(ود النورة).. مجزرة أخرى للدعم السريع بالجزيرة
عاين- 6 يونيو 2024
ارتكبت قوات الدعم السريع ما وصف ب”المجزرة” بحق مواطني بلدة ود النورة في ولاية الجزيرة أواسط السودان، بعد مهاجمتها القرية الأربعاء ومقتل ما لايقل عن 100 شخص، وفق لمصادر متطابقة، وسط اتهامات لقاعدة الجيش في مدينة المناقل القريبة بالتقاعس عن نجدة الأهالي بالمنطقة المنكوبة.
وحصدت مجزرة “ود النورة” إدانات واسعة من القوى المدنية والسياسية، ومنظمات المجتمع المدني، والمجتمع الدولي، واعتبرت بمثابة جريمة حرب تضاف إلى الانتهاكات التي ظلت ترتكبها قوات الدعم السريع بحق المدنيين في ولاية الجزيرة منذ أن اجتاحتها في ديسمبر الماضي، وكانت الهجمات جميعها بدافع النهب.
وتبادل طرفا الحرب الاتهامات بشأن المجزرة، حيث زعمت قوات الدعم السريع وجود 3 معسكرات لتدريب مساندي الجيش في منطقة ود النورة مما دفعها لمهاجمتها، بينما نفى المتحدث الرسمي للقوات المسلحة السودانية نبيل عبد الله وجود أي قواعد عسكرية في قرية ود النورة، ولا تمثل هدفاً عسكرياً.
وقال عبد الله في تسجيل صوتي “هذا مشروع شيطاني، عدواني، استيطاني تقوم به قوات الدعم السريع تجاه المواطنين العزل، ونؤكد أن هذه التصرفات والتجاوزات الأخلاقية التي لا تتسق مع أي قانون أو عرف دولي للقتال، لن تمر دون عقاب، وستدفع قوات الدعم السريع الثمن غالياً تجاه هذه الاعتداءات المتكررة ضد المواطنين الأبرياء”.
نزوح جماعي
ودفع الهجوم الدامي الذي نفذته قوات الدعم السريع على ود النورة، مواطني القرية إلى نزوح جماعي اليوم الخميس صوب ولاية النيل الأبيض، ومدينة المناقل غربي ولاية الجزيرة التي ما يزال الجيش يحتفظ بالسيطرة عليها.
وأفاد مصعب محمد الهادي وهو أحد الفاعلين في منصة نداء الجزيرة التي تشكلت عقب سقوط الولاية، أن قوات الدعم السريع هاجمت قرية ود النورة وانتشرت في المنطقة بِشَكْلٍ مكثف وهي بكامل عتادها الحربي، كما أقامت نقاط تفتيش “ارتكازات”.
ويقول مصعب في حديثه لـ(عاين) إن جميع سكان قرية “ود النورة” نزحوا جماعيا إلى قرى النيل الأبيض ومدينة الدويم الواقعة في الناحية الغربية للنيل الأبيض، متوقعا استقبال تلك القرى لحركة النزوح الجماعي وتقديم العون.
وأضاف: “ما حدث في قرية ود النورة جريمة حرب مكتملة الأركان عقب اقتحامها من الدعم السريع، والتي ألقت القبض على عشرات الشبان والرجال والأطفال بحجة التعاون مع المقاومة الشعبية”.
وأكد الهادي، أن الدعم السريع اقتحمت المنازل وروعت الأطفال والنساء وقتل الرجال والشبان. وتابع: “وجه جنود من الدعم السريع المركبات العسكرية مزودة بأسلحة ثقيلة، ثم قصفوا المنازل والمحلات التجارية، ونُهِب السوق المركزي بالكامل وهو سوق لمجموعة قرى حول المنطقة”.
وأردف: “الممارسات التي وقعت في ود النورة تؤكد وجود نوايا لدفع السكان إلى التهجير القسري من مشروع الجزيرة والجرائم لن تتوقف عند هذا الحد ما لم يتدخل الجيش بشكل مسؤول”.
وبعد معاودة الدعم السريع إلى قرية “ود النورة” أصبحت المنطقة شبه خالية من المواطنين وفق شهادة أبي عابدين أحد الفاعلين في الحراك السلمي بمدينة ودمدني عاصمة ولاية الجزيرة.
ويقول عابدين لـ(عاين): “دفن نحو (80) قتيلاً في ساحة عامة وسط حفروا المقابر الجماعية عن طريق الجرافات مساء الأربعاء.
وأضاف: “ثلاث عائلات من الرجال والشبان قتلوا في مجزرة ود النورة عن طريق جنود الدعم السريع الذين صوبوا المدافع الثقيلة على المنازل والسوق المركزي، وأطلقوا وابلا من النيران لخمس ساعات دون توقف”.
