(الحرب أولها كلام).. أجواء ما قبل الطلقة الأولى ولماذا فشلت مبادرات الحل؟

 عاين- 17 أبريل 2024

الحرب أولها كلام” وهذا ما سبق الطلقة الأولى لمعارك 15 أبريل، لجهة اللغة التعبوية الحادة للقيادات العسكرية في جانبي الجيش والدعم السريع بدأت بتصريحات للفريق شمس الدين كباشي عضو مجلس السيادة الانتقالي في جنوب كردفان في الأسبوع الأول من فبراير من العام 2023 هاجم فيها الاتفاق الإطاري، وقال إن القوات المسلحة لن تحمي دستورا “غير متوافق عليه”. كما تحدث عن ضرورة دمج الدعم السريع في الجيش.

رد قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو “حميدتي” على تصريحات الكباشي مدافعا عن الاتفاق الإطاري وواصفا إياه بأنه الحل والمخرج من أزمة البلاد ومحذرا في الوقت ذاته من الفوضى حال التراجع عن”.

اتهام “الإطاري

حملت الدعاية الحربية الاتفاق الإطاري وزر إشعال الحرب؛ بسبب التوترات التي حدثت في ورشة الإصلاح الأمني والعسكري، خاصة غياب ممثلي الجيش في الجلسة الختامية. لكن عضو المجلس المركزي للحرية والتغيير ماهر أبو الجوخ رفض هذا الاتهام، وأعاد الخلافات بين الجنرالين العسكريين إلى يونيو من العام 2021 متسائلا “هل كان وقتها الاتفاق الإطاري موجوداً؟”

وقال أبو الجوخ لـ(عاين): إن “الخلافات بين الطرفين أصبحت أكثر وضوحا بعد الانقلاب العسكري في أكتوبر من العام 2021 بعد اكتشاف الدعم السريع خداعه بإعادة عناصر المؤتمر الوطني للسلطة مجدداً، والذين سارعوا بشكل متعجل في إنفاذ خطط للانقضاض عليه وعند شعوره بالخطر انتقل إلى جنوب دارفور وظل هناك في أبلغ مشاهد التوتر بين الطرفين”.

ورشة الاصلاح الأمني والعسكري- الاتفاق الاطاري- الخرطوم مارس 2023

شهد مطلع أبريل توترا محموما، واكتظت شوارع العاصمة بالمظاهر العسكرية خاصة أمام القصر الجمهوري بالخرطوم، ولم يعد سرا أن الجنرالين لا يلتقيان وجها لوجه مطلقا، قبل ان تفلح القوى المدنية في عقد لقاء مباشر بينهما بتاريخ 8 أبريل لخفض التصعيد.

اندلاع الحرب

انطلقت الرصاصة الأولى في صباح 15 أبريل، والتي يُخلي عضو الحرية والتغيير ماهر أبو الجوخ مسؤولية الجيش عن اطلاقها ويتهم النظام المعزول بذلك والذي أصبح شعاره “إما نحكمكم أو نقتلكم”- حد تعبيره.

الحرب تكمل عامها الأول وذات الطرف الذي أشعلها يعيق جهود إيقافها بكافة السبل

ماهر أبو الخوخ

ويضيف: “الحرب تكمل عامها الأول وذات الطرف الذي أشعلها يعيق جهود إيقافها بكافة السبل”.

هدن لم تصمد

منذ اليوم الثاني للقتال تدخلت عدة جهات منها الأمم المتحدة ووزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين من أجل جمع توافق بين الطرفين المتقاتلين للقيام بهدن يتم خلالها السماح بخروج المدنيين الذين سجنتهم الحرب المفاجئة في مناطق خطيرة والسماح بمرور الجرحى لأجل تلقي العلاج وللمواطنين بتوفير احتياجاتهم الغذائية.

بدأت الهدنة الأولى في اليوم التالي للقتال بتاريخ 16 أبريل، وكانت مدتها المقترحة فقط 3 ساعات تبدأ من الرابعة وحتى السابعة مساء، الهدنة الثانية كانت مدتها 24 ساعة، واُتُّفِق عليها بتاريخ 18 أبريل عقبتها هدنة في اليوم التالي مدتها 24 ساعة أيضا.

وبتاريخ 21 أبريل اُتُّفِق على هدنة أطول نسبيا مدتها 3 أيام للسماح للمواطنين الاحتفال بعيد الفطر المبارك، ولكن كان صوت المدافع الثقيلة والرصاص يتداخل مع تهليلات وتكبيرات الجوامع. وهو ذات الحال مع جميع الهدن السابقة التي لم تستطع الصمود، وكان القتال وتحركات القوات العسكرية تستمر دون توقف.

