جدل في السودان حول جرعات تطعيم الأطفال
عاين- 2 سبتمبر 2025
يثير موضوع تطعيم الأطفال في السودان مؤخرًا جدلاً إثر وقوع حوادث متفرقة ذات صلة به. وقد تباينت الآراء، حيث يساور القلق بعض العائلات، في حين تؤكد الجهات الصحية على أهمية التطعيم البالغة. ومع تضافر شهادات المتطوعين وتجارب الأمهات وتوضيحات المختصين، يبقى السؤال ملحًا حول كيفية تحقيق التوازن بين ضرورة التطعيم لحماية الأطفال من المخاطر، وضمان سلامة الإجراءات والظروف التي يتم فيها.
أحد المتطوعين في منطقة شرق النيل – الحاج يوسف، “فضل حجب اسمه لدواعي أمنية” أوضح لـ(عاين)، أن حادثة مأساوية وقعت بمستشفى البان جديد، أدت إلى وفاة نحو ستة أطفال. ورجّح أن السبب يعود إلى تخزين اللقاحات، حيث لم تُحفظ بالطريقة المعروفة، وبقيت لفترة طويلة في ظروف تخزين غير سليمة.
وبيّن أن وزارة الصحة تولت إدارة المستشفى بعد الحادثة، وقررت إيقاف عمل المتطوعين، ومن بينهم هو نفسه، ومنعهم من دخول المستشفى إلا في حال وجود ظرف مرضى خاص، وهو قرار أثار الكثير من الجدل دون جدوى.
وبينما تعددت الروايات بشأن حادثة المستشفى وظروف تخزين اللقاحات، ظهرت على الجانب الآخر تساؤلات وهواجس بين الأمهات في مناطق مختلفة. ومع تضارب الروايات بين من يؤكد ومن ينفي، لجأت بعض الأمهات إلى مجموعات النقاش عبر وسائل التواصل الاجتماعي لتبادل التجارب والمخاوف، ومن بينهن سلمى التي روت قصتها لـ(عاين).
وتشير سلمى، وهي من سكان منطقة الكلاكلة جنوبي الخرطوم، ووالدة لطفل يبلغ من العمر أربعة أشهر، إلى أن طفلها تلقى تطعيم “حقنة في اليد” قبل أسبوع، وما زال يعاني آثاره حتى الآن.
وحول الشائعات المرتبطة باللقاحات، يقول الناشط في مجال التوعية الصحية الشريف الفضل آدم لـ(عاين): “المجتمع يواجه أحيانًا أفكارًا خاطئة مثل أن التطعيم يسبب العقم أو الوفاة أو حتى المرض نفسه، وهذه معلومات لا أساس لها من الصحة. بعض اللقاحات، مثل لقاح الكوليرا أو الحمى الصفراء، أثيرت حولها شائعات مضللة، لكن الحقيقة أن الأعراض الجانبية المتوقعة عادةً بسيطة، مثل تورم موضع الحقن أو ارتفاع طفيف في الحرارة، وهي استجابة مناعية طبيعية.”
ويضيف: “مواجهة الشائعات تتطلب تقديم معلومات علمية موثوقة من مصادر رسمية، وتبسيطها لتصل إلى كل فئات المجتمع، بجانب استخدام وسائل توعية متنوعة مثل مقاطع الفيديو أو الحملات الميدانية في المدارس والمساجد والكنائس، بل وأخذ اللقاح علنًا أمام الجمهور لبناء الثقة. كما دعا إلى الاستفادة من المبادرات الشبابية والمجتمعية في نشر الرسائل الصحية”.

وبينما تباينت شهادات الأمهات بين القلق والتشكيك والتجارب الشخصية المختلفة، جاء بيان رسمي من وزارة الصحة الاتحادية بعد نحو شهرين من الحادثة. موضحاً أن تحقيق الوزارة أوضح وفاة ثلاثة أطفال عقب تلقيهم لقاح الحصبة في مستشفى البان جديد كانت نتيجة خطأ فني في إجراءات التحضير والتخزين، وليس بسبب اللقاح نفسه. وأكدت الوزارة في بيانها أن اللقاحات المستخدمة في السودان آمنة ومعتمدة من منظمة الصحة العالمية، متعهدة بإعادة تدريب الكوادر الصحية وتشديد الرقابة لمنع تكرار ما حدث. ومع ذلك، فإن ما جرى أعاد إلى الواجهة أسئلة كثيرة حول سلامة عمليات التطعيم والرقابة على مراكز التحصين، وهي الأسئلة التي طرحتها (عاين) على مدير برامج التحصين بوزارة الصحة الاتحادية، د. إسماعيل العدني.
