انتهاكات حرب السودان.. ما هي فرص تحقيق العدالة؟
عاين- 24 أغسطس 2023
مع استمرار الحرب وزيادة حدة الانتهاكات الجسيمة التي ارتكبتها أطراف النزاع ضد المدنيين، فإن الحرب المندلعة في السودان تعيد قضية العدالة والعدالة الدولية إلى جانب، العدالة الانتقالية للواجهة من جديد.
وفي 13 يوليو الماضي، أعلن المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، كريم خان، أمام مجلس الأمن الدولي فتح تحقيق جديد بشأن المزاعم بارتكاب جرائم حرب في سياق الحرب الدائرة في السودان، خاصة في مدينة الجنينة بولاية غرب دارفور.
وفي نهاية يونيو الماضي، ومع تصاعد الاتهامات الموجهة لقوات الدعم السريع بارتكاب انتهاكات على نطاق واسع، أعلن قائدها تكوين لجنة لحسم التفلتات والظواهر السالبة كما أعلن تشكيل محكمة ميدانية لذلك.
وبداية أغسطس الجاري، أعلن القائد العام للجيش تشكيل لجنة لجرائم الحرب وانتهاكات وممارسات قوات الدعم السريع برئاسة ممثل النائب العام والخارجية وعضوية ممثلين لوزارة العدل والقوات المسلحة والشرطة وجهاز المخابرات العامة والمفوضية القومية لحقوق الإنسان.
وفي 11 أغسطس الحالي أصدر القائد العام للجيش قراراً بتولي النائب العام لجمهورية السودان المكلف رئاسة لجنة جرائم الحرب وانتهاكات وممارسات قوات الدعم السريع المتمردة. وحدد القرار مهام اللجنة في حصر كافة الانتهاكات والجرائم التي ارتكبتها قوات الدعم السريع منذ بداية الحرب.
وكلف القرار لجنة لاتخاذ كافة الإجراءات القانونية في مواجهة قيادات وأفراد قوات الدعم السريع داخليا وخارجيا وكل من يثبت تورطه بالاشتراك أو التحريض أو المعاونة. وأوضح القرار أن اللجنة قامت بفتح بلاغات شملت الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب بالإضافة إلى جريمة الإبادة العرقية التي وقعت بولاية غرب دارفور.
وتضمنت اللجنة التي كونها القائد العام للجيش، لأول مرة جرائم تندرج تحت النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، ما يجعل مسألة التعاون بين السودان والمحكمة الجنائية الدولية في المستقبل أمرا ممكنا.
خلط سياسي وقانوني
لجنة التحقيق التي كونها القائد العام للجيش، انطوت على خلط بين العمل السياسي والقانوني، لذا فإنها لن تتمكن من تحقيق أي نتائج- بحسب الخبير الحقوقي، محمد الحافظ، الذي أشار إلى أن سلطات النائب العام يجب أن تكون مستقلة عن الدولة.
وبغض النظر عن العيب الإجرائي الذي لازم تكوين اللجنة، يرى الحافظ في مقابلة مع (عاين)، أن الأجهزة العدلية في السودان غير قادرة وغير راغبة في تحقيق العدالة.
في 31 مارس 2005، أحال مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ملف جرائم دارفور إلى المحكمة الجنائية الدولية، وأصدرت المحكمة مذكرة اعتقال بحق رئيس الحكومة آنذاك عمر البشير واثنين آخرين بسبب اتهامهم بارتكاب جرائم حرب في دارفور.
أثناء الفترة الانتقالية السابقة، وقع السودان مذكرة تفاهم مع المحكمة الجنائية الدولية، كان من المنتظر أن تفضي إلى تعاون الحكومة السودانية مع المحكمة في إطار الجرائم المفتوحة والتي تتضمن ملف الرئيس المخلوع البشير وآخرين.
وفي الخامس عشر من أبريل الماضي، اندلع صراع دامي بين الجيش وقوات الدعم السريع التي باتت بأمر البرلمان تتبع للجيش بدلا من جهاز الأمن والمخابرات الوطني بحلول العام 2017.
قانوني: الجرائم التي ارتكبت بعد حرب الخامس عشر من أبريل ترقى لجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية
بخصوص اللجنة التي كونها القائد العام للجيش، يرى قانوني مهتم بقضايا العدالة والعدالة الانتقالية، طلب حجب اسمه، في حديث لـ(عاين): “إن الدولة بادرت هذه المرة بفتح تحقيق عبر النائب العام في جرائم منضوية تحت النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية المرتكبة بواسطة قوات الدعم السريع.
بينما يرى المحامي والقانوني طارق كانديك، إن “الجرائم التي ارتكبت أثناء حرب الخامس عشر من أبريل ترقى لجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بالإضافة إلى جريمة غرب دارفور”.