ويرجح عابدين وقوع هجمات مماثلة للدعم السريع في قرى الجزيرة ما لم يتحرك الجيش السوداني من أربعة محاور وهي سنار والمناقل والفاو والدويم قائلا إن الدعم السريع جلبت آلاف المقاتلين الجدد من غربي البلاد إلى ولاية الجزيرة الأسبوع الماضي وهي عملية تفسر المجزرة الدامية في “ود النورة”.
تقاعس الجيش
وقال تحالف أبناء الجزيرة والمناقل إن قوات الدعم السريع هاجمت مدينة ود النورة منطقة العزازي التي تبعد عن المناقل بـ20 كلم، بعربات الدفع الرباعي التي تحمل الأسلحة الثقيلة مثل الدوشكا وغيرها، وكان الهجوم عبر إطلاق مكثف للرصاص في عمق المدينة، مما أدى إلى مجزرة قتل خلالها أكثر من 100 مواطن، بينهم أطفال وشباب وكبار في السن”.
وأضاف “رغم سماع الدانات والقنابل والحريق في مدينة ود النورة التي لا تبعد كثيراً من العزازي والمناقل التي بها حامية من الجيش، لم يتدخل الجيش لحماية المواطنين”.
واعتبر التحالف الاعتداء على ود النورة بمثابة أشرس وأعنف هجوم على قرى ومدن ولاية الجزيرة من حيث عدد القتلى، كما يوجد مصابون بحالات خطيرة، إلى جانب تدمير مؤسسات الحكومية والمدنية، “فهي جريمة حرب وجرائم ضد الإنسانية، بموجب القانون الدولي الإنساني، نحمل المسؤولية الجنائية للجيش المختطف الهارب من مسؤوليته في حماية الوطن والمواطن”.
ناشد البيان المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية ووكالات الأمم المتحدة للتدخل الفوري من أجل وقف الحرب وفتح مسارات لتوصيل الدواء والغذاء للمصابين والجرحى وآلاف النازحين؛ بسبب الأعمال القتالية في ولاية الجزيرة.
الرواية المفجعة نفسها، أكدتها لجان مقاومة ود مدني التي قالت في بيان إن “قوات الدعم السريع استخدمت المدفع الثنائي والمدافع الثقيلة والتدوين العنيف في الهجوم على مواطني قرية ود النورة لتحصد عشرات الأرواح، وتنهب القرية على بكرة أبيها”.
من جهته، قال حزب المؤتمر السوداني إن “قوات الدعم السريع هاجمت قرية ود النورة في ولاية الجزيرة، وأسفر عن الهجوم ارتكاب مجزرة حقيقية وجريمة بشعة راح ضحيتها عشرات المدنيات والمدنيين فاقت أعدادهم 100 شخص، وأعداد كبيرة من الإصابات، كما قامت القوة المهاجمة بعمليات سلب ونهب واسعة لممتلكات وسيارات الأهالي”.
مسؤولية كاملة
وأضاف المؤتمر السوداني في بيان صحفي “ندين هذه الجريمة البشعة التي ولغت فيها قوات الدعم السريع، وكل جرائمها في ولاية الجزيرة منذ سيطرتها على معظمهم جغرافيتها، وندعو قيادة هذه القوات إلى التوقف فوراً عن ارتكاب مزيد من الجرائم والانتهاكات في حق الأبرياء العزل في الجزيرة وغيرها”.
وشدد أن انتهاكات حرب الخامس عشر من أبريل اللعينة لا مناص من إجراء حكم القانون والمثول أمام منصات العدالة لكل منفذيها، ووعد بمواصلة العمل مع حلفائه في القوى الديمقراطية المدنية “تقدم” من أجل إنهاء وإيقاف هذه الحرب عبر الطرق السلمية التفاوضية.
بدوره، أدان المتحدث الرسمي لتنسيقية القوى الديمقراطية المدنية “تقدم” بكري الجاك بأشد العبارات المجزرة التي ارتكبتها قوات الدعم السريع بحق المدنيين العزل في منطقة ود النورة بولاية الجزيرة.
وقال في تصريح صحفي “ندعو طرفي القتال للابتعاد عن مناطق المدنيين والكف عن تجنيدهم وتسليحهم في كل مناطق القتال، ونجدد دعوتنا إليها بالوقف الفوري وغير المشروط لإطلاق النار، والشروع في ترتيبات لحماية المدنيين، تبدأ بخروج قوات الطرفين من المدن والقرى والدخول في حوار للوصول إلى حل شامل ينهي الحرب، ويضمد جراح السودانيين”.
بدورها، قالت قوات الدعم السريع في بيان صحفي إن “الجيش وكتائب المجاهدين حشدت قوات كبيرة في ثلاثة معسكرات في غرب المناقل بمنطقة ود النورة بولاية الجزيرة بغرض الهجوم على قواتنا في جبل الأولياء”.
