نساء السودان … نضالهن من أجل إصلاح القوانين
ظلت قضايا النساء في السودان من أكبر التحديات التي تحرك الرأي العام رغم المكاسب القليلة التي تحصلت عليها النساء خلال حكومة الفترة الانتقالية بالمصادقة على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو)، بالاضافة إلى اجازة مجلس الوزراء لبروتوكول حقوق المرأة في إفريقيا، الملحق بالميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب والتي جاءت نتيجة لمجهودات الحراك النسوي الذي انتظم الشارع منذ بداية حراك ثورة ديسمبر 2018م ، والذي ادى إلى سقوط نظام الجبهة الإسلامية .
إلا أن هناك بعض الانتقادات والتحفظات على المواد (2)، (16)، (29/1) من اتفاقية سيداو، وتتصل البنود المذكورة بالمساواة بين المرأة والرجل، وأمور متعلقة بالزواج والعلاقات العائلية، وإحالة النزاع إلى محكمة العدل الدولية للتحكيم في أي خلاف بين دولتين أو أكثر من الدول الأطراف حول تفسير أو تطبيق الاتفاقية، إلى جانب ذلك أعلن مجمع الفقه الاسلامي بعدم المصادقة والتوقيع على اتفاقية (سيداو).
وعلى خلفية الجدل المثار تواجه هذه القضايا العديد من العقبات، وبحسب منصة سودانيات فإن الملاحظ والملفت ازدياد حالات العنف ضد المرأة فى الآونة الاخيرة اذ تقول بعض التقارير الشرطية أن أكثر من عشرين بلاغ عنف ضد المرأة تسجل يومياً وستمائة بلاغ شهرياً وسبعمائة وعشرين الف سنوياً
احتجاج أبريل
في وقت سابق من أبريل، تظاهرت مئات النساء في الخرطوم للمطالبة بإصلاحات، بما في ذلك المصادقة على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة وإلغاء القوانين التمييزية ضد المرأة. وقالت الناشطة النسوية والكاتبة الصحفية يسرا فؤاد ، إحدى المنظمين الرئيسيين للمظاهرة، إن المسيرة كانت ناجحة ، حيث شجعت العديد من النساء من خلفيات متنوعة.
لكن فؤاد تقول :”إن الحدث نفسه كان أيضًا محفوفًا بالتحديات. واشارت إلى أن رجل يقود شاحنة صغيرة أن يقود سيارته فعليًا نحو المتظاهرات. لحسن الحظ ، لم يصب أحد في الحادث. وبحسب البيان الذي أصدره الموكب النسوي أكدوا أن مطالبانهن التي خرجوا من أجلها للشوارع في الثامن من أبريل لتحقيقها هي ضمان أمن وسلامة النساء والفتيات في الفضاء العام والخاص،وإعادة هيكلة بنية النيابات والشرطة ووضع قوانين واضحة للتصدي لجرائم العنف ضد النساء والبنات، بالاضافة إلى اصلاح منظومة إنفاذ القانون والقضاء لضمان سيادة حكم القانون وبناء مؤسسات عدلية تلبي تطلعات السودانيات والسودانيين للعدالة وتحترم الحقوق والحريات.ويشير البيان إلى أن التباطؤ في انفاذ العدالة لضحايا جرائم الكراهية من المتظاهرات السلاميات في موكب 8 أبريل ومعاقبتهن بالبلاغات الكيدية لإثنائهن عن الوصول للعدالة هو نموذج ماثل لفشل المنظومة العدلية.
كما دعو القوى الديمقراطية والقوى التي أنجزت هذه الثورة العظيمة أن لا تفرط في منجزاتها. وقد حملوا الحكومة الانتقالية التي أتت بتضحيات النساء والشباب المسؤولية الكاملة تجاه استمرار العنف المنظم من قبل المنظومة العدلية ضد النساء والبنات.
حادثة وعد بهجت
في الثامن من نوفمبر 2020 ، كانت وعد بهجت تحاول تزويد سيارتها بالبنزين خلال أزمة الوقود في السودان. انضمت إلى صف نسائي في محطة النيل للوقود بالخرطوم وانتظرت بصبر في الصف خلف حوالي 8 سيارات. سرعان ما لاحظت أن صف النساء لا يتحرك على عكس صفوف الرجال و سائقي الركشات (التوك توك).
