عقوبات (واشنطن) على الدعم السريع.. تأثير محدود أم فعّال؟
عاين- 18 سبتمبر 2023
على الرغم من أن العقوبات التي فرضتها وزارة الخزانة الأمريكية على قائد ثاني قوات الدعم السريع عبد الرحيم دقلو، تعتبر الأبرز منذ بدء الحرب في السودان، إلا أن اسئلة مشروعة تُطرح حول فاعليتها وتأثيرها على وقف الحرب أو على الأقل الحد من الانتهاكات.
وفيما يرى الأكاديمي والاقتصادي السوداني، معتصم اقرع بأن العقوبات يمكن قراءتها كتحذير من الولايات المتحدة الأمريكية لحلفاء الدعم السريع الإقليميين، يقول المدير السابق لمكتب المبعوث الأميركي الخاص إلى السودان، كاميرون هيدسون، لـ(عاين)، “العقوبات تتطلب تعاون الدول لتكون فعالة ولا أعتقد أنهم سيتعاونون تحديداً الإمارات العربية المتحدة”.
جرائم وعقوبات
وفي السادس من سبتمبر الجاري، أعلنت وزارة الخزانة الأميركية، أن مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع للوزارة فرض عقوبات على نائب قائد قوات الدعم السريع السودانية، عبد الرحيم دقلو، لدوره القيادي والتنفيذي في القوات التي شاركت في أعمال العنف والانتهاكات لحقوق الإنسان.
كما استهدفت العقوبات قائد قوات الدعم السريع في غرب دارفور عبد الرحمن جمعة، عندما فرضت الخارجية الأميركية قيود على تأشيرات دخوله نسبة لتورّطه في الفظائع التي ارتكبتها قواته، إضافة لاتهامه باغتيال حاكم ولاية غرب دارفور خميس عبد الله أبكر في 15 يونيو حينما تم اختطافه وقتله بعد ساعات قليلة من انتقاده لقوات الدعم السريع خلال مقابلة هاتفية مع إحدى القنوات التلفزيونية.
وتواجه قوات الدعم السريع، اتهامات بارتكاب جرائم حرب وتطهير عرقي طالت إثنية المساليت في مدينة الجنينة ومستري بولاية غرب دارفور، التي شهدت أبريل الماضي قتالا عنيفاً أدى لمقتل آلاف المواطنين.
وفي بداية يونيو الماضي، وأصدرت وزارة الخزانة الأميركية بداية يوليو الماضي عقوبات استهدفت أربع كيانات في السودان، اثنان منها يتبعان لقوات الدعم السريع، والمتبقيان يتبعان للجيش السوداني.
وكانت مبعوثة الولايات المتحدة الأمريكية لدى الأمم المتحدة ليندا توماس جرينفيلد قالت أثناء لقائها لاجئين سودانيين على الحدود السودانية التشادية، أن الولايات المتحدة قررت فرض عقوبات على نائب قائد قوات الدعم السريع شبه العسكرية في السودان بسبب انتهاكات لحقوق الإنسان.
وأوضحت أن عبد الرحيم دقلو مستهدف بالعقوبات “لعلاقته بالانتهاكات التي ترتكبها قوات الدعم السريع بحق مدنيين في السودان بما يشمل أعمال عنف جنسي تتعلق بالصراع والقتل على أساس الانتماء العرقي”. وقالت إن ما حدث يذكر بالفظائع التي ارتكبت قبل 20 عاما في الإقليم ووصفتها واشنطن بأنها إبادة جماعية.
وتشمل العقوبات الأميركية فرض قيود على التأشيرات وتجميد أي أصول للأشخاص المعنيين في الولايات المتحدة، فضلا عن منع إجراء أي تعاملات تجارية معهم.
ووفقاً لهذه العقوبات من المتوقع أن يتم حظر جميع ممتلكات ومصالح في ممتلكات عبد الرحيم دقلو الموجودة في الولايات المتحدة أو في حوزة أو سيطرة مواطنين أميركيين. ويجب الإبلاغ عنها إلى مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأمريكية ويتم حظر أي كيانات يمتلكها قائد ثان الدعم السريع، بشكل مباشر أو غير مباشر، بنسبة 50 في المئة أو أكثر.
كما تُحظر جميع المعاملات التي يقوم بها المواطنون الأميركيون داخل الولايات المتحدة أو المعاملات التي عبرها، والتي تنطوي على أي ممتلكات للشخص المدرج في قائمة العقوبات أو المحظور ما لم يتم التصريح بذلك بموجب ترخيص عام أو خاص صادر عن مكتب مراقبة الأصول الأجنبية، أو مُعفى منها.
