الحرب تلتهم إيرادات السودان وانهيار وشيك للجنيه
عاين- 17 أكتوبر 2023
يواجه اقتصاد السودان أزمة متصاعدة بعد إندلاع حرب الخامس عشر من أبريل، وسط ارتفاع الدولار الأمريكي مقابل الجنيه إلى أرقام قياسية وفشل حكومة الأمر الواقع التي تدير البلاد من مدينة بورتسودان شرقي البلاد في الحصول على قروض من بعض الصناديق العربية.
لم يحقق الجنيه السوداني مكاسب تذكر منذ ثلاثة سنوات عقب استيلاء العسكريين على السلطة المدنية عبر انقلاب عسكري في أكتوبر 2021 كما إن الحرب التي بدأت في أبريل الماضي ضاعفت من اعتماد السودانيين على الاستيراد وبلغ حجم الاستيراد لستة أشهر ملياري دولار بينما كان الميزان التجاري يسجل أقل من نصف هذا الرقم في الأوضاع ما قبل الحرب.
متعامل في النقد الأجنبي يرجح وصول سعر الدولار الواحد إلى 1300 جنيها قبل نهاية العام.
وبلغ سعر الدولار الأمريكي في السوق الموازي 900 جنيها قبل أسبوعين قبل أن يتراجع إلى 850 جنيها لكن في ظل الهجمة الشرسة على النقد الأجنبي من مستوردين وحركة المسافرين يرجح أحمد السيد المتعامل في النقد الأجنبي في مقابلة مع (عاين)، أن يباع الدولار قبل نهاية العام بـ 1300 جنيها.
ويقول السيد، إن “الطلب تزايد بسبب زيادة استيراد السلع الاستهلاكية من دول الجوار مثل مصر وإثيوبيا وجنوب السودان وأوغندا والسعودية”. ويضيف: “يأتي المستوردون ويشترون الدولار الأمريكي بأي سعر في بعض الأحيان هناك مخاوف من عدم الحصول على الدولار لأغراض الاستيراد لذلك عندما نحدد سعراً يوافقون فورا”ً.
البحث عن طوق نجاة
وعجزت حكومة الانقلاب التي تحكم البلاد من مدينة بورتسودان شرق السودان في الحصول على قروض من بعض الصناديق وهي طلبات لم تجد الاستجابة منذ استيلاء الجيش على السلطة واطاحته بحكومة عبد الله حمدوك في 25 أكتوبر 2021، وإثر ذلك خسر السودان مساعدات وقروض تنموية بقيمة 4 مليار دولار.
يقول الباحث في القطاع المصرفي محمد أبشر لـ(عاين)، إن “سعر الصرف يواجه مشكلة حقيقية لأن مؤسسات الدولة في حالة انهيار وفي ذات الوقت هناك ارتفاع على الطلب لغرض الاستيراد والسودان لم يعد يملك صناعات صغيرة كما كانت قبل الحرب لذلك سيعتمد القطاع التجاري على الاستيراد إلى جانب ذلك فإنه لا توجد ضمانات بإعادة حصائل الصادر إلى البنوك المحلية لأن البنية التحتية للإجراءات المصرفية متوقفة منذ ستة أشهر”.
وأضاف أبشر: “حصائل الذهب كانت تُبقي على الجنيه في حدود 560 جنيها قبل الحرب لكن لم يعد معروفا عما إذا كانت هذه العملية بين البنك المركزي ووزارة المالية هل يتم توجيه عائدات الذهب لضبط سعر الصرف”.
أسواق الولايات التي نزح إليها ملايين الأشخاص تشهد ارتفاعاً في الأسعار.
في ذروة القتال بين الجيش والدعم السريع فإن الأسواق في الولايات التي نزح إليها نحو خمسة ملايين شخص تشهد ارتفاعا في الأسعار سيما منذ سبتمبر الماضي كما إنها تنعكس على الوضع المعيشي.
خسائر الحرب تسحق الجنيه
يرى الباحث في الشؤون الاقتصادية محمد إبراهيم لـ(عاين)، إن ارتفاع سعر الصرف أمر طبيعي لبلد يواجه حربا منذ نصف عام بين قوتين عسكريتين تعتمدان بشكل أو بآخر على الموارد المحلية مثل الذهب أو التجارة الحدودية بمعنى أن تمويل الحرب يتم من داخل البلاد خصما على الموارد المالية.
