سودانيات لاجئات يكافحن لمواصلة تعليمهن الجامعي
عاين- 11 مارس 2025
من دولتي أوغندا ورواندا تقود مئات الطالبات السودانيات اللاجئات رحلة كفاح شاقة من أجل إكمال تعليمهن الجامعي الذي قطعته الحرب المستمرة في البلاد لما يقارب العامين، وهن يقاومن ظروفاً صعبة في سبيل تحقيق أحلامهن بالحصول على شهادات جامعية، بما يمكنهن من العمل ومساعدة أسرهن.
تقاتل الطالبة اللاجئة السودانية تلاوة عبد الهادي وحدها في العاصمة الرواندية كيغالي بعدما تركت أسرتها وراءها وسط نيران الحرب في السودان، حيث خرجت في رحلة لجوء قسري عندما رأت مستقبلها التعليمي على حافة الضياع، نتيجة استمرار إغلاق جامعتها؛ بسبب تطاول أمد القتال المحتدم بين الجيش وقوات الدعم السريع.
تخللت رحلة تلاوة مصاعب كبيرة؛ نظرا لغلاء المعيشة في ظل الظروف الاقتصادية لأسرتها التي تأثرت بالحرب، فضلا عن غربتها، ومع ذلك لم تستسلم وآثرت الاستمرار في دراستها حتى النهاية، وذلك بحسب ما روته لـ(عاين).
وتلاوة هي واحدة من مئات الطالبات السودانيات هجرن بلادهن إلى دولتي أوغندا ورواندا الواقعتين في شرق أفريقيا بحثاً عن التعليم الذي توقف لفترات طويلة في السودان نتيجة الصراع المسلح، قبل أن يستأنف في وقت لاحق وبشكل جزئي في ولايات شرق وشمال البلاد التي تخضع إلى سيطرة الجيش.
وتأثرت الجامعات السودانية بشكل واسع جراء الحرب التي اندلعت بين الجيش وقوات الدعم السريع في 15 أبريل من العام 2023م، وذلك نتيجة لتمركز مقارها في العاصمة الخرطوم التي شهدت الشرارة الأولى للقتال، مما أدى إلى توقفها لعدة شهور قبل أن تستأنف نشاطها في بيئة غير مواتية ومقار غير مهيئة في الولايات الآمنة.
تعليم بالإنترنت
وحاولت بعض الجامعات استئناف العملية التعليمية عن بعد بواسطة الإنترنت، وأخرى فتحت فروعاً في الخارج خاصة دولة مصر، لكن التكاليف كانت عالية على الطلاب وأسرهم المتأثرة بالتداعيات الاقتصادية للحرب، بينما واجه الطلاب الذين حاولوا مواصلة تعليمهم أون لاين، مشكلة الاتصالات والإنترنت التي تشهد انقطاعاً كاملاً في العديد من المناطق السودانية.
ونتيجة ضعف الإنترنت في السودان، لجأت بعض الطالبات السودانيات إلى دولة أوغندا من أجل الحصول على خدمات كهرباء وإنترنت مستقرة تمكنهن من مواصلة تعليمهن عن بعد، وهي كحالة “جوارح” الطالبة في المستوى الثالث في جامعة كردفان، والتي تصف تجربتها بالمعقدة والصعبة للغاية.
وصلت إلى دولة أوغندا لاجئة، واستأنفت تعليمي الجامعي عن بعد، لكن الجامعة توفر المراجع فقط
طالبة سودانية
وتقول في مقابلة مع (عاين): “وصلت إلى دولة أوغندا، واستأنفت دراستي عن بعد، كانت إدارة الجامعة ترسل لنا المواد والمراجع فقط، وليس هناك أي محاضرات، فأنا نقوم بدور المعلم والطالب معاً، ومن المعلوم أن المنهج الدراسي بحاجة إلى شرح متقدم يسهل الفهم لا سيما الكورسات المتعقلة بالحاسوب، والذي يحتاج إلى معامل مجهزة وتدريب عملي أوسع”.
