حتى يتمكن العملاء من تأمين الاحتياجات “.

وتابع :”الاجتماع وضع سيناريوهات متعددة من بينها طول أمد الصراع المسلح في العاصمة السودانية بين الجيش والدعم السريع بالتالي تفعيل فروع البنوك بالولايات خاصة القضارف وود مدني بولاية الجزيرة و بورتسودان بولاية البحر الأحمر “.

بنية تحتية جديدة

بينما يقول الخبير المصرفي خالد أبوزيد في مقابلة مع (عاين)، إن القطاع المصرفي تضرر بشدة من النزاع المسلح بين الجيش والدعم السريع إما بالنهب الذي طال عشرات الفروع في العاصمة أو توقف النشاط المصرفي.

وأشار أبو زيد إلى أنه رغم ذلك لا تزال المصارف تعمل ضمن شبكة الخدمات الإلكترونية عبر تطبيقات الهواتف النقالة على الرغم من المشاكل المتعلقة بالطاقة والتشغيل والمعارك التي تلحق الأضرار بشبكات الكهرباء والانترنت.

ويعتقد أبوزيد، أن البنوك التي لحقت بها أعمال النهب والتحطيم ستكون بحاجة الى تمويل مباشر من الدولة عبر المؤسسات المالية لاستعادة حيويتها أو قد تواجه خطر التعثر والإفلاس والخروج من قطاع المصارف.

اضطراب اقتصادي في السودان يصيب الأسواق بالركود ويُشعل الأسعار
اقتصادي: البنوك التي لحقت بها أعمال النهب والتحطيم ستكون بحاجة الى تمويل مباشر من الدولة عبر المؤسسات المالية

ويقول خالد أبو زيد، إن وزارة المالية تحاول دفع البنوك الى العمل في الولايات لسداد الأجور الشهرية للقطاع العام وفي هذا الصدد فإن المالية تواجه مشكلة تمويل العجز في رواتب عمال القطاع العام ولا تستطيع البنوك تغطية العجز ولا يمكن الاستدانة من الجهاز المصرفي في ظل ظروف “غياب مؤسسات الدولة ” بسبب الحرب.

ويوضح الخبير المصرفي، أن المستقبل ليس مفروشا بالورود بالنسبة للبنوك في السوق السوداني الذي يواجه هزة اقتصادية عنيفة بسبب الحرب دون أن يضع طرفي الصراع الأزمة الاقتصادية المتراكمة منذ سنوات في الاعتبار.

ويرجح أبوزيد، أن يؤدي اطالة أمد الصراع المسلح الى انزلاق أكثر من نصف سكان السودان (حوالي 25 مليون شخص) الى مرحلة الاغاثة بدلا من الاعتماد على تدبير شؤونهم من العمل والنشاط الاقتصادي.

وأضاف :”لم يكن الوضع طبيعيا على الصعيد الاقتصادي والمالي في السودان قبل الحرب لذلك فإن الأوضاع ستكون سيئة حتى وإن توقفت الحرب اليوم لا يمكن معالجة الأزمة الجديدة بسهولة ستقع المشاكل الاقتصادية المتفاقمة على ملايين السودانيين ربما يعاني 30 مليون شخص من أزمات غذائية ومعيشية حادة بسبب البطالة وتوقف الزراعة والنشاط الاقتصادي والحياة العامة وارتفاع أسعار الوقود الى أضعاف ما عليها الآن اذا استمرت الحرب لشهور فقط “.

تحطيم الاقتصاد

وفي فبراير الماضي، قبل شهرين من المواجهات المسلحة بين الجيش والدعم السريع أجازت الحكومة السودانية موازنة مالية في حدود 12 مليار دولار بُنيت على توقعات الصادرات والواردات والضرائب التي شكلت نسبة عالية من الموازنة، لكن الحرب حطمت جميع التوقعات كما يقول الخبير الاقتصادي محمد إبراهيم ويتوقع أن تسيير الشؤون الاقتصادية للدولة بالاستجابة الى مصروفات الحرب خاصة تمويل الجيش.

خبير اقتصادي: “التعافي الاقتصادي بات مستحيلاً وسيكون (اقتصاد حرب) ولن تقوم الدولة بتحمل مسؤولياتها تجاه المواطنين”.

ويرى إبراهيم، أن التعافي الاقتصادي بات مستحيلا سيكون الاقتصاد “اقتصاد حرب” لن تقوم الدولة بتحمل مسؤولياتها تجاه المواطنين ولن تتمكن من سداد الالتزامات خاصة مع عدم رغبتها في نشاط الخدمة الحكومية في الولايات إلى جانب اعتمادها على وكالات الاغاثة والمساعدات الدولية لتوزيع الغداء على نصف سكان السودان هذا العام كما متوقع

يقول إبراهيم في مقابلة مع (عاين ) إن الوضع لا يمكن وصفه حتى بالأزمة الاقتصادية لأن الدولة غير مستقرة وهناك نزاع مسلح في العاصمة وبعض الولايات ولا يمكن أن تقول إن الولايات الآمنة ستتمكن من إدارة ظهرها لهذا الصراع وتسير شؤونها الاقتصادية كما كانت في الحقيقة لن تستطيع الولايات تقديم أية خدمات للمواطنين.

وأضاف :”بالنسبة للمصارف في الولايات أيضا ستواجه مشكلة التخلص من المركزية القابضة لمئات الملايين من الدولارات التي نهبت أثناء النزاع المسلح من عدة أطراف بما في ذلك قوات الدعم السريع “.

ويرى هذا الخبير الاقتصادي أن شح الكتلة النقدية وحتى إصدار أوراق نقدية جديدة والتحويلات الخارجية كل هذه الإجراءات المالية لا يمكن تشغيلها في الولايات بمعزل عن العاصمة السودانية.

 وأردف إبرهيم:”جنرالات الجيش مشغولون بالدعاية الحربية في الولايات ويودون مشاهدة الحشود بدلا عن معالجة أوضاع ملايين المواطنين في الولايات ووضع خيارات حال استدامة الصراع … إنهم لا يفكرون في المشاكل التي تخص المواطنين”.