معارك (ود مدني) تدفع آلاف السودانيين إلى رحلات نزوح جديدة
عاين- 15 ديسمبر 2023
استيقظ سكان مدينة ود مدني يوم الجمعة، على دوي انفجارات قوية تصدر عن مختلف أنواع الأسلحة بما في ذلك المدافع وتحليق للطائرات الحربية، وذلك إثر اشتباكات عنيفة وقعت بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في مناطق واسعة شرقي ولاية الجزيرة، مما أثار الخوف والرعب وسط المدنيين.
وأعادت مواجهات الجمعة إلى أذهان المواطنين صبيحة الخامس عشر من أبريل الماضي عندما اندلعت الحرب لأول مرة في العاصمة السودانية الخرطوم من واقع عنف الانفجارات وحدة المواجهات، ما دفع العديد من السكان إلى مغادرة ود مدني في رحلة نزوح جديدة بحثاً عن الأمن، وكانت وجهتهم مدينتي سنار وربك وغيرها- حسب ما نقله شهود من المدينة لـ(عاين).
وعاشت مدني التي تأوي ما لا يقل عن 3 ملايين من نازحي حرب الخرطوم، ساعات عصيبة توقفت معها الحياة بشكل تام عقب إغلاق الأسواق الرئيسية واختفاء المواصلات العامة، كما تم فصلها عن محيطها الشرقي بعد إغلاق جسر حنتوب من جانب قوات الجيش السوداني، في واقع مشابه لما حدث بالعاصمة السودانية قبل سبعة أشهر.
وبحسب مصادر محلية عديدة تحدثت إليها (عاين)، فإن الاشتباكات وقعت بين الجيش وقوة ضخمة من الدعم السريع يقدر قوامها بأكثر من 100 عربة قتالية ودراجات بخارية في قرية أبو حراز المتاخمة للنيل الأزرق من الناحية الشرقية، وتبعد نحو 11 كم من مدني، وتمددت سريعا إلى منطقة أم عليلة التي تضم مستودعات للمواد البترولية.
واستمرت المواجهات منذ الساعة الثامنة صباحاً وحتى ظهر اليوم الجمعة، واستخدمت فيها مختلف أنواع الأسلحة خاصة المدفعية الثقيلة التي سمعها مواطنو مدينة ود مدني، ووصلت قنابلها المتفجرة إلى أحياء في منطقة حنتوب، قبل أن يعود الهدوء عصر اليوم نفسه بعد انسحاب قوات الدعم السريع باتجاه غابات أبو حراز- وفق مصادر في المنطقة.
موجة نزوح
ويروي عادل محمد وهو شاب نزح إلى مدني هذا الشهر لـ(عاين)، حالة الرعب التي عاشها السكان هناك خلال الساعات الماضية، ويقول: “خرج كل المواطنين من منازلهم، ووقفوا في الطرقات، وشاهدت عشرات الأشخاص يحملون حقائب وبعض الأغراض يرافقهم نساء وأطفال وهم متجهون من الجزء الشمالي الشرقي من مدني نحو الأحياء الجنوبية والغربية”.
ويشير عادل، إلى أنه يرتب لمغادرة ود مدني، فهي أصبحت غير آمنة، لكن هناك صعوبة في المواصلات مع ارتفاع كبير في التذاكر السفرية نتيجة لشح الوقود بعد أن أغلقت السلطات جميع محطات الخدمة البترولية في المدينة”.
ويضيف: “شاهدت مئات السيارات وهي مصطفة أمام محطات الخدمة البترولية من أجل التزود بالوقود وهي ما تزال مغلقة، وسمعت من بعض سائقي سيارات النقل العام أن سعر جالون البنزين سعة 4 لترات وصل إلى 50 ألف جنيه في السوق السوداء وهو ما سيلقي بظلال سالبة على أسعار التذاكر السفرية”.
وجرى إغلاق السوق الكبير بشكل تام فيما بدأ تجار سوق “دقلو” المجاور لجسر حنتوب في إفراغ محالهم التجارية ونقل بضائعهم إلى مناطق جنوب وغرب المدينة، حسب ما نقل شاهد لـ(عاين).
