“القضارف وعطبرة”.. نازحو الحرب في المدارس أمام صلف السلطات
عاين- 9 نوفمبر 2023
حينما عايشت “قسمة عبد الرحمن”، المصابة بمرض السكري ألم بتر ساقها اليمنى بعملية جراحية في مستشفى النو بأم درمان خلال ظروف الحرب الدائرة في العاصمة السودانية، لم تكن على دراية بأنها ستخوض معركة أخرى أكثر ألمًا مع حكومة ولاية نهر النيل شمالي البلاد في أعقاب قرار السلطات بإخلاء المدارس التي تأوي “قسمة” مع آلاف النازحين للولاية من حرب العاصمة.
لجأت “قسمة” إلى مدرسة حي المطار مربع 12 بنين التي تحولت إلى مركز إيواء للنازحين من بين 16 مدرسة أخرى تضم نازحين من مدينة الخرطوم .
ومطلع أكتوبر الفائت، وجه رئيس مجلس السيادة في حكومة الأمر الواقع عبد الفتاح البرهان بفتح المدارس في ولاية نهر النيل شمالي البلاد، وهي احدى الولايات غير المتأثرة بالحرب، ولاحقا أعلن والي الولاية المكلف محمد البدوي عن استعداده لفتح المدارس وجاهزيته لسداد مرتبات العاملين وتشكيل لجنة لوضع الترتيبات اللازمة ، فيما أمر بإخلاء المدارس من النازحين لبدء الدراسة.
تقول “قسمة” التي تتجول على كرسي متحرك داخل المدرسة لـ(عاين)، ” لن اغادر المكان إلا لمنزلي في أم درمان”.
ووفقًا لمصفوفة النزوح، فإن ولاية نهر النيل تعتبر الولاية الأولى من حيث استقبال النازحين المتضررين من الصراع المسلح في الخرطوم تليها ولايات جنوب وشرق دارفور والجزيرة وشمال دارفور.
يقول عضو غرفة طوارئ مدينة عطبرة، يوسف حسن في مقابلة مع (عاين)، إن “مدينة عطبرة وحدها بها قرابة 5800 نازح يقيمون في المدارس ومساجد صغيرة الأحياء- زواية- والأندية ودور الاتحادات والسكن الطلابي”.
ويشير حسن، إلى أن آخر تم اجرائها نهاية أكتوبر الماضي توضح أن “مجموع المراكز بالولاية 57 بينهم 17 مدرسة و23 زاوية و17 دور أخرى، وأكبر مدرسة تضم نازحين موجودة بحي الوحدة وتستوعب 1500 فرد”.
ويثير إصرار حكومة الولاية على قرار فتح المدارس في الخامس من نوفمبر الجاري بالولاية موجة استياء لاسيما لجنة المعلمين السودانيين التي انتقدت القرار، ورفضت في ذات الوقت تصريح والي الولاية بعدم شرعية لجان المعلمين للتحدث باسم المعلمين في البلاد”.
ويقول عضو لجنة المعلمين بالولاية، ومدير مدرسة عطبرة الجنوبية، فتح الرحمن حسن عطا المنان لـ(عاين)، إن “إدارة التعليم بالولاية شددت في اجتماع مع 75 فرد من مدراء المدارس أمس الأربعاء على تنفيذ قرار بدء العام الدراسي وإخلاء المدارس من النازحين”. مشيرا إلى أن حلول الادارة التي طُرحت لمشكلة النازحين تمثلت في دمج مدارس سويا وإخلاء أخرى للدراسة. وفيما يتعلق بطلاب المرحلة المتوسطة طُرح حل توزيع أوقات الدراسة ما بين الصفوف الثلاثة وتوفير كتاب مطبوع.
ويؤكد فتح الرحمن، على رغبته في فتح المدارس وعودة الدراسة قبل أن يشير إلى عدم قبوله بقرار فتحها بهذه الطريقة.
ورغم حالة القلق التي تنتاب مئات النازحين في ولاية نهر النيل عقب قرار السلطات إخلاء المدارس لمعاودة الدراسة، يشدد نازحون استطلعتهم (عاين) على تمسكهم بخيارهم الرافض للقرار، وعدم قبولهم خيار الإقامة في “القرية 6 – المناصير” بمحلية الدامر وهي احدى المناطق التي وجه الوالي بترحيلهم بها كبديل للمدارس.
ماذا حدث في القضارف؟
بعدما فقد مئات النازحين الذين فروا لمدينة القضارف من منازلهم في العاصمة الخرطوم وبعض المناطق الأخرى التي تعرضت للنهب أو التدمير بسبب القتال الوحشي بين الجيش والدعم السريع، فإن سلطات ولاية القضارف تحاول إجبار مئات النازحين من الأطفال والنساء والرجال من أجل إخلاء مراكز إيواء هناك بحجة فتح الجامعة، مستخدمة في ذلك العنف المفرط.
واستخدم فريق أمني مشترك القوة المفرطة، أمس الأربعاء، بالاعتداء على مجمعين سكنين لإيواء مئات النازحين الفارين من الحرب المندلعة بين الجيش والدعم السريع.
وبحسب عضو لجنة الطوارئ بمدينة القضارف، مجيب الرحمن، فإن أمر الإخلاء جاء بحجة فتح الجامعة و إخلاء السكن الطلابي الذي تم استخدامه لإيواء هؤلاء النازحين.