وينظر إلى العقوبات الأخيرة بأعتبارها تخطت قيادة الدعم السريع وطالت موارد الدعم السريع المالية بما يمكن أن يحجم من القدرة على إطالة أمد الحرب عن طريق تمويل شراء السلاح أو الصرف على الأفراد أو استجلاب مزيد من المقاتلين.
ازدواجية
وبعد يوم من إصدار قرار العقوبات، وصفت قوات الدعم السريع قرار الخزانة الأميركية بفرض عقوبات على قائدها الثاني عبدالرحيم دقلو بـ”المؤسف والصادم والمجحف“، لافتة إلى ازدواجية في التعاطي الأميركي مع الأزمة السودانية.
وقال المحامي والناشط الحقوقي، منعم آدم، أن العقوبات التي تم فرضها على عبد الرحيم دقلو هي عقوبات اقتصادية تقوم بفرضها وزارة الخزانة الأمريكية عندما يكون لديها معلومات وأدلة دقيقة حول ارتكاب شخص محدد لانتهاكات حقوق الإنسان الجسيمة والمخالفات المالية الكبيرة واستخدام الأموال لأغراض لها علاقة بغسيل الأموال أو استخدام أي أموال لارتكاب جرائم مثل التي تُتهم قوات الدعم السريع بارتكابها.
المحامي منعم آدم: العقوبات لم تشمل “حميدتي” لأن الأدلة قادت إلى أن الأوامر التي أدت لارتكاب انتهاكات في حقوق الإنسان بما في ذلك مقتل الوالي خميس أبكر، صدرت بواسطة قائد ثاني الدعم السريع وقائد ولاية غرب دارفور عبدالرحمن جمعة.
ولفت في مقابلة مع (عاين)، إلى أن العقوبات لم تشمل قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو لأن الأدلة التي جمعتها وزارة الخزانة الأمريكية قادت إلى أن الأوامر التي أدت إلى ارتكاب فظائع وانتهاكات في حقوق الإنسان بما في ذلك مقتل الوالي خميس أبكر، صدرت بواسطة قائد ثاني الدعم السريع وقائد الدعم السريع بمدينة الجنينة بولاية غرب دارفور عبدالرحمن جمعة.
وأفاد آدم، بأن وزارة الخزانة الأمريكية عندما تصدر قرار ضد جهة خارجية فإنه تريد الحد من الانتهاكات والحد من الحركة والقدرة الحصول على الأموال.
محدودية التأثير
من جهته، يقول الخبير الاقتصادي معتصم أقرع، أن العقوبات الأمريكية التي فُرضت على عبد الرحيم دقلو تعتبر بشكلها الأولي ذات تأثير محدود لأنها تستهدف الأصول المملوكة له في الولايات المتحدة.
الاقتصادي معتصم أقرع: الأصول التي استهدفتها وزارة الخزانة الأمريكية في الولايات المتحدة قليلة بالمقارنة بالأصول والأموال المملوكة له في الخليج العربي وأفريقيا.
ورأى في حديث لـ(عاين) إن الأصول التي استهدفتها وزارة الخزانة الأمريكية في الولايات المتحدة قليلة بالمقارنة بالأصول والأموال المملوكة له في الخليج العربي وأفريقيا.
وعلى الرغم من أن الخبير الاقتصادي يرى محدودية تأثير العقوبات المادي المباشر على قوات الدعم السريع إلا أنه يعتبر أن العقوبات المفروضة مهمة من الناحية السياسية والرمزية.
ولفت أقرع إلى أن العقوبات فُرضت في وقت حرج ويمكن تفسيرها كتهديد غليظ اللهجة لـ”عبد الرحيم دقلو” وللدعم السريع كميليشيا أو كمؤسسة.
وأوضح أن العقوبات اتهمت القائد الثاني لقوات الدعم السريع عبد الرحيم دقلو بارتكاب إبادة عرقية مما سيعمل بشكل كبير على تحجيم أي دور مستقبلي له في السياسة أو عالم المال.
ويرى أقرع، أن العقوبات التي فرضتها وزارة الخزانة الأمريكية يمكن قراءتها كتحذير من الولايات المتحدة الأمريكية لحلفاء الدعم السريع الإقليميين.
وسبق وأعلن المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان، عن فتح تحقيق جديد بشأن جرائم حرب وقعت في ولاية غرب دارفور يُزعم أن مرتكبيها عناصر يتبعون لقوات الدعم السريع.
