انعدام جرعات التطعيم يضع آلاف الأطفال بدارفور على حافة الموت 

عاين -19 أكتوبر 2023

تتملك الحيرة “بهجة عبدالله”، وهي تبحث عن جرعة التطعيم الثانية لطفليها التوأم بعد أن مضى اسبوعاً على موعدها، وذلك في ظل التخريب والدمار الذي طال المستشفيات والمرافق الصحية في مدن دارفور جراء الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع.

ويأتي ذلك في ظل المخاطر الأمنية وصعوبة التنقل بين المدن والبلدات في الإقليم المضطرب، بجانب إغلاق معظم المراكز الصحية والمشافي ونهب المعدات والاجهزة الطبية، في وقت تتراجع بوادر الأمل في توقف الاشتباكات بين الطرفين والتي دخلت شهرها السابع.

ويواجه آلاف الأطفال في إقليم دارفور المقسم ادرياً إلى خمس ولايات خطر انعدام لقاحات التطعيم من الأمراض المميتة نتيجة للحرب الدائرة في البلاد والتي انهار على اثرها النظام الصحي، وتوقف مشاريع المنظمات الإنسانية المرتبطة ببرامج التغذية وتحصين الأطفال والتعليم.

وتقول بهجة المقيمة في بلدة “تُلس” جنوب غرب مدينة نيالا عاصمة ولاية جنوب دارفور، إن “بلدتهم منذ شهر مارس الماضي لم تصلها فرق التطعيم ولا يعلمون كيف يتم تطعيم أطفالهم في ظل الحرب الدائرة”.

صدمة 

وأشارت بهجة خلال مقابلة مع (عاين)، إلى أن إنقطاع الاتصالات عقّد من حصولهم على المعلومات بشأن التطعيم، لكنها اخيراً حصلت على معلومات عبر أقاربها القادمين من ولاية شرق دارفور تفيد بوجود جرعات تطعيم محدودة في مركز بمدينة “الضعين” عاصمة ولاية شرق دارفور التي تبعد نحو (200) كيلومتر من من البلدة التي تقيم فيها.

وأبانت بهجة، أن تكاليف السفر الباهظة حالت دون وصول أطفالها إلى مركز خدمات التطعيم في الوقت المناسب، رغم انها باعت بعض أواني منزلها لكي تتمكن من الحصول على قيمة تذكرة السفر البالغة (100) الف جنيه للشخص الواحد.

الصدمة كانت تنتظر “بهجة” في مدينة الضعين التي وصلتها بعد عناء. وتقول: “عندما وصلت المدينة تفاجأت بنفاد جرعات التطعيم”.

وبينما كانت تقدم الحكومة جرع التطعيم مجانية لكنه وبعد اندلاع الحرب تقول والدة طفلة حصلت على جرعة التطعيم بمركز صحي في الضعين لـ(عاين)، انها “دفعت (25) ألف جنيه للحصول على الجرعة في أغسطس الماضي، وذلك بعد تواصل مع أحد المتطوعين بفرق التحصين في الولاية”.

وتتطابق حالة والدة الطفلة مع حالة مماثلة حدث لوالدة الطفل “خالد الرشيد” التي وصلت مركز مستشفى مدينة الضعين قادمة من محلية “عديلة” في التاسع عشر من سبتمبر الماضي والتي أبلغت (عاين) انها حصلت على الجرعة الثانية لتطعيم طفلها مقابل مبلغ مالي قدره (30) الف جنيه.

مكافحة الأمهات 

لم تكن “بهجة عبدالله” وحدها التي تعاني من أجل الحصول على جرعة تطعيم لطفليها، لكن مئات الأمهات في إقليم دارفور يكافحن من أجل إيجاد فرص لتطعيم أطفالهن في ظل تدهور الأوضاع الأمنية والاقتصادية، وغياب الرقابة الحكومية بسبب الحرب.

وبالرغم من إعلان إدارة التحصين الموسع بولاية شرق دارفور الخميس الفائت، عن وصول جرعات كافية من “الروتين” للولاية عبر مدينة الفاشر، إلا أن المواطنين يتخوفون من اختفاء الجرعات مرة أخرى وتسريبها للسوق الأسود في ظل ضعف الرقابة الحكومية على المؤسسات نتيجة الأوضاع التي تمر بها البلاد.

 ورصد مراسل لـ(عاين)، تتدافع مئات النساء وهن يحملن أطفالهن أمام مركز التطعيم في مدينة الضعين بولاية شرق دارفور وسط مخاوفهن من انقطاع اللقاحات التي قد لا تصل مرة أخرى للمدينة بسبب تدهور الأوضاع الأمنية وإغلاق الطرق من قبل المليشيات المسلحة من جهة وقوات الدعم السريع من جهة أخرى.

إلى ذلك، عزا ضابط التحصين بمحلية الضعين، محمد تقيدي، توقف تطعيم الأطفال إلى انعدام لقاحات التطعيم الروتيني ونفاد الجرعات نتيجة انهيار النظام الصحي وسوء الأوضاع الأمنية التي يمر بها السودان، مؤكداً في مقابلة مع (عاين)، تواصل خدمات تطعيم الأطفال الأقل من عمر عام بمركز تطعيم محلية الضعين بعد وصول لقاحات من ولاية شمال دارفور.

