جرائم حرب السودان.. مسارات التحرك الدولي للتحقيق في الإنتهاكات
5 أكتوبر 2023
في وقت تستمر حرب السودان مع المزيد من ارتكاب الانتهاكات بحق المدنيين، تنشط مجموعات ووطنية ودولية لحث مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة لتعزيز إجراءاته واعتماد قرار بتشكيل آلية مستقلة لها ولاية تختص بالسودان.
وكانت بريطانيا و4 دول أوروبية قدمت مسودة مشروع قرار لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة ينص على تشكيل لجنة دولية للتحقيق في الانتهاكات الإنسانية التي ارتكبها قوات الجيش السوداني والدعم السريع في إطار الحرب الدائرة بينهما. يأتي ذلك وسط تقارير عن عمليات قصف جوي وأرضي عشوائية طالت العديد من المناطق السكنية إضافة إلى عمليات اعتقال واغتصاب وتعذيب واسعة.
ويدعو المشروع إلى وقف فوري وكامل للتعبئة والاستنفار وإطلاق النار، والتيسير السريع لوصول المساعدات الإنسانية بشكل كامل وآمن ودون عوائق، وإنشاء آلية مستقلة لرصد وقف إطلاق النار، وإعادة تأهيل البنية التحتية الأساسية الحيوية، والتوصل إلى حل سلمي للصراع على أساس الحوار الشامل، وإعادة التزام جميع الأطراف مع شعب السودان بالعودة إلى المرحلة الانتقالية نحو حكومة يقودها المدنيون.
وتعارض الخارجية السودانية التوجه الدولي بتشكيل لجنة دولية للتحقيق في انتهاكات الحرب بواسطة مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.
وقالت الخارجية السودانية في بيان الأربعاء، أن بريطانيا مضت في تحركها وانضمت لها دول غربية في طرح مشروع القرار، رغم رفضه من المجموعتين العربية والافريقية ومنظمة التعاون الإسلامي.
ووصفت وزارة الخارجية مشروع القرار بأنه “يفتقد الموضوعية” لأنه ساوى بين الجيش والدعم السريع، في وقت يواجه السودان حربًا تستهدف وحدته واستقلاله تشنها مليشيا تضم مرتزقة من بعض دول المنطقة.
بداية التحرك الدولي
وفي 11 مايو الماضي من هذا العام، عقد مجلس حقوق الإنسان في جنيف دورة استثنائية لبحث الوضع في السودان، بعد أكثر من ثلاثة أسابيع من القتال العنيف بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع.
وقتها دان مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك “العنف الوحشي” الذي تسبب في زيادة الجوع والحرمان والتشريد للشعب السوداني، مشيراً إلى أن الجانبين “داسا القانون الإنساني الدولي، ولا سيما مبادئ التمييز والتناسب والحذر”، التي تفرق بين الأهداف المدنية والعسكرية وتراعي حماية المدنيين.
كما اعتمد مجلس حقوق الإنسان قراراً بأن تشمل ولاية الخبير المعين بشأن السودان رصداً تفصيلياً وتوثيقاً لجميع انتهاكات حقوق الإنسان المزعومة والتجاوزات منذ 25 أكتوبر 2021، بما في ذلك تلك التي تنشأ مباشرة من النزاع الحالي”.
وأظهرت مسودة طلب وقعت عليها أكثر من 100 منظمة دولية ووطنية أن الولايات المتحدة وبريطانيا والنرويج وألمانيا يعتزمون التقدم بطلب إلى مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان لإجراء تحقيق في فظائع مزعومة في السودان بحسب وكالة رويترز للأنباء.
وتدعو المسودة التي حصلت (عاين) على نسخة منها إلى أن يعزز مجلس حقوق الإنسان إجراءاته بخصوص السودان وأن يعتمد في جلسته المرتقبة قرار بتشكيل آلية مستقلة لها ولاية تختص بالوضع في السودان، على أن يتم تزويدها بكل الدعم الإداري والفني واللوجستي والموظفين اللازمين.
وقال الخبير القانوني، علي العجب لـ(عاين): “إن مسودة المذكرة عرضت على الدول الأعضاء في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة باعتبارها مسودة لم تنشر بعد”.
ولفت العجب، إلى المعلومات تفيد بأن المذكرة المقدمة من دول الترويكا والولايات المتحدة والمملكة المتحدة وألمانيا والنرويج تهدف إلى الطلب من مجلس الأمن إنشاء فريق للتحقيق في الانتهاكات المرتكبة جراء النزاع المسلح بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع.
