رحلات علاج قاسية للمرضى بكردفان ودارفور و وبعضهم يفقد الأمل
عاين- 27 ديسمبر 2023
كاد “حسن إبراهيم” يكمل جرعات علاج مرض السرطان في مستشفى ود مدني وسط السودان، التي وصل إليها من مدينة نيالا غربي البلاد باحثاً عن العلاج، حتى لاحقته المعارك، وأجبرته على التوقف والعودة مجدداً إلى دارفور، رغم علمه بتدمير المستشفيات هناك منذ الأشهر الأولى لاندلاع المواجهات بين الجيش وقوات الدعم السريع في أبريل الماضي.
ويعيش آلاف المدنيين في إقليم دارفور غربي السودان تحت وطأة مأساة انهيار النظام الصحي، في ظل تدفق مئات المرضى العائدين من مستشفيات مدن ود مدني، وسنار والنيل الأبيض في أعقاب تمدد المواجهات المسلحة بين الطرفين إلى إقليم وسط السودان الأسبوع قبل الماضي.
ومنذ انهيار القطاع الصحي في العاصمة السودانية الخرطوم جراء الحرب، أصبحت مدينة “ود مدني” الوجهة الوحيدة للمرضى من كل أنحاء السودان، وذلك بعد تأسيس وتأهيل مراكز علاجية ذات تخصصية دقيقة مثل الأورام السرطانية وجراحة القلب والمخ والأعصاب.
إلا أن تمدد القتال إلى ولاية الجزيرة فاقم من معاناة المرضى، وأجبرهم على الهرب إلى مناطق آمنة، ومواجهتهم مصيراً مجهولاً في ظل عدم وجود مراكز تخصصية بديلة في ولايات السودان الأخرى يمكن أن تقدم الخدمة الطبية المطلوبة، في وقت قرر مئات المرضى العودة إلى دارفور.
مأساة أخرى
ويشير يوسف إبراهيم، وهو المرافق لشقيقه “حسن” الذي يعاني مرض السرطان في مقابلة مع (عاين)، إلى أنهم وصلوا قبل ثلاثة أشهر في رحلة معاناة قاسية محفوفة بالمخاطر الأمنية برفقة شقيقه بحثاً عن العلاج في مستشفيات “ود مدني” بعد أن دمرت الحرب المرافق العلاجية في دارفور.
واضطرت المواجهات بين الطرفين الآلاف من ذوي المرضى العالقين من أمثال يوسف إبراهيم إلى اتخاذ قرار حمل مرضاهم في رحلات مأساوية أخرى من ولايات الجزيرة، وسنار والنيل الأبيض إلى دارفور، بعد أن فقدوا الأمل في السفر إلى وجهة جديدة لمواصلة العلاج نسبة لإمكانياتهم المالية المحدودة.
الأسبوع الماضي، قالت الأمم المتحدة “إن النظام الصحي في السودان على حافة الانهيار مع خروج 70% من المستشفيات عن الخدمة في مناطق القتال و اكتظاظ المراكز الصحية في المناطق التي لم يمتد إليها القتال بالنازحين”.
وفي ولاية وسط دارفور ينوه مدير عام وزارة الصحة والتنمية الاجتماعية أحمد نصرالدين، إلى أن مستشفيات زالنجي غير مؤهلة لاستقبال أي حالة مرضية، وتعمل بطاقة أقل من (10) بالمئة بمجهود ومبادرات محلية.
وأشار نصرالدين في تصريح لـ(عاين)، إلى أن خروج أربعة مستشفيات عن الخدمة بالولاية من ضمن (5) مستشفيات مهمة نتيجة تعرضها للسرقة والتخريب، ومغادرة الأطباء والكوادر المساعدة الولاية، بجانب نهب المخزون الدوائي بالولاية.
وفي مدينة نيالا عاصمة ولاية جنوب دارفور، التي تعتبر أهم مركز علاجي في الإقليم قبل اندلاع القتال، فشلت كل المساعي والمبادرات المجتمعية في إعادة تشغيل مستشفى نيالا التعليمي المرجعي الذي طالته آلة الحرب بجانب (5) مراكز علاجية كبيرة في المدينة، بالرغم العودة التدريجية للمدنيين إلى منازلهم.