آثار جانبية
أوضح إسماعيل العدني، إن الآثار الجانبية للتطعيم تُقسم عادة إلى نوعين: آثار خفيفة مألوفة مثل ارتفاع درجة حرارة الطفل، حيث تُنصح الأم باستخدام الكمادات أو خافض الحرارة، وأحياناً قد يظهر احمرار في موضع التطعيم نتيجة تفاعل اللقاح. أما الآثار الكبيرة فهي نادرة الحدوث لكنها خطيرة، مثل حالات الحساسية الشديدة (الصدمة التحسسية) التي قد تؤدي إلى الوفاة إذا لم تكن المستشفى مجهزة بالقدر الكافي. وتظهر الحساسية أحياناً في شكل طفح جلدي، الأمر الذي يمنع الطفل من استكمال الجرعات اللاحقة.
ما حدث في مستشفى البان جديد كان نتيجة فقدان ثلاجة التحصين بسبب الحرب، ما دفع فني التطعيم لاستخدام ثلاجة غير مخصصة تعود إلى المدير الطبي
مدير برامج التحصين بوزارة الصحة الاتحادية
“الأخطاء المتعلقة بالتحضير أو التخزين يتحمل مسؤوليتها المباشرة فنيّ التطعيم، لذلك تُلزم الإرشادات بوجود ثلاجة مخصصة للتحصين في كل مركز. عادة ما يُنقل اللقاح من مركز ثابت مجهز بالثلاجات إلى المراكز الفرعية- تحدد داخل الأحياء” أو القوافل مع المحافظة على درجة حرارة تتراوح بين 2 و8 درجات مئوية”. يقول المسؤول الحكومي. ويشير إلى أن ما حدث في مستشفى البان جديد كان نتيجة فقدان ثلاجة التحصين بسبب الحرب، ما دفع فني التطعيم لاستخدام ثلاجة غير مخصصة تعود إلى المدير الطبي. ووصف ذلك بأنه “خطأ كبير”، لأن خلط اللقاحات مع أدوية أو مواد أخرى يعرّضها للتلف، أو يفتح الباب أمام أخطاء جسيمة، وكان من الأفضل أن يكون هناك مركز فرعي يحضرون له اللقاحات من مركز آخر. وبيّن أن الخطأ الأكبر – بحسب اللجنة الفنية – هو احتمال استخدام مذيب مختلف عن المخصص للقاح الحصبة، وهو ما أدى إلى الكارثة، رغم أن التقرير الطبي المبدئي نسب السبب إلى الحساسية.
وأضاف العدني: أن “حادثة مشابهة وقعت في وقت سابق بمستشفى أحمد قاسم عندما استُخدمت ثلاجة المدير الطبي، ما أدى إلى خطأ في المذيب”. وأكد أن المسؤولية المباشرة تقع على فني التطعيم، بينما تقع المسؤولية الإشرافية على ضابط التحصين بالمحلية لغياب الرقابة. وأوضح أن التحقيق جارٍ حالياً مع الفني ومراجعة شهاداته وخبراته.
ويشير المسؤول الحكومي، إلى أن برنامج التطعيم – رغم بعض الأخطاء البشرية – يظل من أنجح البرامج الصحية في السودان، حيث ساهم في خفض وفيات الأطفال وأمراضهم، بل واستخدمت اللقاحات أيضاً لمكافحة أوبئة مثل الكوليرا والحمى الصفراء بين البالغين. وأوضح أن المواطنين في السودان يثقون بهذا البرنامج، خاصة أنه يخضع لمراجعات من لجان فنية تضم منظمة الصحة العالمية واليونيسف وشركاء آخرين، وجميع اللقاحات مسجلة لدى المجلس القومي للأدوية والسموم.
واختتم العدني حديثه بالقول: إن “الحرب أثرت بشكل كبير على البرنامج، إذ فقد السودان عدداً كبيراً من ثلاجات اللقاحات، لكن يجري العمل مع الشركاء لاستعادة القدرة على التخزين. ورغم ذلك، ما زال البرنامج مستمراً”. مشدداً على أن تكلفة تطعيم طفل واحد أقل بسبع مرات من تكلفة علاجه إذا أصيب بالمرض.