وتضيف: “بعد شهر من الدراسة عن بعد، تمكنت جامعة كردفان من الحصول على قاعة نجلس عليها الامتحان في مقر الجامعة الإسلامية في أوغندا، لكن ما زلنا نواجه تحديات ومصاعب تتعلق بالرسوم المفروضة على الجلوس للامتحان وهي مرتفعة للغاية مقارنة بأوضاع اللجوء القاسية التي نعيشها، فبالكاد يستطيع البعض الوفاء بالتزامات الإيجار وتوفير الاحتياجات المعيشية الأخرى”.

ولم يكن أمام جوارح غير مجابهة الصعاب ومواصلة تعليمها عن بعد فلا تحتمل مزيداً من التأخير فقط قضت في الجامعة 10 سنوات حيث تم قبولها في العام 2015، وتعطلت كل هذه المدة دون التخرج نتيجة إلى ظروف الثورة الشعبية التي أنهت حكم الرئيس المخلوع عمر البشير، وما أعقبها من اضطرابات وجائحة كورونا وغيرها.
وأغلقت جامعة كردفان التي تتخذ من مدينة الأبيض عاصمة ولاية شمال كردفان مقراً لها؛ بسبب نيران الحرب التي تحيط بالمدينة، التي ظلت تحت حصار شديد بواسطة قوات الدعم السريع لأكثر من عام ونصف؛ مما تسبب في أزمة إنسانية حادة تجلت في نقص السلع الغذائية وانقطاع كلي للاتصالات والإنترنت والتيار الكهربائي، قبل أن يتمكن الجيش من فك حصارها مطلع مارس الجاري.
تجربة أخرى
واضطرت الطالبة العفراء معلا التي تدرس في جامعة كردفان هي الأخرى، إلى اللجوء لدولة أوغندا بعدما واجهت مصاعب كبيرة بسبب غياب خدمة الإنترنت والكهرباء في منطقتها بالسودان.
لكن العفراء التي تحدثت لـ(عاين) اصطدمت بمصاعب كبيرة في أوغندا، فخدمة الإنترنت مستقرة، غيرها أنها مكلفة، وتستهلك نحو 50 دولارا في الشهر، كذلك رسوم الامتحانات التي تفرضها إدارة جامعة كردفان، وهي تكاليف كبيرة زادت عليها عناء اللجوء، ومع ذلك فهي مصممة على الاستمرار، حتى تسلم شهادتها الجامعية كحلم انتظرته طويلاً.
غير أن الطالبة ضحى عبد الله قررت التخلي عن جامعتها السودانية وسلك طريق جديد مع إحدى الجامعات الرواندية في العاصمة كيغالي، مثلما فعلت زميلتها تلاوة وأخريات ممن سرن على هذا الطريق الصعب.
وتروي ضحى لـ(عاين) إنها عاشت نحو 7 أشهر تحت نيران الحرب في السودان، وكانت فترة عصيبة نفسياً وسط قلق على المستقبل التعليمي، فسافرت إلى أوغندا، وكان لزاماً عليها تحسين اللغة الإنجليزية، فالتحقت بأحد المعاهد في العاصمة كمبالا، وبعد فترة انتقلت إلى دولة رواندا المجاورة، والتحقت بجامعة كيغالي كلية التنمية الريفية.
أعيش حالة من القلق والخوف وأنا بعيدة عن أسرتي في دولة رواندا، لكني قبلت التحدي من أجل التخرج ومساعدة عائلتي
طالبة سودانية برواندا
ولم يكن الأمر بالسهل، ودائما ما تراود أسئلة الخوف مخيلة ضحى التي تعيش وحيدة بعيدا عن أسرتها وهي صغيرة في السن، ولم تتجاوز الـ22 عاماً من العمر، لكن سرعان ما تدفعها عزيمتها القوية إلى مواصلة التحدي من أجل تحقيق هدفها المنشود.
وهو شعور مماثل تعيشه الطالبة السودانية تلاوة، لكن رغبتها في التخرج والحصول على شهادة جامعية والعمل لمساعدة أسرتها تشكل وقوداً يحرك عزيمتها التي لا تلين في قبول التحدي والاستمرار رغم الصعاب، خاصة وهي ثاني أكبر أخواتها سنا في المنزل، ووالدها وصل سن التقاعد، وتريد الاجتهاد لمساعدة، وفق ما ترويه لـ(عاين).