ولفت كانديك، إلى أن هذه الجرائم تتطلب إنشاء لجان قانونية مستقلة تعمل على جمع الأدلة والبينات وتوثيقها وحفظها لعرضها على الجهات العدلية حالة استقرت الأوضاع في البلاد ومُنح القضاء الوطني فرصة لمحاكمة الذين شملتهم المسئولية الجنائية، بالتخطيط أو التنفيذ أو المشاركة أو التحريض أو غير ذلك من الأفعال المُجَرمة قانونيا.
وكانت لجنة جرائم الحرب وانتهاكات وممارسات الدعم السريع التي كونها القائد العام للجيش، أصدرت قائمة تضم 45 شخصا وسمتهم مطلوبين للعدالة.
وتضمنت القائمة قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو ونائبه عبد الرحيم دقلو وقائد قوات الدعم السريع بالجنينة عبدالرحمن جمعة ومسؤول المصالحات الاجتماعية بالدعم السريع موسى حامد أمبيلو ونائب والي غرب دارفور التجاني الطاهر كرشوم وآخرين.
ويرى القانوني الذي يعمل في قضايا العدالة والعدالة الانتقالية، أن إعلان هؤلاء الأشخاص كمطلوبين للعدالة تترتب عليه تبعات قانونية كما سيواجهون إجراءات جنائية تُوجب عليهم المثول لها بتسليمهم أنفسهم أو القبض عليهم وفقا لقانون الإجراءات الجنائية.
ولفت إلى أن سعي العدالة للقبض على المطلوبين من قوات الدعم السريع سيشكل ضغط على وضعهم داخل السودان وعلى فرصهم السياسية مستقبلا. ويرى أن فرص التعاون القضائي مع المحكمة الجنائية الدولية ممكنة بعد فتح التحقيقات في الجرائم المشار إليها.
محمد الحافظ: الجرائم المرتكبة منذ 15 أبريل الماضي تتجاوز قدرات الأجهزة العدلية في السودان مما يفتح المجال للأجهزة العدلية الدولية.
يؤكد القانوني محمد الحافظ، أن الجرائم التي ارتكبت في السودان منذ الخامس عشر من أبريل الماضي تتجاوز قدرات الأجهزة العدلية في السودان مما يفتح المجال لقدرات الأجهزة العدلية الدولية.
من جانبه اعتبر المحامي والقانوني، طارق كانديك، أن لجنتي التحقيق اللتين أنشئتا بواسطة الجيش والدعم السريع جرى تكوينهما لغايات سياسية بسبب أن كل طرف يحاول التضييق على الطرف الآخر.
ويرى الحافظ، عدم إمكانية الحديث عن تحقيق العدالة في ظل الحرب المندلعة الآن، لأن الطرفين المتحاربين ارتكبا جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية كامتداد لجرائم ارتكباها سابقا مثل جريمة فض اعتصام القيادة العامة للجيش إلى جانب جرائم أخرى.
غياب الدولة
يوضح طارق كانديك، أن هذه المرحلة التي تشهد تصاعد وتيرة المعارك بين الجيش وقوات الدعم السريع، ليست الوقت المناسب لأي عمل يتعلق بإنفاذ العدالة وسيادة حكم القانون، في ظل غياب الدولة. ويؤكد أن هناك العديد من الجرائم الكبرى التي وقعت في البلاد تخالف القوانين الوطنية والقانون الجنائي الدولي.
ويعتبر أن وقف الحرب هو المدخل لبناء الدولة ذات الرغبة والإرادة في سيادة حكم القانون وملاحقة الجناة وعدم إفلاتهم من العقاب وإنفاذ حزم من الإجراءات وفقا لمفهوم العدالة الانتقالية.
وتلاحق الجيش اتهامات بتعمد شن هجمات جوية على المدنيين، وبالنسبة لانتهاكات الجيش الماضية وتلك التي وقعت أثناء الحرب المندلعة الآن، فإن القانوني المهتم بقضايا العدالة والعدالة الانتقالية، يرى أن تحقيق العدالة والكشف عن الحقيقة سيكون مرتبطا بخيارات الانتقال السياسي مستقبلا.
وأوضح، أن أحد هذه الخيارات هو قيام حكومة مدنية ديمقراطية لها القدرة على السير في إجراءات العدالة داخليا عبر عدالة انتقالية تعمل على تحقيق العدالة وإصلاح الجيش. وتابع: “أما الخيار الثاني فهو قيام دولة ذات طابع عسكري، وفي هذه الحالة فإن فرص تحقيق العدالة غير ممكنة.
ويرى طارق كانديك، أن المطلوب من كل المدافعين عن حقوق الإنسان في السودان الاهتمام المنظم بجمع الأدلة والبينات وتوثيقها وحفظها بطريقة تجعلها مفيدة ومقبولة في الإثبات سواء كانت ساحة العدالة وطنية أو دولية.
طارق كانديك: أي إجراءات جنائية دولية أمر معقد ويحتاج لتكامل عدة عناصر وصولاً إلى ملاحقة الجناة وعدم إفلاتهم من العقاب.
