السودان: طلاب جامعيون نازحون يقتحمون سوق العمل

عاين- 28 ديسمبر 2023

في “السوق الكبير” بمدينة بورتسودان، يقف مازن إبراهيم، على طاولة تتوسطها نافورة صغيرة تنساب منها المياه على الليمون والنعناع الذي يصنع منه عصيراً ليبيعه يروي للمارة.

أنهى مازن دراسته في كلية الهندسة بجامعة النصر التقنية في عام ٢٠١٤، وعمل في مجاله حتى اندلاع الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في أبريل الماضي، قبل أن يجد نفسه مضطراً للنزوح.

التوجُّه شرقاً

أجبرت ظروف الحرب مازن الذي كان يعمل مهندساً معمارياً بالعاصمة السودانية الخرطوم على أن ينزح إلى ولاية الجزيرة وسط السودان، لكنه لم يجد فيها فرصة عمل، فاضطر إلى المجيء إلى ولاية البحر الأحمر شرقي السودان بحثاً عن الرزق.

خلال شهور الصيف ومع ارتفاع درجات الحرارة، فكَّر مازن ومعه ثلاثة من أقربائه في افتتاح مشروع صغير لبيع عصير الليمون بالنعناع في وسط سوق مدينة بورتسودان.

”الإقبال على شراء العصير كان كبيراً جداً منذ افتتاحنا للمحل، خاصةً وأننا استخدمنا أسلوب عرض غير معروف في مدينة بورتسودان، وهو وضع نافورة مياه في منتصف طاولة البيع بشكل جاذب للزبائن“. يقول مازن عن مشروعه الصغير في مقابلة مع (عاين).

وأصبح سوق بورتسودان الكبير الواقع في وسط المدينة قبلة للباحثين عن فرص عمل جديدة بعد قدومهم من مناطق مختلفة تشهد صراعات مسلحة في الوقت الراهن.

وتشهد المدينة في هذه الأيام نزوح آلاف السودانيين من مناطق النزاعات بالخرطوم وكردفان ودارفور، وتتزايد أعداد الوافدين يوماً بعد يوم، خاصةً بعد تمدد الصراع إلى المدن الآمنة في وسط السودان.

دولة شابة

بالاستناد إلى تقارير  دولية، فإن نسبة المواطنين دون سن الخامسة والعشرين تُمثل نسبة ٦١.٥٪ من جملة السكان بالسودان، لذا فإن نسبة متوسط العمر في السودان هو ١٩ عاماً، وهذا يجعل السودان يُصنف على أنه دولة شابة تمثل فئة الشباب فيها أغلبية.

بعد اندلاع الحرب في العاصمة والولايات المختلفة، أغلقت الجامعات السودانية أبوابها، وتأثرت العديد من المؤسسات التعليمية في العاصمة الخرطوم بالعمليات العسكرية الجارية، وقررت السلطات الحكومية تجميد العام الدراسي في كل أنحاء السودان إلى أجلٍ غير مسمى، مما جعل مئات الآلاف من الطلاب السودانيين يواجهون مشاكل كبرى في الحصول على مستندات أو وثائق تثبت تسجيلهم في الجامعات التي كانوا يدرسون بها.

كما يعاني آلاف الخريجين من عدم قدرتهم على استخراج شهاداتهم الجامعية، وتمت معالجة الأمر مؤخراً بشكل محدود عبر تخصيص نوافذ بجامعة البحر الأحمر لاستخراج الشهادات وتوثيقها.

معالجات للاستئناف

لم يجد الشاب عبد الباسط محمد، بداً من الانخراط في عمل يوفر له الحد الأدنى من متطلبات الحياة اليومية بعد نزوحه وأسرته إلى بورتسودان.

يدرس عبد الباسط، بالمستوى الثالث بكلية الطب جامعة أم درمان الإسلامية، ووفقاً لخطة العام الدراسي كان من المفترض أن ينهي عامه الثالث في كلية الطب ويجلس لامتحانات نهاية العام، لكن أوضاع الحرب حالت بينه وبين ذلك.

يقول عبد الباسط:” قررت إدارة كليتنا استئناف الدراسة إلكترونياً عبر شبكة الإنترنت، لكن هنالك مشاكل تعانيها شبكة الاتصالات، بجانب عدم مقدرة جميع الطلاب استئناف الدراسة وهم نازحون، ويمرون بضوائق اقتصادية صعبة “.

طلاب جامعيون داخل قاعة دراسية

وجد عبد الباسط عملا صغيراً يُلبي به احتياجاته واحتياجات أسرته اليومية، ويتمثل هذا العمل في بيع الرصيد في سوق بورتسودان الكبير.

وذكر بأنه يذهب بين الفينة والأخرى إلى أحد مستشفيات المدينة ليعمل كمتدرب حتى لا ينسى ما تعلمه في السنين الماضية.

وفي وقت سابق أعلنت جامعات سودانية استئناف الدراسة وجلوس طلابها للامتحانات في الولايات الآمنة نسبياً، لكن قوبل هذا القرار بردود فعل متباينة، حيث يرى البعض أنه من الضروري مواصلة الدراسة كسباً للزمن، ويرى آخرون مثل عبد الباسط أن هذا القرار قد يظلم طلاباً كثر هم الآن غير مهيأين نفسياً لمواصلة الدراسة، ويعانون النزوح المستمر.

ونزحت من ولاية الجزيرة بوسط السودان آلاف الأسر بعد توسع مناطق سيطرة قوات الدعم السريع وتوغلها في مدن وقرى ولاية الجزيرة، ويعيش النازحون وسكان الولايات الشرقية حالة من الخوف والترقب خشية وصول الاشتباكات إليهم.

منتجات سودانية

عند آخر جلسة امتحان لها في كلية الصيدلة بجامعة الأحفاد للبنات في الخامس عشر أبريل الماضي، تفاجأت آمنة محمد، بأن الحرب قد اندلعت بالخرطوم وما من سبيل لمواصلة دراسة الصيدلة والانتقال إلى المستوى الثاني.

نزحت آمنة برفقة أسرتها إلى بورتسودان بعد ستة أشهر من بقائهم في أم درمان، وقالت إنها ومع تطاول أمد الحرب انخرطت مع أخواتها في تأسيس مشروع يدر عليهم بعض الأرباح لمجاراة الواقع المعيشي القاسي مضيفةً:” أسسنا مشروعاً لإنتاج وصناعة العطور السودانية ومختلف أنواع البخور، وأقوم بتسويق هذه المنتجات على شبكات التواصل الاجتماعي“.

وتؤكد آمنة، بأن انخراطها في سوق العمل لن يمنعها من مراجعة موادها الدراسية، وترجو أن تستأنف الدراسة حتى ولو كان ذلك إلكترونياً، لكنها في الوقت نفسه تبدي تخوفها من تدهور شبكات الإنترنت.