وعزا مسؤول في إدارة الطوارئ الصحية بوزارة الصحة بالولاية، عدم إعادة تشغيل المستشفيات في مدينة نيالا إلى عدم وجود الأطباء، بجانب تحديات توفير أموال التسيير وأجور الكوادر الطبية، علاوة على فقدان المعدات الطبية بسبب الحرب.
ويقول مسؤول الطوارئ الذي فضل عدم ذكر اسمه لـ(عاين): إن “الكوادر الطبية تتخوف من تدخل قوات الدعم السريع في شأن الخدمات الطبية، واحتمالات عودة أعمال العنف مجدداً”.
واقع خطير للأدوية
إزاء ذلك يشير مدير إدارة الأدوية والسموم، بولاية جنوب دارفور، دكتور محمد محمود، إلى أن الحرب دمرت كميات ضخمة من المخزون الدوائي لهيئة الإمداد الطبية، بجانب المخزون الدوائي لمنظمة الصحة العالمية، علاوة على الوكالات التجارية الخاصة الأمر الذي أدى شح كبير في الأدوية بالمستشفيات والصيدليات في وقت مبكر.
“كميات كبيرة من الأدوية المخالفة للمواصفات تباع بدارفور عن طريق تجار لا علاقة لهم بالصيدلة“.
مدير إدارة الأدوية والسموم، بولاية جنوب دارفور
ويقول محمود في مقابلة (عاين): إن “الحرب أفرزت واقعاً خطيراً للغاية في جلب والتعامل مع الأدوية، وفتحت الباب أمام تجار بضائع ليس لهم علاقة بالطب لتجارة الأدوية، وادخلوا كميات كبيرة من الأدوية إلى دارفور وكردفان عبر الحدود الغربية والجنوبية، وامتلأت الأسواق بكميات كبيرة من الأدوية المخالفة للمواصفات”.
وأضاف: أن “الأدوية أصبحت تنقل بطرق عشوائية، وتتداول مثل أي سلعة غذائية أخرى، لجهة المواطنين وجدوا أنفسهم مضطرين لاستخدام أدوية غير خاضعة للمواصفات، وتفتقر إلى أدنى إجراءات وطرق السلامة الطبية، مشيراً أن معظم الأدوية تأتي عن طريق التبادل السلعي مع دول الجوار”.
وفي أبريل الماضي أعلنت وزارة الصحة السودانية عن تعرض ثاني أكبر مخازن الإمدادات الطبية في مدينة نيالا لعمليات نهب وتخريب؛ مما يؤثر بطريقة مباشرة على المخزون الدوائي لولايات دارفور الخمس.
تحويل عبر الحدود
وبالمقابل يسلك مئات المرضى طرق بديلة قاسية للعلاج في المناطق الحدودية في دولة جنوب السودان خاصة في منطقة “أبيي” الحدودية للاستفادة الخدمات العلاجية المدعومة من المنظمات الإنسانية الدولية.
إزاء ذلك، يقول مدير إدارة الطوارئ بوزارة الصحة في غرب كردفان، د. محمد أحمد خليفة، إن “مواطنين من دارفور وكردفان يواصلون رحلة البحث عن الخدمات العلاجية في المستشفيات التي تدعمها منظمات إنسانية في بلدات ومدن حدودية تتبع لدول الجوار في جنوب السودان، أفريقيا الوسطى، تشاد”.
إلا أن هذه المستشفيات الموجودة على المناطق الحدودية تعاني أيضا من تدني الخدمات الطبية، وتحوّل الحالات المرضية المستعصية إلى مستشفيات مدن أكبر في بلدان الجوار خاصة جوبا وإنجمينا وبانقي، مما يضيف أعباءً مالية عالية على المرضى- وفقا لـ خليفة.
فقدان الأمل
معظم المرضى في دارفور فقدوا الأمل في العلاج، وفضلوا البقاء في مناطقهم وعدم السفر إلى أي دولة أخرى، لجهة أن ذلك مكلف، ويحتاج إلى مبالغ مالية طائلة تفوق إمكانياتهم، إضافة إلى معاناة الطرق الوعرة والمخاطر الأمنية التي قد تكلفهم فقدان أرواحهم.