كان هناك بعض عساكر الجيش في المحطة ينظمون الصفوف، كما هو الحال في معظم محطات الوقود بعد الأزمة ، الا أن الملاحظ كانوا يمنعون النساء من تلقي الخدمة. احتجت وعد على ذلك وبدأت ببث مباشر على صفحتها على فيسبوك لإظهار ما يجري.
بعد فترة وجيزة جاء أحد عناصر الأمن بلباس مدني وطالبها بالتوقف عن التصوير والذهاب معه ، رفضت بهجت واستمرت في البث. غادر الرجل، وبعد مدة قصيرة جاء شرطي يرتدي زياً رسميا وأخبرها أنه تم رفع شكوى ضدها ، وعليها أن ترافقه إلى مركز الشرطة.
لم يكن لدى الشرطي مذكرة استدعاء أو أمر توقيف أو أي مستند قانوني ، كما أنه لم يأت بعربة شرطة رسمية. “أرسلني الضابط لاحضارك” قال لها. رفضت بهجت الذهاب معه على تلك الشاكلة، وبينما كانا يتجادلان, قام بغتة بجرها من يدها.
تم التعامل مع بهجت بخشونة والإساءة لها جسديا حسب افادتها ل “عاين”، قام الشرطي بمساعدة رجل وإرغامها على الركوب في ركشة واخذها لقسم الشرطة، هنالك قامت السلطات بالمماطلة لإخراجها من الحراسة بكفالة حتى ميعاد محاكمتها. وجهت لبهجت عدد من التهم من قبل عسكري الجيش، الشرطي و رجل الامن.
التهم كانت “الإخلال بالسلامة” [وهي مادة فضفاضة في القانون عادة ما تسيء السلطات استخدامها] ، إستخدام القوة الجنائية (حيث اتهمها أحد الجنود بضربه بالسيارة) ، بالإضافة إلى انتهاك الخصوصية والتي تقدم بها الشرطي ضدها لتصويره في الفيديو.
ازدياد حالات العنف
وتقول يسرا فؤاد أن الملاحظ خلال الفترة الانتقالية ازدياد حالات العنف ضد النساء والفتيات، إضافة لجرائم العنف الجنسي خلال الفترة الانتقالية ويرجع ذلك إلى أسباب عديدة إلا أن أهمها غياب المحاسبة وسن قوانين رادعة للذين يرتكبون مثل هذه الجرائم ، كما ترى أن الحملات الممنهجة وما يتعرضن لها الناشطات النسويات والحقوقيات من تشويه واشانة سمعة.
وتؤكد يسرا أن مالم يستند القانون على رؤية المرأة السودانية بعتبرها كاملة الأهلية وإعادة هيكلة واصلاح لجميع المنظومة القانونية والعدلية بحيث تصبح للمرأة الحق المتساوي في الحقوق وإلغاء جميع القوانين التمييزية واحترام المواثيق والمعاهدات المتعلقة بحقوق الإنسان تظل أوضاع المرأة
حوكمت وعد وأُدينت لاحقًا بموجب المادة 143 من القانون الجنائي لعام 1991 “استخدام القوة الجنائية” ضد الجندي وحُكم عليها بالسجن 6 أشهر مع وقف التنفيذ وأمرت بدفع غرامة قدرها 10 آلاف جنيه سوداني (حوالي 27 دولارًا أمريكيًا).
حادثة وعد ليست حالة معزولة ، فالعديد من النساء السودانيات يواجهن أنواعاً مختلفة من العنف القائم على النوع الاجتماعي في الحياة اليومية. تتراوح بين الإساءة اللفظية والضرب وتصل للقتل. كما تواجه المدافعات عن حقوق المرأة وأولئك اللاتي يحاولن المقاومة مثل بهجت مزيدًا من الاضطهاد ، إلى جانب الأقليات كذلك.
وفي أفادة مسجلة أدلى بها الدكتور عمر القراي في ما يتعلق بالتمييز القائم على أساس النوع أن القانون السوداني عمل على ترسيخ التقليل من شأن المرأة اسؤ بالمجتمع السوداني فبرغم من أن الوثيقة الدستورية خلال الفترة الانتقالية منح للمرأة الحق في شغل المناصب العامة بمنحها 40% في مستويات الحكم المختلفة إلا أن القوانين المستمدة من التشريع الإسلامي مازالت قائمة إلى الآن على سبيل المثال يترأس الجهاز القضائي مرأة إلا أن القانون السوداني لم يمنح المرأة الحق في الشهادة خارج الأطر الدينية مما يؤكد أن ماتم مجرد إصلاحات صورية لا ترتقي إلى تحسين أوضاع المرأة.