(عاين) تكشف تفاصيل صادمة حول سرقة قاعدة يوناميد بدارفور
6 يناير 2022
حتى نهار الأمس تصطرع جيوش متعددة بمدينة الفاشر في ولاية شمال دارفور حول الأصول التي تركتها البعثة المنسحبة والمشتركة بين الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة لحفظ السلام في دارفور “يوناميد” على أثر عمليات النهب المستمرة منذ وقت للاصول وسط اتهامات طالت القوات النظامية الحكومية وقادة الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق سلام جوبا.
ودارت مواجهات مسلحة السبت بين قوات مشتركة مسؤولة عن حماية قاعدة يوناميد ومجموعة مسلحة بمقر بعثة الأمم المتحدة والاتحاد الافريقي السابق بالفاشر، ما أدى لسقوط 4 قتلى من الطرفين وإصابة آخرين.
وكان مجلس الأمن الدولي أنهى في ديسمبر من العام الماضي ولاية العملية المختلطة للاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة في دارفور(يوناميد)، بعد مرور أكثر من عشر سنوات على نشر البعثة المختلطة، بهدف حماية المدنيين في إقليم دارفور ، الذي شهدا نزاعا مسلحا بين الحكومة والجماعات المسلحة، أسفر عن مقتل الآلاف وتشريد الملايين من سكان الإقليم.
وقبل خروجها النهائي سلمت البعثة جميع المواقع إلى حكومة السودان، ولكن بعد عمليات النهب التي تعرضت لها عدد من المرافق عقب تسليمها، شرعت البعثة في ترحيل الا شياء القيمة إلى رئاسة البعثة بالفاشر حتى لا يتم نهبها.
وبحسب وثيقة التسليم والتسلم التي وقعت بين حكومة السودان والبعثة، أن تخصص الاصول الثابتة والمتحركة المهداة للسودان بعد الخروج النهائي لـ”اليوناميد” في الاغراض المدنية لرفع قدرات المجتمع.
شاهد يروي
“قضينا في مدينة الفاشر مدة شهر لإقناع الحركات المسلحة والقوات الأمنية بتحويل حصص الولايات من مقر اليوناميد، لكنهم كانوا يرفضون باستمرار هذه الخطوة، واشترطوا للموافقة منحهم 18 مركبة لفك الحصار المفروض على الأصول الممنوحة للولايات”. يقول مسؤول في اللجنة الحكومية لتوزيع أصول يوناميد على حكومات ولايات دارفور لـ(عاين).
ويقول المسؤول الحكومي الذي فضل حجب اسمه في شهادته على أكبر عملية نهب تمت لأصول بعثة يوناميد في شهر ديسمبر الفائت، أن “مندوبو الولايات رفضوا مقترح منح السيارات للقوات النظامية وكان مبررهم في ذلك أن الأمم المتحدة اشترطت استخدام اصولها فقط في الأغراض المدنية”.
ويشير المسؤول الذي فضل حجب اسمه، أن حاكم إقليم دافور المكلف محمد عيسى عليو قال بالنص :” ليس أمامنا حلا سوى قبول طلب القوات الأمنية موضحاً عدم قدرتهم إلزام العسكريين بالتراجع عن قرارهم”. وأضاف :” قمنا بتخصيص 18 سيارة لـ” الجيش، والشرطة، والدعم السريع، وفصائل الحركات المسلحة”، ووافقوا على هذا العرض وسمحوا لنا بالبدء في إجراءات تقسيم الأصول، و عندما فرغنا من توزيع حصص الولايات وفقاً لمسودة الاتفاق المبرم بين البعثة المشتركة والحكومة السودانية، شرعت وفود ولايات دارفور الخمس في تحريك سياراتها وشحن مقتنياتها قبيل ساعات من مغادرتها الفاشر ، في الأثناء قامت قوات الدعم السريع بأخذ سيارتين بالقوة”.
بعد هذه الحادثة وفقا – للمسؤول الحكومي- لم يمض ليحضر ضابط من قوات تجمع قوى تحرير السودان التي يقودها الطاهر حجر عضو مجلس السيادة وقام بتهديد المسؤولين المدنيين وأمرهم بعدم تحريك عدد من السيارات وبعدها قامت قوات من الدعم السريع بنفس الخطوة مجدداً.
ولفت إلى أن حاكم ولاية شمال دارفور، نمر عبدالرحمن، حضر إلى مقر البعثة بعد لحظات من تبليغه بالحادثة ليعقد اجتماع طارئ مع مندوبي الولايات، وفي تمام الساعة الخامسة عصرا بدأ إطلاق الرصاص من قبل القوات الموجودة بالموقع ليقتحم احد العسكرين الاجتماع قائلاً ” لقد تمت سرقة جميع السيارات “.
بعدها وبحسب شهادة المسؤول الحكومي، أمر الوالي القوات النظامية بإغلاق جميع البوابات إلا أنها رفضت الانصياع لأوامره ليستمر نهب الاصول وسط إطلاق كثيف لانواع مختلفة من الاسلحة الثقيلة مما اضطر الوالي لمغادرة الموقع، ومن خلفه المسؤولين المدنيين.
لحظة خروجنا ليلا من مقر البعثة بأمر من قاعدة الفرقة السادسة التي تتبع للقوات المسلحة شاهدنا تجمهر لعدد من السيارات العسكرية أمام بوابة قاعدة اليوناميد متجه إلى الداخل للمشاركة في عملية النهب واستمرت هذه العمليات لمدة ثلاثة ايام قضوا تقريباً على جميع الاصول الموجودة وقاموا بحرق عدد من الحاويات”.
