الحرب والفراغ الحكومي يفاقمان المعاناة الاقتصادية للسودانيين

عاين- 8 يوليو 2023

منذ منتصف أبريل الماضي وحتى مطلع يوليو الجاري تضاعفت أسعار السلع في السودان أربع مرات على الأقل وشهدت أسعار بعض السلع الضرورية زيادات غير مسبوقة بلغت 300%، وسط غياب حكومي تام على الرغم من هدوء الأحوال الأمنية في بعض الولايات.

وقال الخبير الاقتصادي محمد إبراهيم في مقابلة مع (عاين)، إن “الحكومة شبه غائبة عن ادارة الوضع الاقتصادي في الولايات البعيدة عن الحرب ولم تتخذ إجراءات فعالة لخفض تكلفة المعيشة المكلفة جدا  خلال الحرب”.

ويعيش مئات الآلاف من المواطنين داخل العاصمة السودانية بينما يشتد القتال بين الجيش والدعم السريع منذ 80 يوما دون الحصول على مساعدات تذكر من المنظمات الإنسانية.

وقال “سيف نصر الدين” الذي يقيم في حي الخرطوم 3 لـ(عاين)، إن الوضع الاقتصادي بالنسبة للعالقين في العاصمة السودانية سيئ للغاية ويعتمد الناس هنا على وجبة واحدة خلال اليوم لعدم توفر السيولة النقدية نتيجة توقف الأعمال التجارية والخدمات.

وأشار  نصر الدين،  إلى إن المواطنين الذين لم يغادروا العاصمة عندما يحاولون تسيير حياتهم بالطرق الصعبة يواجهون ظروف أمنية قاسية مثل الاعتقال أثناء بحثهم عن الخبز. 

وأدى القتال في السودان إلى نزوح نحو ثلاثة ملايين شخص داخلياً. وشكل مئات الآلاف الفارين من الحرب سيما العاصمة السودانية الى الولايات الآمنة نسبيا “ضغطا اقتصاديا ” على السكان هناك في ظل ضعف البنية التحتية والبطالة المتفشية.

أكثر من 200 ألف طن من المساعدات التي وصلت السودان منذ بداية الحرب تشكل قطرة في محيط من الاحتياجات الواسعة

ويقول أحمد عبد الرحيم، الذي يعمل في وكالة إغاثة النازحين بولاية الجزيرة لـ(عاين)، إن الوضع المعيشي يجبر الآلاف من المدنيين على خيار العودة الى “جحيم حرب الخرطوم ” مثل عدم الاستعداد لتحمل نفقات السكن التي بلغت مليون جنيه في بعض الأحيان ما يعادل 2 ألف دولار شهريا، هذا الأمر “يحطمهم نفسيا” ولا توجد مساعدات تذكر بالمعني المطلوب. 

ويرى عبد الرحيم، أن أكثر من 200 ألف طن من المساعدات التي وصلت السودان منذ بداية الحرب تشكل قطرة في محيط من الاحتياجات الواسعة لأن آليات التوزيع لا تتمتع بكفاءة عالية وهناك “حالة من اللصوصية تلازم عمليات التوزيع بالنسبة للأجهزة الحكومية”.

و”للشهر الثالث توالياً، لم يحصل العاملون في القطاع الحكومي على الرواتب ويشكو هؤلاء الذين يمثلون الغالبية في هذه الولايات التي تواجه خدمة مدنية تعمل بلا كفاءة إن الوضع الاقتصادي يحاصرهم بسبب تأخر الرواتب” يضيف عبد الرحيم. 

فيما يقول “عبد الرحمن يوسف” الذي يعمل في تجارة التجزئة للسلع الاستهلاكية في سوق مدينة كسلا شرق السودان التي تبعد 700 كيلو مترا عن العاصمة إن “السلع تستورد من إثيوبيا ومصر خاصة تلك المنتجات التي كانت تصنع في الخرطوم وتوقفت مصانعها بسبب الحرب لذلك زادت أسعارها أضعاف ما كانت عليه”. 