باحث اقتصادي: الإنفاق العسكري فاق الـ 7 مليار دولار وتمويل الحرب يتم من داخل البلاد خصما على الموارد المالية.
ويقول إبراهيم، إن حجم الإنفاق العسكري الكلي على الحرب خلال ستة أشهر فاق الـ 7 مليار دولار إضافة إلى الخسائر التي لحقت بالمصانع وتوقف الإنتاج وأعمال النهب وتقدر حجم الخسائر بـ 40 مليار دولار ولذلك توقف مردود هذا النشاط. ما يعني ان ارتفاع سعر الصرف يصل إلى ألف جنيه للدولار الواحد خلال نهاية الشهر.
ويرى إبراهيم، أن الطاقم الحكومي الذي يمسك بملف الاقتصاد من المالية وحتى قطاع التعدين عمل على “تجييش الاقتصاد” منذ عامين بالتعاون مع الجنرالات خاصة في قطاع الذهب الذي يغري الطرفين معا لعقد صفقات لا علاقة لها بدعم الاقتصاد المحلي.
وفي خضم معاناة العملة الوطنية توقع البنك الدولي أن ينكمش اقتصاد السودان 12% في 2023 وذلك بسبب التداعيات الكبيرة الناجمة عن الحرب المستمرة منذ نحو 6 أشهر بين الجيش وقوات الدعم السريع في العاصمة الخرطوم وسبعة ولايات أخرى.
وتوقف النشاط الاقتصادي والإنتاج في العاصمة السودانية التي تعتبر مركز الثقل الاقتصادي في البلاد كما إن مناطق كردفان وإقليم دارفور التي كانت تنقل صادرات الماشية والحبوب إلى الموانئ تأثرت بالحرب وأعمال النهب على الطرق الرئيسية التي تقع أغلبها تحت سيطرة قوات الدعم السريع.
وخرجت نحو 400 منشأة تعمل في مجال الصناعات الغذائية والدوائية ومختلف المجالات الأخرى في الخرطوم عن الخدمة تماما بعد التخريب الكبير الذي تعرضت له بسبب الفوضى المصاحبة للقتال. كما تأثرت المشروعات الإنتاجية والزراعية في كافة انحاء البلاد بسبب نقص التمويل وحالة عدم الاستقرار الإداري.
استدعاء الطوارئ
ويقول الخبير في مجال الحوكمة حسان نصر الله لـ(عاين)، إن “الحرب تستدعي حالة من الطوارئ الاقتصادية بدلا من ميزانية الحرب لأنه بمثل ما عليك الاهتمام بالعمليات العسكرية وتمويلها ينبغي الوضع في الاعتبار أن هناك مجتمعات نزحت من مناطقها وهي بحاجة إلى تلطيف اقتصادي”.
ويرى نصر الله، أنه لا يوجد في المنظور القريب ما يشي بضبط سعر الصرف أو انعاش الوضع الاقتصادي بل المتوقع هو تسارع وتيرة التدهور والتأثير على المجتمعات المتضررة من الحرب.
وضربت موجة من الطلبات العالية على الدولار الأمريكي قبل أسبوعين استقرار الجنيه السوداني. وبرر وزير المالية جبريل إبراهيم ارتفاع الطلب إلى رغبة الحكومة في استيراد الوقود و اضطرارها إلى شراء الدولار من السوق الموازي.
يوضح الباحث الاقتصادي محمد بن عمر في حديث لـ(عاين)، بأن مضاربات الدولار الأمريكي في السوق الموازي بمدن مثل بورتسودان وودمدني جعلت وزارة الطاقة ووزارة المالية تمنح عملية استيراد الوقود لشركات كانت بعيدة عن هذا القطاع.
وتابع بن عمر : “كانت هناك حاجة إلى جمع 45 مليون دولار لاستيراد الوقود نهاية الشهر الماضي ما حدث أن الشركات الخاصة ويمكن أن نطلق عليها رمادية ورجال أعمال دخلوا السوق الموازي وقاموا بشراء الدولارات، هذا الوضع أدى إلى ارتفاع الدولار”.
