“رِدة قانونية”.. الانقلابيون يتراجعون عن محاكمات الاسلاميين  

 3 سبتمبر  2022

تشهد الساحة القانونية بعد الانقلاب العسكري في 25 أكتوبر الماضي، تراجعا كبيرا فيما يتعلق بملفات محاكمات رموز  النظام المخلوع من تعطيل الملفات وتأجيل الجلسات، إلى جانب العودة المتزايدة لمفصولي لجنة إزالة التمكين، ما يشير لظهور معالم الردة بشكل واضح على كل المستويات.

وكان  المدعي العام للمحكمة الجنائية أعلن عن إبلاغه لمجلس الأمن الدولي في جلسة لمناقشة تقريره ال 35 بشأن الأنشطة التي قام بها خلال الفترة من يناير وحتى أغسطس الحالي، برفض السلطات السودانية متمثلة في المجلس الإنقلابي، وصول محققي المحكمة إلى الرئيس المخلوع البشير، ووصف السلطات بغير المتعاونة في الملف.

ونقلت صحف محلية عن حراك في المحكمة العليا بسحب عدد من ملفات محاكمات البشير ورموز النظام المخلوع، علي عثمان، والفاتح عز الدين، في بلاغات قتل المتظاهرين، بجانب سحب ملف قضية الأمن الشعبي من أمام محكمة الموضوع التي أجلت كل الجلسات إلى حين صدور قرار من المحكمة العليا.

وفي العادة تسحب المحكمة العليا ملفات القضايا من أمام محاكم الموضوع في حال وجود طعن أو قضية خلافية بين الطرفين، حيث قدمت هيئة الاتهام طعنا في التقرير المقدم من هيئة دفاع البشير الخاص بحالته الصحية والداعي لعدم حضوره جلسات المحاكمة.

ماذا يدور في المحكمة العليا؟!

كما شهدت الفترة الماضية، عودة متواصلة لمفصولي لجنة إزالة التمكين من الخدمة العامة، وصلت إلى آلاف الأفراد منذ 25 اكتوبر الماضي وحتى الوقت الراهن، بجانب عودة مؤسسات مملوكة لقياديين بارزين في نظام الإنقاذ وفك تجميد حسابات لرموز النظام البائد تم نزعها بواسطة لجنة تفكيك التمكين المجمدة، وتم الفصل في أغلب القرارات في الأشهر القليلة الماضية من العام الجاري، بعد عدد كبير من الطعونات المقدمة للمحكمة العليا، ما دعاها لتشكيل لجنة خاصة للنظر في الطعون، وتقوم بدورها بإصدار قرارات لصالح المتظلمين.

وجدي صالح: تم استرداد ما يصل إلى مليار دولار خلال فترة عمليات لجنة التفكيك – وقد عادت جميعها الآن إلى من استولوا عليها.

وبحسب القيادي السابق في لجنة التفكيك والناطق الرسمي باسم قوى الحرية والتغيير – المجلس المركزي – وجدي صالح، فإن أحد الأسباب الجوهرية للانقلاب كان إيقاف عمليات لجنة التفكيك والتأكد من إعادة الأموال المضبوطة إلى أعضاء النظام السابق. في حين أن تقديرًا تقريبيًا ، يعتقد صالح أنه تم استرداد ما يصل إلى مليار دولار خلال فترة عمليات لجنة التفكيك – وقد عادت جميعها الآن إلى من استولوا عليها.

وجدي صالح: أحد الأسباب الجوهرية للانقلاب كان إيقاف عمليات لجنة التفكيك والتأكد من إعادة الأموال المضبوطة إلى أعضاء النظام السابق.

يقول صالح في مقابلة مع (عاين)، إن “جميع موظفي الخدمة المدنية التابعين لحزب المؤتمر الوطني البالغ عددهم 135 ألفاً قد عادوا إلى مناصبهم – حتى إلى الأجهزة الأمنية. وقال صالح إن 6000 من هذا العدد من الإسلاميين المتطرفين”.

وكشفت مصادر لـ(عاين) أن سبب نشاط المحكمة العليا المضاد للثورة مؤخرا، وجود دائرة قضائية خاصة برئاسة القاضي المعروف بأبو سبيحة، والمنتمي للنظام البائد، تسلم آلاف الطعون المباشرة منذ الإنقلاب وحتى الآن ليفصل فيها لصالح المتظلمين.

استحالة العدالة

ويقول الناطق الرسمي لهيئة الاتهام في البلاغات ضد الرئيس المخلوع عمر البشير المتعلقة بانقلاب 1989، المحامي المعز حضرة لـ(عاين)، إن القضية بدأت بشكل جيد ولكن المماطلات من هيئة الدفاع والطلبات غير القانونية مع تماهي القضاء عطلت الملف، وكشف أن هيئة الدفاع قدمت طلبات متكررة للقضاء بتغيير هيئة الاتهام بعد انقلاب 25 أكتوبر.

محام: كل الأجهزة العدلية أصبحت في يد قوى النظام البائد حتى الذين فصلتهم لجنة تفكيك التمكين،

 ووصف حضرة، كل ما يحدث من هيئة الدفاع ومكونات السلطة القضائية بمحاولة تعطيل القضية، وزاد: ” كل الأجهزة العدلية أصبحت في يد قوى النظام البائد حتى الذين فصلتهم لجنة تفكيك التمكين، ولا نستطيع أن نحلم بعدالة حقيقية إلا بذهاب الإنقلاب وتحرير الأجهزة العدلية والقانونية من فلول النظام البائد”

وتعليقا على نشاط المحكمة العليا مؤخرا، أوضح حضرة أن المشكلة ليست في المحكمة العليا فقط وإنما في كل النظام القضائي في السودان، لافتا إلى غياب المحكمة الدستورية ومفوضية مكافحة الفساد ومجلس القضاء، ونبه إلى أن ذلك سمح بمبدأ الإفلات من العقاب، منوها إلى أن الانقلاب قضى على كل الآمال بإنجاز الإصلاح القضائي في السودان.