وأضاف: “يتكون الفريق من ثلاثة أعضاء تنحصر مهمتهم في إعداد تقرير يُقدم إلى جلسة مجلس الأمن القادمة كما سيقدم مُعدي التقرير أيضاً إحاطة شفوية في الجلسة”.
وأوضح العجب، أن اللجنة هي لجنة إحاطة فقط وليست لجنة تحقيق ذات طابع قضائي وهي لإحاطة أعضاء مجلس الأمن بالانتهاكات ويمكن أن تتضمن توصية بالخطوات المطلوبة.
ولفت العجب، إلى أن الآليات الدولية المعنية بالمساءلة عن الجرائم الدولية المرتكبة في الصراع بين الطرفين المتحاربين في السودان تتمثل حتى الآن في المحكمة الجنائية الدولية التي تحتاج إلى توسيع اختصاصها الذي لا يزال منحصراً في إقليم دارفور بسبب الإحالة السابقة من مجلس الأمن؛ ليشمل اختصاصها كل السودان.
إمكانية توسيع اختصاص الجنائية الدولية
واستبعد الخبير القانوني، علي العجب، توسيع اختصاص المحكمة الجنائية الدولية في السودان. وقال: “هذا أمر غير متوقع بسبب -الفيتو- بمجلس الأمن لوجود تعارض بين روسيا والولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي بسبب الحرب المندلعة في أوكرانيا”.
وأضاف: “للدفع بالمساءلة الدولية يمكن أن تتدخل الأمم المتحدة بتقديم إقتراح إنشاء محكمة جنائية دولية مختلطة على غرار ما حدث في سيراليون لملاحقة مرتكبي الجرائم الدولية في الصراع القائم بين الجيش والدعم السريع والأطراف المتحالفة مع كل طرف”.
وأوضح عجب، أن ذلك يمكن ان يكون جزءاً من أجندة المجتمع المدني والقوى السياسية، ضمن خطة إشراكها في مباحثات جدة أو آلية الاتحاد الإفريقي.
وفي رده على سؤال دعم المحكمة الجنائية الدولية للتحركات في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، لتشكيل فريق لتقصي الحقائق للتحقيق في حالة حقوق الإنسان في السودان، يقول مستشار التعاون في مكتب المدعي العام داهيرو سانت آنا لـ(عاين)، ” المكتب يعتمد في إجراء تحقيقاته، على تعاون الدول والكيانات الأخرى، بما في ذلك كيانات الأمم المتحدة. ولا يتخذ المكتب أي موقف فيما يتعلق باحتمال إنشاء آليات إضافية. وفي حالة إنشاء مثل هذه الآليات، من المهم ضمان إمكانية دعم التعاون بين هذا الكيان والمكتب، وذلك لضمان مواءمة العمل بأقصى قدر من الفعالية وإعطاء الأولوية لاحتياجات الضحايا”.
وتعليقاً على ما يتردد حول توسيع المحكمة الجنائية الدولية لولايتها لتشمل البلاد بأكملها نظرا للهجمات واسعة النطاق على حقوق الإنسان. يقول داهيرو، “مكتب المدعي العام يؤدي عمله بما يتفق مع أحكام قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة 1593 (2005)، الذي أحال المجلس بموجبه الوضع في دارفور منذ يوليو 2002 إلى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية”.
واضاف: “أكد المدعي العام في الإحاطة التي قدمها إلى المجلس في شهر يوليو أن أولئك الذين ساعدوا وحرضوا على ارتكاب الجرائم في دارفور، بغض النظر عن موقعهم الشخصي (بما في ذلك خارج دارفور)، من المحتمل أن يقعوا ضمن اختصاص المحكمة”.
الإفلات من العقاب
وبالتزامن مع مسودة الطلب المقدمة لمفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان تم الإعلان عن نيّة الولايات المتحدة وبريطانيا والنرويج وألمانيا تقديم طلب إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة للقيام بتحقيق في الانتهاكات المشتبه بها التي وقعت في السودان.
وقال المدير التنفيذي للمركز الأفريقي لدراسات العدالة والسلام، مساعد محمد علي لـ(عاين): إن المذكرة سلطت الضوء على الانتهاكات الجسيمة التي وقعت في السودان منذ اندلاع الحرب خاصة في دارفور.