كما إن تجار السلع الحيوية مثل السكر والدقيق ينشطون في المضاربات هذه الأيام باستغلال ظروف الحرب بلا رقابة حكومية حسب ما أفاد (عاين).

لجأ محمد المعز الذي يعمل في تجارة الملابس الى الطواف بالملبوسات في سوق مدينة سنار بعد أن خسر محله التجاري في السوق الشعبي جنوب العاصمة السودانية. 

ويعتقد هذا الشاب أن التوقف عن العمل يجعله غير قادر على إعالة أسرته التي نزحت معه الى سنار جنوب البلاد. 

والمعز واحد من بين عشرات الآلاف الذين يستحقون المساعدات الإنسانية ولم يحصلوا عليها.  ويقول محمد لـ(عاين): “لم اشاهد فرق الإغاثة في الحي الذي أسكن به وسط مدينة سنار”. 

ورغم انخفاض سعر صرف الجنيه السوداني بنسبة 30 في المائة مقابل الدولار الأمريكي منخفضا من 600 جنيها لواحد دولار قبل الحرب إلى 550 جنيها إلا أن السلع سجلت زيارات هائلة. 

ويؤكد كرم عبد الله العامل السابق في وكالة إنسانية في حديث لـ(عاين)، أن الحكومات المحلية في الولايات لا تكترث للأزمة الاقتصادية التي تواجه 25 مليون شخص في 13 ولاية بمعزل عن الحرب لأنها حكومات مكلفة لا تملك ميزانيات تسيير توقف دولاب العمل ونظام الإيرادات المركزية. 

وزارة المالية تواجه مشكلة عدم وجود إيرادات والفراغ الحكومي وتكلفة الصرف على الحرب وهي تكلف شهريا نحو مليار دولار كأقل تقدير

ويقول عبد الله، إن تسهيل حياة السودانيين من مسؤولية قائد الجيش عبد الفتاح البرهان والجنرالات العسكريين لأنهم يمثلون مؤسسات الدولة لكنهم لا يكترثون للأزمة الانسانية المعقدة. 

وأضاف :”سياسة إغلاق الأذنين طريقة إتبعها البرهان منذ انقلاب على الحكومة المدنية في 25 أكتوبر 2021 حتى اليوم هو لا يكترث حتى لو قضى الشعب كله جوعا “.

ويشير كرم عبد الله، إلى أن سيطرة حركة العدل والمساواة بقيادة جبريل إبراهيم على وزارتي المالية والتنمية الاجتماعية تسببت في تدمير حياة السودانيين لأن جبريل لم يتمكن من الوفاء بسداد الرواتب منذ ثلاثة أشهر كما لم تتمكن وزارة التنمية الاجتماعية المسؤولة عن توزيع مساعدات الدول في إيصالها الى المتأثرين بالحرب. 

وكانت وزارة المالية بدأت إجراءات تقنية لتشغيل “المقاصة” في مقر بنك السودان بمدينة بورتسودان لصرف الأجور. وقال الخبير الاقتصادي محمد إبراهيم، إن الرواتب مرتبطة بتشغيل المقاصة لتنفيذ التحويلات المصرفية الى الولايات وموظفي القطاع العام بالعاصمة السودانية لكن هناك مشكلة تواجه وزارة المالية وهي عدم وجود إيرادات والفراغ الحكومي وتكلفة الصرف على الحرب وهي تكلف شهريا نحو مليار دولار كأقل تقدير. 

ويرى إبراهيم، إن مشكلة السودان عدم وجود “حليف اقتصادي دولي” أثناء الحرب وتخلي المجتمع الدولي عن السودان منذ انقلاب 25 أكتوبر 2021 وسلطة قائد الجيش شبه معزولة عن العالم عدا العلاقات مع مصر وهي علاقات أمنية.