ويقول مصدر عسكري ضمن القوات الأمنية الموجودة بمقر اليوناميد لـ(عاين)، إن عمليات إطلاق الرصاص التي صاحبت عمليات النهب قصدت بها كل مجموعة عسكرية قامت بحجز عدد من السيارات، والاصول المجودة ، عدم إقتراب أحد منها حتى تتمكن من الهرب باكبر قدر من المقتنيات .
حجم الأصول
في وقت لاحق قامت اللجنة المكونة من مبعوثي حكام ولايات دارفور الخمس برفع تقرير يحوي تفاصيل الواقعة إلى الولاة، تحصلت (عاين) على نسخة منه، وبحسب التقرير تم نهب حزمة دعم الولايات من أصول اليوناميد تحت تهديد السلاح من قبل القوات الأمنية والحركات المسلحة بالفاشر متهماً قوات الدعم السريع بإحداث فوضى وإطلاق الاعيرة النارية لينتهي الامر بنهب الاصول، وايضاً ذكر التقرير أن اللجنة فقدت “7” من السيارات وعدد من المولدات قبل البدء في عملية التوزيع.
وقال مصدر بالسلطات المحلية لـ (عاين) أن قوات الدعم السريع قامت بتخزين عدد من السيارات المنهوبة بمعسكرها بحي المصانع ” دار المنهل ” شرق الفاشر، إضافة إلى مجموعات عسكرية اخرى تحتفظ بمركبات ومقتنيات داخل معسكراتها، والأحياء السكنية.
وفي 15 ديسمبر من العام الماضي قام ” فريق عمل تسريع إجراءات خروج اليوناميد ” الذي يتبع لمجلس الوزراء بمعاينة وحصر جميع الاصول بقاعدة البعثة بالفاشر وبحضور قيادات اليوناميد حيث اوضح التقرير الذي تحصلت عليه (عاين) أن المقتنيات تشمل ثلاثة فئات رئيسة ” المركبات، المولدات، الحاويات العامة ” ، وحدد التقرير وجود 200 من المركبات المختلفة اضافة الى 73 من صناديق الشاحنات وآليات نقل المواد السائلة ” تانكر” ، إضافة إلى 68 محطة تزويد وقود متحركة ، بجانب 106 مولد كهربائي، وايضاً 300 حاوية محملة بأنواع مختلفة من ” قطاع غيار السيارات، معدات الصالات الرياضية ، والأثاث المكتبي والمطبخ بجانب مواد اخرى.”
منظومة الصناعات الدفاعية
يفيد مصدر مسؤول بأن منظومة الصناعات الدفاعية التابعة للجيش السوداني تسلمت وحدة هندسية متكاملة من الفريق الصيني المشارك في البعثة ، وتتكون الوحدة بحسب المصدر الذي تحدثت له (عاين)، من” آليات حفر ، آليات تشييد الطرق والمباني وعدد من الآليات الثقيلة الاخرى تم نقلها إلى الخرطوم.
وقال أحد الحكام السابقين بإقيم دارفور فضل حجب اسمه لـ(عاين) إنه في اكتوبر من العام الماضي توجه بسؤال إلى رئيس مجلس السيادة الجنرال عبد الفتاح البرهان عن مصير الوحدة الهندسية التي تم تسليمها إلى الجيش. واضاف، أن البرهان أخبره بأن الآليات تم تقسيمها مع حاكم إقليم دارفور مني اركو مناوي، وتواصلت (عاين) مع مبعوث مناوي بملف اليوناميد عبد الباقي اسماعيل الذي رد باقتضاب: ” هذه معلومات مغلوطة “.
إجراءات الاسترداد
اتخذت السلطات بشمال دارفور عدد من الإجراءات لاسترداد الأصول التي نهبتها القوات الأمنية والحركات المسلحة حيث شملت الاجراءات تفتيش المنازل وملاحقة المشتبه بهم، واعلن حاكم شمال دارفور نمر عبدالرحمن أن القوات التي شكلها قامت باسترجاع بعض الممتلكات في وقت أعلنت فيه حركتي جيش تحرير السودان بقيادة مناوي والعدل والمساواة بقيادة جبريل ابراهيم تمكنهم من استعادة عدد 15 مركبة .
وتشير متابعات (عاين) إلى أنه في شهر ديسمبر الماضي اعتدت نفس القوات على قاعدة اليوناميد الجزء الشمالي الذي تم تسليمه إلى حكومة شمال دارفور وقامت بنهب عدد من الأصول، وفي وقت لاحق قامت السلطات بتفتيش ثكنات الجيش وضبطت عدد من المسروقات لكن لم يتم تقديم المتهمين إلى العدالة بعد .
وفي العاشر من يناير الفائت قامت ذات القوات المختلطة “القوات المسلحة، قوات الدعم السريع، والحركات المسلحة التي وقعت على إتفاق السلام” بالتعدي مجدداً على بقية الأصول وقضت عليها في حضور جميع قيادتهم العسكرية وحاكم إقليم دارفور المكلف محمد عيسى عليو إضافة إلى والي شمال دارفور.
وكانت قوات “اليوناميد” منتشرة في 35 موقعاً في محليات ولايات دارفور المختلفة، إلى أن صدر القرار “2559 ” من مجلس الأمن القاضي بإنهاء مهام البعثة في 31 ديسمبر من العام 2021 ، حيث سلمت “اليوناميد” كميات كبيرة من الأصول في جميع المواقع لحكومة السودان، وشملت الأصول مباني سكنية، مستشفيات مجهزة، ناقلات، سيارات دفع رباعي، مولدات، محطات وقود، ومواد اخرى تقدر بملايين الدولارات .
وتنقسم أصول “اليوناميد” في دارفور إلى قسمين ممتلكات تتبع للأمم المتحدة وبعثات الدول المشاركة في فريق حفظ السلام، وممتلكات تعتبر هدية من البعثة لحكومة السودان.