وبالمقابل أشار مدير ادارة التحصين الموسع بولاية جنوب دارفور، عبدالعزيز عبدالرحمن، إلى أن آلاف الأطفال بالولاية جنوب دارفور لم يتلقوا اللقاحات الكافية منذ إندلاع الحرب، مما يجعلهم عرضة للأمراض المميتة مثل الحصبة وشلل الأطفال والسحائي.

ويقول المسؤول الحكومي لـ(عاين)، إن “ولاية جنوب دارفور تأثرت بصورة مباشرة بعد حرق ونهب المخزن الرئيسي للإمدادات الطبية لولايات دارفور وفقدت المخزون الاستراتيجي من اللقاحات وسلسلة التبريد وتراجعت فرص حصول الأطفال على الجرعات نتيجة انقطاع التيار الكهربائي وانعدام الوقود”.

وأضاف عبدالعزيز: “لا توجد أي ضمانات لتوظيف اللقاحات التي تأتي بمساعدة القوافل الانسانية التي تقوم بها القوات المشتركة للحركات المسلحة بسبب غياب النظام الإداري لوزارة الصحة لجهة أنها لا تستطيع العمل في ظل الظروف الراهنة ولا يستبعد التلاعب والنهب كما حدث لسيارة كانت تحمل لقاح إلى ولاية شرق دارفور”.

ويواجه آلاف الأطفال في ولايتي وغرب وسط دارفور مصير مماثل لأطفال جنوب دارفور نتيجة انهيار النظام الصحي وصول المنظمات الإنسانية جراء القتال بجانب توقف مشاريع المنظمات الانسانية القائمة قبل اندلاع القتال لاسيما برامج تغذية والتحصين الاطفال والتعليم.

وفي يونيو الماضي، أعلنت منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسف”، عن فقدان أكثر من مليون لقاح ضد شلل الأطفال، في خضم الاشتباكات المسلحة الجارية في السودان.

وقالت في تعميم صحفي وقتها، إن “أكثر من مليون لقاح ضد شلل الأطفال فقدوا في جنوب دارفور، في إطار عمليات النهب والتلف والتدمير التي تتعرض لها بعض سلاسل التوريد”، كأحد الأضرار الناتجة عن القتال الدائر بين الأطراف المتصارعة.

وسلطت “يونيسيف” ومنظمة رعاية الطفولة ومنظمة الرؤية العالمية، الضوء على المخاطر التي تهدد الأطفال في حال استمرار الاشتباكات، ومنها الحرمان من الرعاية الصحية واحتمال تعرضهم للمزيد من الانتهاكات الجسيمة بما في ذلك التجنيد والاستخدام من قبل الجماعات المسلحة والعنف الجنسي.

وقالت المنظمات الثلاث، في بيان مشترك، إن “سلسلة التبريد التي تحافظ على صلاحية اللقاحات تأثرت بالانقطاع المستمر في الطاقة والوقود، مما يعرّض حياة ملايين الأطفال للخطر في بلد معدلات التطعيم فيه في تراجع بالفعل، ويواجه فيه الأطفال تفشي الأمراض بشكل منتظم”.

وأضافت: “الملايين من الأطفال الذين لم يتلقّوا اللقاحات الكافية، أو الذين لم يتلقّوا أي جرعة، سيفقدون الوصول إلى اللقاحات المنقذة للحياة، مما يعرضهم لأمراض مميتة مثل الحصبة وشلل الأطفال”.

وبالمقابل حذرت اختصاصية طب الأطفال سلمى محمد علي، من تداعيات وخيمة تنظر أطفال دارفور بسبب عدم تلقي جرعات التطعيم من الأمراض الفتاكة.

وأضافت: أن “مخاطر عدم تناول جرعات التطعيم للأطفال الرُضّع في مواعيدها، وأن عدم حدوث ذلك يجعل الطفل أكثر عرضةً للإصابة بالأمراض التي تتم الوقاية منها باللقاحات، خاصةً المميتة منها مثل الحصبة وشلل الأطفال والكوليرا”.

وتوقعت سلمى في مقابلة مع (عاين)، انتشار واسع لأمراض الطفولة والعودة إلى ثمانينات وتسعينيات القرن الماضي عندما كان السحائي والحصبة تقضي على مئات الأطفال في بلدات دارفور وكردفان.

ودعت اختصاصي الاطفال المنظمات الأممية للبحث عن سبل لإيصال اللقاحات الكافية إلى دارفور خاصة القرى والبلدات النائية، والتنسيق المحكم مع الأطراف المتصارعة لضمان حماية الأطفال، وممارسة الضغوطات من أجل الحماية.

ولا يبدو أن طرفي القتال، على استعداد لوقف الاشتباكات قبل أن يُلحق طرف الهزيمة بالآخر، ومن واقع التحشيد والتعزيزات التي تصلهما من الولايات إلى الخرطوم، مما يفاقم معاناة ملايين الأطفال خاصة في ظل الحرمان من الرعاية الطبية والتعليم.