عودة الاعتقالات في السودان.. مؤشر تعثر دولة القانون
عاين – 18 – أغسطس 2020م
أثارت الاعتقالات الاخيرة التي قامت بها بعض الاجهزة الامنية في عدد من مناطق البلاد، سخط الكثيرون، واعتبروه انتهاكا صارخا للوثيقة الدستورية التي أعطت حق تنفيذ أوامر الاعتقال للنائب العام فقط، يرى متابعون أن مثل هذا الاتجاه قد يضر بوثيقة الحقوق والحريات، وأن ممارسة الاجهزة النظامية لاعتقال المعارضين لحكومة الفترة الانتقالية وغيرهم، لا يمثل شعارات الثورة التي أسقطت النظام السابق الذي كان يمارس نفس أساليب القمع وتكميم الأفواه للمعارضين له.
بينما كشف تقرير صادم ان الاستخبارات العسكرية و قوات الدعم السريع قامت في شهر اغسطس بعمليات اعتقال واسعة النطاق، وإخفاء قسري لناشطين ومعارضين. وانتقدت هيئة محامي دارفور اعتقال المحامي مدني علي عبدالرحمن علي يد أجهزة حكومية بولاية شمال دارفور، جراء الاحداث التي جرت في منطقتي كتم وفتابرنو شهر يوليو الماضي، مؤكدة وجود انتهاكات بحق المعتقلين من محلية كتم، مورست بواسطة اجهزة الولاية العليا. أيضا من أبرز السياسيين الذين اعتقلتهم قوات الدعم السريع، عمار السجاد، القيادي في حزب المؤتمر الشعبي المعارض، بتهمة الاتجار بالنقد الأجنبي، ونفس القوات اعتقلت عضو اللجنة التنسيقية العليا لقبيلة المحاميد بالسودان، عيسي جودة بعبوش، وأطلق سراحه بعد أسبوعين.
كذلك، قامت القوات الامنية بولاية جنوب دارفور، باعتقال ناشطين ومواطنين بمحلية كاس، وان الاعتقال طال11 شخصا، أغلبهم أعضاء في لجان المقاومة وناشطين، وابرزهم عضو لجان المقاومة محمدين كير، خالد بوش، اسماعيل سومة، وعبدالرزاق زرقة، وأن اوامر الاعتقال جاءت مباشرة من والي جنوب دارفور الجديد موسي مهدي. ونفى قائد قطاع نيالا بقوات الدعم السريع، العميد عبدالرحمن جمعة اعتقال قواته افراد من قبيلة الفلاتة، وقد كشف جمعة القى القبض عليهم بناء على اوامر صادرة من النيابة، نفذتها قوة مشتركة من الجيش والدعم السريع والشرطة.
خلط المهام الأمنية
إلى ذلك، يؤكد المحامي عبدالباسط الحاج عضو هيئة محامي دارفور، أن سبب الاعتقالات هو عدم انسجام الأجهزة الأمنية مع بعضها البعض، حيث تعمل كل هذه الأجهزة بشكل منفصل، هذا بدوره يؤثر في تحقيق القانون، لذلك تتقاطع الاختصاصات مع بعضها دون أي مبرر، كما ان بعض هذه الأجهزة تقوم بعمل غير منوط بها، و يضيف على سبيل المثال، أن قوات الدعم السريع او الجيش لها مهام محددة وفق الوثيقة الدستورية متعلقة بحماية البلاد و حفظ السيادة الوطنية،أما الأمن الداخلي فهو مسؤولية الشرطة وأجهزة تنفيذ القانون إذ لا تتدخل المؤسسة العسكرية إلا في ظروف ضيقة جدا، لكن ان تقوم المؤسسة العسكرية بعمل الشرطة و أجهزة تنفيذ القانون فهذا الأمر خطير جدا، يؤدي إلى تكريس سلطات متعددة في مؤسسة واحدة، وجهاز واحد يقود مباشرة إلى الديكتاتورية والاستبداد، ثم إهدار حقوق المواطنين و خرق القانون.
ويشير عبدالباسط، السبب وراء تكرار الاعتقالات من هذه الاجهزة الامنية، انه غياب الرقابة و الفراغ التشريعي الذي تعيشه البلاد، وتسير الحكومة الانتقالية أعمالها دون سلطة تشريعية، هي تقوم بدور أساسي في الحكومات الديمقراطية، وهو الدور الرقابي للسلطة التنفيذية والقضائية ، ويوضح أن هذا الفراغ ملئ بمنح صلاحيات السلطة التشريعية للجهاز التنفيذي و المجلس السيادي.
ويقول عبد الباسط لـ(عاين)، “هذا أمر في غاية الخطورة، وانه من غير الممكن نظريا أن يقوم الجهاز التنفيذي نفسه بمراقبة أعماله كسلطة تشريعية، هذا الفراغ جعل السلطة التنفيذية والأجهزة الأمنية الثلاثة تمارس خروقات كثيرة و متعددة دون رقابة رسمية موجهة لها أو دون مسائلة و محاسبة لذلك سيكون الأمر معقدا، لأن الطبيعي أن تكون هنالك سلطة يخضع لها الجهاز التنفيذ بأكمله و يحول دون تخول للسلطات والصلاحيات الممنوحة للسلطات الثلاث في الدولة.”