وأوضح أن المذكرة أشارت إلى قصور قرار المجلس السابق الصادر أثناء جلسة الانعقاد الخاصة في 11 مايو الماضي التي عززت الصلاحية لمكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان.
ولفت إلى أن المذكرة أكدت استمرار ارتكاب الفظايع في السودان مما يستدعي تكوين لجنة دولية لتقصي الحقائق وجمع الأدلة حول الجرائم وتحديد الأشخاص الذين ارتكبوا هذه الجرائم توطئة لتقديمهم أمام العدالة الدولية. ونوه مساعد إلى أن المذكرة تهدف إلى إنهاء ثقافة الإفلات من العقاب فيما يتعلق بالجرائم التي تنتهك القانون الدولي.
وبالإشارة للدول التي رشح تطابق موقفها مع ما تضمنته المذكرة، يشير المدير التنفيذي للمركز الأفريقي، إلى أن ما حدث يعد إجراء روتيني وهو أن تتقدم كتلة داخل المجلس بمشروع قرار من أجل التصويت عليه من جميع الأعضاء.
وأشار مساعد، إلى أن المجموعة الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية تعتبر أقلية لأن لديها (8) مقاعد من بين (47) مقعد، بينما يبلغ عدد المقاعد الأفريقية والعربية (13) مقعد لكل منهما.
ولفت إلى أن الأمر الحاسم هو أن تصوّت المجموعتين الأفريقية والعربية لصالح القرار حتى يحصل على أغلبية وهو الأمر الذي ستكشفه جلسات مجلس حقوق الإنسان القادمة.
وأكد مساعد ضرورة تطبيق الاختصاص الدولي من أجل إنصاف الضحايا وردع مجرمي الحرب في ظل عدم رغبة وقدرة الدولة على تحقيق العدالة داخلياً.
وبين أن لجنتي التحقيق اللتين كونتا بواسطة كل من “البرهان” و”حميدتي تفتقدان الحياد والنزاهة والاستقلالية لأن اللذين كوناها متهمان بارتكاب جرائم حرب.
أحدث تقرير إنتهاكات القصف الجوي والمدفعي
ومع طول أمد الحرب في السودان، فإن بعض المنظمات الحقوقية تستمر في رصد وتوثيق الانتهاكات التي أفرزتها حرب الخامس عشر من أبريل.
والأربعاء الماضي، كشف تقرير حديث لمبادرة “محامو الطوارئ” إن القصف الجوي والمدفعي المتبادل بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع أدى إلى مقتل 954 مدنيا وإصابة 2434 آخرين بولاية الخرطوم ومدينتي الأبيض بشمال كردفان ونيالا بجنوب دارفور.
وقال محامو الطوارئ إن التقرير الذي رصد 253 شهادة للضحايا والخبراء والشهود العيان في الفترة من 16 أبريل/ نيسان إلى 19 سبتمبر/ أيلول، قام برصد الانتهاكات الناتجة عن عمليات القصف في العاصمة الخرطوم بمدنها الثلاث (الخرطوم – الخرطوم بحري ـ أمدرمان) ومدينة نيالا عاصمة ولاية جنوب دارفور، ومدينة الأبيض عاصمة ولاية شمال كردفان.
وأشار تقرير المعنون بمدن تحت الحمم إلى أن حرب 15 أبريل شكلت تطوراً كبيراً في تاريخ الصراع المسلح في السودان حيث تعيش مدن العاصمة الخرطوم ومدينتي نيالا والأبيض أوضاعا مأساوية بسبب الاستخدام العشوائي لسلاح الجو والمدفعية الثقيلة والخفيفة مما خلف أعداد كبيرة من الضحايا المدنيين.
وقال محامو الطوارئ وهي منظمة قانونية معنية برصد وتوثيق الانتهاكات في السودان إن التقرير الذي استمع لـ 253 شهادة من الضحايا وشهود العيان والمصابين والخبراء في الفترة من 16 أبريل إلى 19 سبتمبر، قام برصد الانتهاكات الناتجة عن عمليات القصف في العاصمة الخرطوم بمدنها الثلاث (الخرطوم – الخرطوم بحري ـ أمدرمان) ومدينة نيالا عاصمة ولاية جنوب دارفور، ومدينة الأبيض عاصمة ولاية شمال كردفان.