ووقع الاعتداء من قبل القوى المشتركة، بمجمع الرشيد الطاهر الذي يأوى نحو (779) نازح من النساء والأطفال وداخلية عمر بن عبد العزيز، التي تأوي (400) نازح من الرجال.
واستقبلت ولاية القضارف ما يربو عن (270) ألف شخص نزحوا إليها عقب اندلاع الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع في 15 أبريل الماضي حيث يقيم النازحون في مراكز إيواء مؤقتة موزعة بين المدارس والداخليات الطلابية في ظل ظروف إنسانية معقدة.
وقال عضو لجنة الطوارئ بمدينة القضارف مجيب الرحمن، لـ(عاين)، أن يوم أمس الأربعاء، شهد عملية إخلاء لمراكز الإيواء التي يقطنها النازحون بعد قرار السلطات فتح الجامعة.
وأوضح أن قوة مكونة من الأجهزة الشرطية بقيادة مدير مكتب الوالي جي فور حاولت إخلاء المركز من النازحين. ولفت إلى أن النازحين قاوموا عملية إخلائهم مما أدى لاستخدام الشرطة للعنف والغاز المسيل للدموع.
وأكد مجيب الرحمن تعرض عدد كبير من هؤلاء النازحين لاختناق بسبب الغاز المسيل للدموع مما أدى لنقلهم لتلقي العلاج في المستشفى الكبير بمدينة القضارف.
الناشط الشبابي والمسؤول من أحد مراكز، وليد سعد فضل المولى، قال إن والي القضارف ونائبه أبلغا النازحين بإخلاء السكن الطلابي والانتقال إلى مدارس أخرى للسكن فيها.
“حاولت السلطات نقل النازحين لمدرسة الأميرية، إلا أنهم رفضوا الانتقال إليها لأنها لم تكن مهيأة لاستقبالهم كما أن دورات المياه فيها سيئة”. يقول فضل المولى.
وأضاف: بأن الشرطة قامت بإجبار النازحين على الخروج من هذه المراكز قسريا ودون تفاهم، عندما قامت بإطلاق الغاز المسيل للدموع ما أدى لوقوع حالات اختناق لعدد من النازحين بينهم امرأة حامل.
وسقطت عبوات الغاز المسيل للدموع في المدرسة الثانوية القديمة التي تستخدم أيضا كمركز إيواء لعدد كبير من النازحين من النساء والأطفال بينهم عمر ثلاثة أيام، بحسب المسؤول بأحد مراكز الإيواء.
الذي أشار إلى أن بعض النازحين من النساء والأطفال نفذوا قرار الانتقال للمركز الجديد إلا أنهم عادوا بعد أن اكتظاظ بالأشخاص في المركز الذي غادروا إليه.
وبالنسبة للرجال بمركز داخلية عمر بن عبد العزيز فتم نقلهم إلى مدرسة عثمان دقنة جوار سوق الكودة. وفقا لفضل المولى.
فضل المولى أوضح أن بعض النازحين أمضوا ليلتهم في مراكز الإيواء الأولى تمهيدا لنقلهم إلى مركز آخر خلال اليوم أو غداً، بينما أمضى الآخرون ليلتهم في الشارع.
ولا يتقبل مواطنو مدينة القضارف قرار ترحيل هؤلاء النازحين بهذه الطريقة خاصة وأن السلطات لم تعمل على تهيئة مراكز إيواء جديدة لهم، بحسب فضل المولى.
ويرى عضو مبادرة القضارف للخلاص، جعفر خضر أن حكومة ولاية القضارف تعمل ضد النازحين، ودلل على ذلك بأن حكومة الولاية منعت المتطوعين الذين يعملون في غرف الطوارئ من مساعدة النازحين كما قامت بطردهم من بيت الشباب،وعندما ذهبوا إلى مدرسة دين بكر لاحقتهم وطردتهم ومنعت مفوضية العون الإنساني من التعامل معهم.
ولفت إلى أن حكومة القضارف لم تقدم أي عون لهؤلاء النازحين على الرغم من امتلاكها لموارد مالية ضخمة.
“الحكومة تركت مهام تقديم الخدمات من أكل وشرب ورعاية صحية للمواطنين الفقراء جراء عدم صرف المرتبات كما تركتهم للمنظمات العاملة في هذا الشأن الإنساني”. يوضح خضر.
وما زالت حكومة القضارف تخطط لإخراج النازحين من المدينة وتضعهم أمام خيارين؛ الذهاب إلى ذويهم أو ترحيلهم إلى محلية القلابات الغربية. بحسب عضو مبادرة القضارف للخلاص الذي أكد أن سلطات ولاية القضارف قامت باستخدام العنف غير المبرر وأطلقت الغاز المسيل للدموع دون مراعاة للأطفال والنساء والمرضى.
ويرى خضر، أن حكومة الولاية تعمل على خدمة مليشيا “الجنجويد” بوعي م أو دون وعي باستهدافها للنازحين والمواطنين الذين منعت عنهم المرتبات رغم توفر الأموال لديها. وبحسب خضر ، فإن القوة الرئيسية التي قامت بالاعتداء على مراكز النازحين تتألف من الشرطة والجيش وبعض منسوبي جهاز الأمن والمخابرات.