وأضافت “في تمام الساعة الخامسة من صباح الأربعاء، هاجمت قواتنا ثلاثة معسكرات غرب وجنوب وشمال منطقة ود النورة، تضم قوات البرهان وجهاز المخابرات، وكتيبة من كتائب الإسلاميين المعروفة بالزبير بن العوام، والمستنفرين، وقد اشتبكت قواتنا معهم في المعسكرات المذكورة والتي تقع خارج المدينة، وتمكنت من الاستيلاء على عدد 4 عربات بكامل عتادها، وعدد 70 بندقية كلاشنكوف، و4 مدافع قرنوف، واحتسبت 8 قتلى وعدد من الجرحى”.
وتابع بيان الدعم السريع “قواتنا لن تقف مكتوفة الأيدي أمام أي تحركات أو تجمعات للعدو، وستعمل على ملاحقته وحسمه، ولن تجدي أي محاولات للفلول وغرف التضليل التي تحاول جاهدة تغبيش وحجب الحقيقة التي يعلمها الجميع، بما في ذلك أهل المنطقة”.
تنديد دولي
قالت المنسقة المقيمة ومنسقة الشؤون الإنسانية في السودان، كليمنتين نكويتا سلامي في بيان صحفي “صدمت من التقارير التي تفيد بوقوع هجمات عنيفة وارتفاع عدد الضحايا في قرية ود النورة بولاية الجزيرة، وفي حين أن الأمم المتحدة ليس لديها حتى الآن التفاصيل والحقائق الكاملة لأحداث الأمس، إلا أن هناك تقارير موثوقة عن إطلاق نار كثيف واستخدام أسلحة متفجرة في المناطق المدنية المأهولة بالسكان”.
وأضافت “أكدت قوات الدعم السريع علناً أن عناصرها شاركوا في العمليات البرية في هذه المنطقة في 5 يونيو. وحتى بالمعايير المأساوية للصراع في السودان، فإن الصور التي تظهر من ود النورة تفطر القلب. لقد قلتها من قبل، وسأقولها مجددا: إن للحروب قواعد يجب احترامها مهما كانت الظروف”.
وشددت أنه “يجب تجنب الاشتباكات المسلحة واستخدام الأسلحة المتفجرة في المناطق المكتظة بالسكان بأي ثمن. ولا يمكن أبداً أن يكون المدنيون هدفاً، واحترام القانون الإنساني الدولي والالتزامات التي تُعُهِّد بها في جدة”.
وطالبت المسؤولة الأممية بإجراء تحقيق شامل في ملابسات وحقائق ما حدث في ود النورة ومحاسبة المسؤولين عن الجرائم. وقالت “أصبحت المأساة الإنسانية سمة مميزة للحياة في السودان. ولا يمكننا أن نسمح بأن يصبح الإفلات من العقاب حالة أخرى”.
ومنذ سيطرتها على مدينة ود مدني في ديسمبر الماضي، ظلت قوات الدعم السريع تهاجم القرى في ولاية الجزيرة عشوائيا بغرض النهب، وارتكبت العديد من المجازر بحق المدنيين، وفي يوم 21 مايو الماضي اقتحمت قوة من الدعم السريع منطقة التكينة، وقتلت 18 مواطناً على الأقل، وجرح آخرين، وفق سكان مصادر محلية.
واجتاحت قوات الدعم السريع منطقة العقدة المغاربة في ولاية الجزيرة يوم 19 فبراير الماضي، وقتلت 6 مواطنين وإصابة 9 آخرين بجروح، كما استباحت القرية بشكل تام، ونفذت أعمال نهب واسعة للمحال التجارية والمنازل وسيارات وممتلكات المدنيين من داخل منازلهم، وفق ما نقله شهود من البلدة لـ(عاين) وقتها.
وبحسب لجان مقاومة الحصاحيصا، استباحت قوات الدعم السريع قرى غرب المسلمية مثل ود البكري، المناصير، وقرية عبد الرحمن بشكل تام في العاشر من فبراير الجاري، وتوالت الهجمات عدة مرات في الأسبوع، حيث قامت خلالها بنهب ممتلكات للمواطنين من مركبات وذهب وأموال، وخلف الهجوم إصابتين بالرصاص وسط المدنيين واعتقال عدد من شباب المنطقة أُفْرِج عنهم بعد 24 ساعة.
وفي 13 فبراير الجاري -وفق اللجنة نفسها – هاجمت عناصر من قوات الدعم السريع قرية أم دوانة ريفي طابت وكانوا يمتطون دراجات بخارية “مواتر” ونهبوا ممتلكات وسيارات تخص المواطنين، وخلف الاعتداء إصابتين بالرصاص الحي لعدد اثنين من شباب المنطقة.