وعلى الرغم من عدم وجود إرتباط بين العقوبات التي فرضتها وزارة الخزانة الأمريكية وملف المحكمة الجنائية الدولية، إلا أن الخطوة تمثل ضغطاً إضافياً على قيادة الدعم السريع.
ويرى المحامي والناشط الحقوقي، عبد الباسط الحاج، أن الموقف الإنساني الموحد تجاه ممارسات قوات الدعم السريع الفظيعة والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في دارفور والخرطوم جعلت العالم ينتبه بشكل جماعي لأجل المساهمة في إيقاف المجازر والانتهاكات التي تقوم بها قوات الدعم السريع والمليشيات الموالية لها وتقديم الجناة للعدالة عن طريق اتخاذ موقف حيال ما يحدث في السودان.
ولفت الحاج، إلى أن كل المؤسسات والهيئات الدولية أصدرت بيانات استهجان تفيد بأن انتهاكات حقوق الإنسان الجسيمة التي وقعت ولا تزال تقع في السودان لا يمكن السكوت عنها.
وحول تأثير هذه العقوبات يجيب المدير السابق لمكتب المبعوث الأميركي الخاص إلى السودان، كاميرون هدسون، وهو مشارك أول، مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية واشنطن. “لهذه العقوبات القدرة على التأثير، أي شركة يعمل فيها كمدير أو عضو مجلس إدارة والتي يوجد منها الكثير من المحتمل أن تتأثر بهذه العقوبات”.
ويقول هيدسون في مقابلة مع (عاين): “العقوبات مهمة، وإدانة قوات الدعم السريع بالجرائم التي ارتكبتها أمر مهم للغاية، واستهداف عبد الرحيم دقلو مهم لأنه على رأس سلسلة الهرم القيادي لقوات الدعم السريع”.
ويعود كاميرون ويقول انه وحتى تكن هذه العقوبات فعّالة تتطلب تعاون الدول، ولا أعتقد أنهم سيتعاونون تحديداً الإمارات العربية المتحدة وهذا الأمر يتطلب من الإمارات أن تأخذ هذه العقوبات على محمل الجد.
ويضيف هيدسون: “الإمارات لديها استثمارات ضخمة في السودان وتتطلع إلى المزيد، هذه المصالح قصيرة أم طويلة الأجل فهي على المحك”. ويتابع: “تعتقد الإمارات العربية المتحدة أن قوات الدعم السريع ستظل عاملاً سياسياً رئيسياً في البلاد – عائلة دقلو على وجه الخصوص”.
سياسة أمريكا تجاه السودان
وفي رده على سؤال، هل تشير هذه العقوبات إلى أن وزارة الخارجية الأمريكية تعمل على تطوير سياستها تجاه السودان؟. يقول هيدسون كاميرون: “ما رأيته في السودان هو سلسلة من الإجراءات المخصصة، وإعلانات سياسية لمرة واحدة ولكن مجموعها لا يشكل استراتيجية. ليس من الواضح بالنسبة لي ما تأمل الولايات المتحدة تحقيقه على المدى المتوسط والطويل». أنا لا أرى استراتيجية، حقا في أي مكان.
ويعتقد المسؤول الأمريكي السابق إن إصدار الولايات المتحدة لهذه العقوبات لأنها منخفضة المخاطرة والتكلفة للإدارة الأمريكية. ويتابع: “كانت الإدارة الأمريكية تحت الضغط وكان عليهم أن يظهروا أنهم يأخذون الصراع على محمل الجد، وأنهم يفعلون أشياء للرد على العنف من قبل طرفي الحرب في السودان”.
ويشير هيدسون إلى العقوبات وسيلة للرد على هذا الضغط والقيام بذلك بطريقة لا تعرض مصالحهم الكبرى للخطر خلال محاولتهم التوسط لإنهاء القتال”.
انحياز أمريكي
ولا يرى كاميرون في فرض عقوبات على الدعم السريع بمعزل عن القوات المسلحة انحيازا أمريكياً لطرف على حساب الآخر.
ويقول: “من الصعب أن نعرف الآن، لقد فرضوا عقوبات على اثنين من أعضاء قوات الدعم السريع ولا يوجد أفراد من القوات المسلحة السودانية، لكنني لا أعتقد أن الولايات المتحدة انحازت إلى أحد الجانبين”.
وتابع: “ما نعرفه عن هذه الإدارة هو أنهم يعارضون استخدام العقوبات. ونتذكر أنه لم يتم تطبيق أي عقوبات طوال فترة الصراع في إثيوبيا، لذلك ليس من المؤكد أن يكون هنالك المزيد من العقوبات قادمة”.