ووفق مصدر من ودمدني، فإن قوات الجيش تنشر بشكل واسع في كل أنحاء المدينة بما في ذلك الأسواق والطرق الرئيسية والفرعية بداخل الأحياء السكنية، وهم على متن عربات قتالية وسيارات مدنية ودراجات نارية “مواتر”، كما أمروا السكان في الأحياء المجاورة لكبري حنتوب مثل الدباغة والعشير بإخلاء منازلهم من أجل سلامتهم.
لحظات عصيبة
ويقول ياسر عركي، وهو صحفي يقيم في مدني لـ(عاين): “عشنا لحظات عصيبة مليئة بالخوف والرعب، كانت أصوات المدفعية عالية يهتز معها المكان، بالتزامن مع ذلك كانت الطائرات الحربية تحلق من فوقنا، لذلك جهزت حقيبتي استعداداً للرحيل، لكن بعد الظهيرة عاد الهدوء إلى المدينة، وتوقف القصف وضرب الأسلحة”.
ويضيف: “شاهدت بحزن مستوى الخوف الذي عاشه السكان هذا اليوم، وهم يخشون انتقال أعمال العنف لمدينة ود مدني. لقد اختفت مظاهر الحياة، والتزم الجميع منازلهم بينما بدأ الكثير منهم يفكرون في الرحيل إلى وجهات آمنة”.
ولم يصدر عن الجيش السوداني أي توضيحات بخصوص معارك الجمعة وتفاصيلها، لكن قوات الدعم السريع أصدرت تعميما قالت فيه إنها “تود أن تطمئن المواطنين في ولاية الجزيرة وخاصة في مدينة ود مدني إن هدفها هو دك معاقل مليشيا البرهان وفلول النظام البائد الإرهابية التي تمثل أهدافاً مشروعة لقواتها”.
وكانت قوات الدعم السريع هاجمت منطقة أبوقوتة شمال ولاية الجزيرة يوم الخميس الماضي، ومارست عمليات نهب لممتلكات المواطنين، وروعت السكان هناك، بحسب بيان صادر عن محامي الطواري. في توسيع نطاق الحرب المشتعلة منذ منتصف أبريل الماضي.
ورغم توقفت مواجهات شرق ولاية الجزيرة التي يبدو أن الجيش حسمها لصالحه، وصد الهجوم إلا أن المخاوف ما تزال تسيطر على سكان مدينة ود مدني، بينما بدأ بعض المواطنين خاصة نازحي حرب الخرطوم الاستعداد لخوض رحلة فرار جديدة بحثاً عن الأمن، كحالة أحمد إبراهيم الذي يعيش بأولاده أحد مراكز الإيواء، ويسعى للمغادرة الآن.
ويقول إبراهيم لـ(عاين): “نخشى انزلاق الوضع الأمني في ودمدني وما حدث اليوم ربما يكون شارة إنذار لخطر قادم، لذلك بدأت التفكير في منطقة أخرى آمنة، رغم ضيق اليد وسوء وضعنا المالي حالياً”.
تعليق البعثات الإنسانية
إلى ذلك، علقت جميع البعثات الميدانية الإنسانية داخل ولاية الجزيرة عملها اعتبارًا من 15 ديسمبر وحتى إشعار آخر إثر عمليات القتال بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع بولاية الجزيرة.
وقال تعميم صحفي لمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة: “يعيش ما يقدر بنحو 5.9 مليون شخص في ولاية الجزيرة، سلة غذاء السودان، ويعيش في ود مدني 700 ألف نسمة. ويحتاج أكثر من 270 ألف شخص في المدينة إلى المساعدة الإنسانية”.
ويضيف التعميم الذي اطلعت عليه (عاين): “منذ 15 أبريل، فرّ ما يقرب من 500 ألف شخص إلى ولاية الجزيرة، 86400 منهم في ود مدني. ويعاني حوالي 1.9 مليون شخص من أزمة في مستويات إلى من الأمن الغذائي في الولاية مع 179000 في مدني بين أكتوبر 2023 وفبراير 2024”.
وتعمل 57 منظمة إنسانية في الولاية، بما في ذلك 25 منظمة غير حكومية دولية و21 منظمة غير حكومية وست وكالات تابعة للأمم المتحدة. وحتى الآن من هذا العام، ساعدت المنظمات الإنسانية 730.000 شخص في الولاية من خلال المساعدات الغذائية والمياه والصرف الصحي والصحة وغيرها من التدخلات الإنسانية.