استمر ضغط المجتمع الدولي نحو عمل مزيد من الهدن وصلت ل 18 هدنة حسب الخبير العسكري اللواء أمين إسماعيل الذي أكد بأنها جميعا فشلت معيدا السبب إلى طبيعة الحرب وخصوصيتها كونها حربا تجري داخل المدن.

طرفا الحرب افشلا اتفاقيات هُدن وقف النار واستفادا منها عسكريا

خبير عسكري  

وقال إسماعيل لـ(عاين): إن الدعم السريع سعى للاستفادة من أي فرصة لوقف إطلاق النار كما فعل الجيش الذي كان محاصرا في الأيام الأولى، واستخدم القوات الجوية والمدفعية من أجل تكسير الكتلة الصلبة للدعم السريع. وتابع “هذا ما أفشل الهدن”.

إعاقة المساعدات الإنسانية

منذ اليوم الأول لاندلاع الحرب بدأ سقوط القتلى والجرحى نسبة؛ لأن الحرب كانت وسط المجمعات السكنية داخل العاصمة الخرطوم في بلاد يعاني نظامها الصحي تدهورا كبيرا وبنيتها التحتية غير متماسكة ما جعل العديد من الأحياء في مدينة بحري تعاني انقطاع المياه في ساعات الحرب الأولى، وعانت أحياء أخرى من انقطاع الكهرباء، وباتت الحركة في الطرقات غير آمنة من أجل التحرك نحو المرافق الطبية أو حتى المقابر.

اضطر السكان إلى دفن موتاهم داخل منازلهم أو الميادين القريبة مع خطورة الحركة. ومع توقف الأعمال لملايين السودانيين وسرقة المصانع والمنازل وتشريد المواطنين كان تعداد المحتاجين للمساعدات الإنسانية الأولية في زيادة مضطردة، وكانت إحدى التحديات الرئيسة في إيصال المساعدات هي إعاقة توصيلها من طرفي النزاع- بحسب الباحث السوداني بمنظمة هيومن رايتس ووتش، محمد عثمان.

طرفا الحرب يتبادلان الاتهامات بشأن عرقلة وصول المساعدات الانسانية للمحتاجين

وقال عثمان في مقابلة مع (عاين): إن “الجيش يتبع ذات البيروقراطية التي كانت في عهد نظام البشير في استلام وتوزيع المساعدات كما يتأخر في منح العاملين الإنسانيين تأشيرة دخول للسودان”. وأشار الباحث إلى بيان أصدرته منظمة “أطباء بلا حدود” يتحدث عن منع الحكومة السودانية إيصال أدواتها المتعلقة بإجراء العمليات الجراحية.

وأضاف عثمان:”الحجة التي تستخدمها القوات المسلحة في إعاقة إيصال المساعدات تخوفها من أن تُسْتَخْدَم من قبل قوات الدعم السريع”.

وحمل الباحث المختص بالسودان في منظمة هيومن رايتس ووتش، الدعم السريع مسؤولية سرقة مخازن المساعدات الإنسانية. وأضاف: “سلوك الدعم السريع في القتال يشكل خطرا على العاملين الإنسانيين والمتطوعين على الأرض”.

مشيرا إلى احتلال تلك القوات للمستشفيات والمرافق الصحية واستهدافها للمناطق التي بها نشاط إنتاجي ومزارعون، قاطعا بأن هذا الأمر ساهم في تفاقم الأزمة الإنسانية.

وطالب الباحث في الشأن السوداني بمنظمة هيومن رايتس ووتش المجتمع الدولي بممارسة مزيد من الضغوط على طرفي الصراع خاصة مع اقتراب موعد المؤتمر الإنساني المزمع انعقاده في باريس في 5 أبريل في ذكرى اندلاع الحرب. “لا بد من إرسال رسالة واضحة بأن منع وصول المساعدات الإنسانية جريمة حرب ستعرضهما لعقوبات ومحاسبة شديدة”.

مفاوضات فاشلة

في الـ6 من مايو 2023 بدأت مفاوضات بين وفدي الجيش والدعم السريع في مدينة جدة تحت رعاية سعودية أمريكية انتهت بتوقيع اتفاق جدة الأول في 11 مايو من ذات العام وجوهر الاتفاق حماية المدنيين وفتح ممرات إنسانية وتمسك الجيش بضرورة انسحاب الدعم السريع من الأعيان المدنية، منازل المواطنين والمستشفيات والمرافق الحكومية الأخرى.

انهار هذا الاتفاق والهدنة المصاحبة له، لتبدأ جولة جديدة في المفاوضات في 14 مايو أعلن الجيش تعليق مشاركته فيها متعللا بعدم تنفيذ الدعم السريع لبند الخروج من الأعيان المدنية. وبتاريخ 31 مايو أعلن الوفد ببيان رسمي انسحابه من المفاوضات بشكل نهائي. قبل ان تعلق الوساطة في 2 يونيو.