يرى عبدالباسط يكون هنالك سبب آخر وراء هذه الاعتقالات غير القانونية والدستورية، متعلق بعدم هيكلة هذه القوات بالشكل المطلوب حتى تكون متوافقة مع أهداف الفترة الانتقالية بشكل كامل، يطالب المحامي أن تعاد هيكلة كل هذه القوات، وتهيئتها لتقوم بمهامها في الفترة الانتقالية، و ما بعدها ثم إعداد أجهزة أمنية مهنية وطنية مستقلة في مستقبل البلاد.
تعثر دولة القانون
يقول القيادي في قوى الحرية والتغيير خالد بحر الاعتقالات ان التي قامت بها بعض الأجهزة الأمنية، في بعض الولايات هي مؤشر سيئ لتعثر دولة القانون التي دشنتها ثورة ديسمبر، ويؤكد على ضرورة المطلب العملي الذي رفعه الثوار بضرورة هيكلة المؤسسة الأمنية لتتوافق مع المرحلة المفصلية التي يمر بها السودان.
ويضيف بحر “هذه الاعتقالات تضع تحدي كبير أمام الولاة المدنيين في الولايات، باعتبار الوالي وبحكم القانون هو رئيس اللجنة الأمنية في الولاية، والمشرف بشكل أساسي على كل المنظومة الأمنية، وكذلك يطالب أن ترتقي الأجهزة الأمنية، سواء كانت قوات مسلحة أو دعم سريع أو شرطة إلى مستوى التحولات التي حدثت، من خلال توجيه منتسبيهم بضرورة الالتزام بالقانون الذي يمنع اعتقال إي مواطن بدون وجه حق، يرى أن هذه الاعتقالات من شأنها أن تشيع جو من الإحباط و الإصطفافات بين المواطنين في الولايات.”
ويقر خالد بالضعف قوى التغيير في حفاظها على مكتسبات ثورة ديسمبر، واكتفائها بلعب دور المراقب عبر بيانات الشجب والإدانة، عوضا عن أن تقوم بدورها الحقيقي كحاضنة سياسية تشارك في وضع السياسات التي تحفظ حقوق المواطن التي وردت في الوثيقة الدستورية.
اعتقالات بعضها مشروع
اما المحامي والمدافع عن حقوق الانسان، عيسى كمبل، يشير إلى أن الوثيقة الدستورية، كفلت كل الحقوق والحريات العامة للشعب، وحددت وسائل الاعتقال، أن يكون وفقا للقانون، ويوضح أن تكون هناك جريمة مسبقة، ويصدر أمر الاعتقال من النائب العام، وأن يتمتع المعتقل بكافة الحقوق، من تكليف المحامين، والزيارات، ويكون المعتقل يعرف جرمه، ويتم وضعه في حراسات الشرطة، لحين الإفراج عنه بالضمان او توجه له المحاكمة، يشير اذا كانت هناك جهة تقوم باعتقال الأفراد، بواجهات أخرى، من غير اجراءات النائب العام، وقانون الإجراءات الجنائية، هذا الاعتقال ضد القانون والدستور، يؤكد لـ(عاين)، “أن القانون يحرم هذه الممارسات، يعتبر الاعتقال غير مشروع، أي طرف غير النائب العام، يعتبر اعتقال غير مشروعا، ويشكل هذا الفعل جريمة.
وأوضح عيسى، ان بعض المعتقلين الموجودين الآن، أنهم قادة النظام السابق، واعتقالهم ليس سياسيا، بسبب جرائم ارتكبت في فترة حكمهم، وأنهم يتمتعون بكافة الحقوق القانونية، في حقيقة الأمر، وجهت إليهم الاتهامات من قبل النيابة العامة، وموجودين في المعتقلات المشروعة، مثل الشرطة والسجون، وليست معتقلات سرية، وبيوت اشباح وليست معتقلات ليلية، في السابق كان يعتقل الفرد من دون اخباره بالجرم الذي ارتكبه في العهد البائد، الان المعتقلات أصبحت قانونية.
تحديات الانتقال
يرى المحلل السياسي عبدالله ادم خاطر أن السودان الآن يحكم ببنود الاتفاق السياسي والوثيقة الدستورية، التي تضمن حرية التعبير للجميع، سواء حرية الكتابة أو التجمع، وكل وسائل التجمع السلمية، ويضيف عبدالله لـ(عاين) ان حق اعتقال الافراد منصوص عليه في الوثيقة الدستورية، بيد النائب العام وحده، باعتباره الجهة القانونية التي لها حق إصدار تلك الأوامر.
ويضيف عبدالله، ان السودان الآن يشهد تحولا ديمقراطيا بعد سنوات من القمع وتكميم الأفواه، ويعترف ان يواجه صعوبات كثيرة في هذه الفترة الحرجة من تاريخه المعاصر وعملية التحول الديمقراطي التي يشهدها، يؤكد ان الدعم السريع بامكانه ان يعتقل افراده في إطار التنظيم العسكري القانوني المتعلق به فقط، ويوضح لا يحق لقوات الدعم السريع او غيرها من القوات أن تقوم بأي عملية اعتقال لأي شخص، باعتبار ذلك يخالف القانون والدستور.