ولفت التقرير، إلى أن الأطفال والنساء ظلوا طوال خمسة أشهر مدة اندلاع الحرب يتعرضون لصنوف من الانتهاكات المروعة والخطيرة. كما أحصى سقوط 130 طفل و 94 امرأة في مدن ” الخرطوم ، بحري، أمدرمان، نيالا ، الأبيض”
ووثق التقرير بناء على الرصد حالات من الاعتداء عبر القصف الجوي والمدفعي العشوائي لطرفي النزاع على عدد من الأعيان المدنية شملت المنازل المستشفيات المساجد والمدارس ومحطات المياه وشبكات الكهرباء والاتصال.
وأشار إلى أن وجود المقار العسكرية في ولاية الخرطوم ومدينتي الأبيض ونيالا أدى إلى ارتفاع نسبة الخسائر في الأرواح و الممتلكات والأعيان المدنية.
وأحصى التقرير تعرض 17 مؤسسة طبية للقصف المدفعي والجوي بينها مستشفى الشعب التعليمي والخرطوم التعليمي، بالإضافة لعدد من الأعيان المدنية الأخرى بينها مطار الخرطوم والقصر الجمهوري وتسجيلات أراضي الخرطوم فضلا عن عدد غير محدد من محطات الكهرباء وشبكات الضغط العالي ومحطات المياه وأبراج الاتصالات والجسور والمساجد والمدارس.
وأوصى التقرير بضرورة وقف عمليات القصف العشوائي التي تستهدف الأحياء السكنية والأسواق والأعيان المدنية بشكل عام والتمييز بين المدنيين والمقاتلين وبين الأهداف المدنية والأهداف العسكرية.
وضمن عدة نقاط، أوصى التقرير المؤسسات الدولية العمل على إحلال الأمن والسلام و تطبيق مبدأ مسؤولية حماية المدنيين و حث طرفي النزاع على الامتثال للقانون الدولي الإنساني والقانون العرفي الإنساني، فضلا عن الضغط على الطرفين من أجل إيقاف عمليات التهجير القسري الناجمة عن القصف العشوائي والتي تسببت في تفاقم حدة الأزمة الإنسانية في السودان.
كما أن التقرير، دعا لإيجاد طرق وآليات للتحقيق في الجرائم التي ارتكبت بواسطة الطرفين عبر القصف المدفعي والجوي والعمل داخل مجلس الأمن الدولي لتوسيع اختصاص المحكمة الجنائية الدولية ليشمل كل مناطق السودان إلى جانب دارفور والتحقيق في سقوط المدنيين بسبب القصف المدفعي والجوي.
قضاء سوداني غير راغب في تحقيق العدالة
من جهته، رأى عضو محامي الطوارئ عثمان البصري، أن الانتهاكات التي ارتكبت في السودان هي انتهاكات واسعة كما أنها ارتكبت على رقعة جغرافية كبيرة شملت نحو ثلاث ولايات سودانية، لذلك لا يمكن التعامل معها مثل البلاغات العادية.
وأضاف: “مثل هذه الانتهاكات عادة ما يتم إنشاء لجان تحقيق لها على غرار لجان التحقيق التي أنشئت في دولة رواندا على سبيل المثال”. ولفت إلى أن القضاء السوداني غير قادر وغير راغب في تحقيق العدالة مما يحتم الانتقال من المحاكم الوطنية إلى المحاكم الدولية.
وأوضح البصري، أن المحاكم التي يمكن أن يلجأ إليها السودان هي المحاكم الإقليمية والمحاكم الدولية مثل محكمة الجنايات الدولية أو المحاكم الخاصة.
وأفاد بأن المرحلة الراهنة في السودان تتطلب رصد وتوثيق الانتهاكات بإعداد مستندات الموتى والمفقودين وللأشخاص الذين تعرضوا للتعذيب وغير ذلك حتى يتم تقديمها للمحاكم سواء الإقليمية أو الدولية أو الخاصة للتحقيق في الجرائم المزعومة.
ودعا البصري، لضرورة أن يلجأ المواطنون الذين تعرضوا للاعتقال لفترات طويلة أو للإخفاء القسري أو التعذيب إلى فتح استمارة جنائية وفتح بلاغات جنائية لدى النيابة لمساعدة في توثيق الانتهاكات.
وأكد أهمية عملية التوثيق بواسطة الضحايا الناجين بعد تطبيق البروتوكول المعني بحالات الاغتصاب والتعذيب والإخفاء القسري والاعتقال، مشيراً إلى أن هذا الأمر يساعد منظمات المجتمع الدولي في الوصول للعدالة خاصة أن وضع السودان يؤكد الحاجة إلى محكمة دولية.