 وأشار معز إلى أن رفض السلطة الانقلابية لطلب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية بمقابلة البشير، سيقود إلى عواقب وخيمة تعيد السودان إلى الحظر من المجتمع الدولي والإنغلاق مرة أخرى، ونبه لخطورة اتخاذ مجلس الأمن لقرارات تحت البند السابع يدفع ثمنها المواطن، وتابع :” الجهاز القضائي والعدلي من قضاء وشرطة ونيابة يحتاج إلى تعديل وتبديل كامل وليس إصلاح”

الاستخفاف بالقانون

من جانبه وصف رئيس هيئة الاتهام في الحق الخاص في بلاغ مقتل متظاهرين، المحامي وائل علي سعيد في حديثه لـ(عاين)، نشاط الدائرة القضائية الخاصة بالمحكمة العليا برئاسة القاضي أبو سبيحة الذي يقود الهجمة القانونية على مكتسبات الثورة، بالاستخفاف بالقانون والعدالة، ونبه أن كل ما تقوم به الدائرة القضائية المذكورة غير قانوني، حيث شرح أن النظر في الدعاوى من قبل الدائرة التي شكلتها رئيسة القضاء السابقة نعمات عبد الله، لا يجب أن يكون مكفولا ما لم يتم عبور الدعوى لمحكمة الاستئناف وصدور قرار فيها وهو ما لا يتم في حالة دائرة القاضي أبوسبيحة، ورغم أن مهمة الدائرة القضائية الخاصة كانت النظر في الطعون المقدمة من مفصولي لجنة تفكيك التمكين، إلا أن المسار القانوني السليم يتطلب مرورها بمحكمة الإستئناف.

مدرعة تحاول دهس المتظاهرين -شارع المطار 11 اغسطس 2022

 وأوضح سعيد،  أن كل نشاط الدائرة الخاصة مؤخرا غير قانوني نسبة لاحتكامه للقانون الإداري الذي لا تربطه بعلاقة نظرا للمهمة المشكلة لشأنها الدائرة وكان يجب أن ترفض تلك الدعاوى شكلا لعدم كونها جهة الإختصاص، مؤكدا أن ذلك ديدن سلطات الإنقاذ البائدة وطرقها في لي عنق القانون للمحافظة على الثروات التي بدأوا بإعادتها.

وأبان المحامي المعز حضرة، أن الردة على المستوى القانوني، بدأت مباشرة بعد انقلاب 25 أكتوبر بفرض حالة الطوارئ التي ما زالت فاعلة رغم إلغائها، مشيرا لظواهر انتهاك حرمات البيوت وتزايد حالات القتل خارج القانون وعدم رفع الحصانات ، واستنكر عودة كل فلول النظام البائد للنيابة العامة، وقال إن مستوى السوء في المجال القانوني وصل مرحلة بعيدة في انتهاك حقوق الإنسان لم يصلها حتى أيام حكومة الرئيس المخلوع، ودلل على ذلك بحالة الانفلات الأمني الذي حمل مسؤوليته للمجلس العسكري الذي فشل في صيانة أمن المواطن.

فيما يؤكد وائل علي سعيد،  أن أحد أهم مهام الإنقلاب هي قطع الطريق على كل ما تم بعد الثورة من قضايا العدالة من محاربة الفساد ومحاكمة القتلة وتعطيل الاتفاقيات الدولية التي وقع عليها السودان من مناهضة التعذيب  والإخفاء القسري والحريات النقابية، واعتبر ذلك عودة للمربع الأول لحكم الحركة الإسلامية وحاضنة المخلوع البشير.

تجاوز آخر

وكشف سعيد، أن أول مظاهر الردة القانونية التي حدثت بعد الإنقلاب، كان رفع البلاغ الخاص بمقتل متظاهرين إلى محكمة خاصة مباشرة بدون التحري مع الشاكي من أولياء الدم، وأوضح أنهم كهيئة اتهام تدرجوا في طلبات الاستئناف وصولا لمحكمة  الاستئناف بإرجاع البلاغ للتحري ولكنها رفضت، ورأى أن المؤشرات الحالية تقود لتسريع إجراءات المحاكمة بحيث تتحقق محاكمتهم وإطلاق سراحهم.

وأكد وائل، أن كل ما يحدث الآن، نتاج طبيعي للإنقلاب في 25 أكتوبر الماضي، والذي يعتبره كامل الأركان في مساعيه للعودة للنظام الإسلامي الذي حكم ل30 عاما بذات النهج في التجاوزات القانونية، وقطع أنهم كقانونيين مستمرين في مصارعة كل أشكال التجاوزات ومظاهر الردة البائنة في القوانين.

عجز النائب العام

واستنكر سعيد، عدم قدرة النائب العام على ممارسة سلطاته لكونه مكلفا، وكشف أن النائب العام عاجز عن استخدام سلطاته النيابية في ظل التجاوزات الحالية ويقف موقف المحامين العاديين في النظر لتلك التجاوزات دون قدرة على التأثير، مشيرا في ذلك لقضية معتقلي زالنجي المحتجزين دون وجه حق.