ماهي أبرز العقبات أمام تشكيل الجيش السوداني الموحد؟

19يوليو 202‪1

في منتصف يونيو الماضي، شدد رئيس بعثة الأمم المتحدة لدعم الانتقال فولكر بيرتس على أهمية تشكيل مؤسسة عسكرية موحدة بدلا من تعدد الجيوش الى أكثر من خمسة محذرًا من أن هذا الطريق يحتاج إلى البراغماتية ودون الإجابة على “مخاوف العسكريين” لن يكون ممكنا تحقيق الانتقال.

وباعتراف عضو مجلس السيادة الانتقالي محمد حسن التعايشي بعد شهر واحد من توقيع السلام في اكتوبر العام الماضي فإن البلاد تعج بـ (11) جيشاً ولم يفصح التعايشي عن هذه الجيوش لكن أبرزها القوات المسلحة والدعم السريع وجماعات مسلحة في إقليم دارفور وولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان الى جانب مليشيات تابعة للنظام البائد.

ووصلت العاصمة السودانية عقب توقيع اتفاق السلام في أكتوبر الماضي نحو ثلاثة جيوش تتبع إلى حركة مناوي وحركة الطاهر حجر وحركة العدل والمساواة بزعامة جبريل إبراهيم علاوة على انتشار جماعة مسلح في العاصمة تحمل اسم “تمازج” ظهرت بشكل مفاجئ منذ نهاية العام الماضي.

كما تتواجد في العاصمة القوات المسلحة (الجيش السوداني) وقوات الدعم السريع لتحاط الخرطوم التي يقطنها نحو عشرة ملايين شخص بخمسة جيوش تقلق سكانها من وقوع صدامات مسلحة وفي يونيو الماضي ارتفعت وتيرة المخاوف عقب معلومات نشرتها وسائل إعلام حول وجود توترات بين الجيش السوداني والدعم السريع لدرجة رفع التحوط العسكري رغم نفيهما للمعلومات إلا أن خطاب رئيس الوزراء السوداني أقر بوجود “تشظي بين العسكريين” في إشارة الى خلافات الجيش والدعم السريع.

ماهي أبرز العقبات أمام تشكيل الجيش السوداني الموحد؟

غياب الخطة

وأطاح السودانيون بنظام الرئيس عمر البشير في 11 أبريل 2019 رغم ذلك لم تكن هناك إجابات متوفرة أو خطة سياسية لدى قادة الحراك حول تعدد الجيوش بل كانت ثمة تحالفات ما بين المدنيين المعارضين لنظام البشير والجماعات المسلحة في غربي البلاد والمنطقتين سرعان ما تحولت إلى توترات بسبب تقاسم السلطة.

محلل عسكري: هناك رغبة داخل الجيش لتكوين جيش موحد وإنهاء تعدد الجيوش لكن الجماعات المسلحة والدعم السريع تريد إعادة صياغة المؤسسة العسكرية وقد لا يسمح قادة كبار في الجيش السوداني بذلك خاصة مع امتلاكه استثمارات تقدر بمليارات الدولارات. وكان رئيس مجلس السيادة السوداني عبدالفتاح البرهان  أعلن في مارس الماضي  عن مشروع لإعادة هيكلة الجيش السوداني وقوات الدعم السريع وفقا لمتطلبات المرحلة الحالية والمستقبلية.

ويقول المحلل العسكري حسن إدريس، إن هيكلة الجيش ودمج الجماعات المسلحة بما فيها الدعم السريع يتطلب “خطوات سياسية جبارة ” لأن مجرد ترك هذه المهمة للعسكريين”ضعف سياسي غير مبرر”.

وأضاف إدريس لـ(عاين): “هناك رغبة داخل الجيش لتكوين جيش موحد وإنهاء تعدد الجيوش لكن الجماعات المسلحة والدعم السريع تريد إعادة صياغة المؤسسة العسكرية وقد لا يسمح قادة كبار في الجيش السوداني بذلك خاصة مع امتلاكه استثمارات تقدر بمليارات الدولارات هل سيكون مسموحا بدخول أعضاء جدد في النادي العسكري؟”.

وتابع: “قد تكون رؤية القادة العسكريين الكبار تذويب الجماعات المسلحة لكن في نفس الوقت قادة هذه الفصائل بما فيهم قادة الدعم السريع ذات التكوين العشائري لديهم مخاوف جدية يجب الإجابة عليها لأنهم إذا فقدوا قوتهم العسكرية تلقائيا يفقدون مواقعهم في السلطة”.