قلق أسري
ملامح الخوف والقلق تسيطر أيضاً على عائلات هؤلاء الطالبات اللاتي يدرسن في الخارج بدولتي أوغندا ورواندا، لكن هذه العائلات تقاوم كل هذه المصاعب من أجل ضمان مستقبل تعليمي للبنات.
يقول عز الدين الذي تدرس ابنته في رواندا لـ(عاين): “ظروف الحرب وانقطاع التعليم في السودان، دفعتنا إلى الضغط على قلوبنا ودعم رحلات بناتنا إلى الخارج لإكمال الدراسة، وبالرغم من ابنتي الصغيرة في العمر لكني ساندتها لخوض هذه التجربة الصعبة، لإيماني العميق بأنها ستكون مفيدة، وتستطيع من خلالها تحقيق أهدافها وطموحاتها”.

أم أحمد وهي والدة لإحدى الطالبات اللاتي يدرسن في رواندا، تبدي قلقها الشديد على ابنتها وهي كذلك صغيرة في السن، حيث تظل على الدوام تفكر في حالها ووضعها وكيف تعيش؟ وهل تناولت الطعام أم لا؟، قبل أن تعود وتصبر حرصاً على مستقبل ابنتها التعليمي.
وتقول لـ(عاين): “بنتي مجتهدة ولديها عزيمة قوية في مواصلة تعليمها، وظلت متماسكة خلال الفترة التي قضتها وسط الحرب ومتحمسة تجاه مستقبلها التعليمي، وثقتي كبيرة في أنها ستصل إلى مقصدها، لكني أتمنى توقف القتال، وتعود ابنتي وتعانقني مجدداً، وهي حاصلة على أرفع الدرجات العلمية”.
عقبة الإنترنت
يواجه الطلاب الذين غادروا للدراسة في الخارج مصاعب اقتصادية كبيرة وقلق أسرتي، بينما لا يتمكن من هم داخل السودان من مواصلة دراستهم عن بعد، نسبة لضعف الإنترنت في العديد من المناطق الملتهبة بالنزاع المسلح في البلاد، وهو ما يعيق العملية التعليمية، بحسب د. رجاء تميم المحاضرة في جامعة أمدرمان الأهلية.
ضعف خدمات الإنترنت وانقطاع التيار الكهربائي، يعيق عملية التعليم عن بعد لطلاب الجامعات داخل السودان
أستاذة جامعية
وتقول رجاء في حديثها لـ(عاين) “كذلك لا يستطيع الطلاب في الداخل الوصول إلى مراكز الامتحانات التي في الغالب تكون في مناطق بعيدة في ظل تهديد أمني كبير وعمليات قصف عشوائي للمناطق المدنية، في حين يبدو الأمر أسهل بالنسبة للطلاب في الخارج، والذين يجدون خدمة الإنترنت والكهرباء، لكن ربما يعانون اقتصاديا”.
بدورها، أوضحت الأكاديمية السودانية سانديوس النور أنه من الصعب الحكم على عملية التعليم عن بعد في الوقت الحالي، فهي ما تزال تجربة جديدة، وقد أنشأت بعض الجامعات السودانية منصات للتعليم الإلكتروني.
وشددت في مقابلة مع (عاين) على أن التعليم عن بعد يعتبر الطريقة الوحيدة للوصول إلى التعليم في السودان حاليا بسبب الصراع المسلح، بينما تواجه الطالبات اللاتي ذهبن إلى الخارج مصاعب كبيرة في الجلوس للامتحان؛ لأن أكثر الجامعات مراكزها في الداخل، كما أن إنشاء مراكز في دول اللجوء مكلف ماليا، وربما تفرض رسوم عالية تفوق مقدرة الطلاب وأسرهم.
وسددت الحرب المستمرة في السودان لما يقارب العامين بين الجيش وقوات الدعم السريع ضربة قوية لقطاع التعليم، حيث تعطل التعليم الجامعي، بينما بات نحو 19 مليون طفل خارج مظلة التعليم، بحسب منظمة الأمم المتحدة لرعاية الطفولة يونيسيف.