التدخل الأفريقي

دخلت القيادات الأفريقية إلى ساحة التفاوض في 12 يونيو عبر مبادرة أطلقها الرئيس الكيني وليام روتو معلنا عن لقاء يضم قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان مع رؤساء جنوب السودان وإثيوبيا وجيبوتي.

وأكد نائب رئيس مجلس السيادة مالك عقار الذي حضر قمة إيغاد في يونيو ثقة بلاده في قمة إيغاد، لكن سرعان ما تدهورت علاقات السودان مع المنظمة الإفريقية، وطالب البرهان سحب الرئيس الكيني من رئاسة اللجنة الرباعية متهما إياه بعدم الحياد.

وعلى الرغم من تجميد عضوية السودان في الاتحاد الإفريقي إلا أنه تقدم بخارطة طريق لحل النزاع في السودان تتضمن وقفاً فورياً ودائماً للعدائيات وإكمال الانتقال الديمقراطي والحكم المدني بالبلاد.

وانعقدت الآمال على لقاء يجمع قائدي الجيش والدعم السريع بدعوة من رئيس هيئة إيغاد رئيس دولة جيبوتي عمر قيلي، وبعد أن قبل الطرفان بعقد اللقاء طالب “حميدتي” بتأجيله رغبة منه في حشد مجموعة من الرؤساء الأفارقة وممثلين للمجتمع الدولي ما أدى إلى فشل المبادرة التي أجبرت قائد الدعم السريع على الظهور علنا لأول مرة منذ اندلاع الحرب عبر جولة قام بها لعدة دول أفريقية قبل أن يستقر في الإمارات العربية.

مقاطعة إيغاد

رفض قائد الجيش البرهان حضور قمة الإيغاد الطارئة التي انعقدت في العاصمة اليوغندية كمبالا في 18 يناير من العام الحالي نسبة لدعوة القمة لقائد قوات الدعم السريع.

وكان هذا الحدث كفيلا بتجميد السودان لعضويته في الهيئة الحكومة للتنمية وخسارة مقعد في ثاني أكبر منظمة إفريقية بعد الاتحاد الإفريقي، ومع خسارة كافة المنابر الإفريقية كان لابد من العودة إلى المنبر الذي ترعاه السعودية والولايات المتحدة الأمريكية.

جدة مرة أخرى

بعد توقف 5 أشهر عادت المفاوضات في 26 اكتوبر، وركزت على أهداف رئيسة أهمها إيصال المساعدات الإنسانية خاصة مع استمرار الحرب وانتقالها إلى ولايات دارفور، ووُضِعَت أسساً متعلقة بإجراءات بناء الثقة شملت تخفيض اللغة الإعلامية وجعل الوساطة هي المتحدث الرسمي.

وعمدت هذه الجولة التفاوضية إلى البعد عن النقاش حول العملية السياسية، وحاولت بحث إمكانية القيام بتهدئة ووقف لإطلاق النار، وضمت السكرتير التنفيذي ل (إيغاد) ورقي قبيهو وممثلين للاتحاد الإفريقي.

مفاوضات جدة – ارشيفية

وعلى الرغم من توقيعها على اتفاق في السابع من نوفمبر على مجموعة بنود تتعلق بإيصال المساعدات الإنسانية وإجراءات بناء الثقة على رأسها القبض على قادة النظام السابق الفارين من السجون، إلا أنها ما لبثت أن توقفت في الأسبوع الأول من ديسمبر بعد أن علقتها الوساطة لأجل غير مسمى.

هذا الانهيار المتكرر لكافة المفاوضات أعادها الخبير العسكري اللواء أمين إسماعيل لعدم جدية الأطراف في إيقاف الحرب واقتناع كل طرف بأنه قادر على حسمها عسكريا. أما اتفاق المنامة الذي كان في شهر يناير من سنة 2024، فقد انهار بحسب إسماعيل لتعرضه للتسريب من جهات لا تريد للحرب أن تقف. وأعرب اللواء أمين عن مخاوفه من أن “تتوطن” الحرب وسط هذه الممانعة لإيقافها، وتستمر لسنوات طويلة.

الحراك المدني

قوى مدنية تحركت بين منصات عديدة لإيقاف الحرب والتحرك بين طرفيها، ابرزها مبادرة تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم) لعقد لقاء مباشر بين الجنرالين فشل نتيجة الاستقطاب الحاد بين القوى السياسية الأمر يضعف دور القوى المدنية في مساهمة فاعلة تؤدي إلى وقف الحرب.