وأضاف الباحث الاقتصادي: “يدار الاقتصاد والوضع في القطاع العام عبر مجموعة اقتصادية تقود العملة المحلية إلى الانهيار تفتح الاستيراد بلا هوادة للسلع المصرية ويتم السماح للشركات بشراء الدولار من السوق الموازي لاستيراد الوقود بدلا من توفيره عبر البنوك عبر تدابير محكمة”.
ويرى محمد بن عمر، أن أخطر ما يواجهه الاقتصاد ليست الأزمة ولا نفاد الاحتياطي في البنك المركزي بل “الطاقم الحكومي” هو الذي يقود العملة إلى “المهزلة”- على حد تعبيره.
اقتصادي: مع تفكك قبضة الدولة يمكن أن تفرض دول الجوار عملتها في الولايات السودانية الحدودية.
ويرجح الباحث في الشؤون الاقتصادية محمد بن عمر، تخطي الدولار الأمريكي في السوق الموازي بالسودان حاجز الـ 1200 جنيها قبل نهاية العام الجاري لأسباب متعلقة بارتفاع الفجوة في الميزان التجاري جراء توسع رقعة الاستيراد التي قد تصل خلال عام إلى 14 مليار دولار بينما الفجوة تقدر بـ 9 مليار دولار ما يعني أن المستوردين سيلجأون إلى السوق الموازي لشراء الدولارات.
وتابع: “ربما يتجه الجنيه السوداني إلى مرحلة يكون فيها غير مبرئاً للذمة وغير مرغوب في سوق التداول، ومع تفكك قبضة الدولة يمكن أن تفرض دول الجوار عملتها في الولايات السودانية الحدودية وتكون مبرئة للذمة في التجارة الحدودية”.
ووللحيولة دون انزلاق الجنيه السوداني إلى أرقام قياسية مقابل الدولار الأمريكي ذكرت وزارة المعادن أنها تنوي إنشاء سوق للذهب في ولاية نهر النيل.
الردة عن سخاء صندوق النقد
ورغم أن الحكومة التي تدير البلاد من مدينة بورتسودان شرق البلاد تعتقد أن عائدات الذهب قد تقلل من تسارع ارتفاع الدولار في السوق الموازي لكن بالنسبة للباحث الاقتصادي محمد أبشر ، فإن هذا الإجراء لن يكون مفيدا على المدى القصير أو البعيد لأن الحرب تلتهم “كل شيء”.
مصدر حكومي: وزارة المالية سعت إلى طلب قروض من صناديق عربية ولم يتم الرد عليها.
ويقول أبشر، لـ(عاين)، إن “السودان انزلق إلى اقتصاد الحرب بعد أن اقترب من -سخاء صندوق النقد الدولي– تجاه هذا البلد الذي تخلص من قبضة حكومة الرئيس البشير الحديدية قبل أربع أعوام لكنه الآن خسر كل شيء بالانقلاب العسكري قبل عامين وبالحرب التي قضت على الآمال”.
ومما لاشك فيه أن الحكومة القائمة في ولاية البحر الأحمر والتي يشرف عليها الجيش تحاول طلب قروض من بعض الصناديق العربية لكن هذا الطلب قوبل بالرفض حسب مصدر حكومي تحدث لـ(عاين). مشيراً إلى أن وزارة المالية سعت إلى طلب قروض ولم يتم الرد عليها والإجابة طبعا معروفة “بلدكم في حرب ولا يمكن استعادة هذه القروض”. يضيف المصدر الحكومي.
خبير في الحوكمة يتوقع انهياراً كاملاً للجنيه السوداني إذا لم تتوقف الحرب.
وحول الذي يتعين على الحكومة فعله لإيقاف الدولار المتصاعد في السوق الموازي يقول الخبير في مجال الحوكمة حسان نصر الله إن الفساد ينخر في المؤسسات لذلك لا يمكن توقع خطوة صغيرة قد تنعش الجنيه السوداني والاقتصاد عموما شبه متوقف حاليا.
ويقول: إن “العملة الوطنية في البلدان التي تشهد الحرب لا يمكن بأي حال أن تحافظ على مكاسبها والمتوقع الانهيار الكامل للجنيه السوداني إذا لم تتوقف الحرب خلال فترة قصيرة”.