ورغم توقيع ميثاق الحرية والتغيير في ديسمبر 2018 بين قادة الحراك السلمي وتشكيل أكبر كتلة سياسية بين الأحزاب المعارضة لنظام البشير والتنظيمات المدنية وقادة التجمعات النقابية إلا ان الميثاق لم يكن متينا بما يسمح بتأثير سياسي كبير عقب الإطاحة بالبشير إذ فرض العسكريون تقاسم السلطة وفق المحادثات التي جرت في أغسطس 2019.

ثورة شاملة

ماهي أبرز العقبات أمام تشكيل الجيش السوداني الموحد؟محلل سياسي: رئيس الوزراء عبد الله حمدوك يواجه صعوبات في حفظ الأمن لأن التوترات القبلية والأمنية التي حدثت بعد توليه السلطة المدنية جعلته مضطرا للتنسيق مع العسكريين ويوضح حاتم يعقوب المحلل السياسي لـ(عاين) الثورة لم تكن جذرية أي لم تسمح بعودة الجيش الى قواعده العسكرية بل طلبوا قسمة السلطة مع المدنيين “والأدهى والأمر” أن إصلاح المؤسسة العسكرية تُرك للمكون العسكري وفق الوثيقة الدستورية بالتالي لا يحق للمدنيين التدخل لإصلاحها ناهيك عن تكوين جيش موحد.

ويشير يعقوب إلى أن رئيس الوزراء عبد الله حمدوك وجد الوضع مختلفا ويواجه صعوبات في حفظ الأمن لأن التوترات القبلية والأمنية التي حدثت بعد توليه السلطة المدنية جعلته مضطرا للتنسيق مع العسكريين بدلا من إصدار أوامر لوزراء الدفاع والداخلية يتولى العملية عبر التنسيق مع العسكريين.

بينما يقول المحلل العسكري حسن إدريس: “عندما تقع توترات أمنية في اي منطقة يلجأ حمدوك إلى العسكريين لحفظ الأمن رغم أنه من الطبيعي أن تبتدر وزارة الداخلية مهمة الاستقرار ومنع وقوع الانفلات والجريمة”. ويضيف إدريس : “هذه تركة ثقيلة جدا خلفها النظام البائد ويحتاج تفكيكها إلى العمل السلمي باللجوء الى الشارع لأن المدنيين لا يملكون حلا غير التظاهر السلمي للضغط على العسكريين كما حدث في الثلاثين من يونيو 2019”.

ويكفل الدستور الانتقالي الذي أبرمه المدنيون والعسكريون في أغسطس 2019 للمكون العسكري باختيار وزيري الداخلية والدفاع. وحينما يتعلق الأمر بالتنسيق الامني بين المدنيين والعسكريين يلجأ الطرفين إلى  مجلس الدفاع المشترك الذي يضم عسكريين ومسؤولين مدنيين لحل الإشكالات بين الجانبين ولدى مسؤولين في السلطة المدنية قناعة أن التنسيق لم يعد حلا لكبح الأزمات الامنية.

وأطلق رئيس الوزراء عبد الله حمدوك في منتصف يونيو الماضي مبادرة شملت سبعة بنود رئيسية أبرزها تشكيل جيش موحد وحذر حمدوك الذي عرف بالدبلوماسية الناعمة من حرب أهلية قد تطيح بالسودان نفسه وهو أول رد فعل شديد اللهجة لرئيس الوزراء منذ توليه السلطة المدنية قبل عامين.

ونقل مسؤول حكومي بمجلس الوزراء لـ(عاين) أن هناك ثلاثة أسباب رئيسية دفعت رئيس الوزراء إلى اطلاق المبادرة الأول تعدد الجيش لأنه شعر بأن البلاد نفسها على المحك ناهيك عن التحول الديمقراطي. وتابع المسؤول الذي اشترط حجب اسمه :”السبب الثاني تعدد مراكز العلاقات الخارجية والأخطر أن هناك مركزين يدير العسكريين عبرهما علاقات خارجية مع بعض الدول بالتالي فإن توحيد الجيش ينهي تعدد مراكز القرار في الدولة لأن الجيش الموحد يمتثل للدستور”.