وأشار المحامي المهتم بقضايا العدالة والعدالة الانتقالية، أن للناشطين والمدافعين عن حقوق الإنسان أدوارا مهمة ترتبط برصد وتوثيق الانتهاكات، وكتابة التقارير عنها وممارسة الضغط على أطراف القتال من أجل وإيقافها عبر المناصرة ولفت الرأي العام الداخلي والعالمي لشكل وأنماطها والمساعدة في عمليات التحقيق للجان الفنية المعنية بذلك.
ولفت كانديك، إلى أن مباشرة أي إجراءات جنائية دولية في الواقع أمر معقد ويحتاج لتكامل عدة عناصر وصولاً إلى ملاحقة الجناة وعدم إفلاتهم من العقاب وفي ظل استمرار الحرب فإن فرص الملاحقة الجنائية تكاد تكون معدومة.
ويرى الحافظ، حالة انتهاء الحرب، ونشوء أجهزة عدلية حقيقية قائمة على الفصل بين السلطات فمن الممكن قيام أجهزة عدلية وطنية قادرة وراغبة في تحقيق العدالة وهو ما سيبعد تدخل العدالة الدولية.
عدالة دولية
“بالعودة إلى ملف المحكمة الجنائية الدولية في السودان فإن المحكمة مارست اختصاصاتها القضائية بناء على الإحالة التي تمت من مجلس الأمن إلى المحكمة الجنائية الدولية في 2005”. يقول القانوني عبد الباسط الحاج في حديث لـ(عاين).
ويضيف: “السودان ليس طرفا في نظام روما الأساسي، كما أنه لم يبد رغبة أو قدرة للتحقيق في الجرائم التي أتهم بارتكابها في إقليم دارفور”.
وبناء على ذلك، يرى الحاج، أن السودان ملزم بالتعاون مع المحكمة الجنائية الدولية، خاصة أنه لم يكن راغبا في التحقيق في الجرائم الخطيرة التي وقعت في إقليم دارفور، كما أن النظام القضائي السوداني لم يكن قادرا على فتح تحقيق بسبب عدم استقلاليته. ولفت إلى أن هذه الجرائم ذات اختصاص قضائي دولي ولا تسقط بالتقادم.”
“مؤخرا قدم المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية تقريرا عن الوضع في دارفور وفقا لقرار مجلس الأمن 1593/2005 الذي تمت الإحالة بموجبه للمحكمة الجنائية الدولية وباشر المدعي العام للمحكمة اختصاصه بالتحقيق في الجرائم المرتكبة في دارفور”. يقول الحاج وينوه إلى أن المدعي العام أكد أن القرار يمنحه صلاحية التحقيق في الجرائم التي اُرتكبت في الحرب الدائرة في إقليم دارفور فقط وليس كل السودان.
وأكد عبد الباسط، أن اللجنة الوطنية المشكلة من القائد العام للجيش يجب أن تتكامل جهودها مع جهود مكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية لإكمال النقص الذي يطرأ على المؤسسات القضائية الوطنية، خاصة وأنها بدأت في مباشرة مهامها بالتحقيق في غرب دارفور وقد تفتح تحقيق في مناطق أخرى داخل الإقليم.
وأشار الحاج، إلى أن المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية لا يستطيع التحقيق في الجرائم التي وقعت خارج إقليم دارفور في الوقت الحالي إلا إذا صادق السودان على نظام روما الأساسي أو بقرار جديد من مجلس الأمن يسمح للمحكمة بالتدخل لمباشرة التحقيقات.
ومع إنهيار المؤسسات الوطنية بعد الحرب، يرى الحاج، ضرورة أن يشمل التحقيق جميع المناطق التي أرتكبت فيها انتهاكات واضحة بواسطة قوات الدعم السريع، خاصة أنها جرائم ترتقي لجرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية مع وجود تحقيق حول جريمة ابادة جماعية في ولاية غرب دارفور.
واقعياً يعتبر المحامي المهتم بقضايا العدالة والعدالة الانتقالية، أن الدعم السريع محاصر بإنتهاكات كبيرة لا يمكن إنكارها بواسطة قواته أثناء الحرب، مما يسهل عمل اللجنة التي يترأسها النائب العام.
وينوه المحامي الذي فضل حجب اسمه، إلى أن أي إجراءات قانونية داخلية، ستكون عرضة للمساومات السياسية حالة دخول أطراف النزاع في تفاوض يقود إلى تأسيس وضع سياسي جديد. ويشير إلى أن القانون الجنائى الدولى يعتبر أن هذه الجرائم لا تسقط بالتقادم فى حال أنتجت التحقيقات لائحة إتهام، وهو الأمر الذي سيجعل من هؤلاء المتهمين كملاحقين إلى أن يمثلوا أمام المحكمة الجنائية الدولية.