وأضاف: “السبب الثالث لا يمكن معالجة الأزمة الاقتصادية دون توحيد الجيش وإصلاح المؤسسة العسكرية التي تضم وزارة الداخلية لأن تهريب موارد رئيسية كالذهب والمواشي يرهق الاقتصاد السوداني ويفقد مليارات الدولارات”. مسؤول حكومي: تكوين جيش موحد قد يضطر الحكومة لتعديل بعض البنود في الوثيقة الدستورية

وتابع: “رئيس الوزراء وصل إلى قناعة إلى أن عدم تكوين جيش موحد سيؤدي الى حرب اهلية وتفكك السودان ولذلك يدعم المجتمع الدولي مبادرة رئيس الوزراء وقد يتم فتح الوثيقة الدستورية لتعديل بعض البنود المتعلقة بوحدة الجيش والاصلاحات في المؤسسة العسكرية”.  ولفت المسؤول الحكومي إلى أن “تعديل الوثيقة الدستورية لتتواءم مع أهداف المبادرة أمر وارد جدا بالإضافة إلى تمتين عملية الترتيبات الأمنية وتوقيع السلام مع قادة حركتي الشعبية شمال وحركة جيش تحرير السودان (الحلو وعبد الواحد)”.

ماهي أبرز العقبات أمام تشكيل الجيش السوداني الموحد؟

مخاوف العسكريين

وأردف المسؤول الحكومي: “هناك مخاوف لدى العسكريين مثل قضية فض اعتصام القيادة العامة لكن في السياسة هناك براغماتية ومخارج نجاة مثل تشكيل لجنة وطنية للعدالة الانتقالية تقدم إجابات على مخاوف العسكريين”. وتُطرح مقترحات بالسير على تجارب بعض الدول الافريقية التي عانت من تعدد الجيوش والحرب الأهلية التي خاضتها المليشيات المدعومة من أطراف دولية.

خبير في فض النزاعات: أكثر ما يعقد الأمور عدم وجود “كتلة سياسية” تعمل للضغط على العسكريين لتشكيل جيش موحد من جهته، يقول خبير فض النزاعات بالأمم المتحدة عيسى حمودة لـ(عاين) عملت مع بعثة الأمم المتحدة في ليبريا هناك فظاعات اُرتكبت لكنهم تعافوا من خلال العدالة الانتقالية وعملية سياسية وفنية طويلة تمكنت من هيكلة جيشها النظامي”.

وأضاف حمودة: “إذا قررت الانتقام من قادة عسكريين كبار يتقاسمون السلطة معك فإنك تهدم المعبد فوق رأس الجميع هناك تنازلات مهمة بين الطرفين يجب أن تقدم وصولا إلى جيش موحد يحمي التحول الديمقراطي لا ينقض عليه”. ويرى حمودة أن أكثر ما يعقد الأمور عدم وجود “كتلة سياسية” تعمل للضغط على العسكريين لتشكيل جيش موحد مضيفا أن بعض السياسيين من تسلموا مقاليد السلطة خلفا لنظام البشير يتحركون لوراثة الحاضنة السياسية بوضع قادة الجيش في الكابينة مع اقتسام السلطة بين الطرفين تدوم فترات طويلة.

وأردف حمودة: “لاتوجد رغبة لـ تشكيل الجيش الموحد بين الطرفين بل توجد رغبة للاحتفاظ بالسلطة اطول فترة ممكنة وهذا الأمر شعر به رئيس الوزراء ويتحصن بالمبادرة للالتفات على الوثيقة الدستورية المعيبة”.

ماهي أبرز العقبات أمام تشكيل الجيش السوداني الموحد؟

جبهة مدنية موسعة

لكن عضو من الشق المدني في مجلس السيادة الانتقالي يؤكد أن المدنيين في “السيادة”  نقاش مستمر بشأن هيكلة القوات العسكرية وتشكيل جيش موحد قبل نهاية الفترة الانتقالية كلما سنحت الفرصة قائلا : “لا يمكن تنظيم انتخابات في ظل تعدد الجيوش”. ويوضح العضو مشترطا حجب اسمه لحساسية الأمر في تصريح لـ(عاين) تشكيل جيش موحد أمر حتمي وضروري لكن أكثر ما يعقد الأمر انقسام المدنيين أنفسهم بالتالي دون تكوين جبهة مدنية موسعة لا يمكن بناء الجيش الموحد.

وتابع بالقول: “سأكون أكثر شفافية هناك رغبة داخل الجيش لتوحيد القوات المسلحة لكن بأي صيغة هذا ما نحاول معرفته لكن في نفس الوقت نحتاج معرفة تفاصيل اخرى حول موقف المدنيين وحول مبادرة رئيس الوزراء وكيفية تنفيذها على الأرض”. وأضاف: “هناك خلل ايضا داخل المجموعات المدنية التي تحالفت للإطاحة بالنظام البائد وسرعان ما انقسمت”. وتابع: “التنسيق بين المدنيين في السلطة والحاضنة السياسية متعطل ولا توجد تفاهمات ولو من الحد الأدنى واذا لم تحدث هذه الأمور لا يمكن الحديث عن بناء جيش موحد”.