السودانيون يتحملون تكاليف باهظة بسبب تدهور قطاع النقل

 22 أغسطس 2022

تدهورت قطاعات النقل في السودان في الخمس أعوام الأخيرة متأثرة بإنعدام البنية التحتية و تحرير الوقود في قطاع الطيران والنقل البري. وبرغم التدهور جنت الخزانة الحكومية في الفترة بين 2021 و2022 حوالي (400) مليون دولار وهي ضرائب مباشرة على قطاعات النقل تقع آثارها مباشرة على المواطنين.

فبينما كان المتوقع أن يضخ البنك الدولي نحو ملياري دولار يذهب الجزء الأكبر من هذا القرض لتطوير السكك الحديدية اعتبارًا من 2022 عرقل الانقلاب العسكري القروض الدولية منذ أكتوبر الماضي.

وفي لقاءات جرت بين رئيس الوزراء عبدالله حمدوك ومسؤولين من البنك الدولي ركزت على أهمية إنعاش النقل في السودان باعتباره يساهم في تحسن الاقتصاد لملايين السودانيين.

فقدان المليارات

“فقد السودان حوالي ثلاثة مليار دولار خلال خمسة أعوام بسبب انعدام البنية التحتية في قطاع النقل لأن المسؤولين كانوا ولا زالوا يتفرجون على تدهور العملة الوطنية وارتفاع أسعار الوقود بدلا من تطوير هذه القطاعات لتدر مليارات الدولارات كما تفعل دول الجوار القريبة”. يقول الباحث في دراسات السكان بدر الدين حسن لـ(عاين).

ويضيف: “انخفض الجنيه السوداني خلال خمسة أعوام بمقدار 540 نقطة ففي 2017 سجل الدولار الأمريكي 32 جنيها وحاليا في 2022 سجل الدولار الأمريكي 585 جنيها وتبعا لهذا الانخفاض الحاد جدا في العملة الوطنية ارتفع سعر الوقود منذ العام 2020 بواسطة الحكومة الانتقالية من 28 جنيها إلى 120 جنيها لواحد جالون من الديزل والبنزين ثم قفز إلى 600 جنيه في أكتوبر 2020 و 1600 جنيه للجالون في منتصف 2021 وصولا إلى 3.800 آلاف جنيه في 2022 ما يعادل 6.5دولار ويعد الأعلى بين دول العالم”.

ويرى حسن، إن هذه الزيادات الهائلة شكلت ضربة قاضية لقطاع النقل وتضرر المواطن كما تأثرت الشركات الخاصة العاملة في قطاع النقل البري وخرجت العشرات من الأسواق وباعت اساطيلها في الأسواق بأسعار زهيدة لتسديد ديون على البنوك.

وتابع: “من الطبيعي أن يتدهور قطاع النقل لأن الدولة تنظر إليه بعقلية جبائية وتتحصل منها يوميا من الضرائب المفروضة في مبيعات التذاكر في قطاعات الطيران والبر والبحرية حوالي 30% من قيمة التذكرة وممكن أن نقدر الضرائب التي تتحصل عليها الدولة من قطاع النقل عموما حوالي 400 مليون دولار بين 2021 و2022 مع زيادة الرغبة الحكومية في توسعة الإيرادات المباشرة”.

خبير: جشع النظام البائد والشركات الفاسدة حطم سودانير التي كانت قد تدر 5 مليار دولار خلال سبعة أعوام

في العام 2018 بدأت الزيادات المضطردة والتكلفة التشغيلية تحاصر قطاع الطيران وقفزت أسعار التذاكر لرحلة بين الخرطوم ودبي في الإمارات العربية المتحدة من 18 ألف جنيه ما يعادل 300 دولار أمريكي في ذلك الوقت للطائرات الاقتصادية إلى 40ألف جنيه حتى منتصف العام 2019 ثم قفزت إلى 120 ألف جنيه بنهاية العام 2021 وفي العام 2022 بلغت رحلة من الخرطوم إلى تركيا 500 دولار ما يعادل 290 ألف جنيه سوداني.

تحطيم سودانير

“تخلص النظام البائد من الخطوط الجوية السودانية بالبيع والفساد الإداري مع نمو متصاعد لشركات طيران خاصة” يقول المتخصص في اقتصاديات قطاع الطيران عبد الله شيخ الدين لـ(عاين)، ويضيف “النظام البائد تغاضى عن انهيار مؤسسات وطنية كانت ستقدم له الحماية الاقتصادية في أزمته لكنه دفع ثمن ذلك بفقدان الخزانة العامة 5 مليار دولار كان يمكن أن تحققها الخطوط الجوية الوطنية خلال خطة خمسية واعدة وشفافة لو بدأ مراجعتها بشكل عميق في 2017 إبان تعرضه لهزاته الاقتصادية واتجه بدلا عن ذلك إلى الخطط الأمنية”.

وأردف شيخ الدين: “بينما نمت شركات محلية خاصة مستغلة إعفاءات جمركية وتسهيلات مصرفية في عهد النظام البائد وخلال العامين الأخيرين أيضًا حُرمت “سودانير” من هذه الامتيازات والنتيجة كانت تحمل السودانيين تكلفة الطيران خمسة أضعاف ما يتحمله الأشخاص حول العالم ما يعني أن هناك مافيا متحالفة مع مسؤولين لتحطيم الخطوط الجوية الوطنية”.

في 2020 استردت محكمة تجارية الخطوط البحرية السودانية لكن هذه الإجراءات التي تولتها الحكومة الانتقالية بواسطة وزارة النقل والبنى التحتية ولجنة تفكيك النظام أثمرت في إعادة الأصول الثابتة فقط.

كان من المتوقع أن تطلب الحكومة الانتقالية الثانية من المستثمرين الدخول في استثمارات بقيمة 500 مليون دولار في المرحلة الأولى هذه الخطط لم تر النور نتيجة الانقلاب العسكري في أكتوبر الماضي.

تعمل شركات مصرية ومحلية في نقل الركاب بين ميناء جدة السعودي وبورتسودان شرق البلاد، هذه الشركات على صلة بالمسؤولين في الخطوط البحرية وفقا لما نقل مصدر من الخطوط البحرية لـ(عاين)، مشترطا حجب اسمه. وقال إن “الشركات تفسد كبار المسؤولين في هذا القطاع حتى تتم عرقلة أي تدخلات حكومية للنهوض بالخطوط البحرية”.

مافيا الخطوط البحرية

“فشلت الحكومة الانتقالية في تفكيك الخطوط البحرية من كبار الموظفين كما تعرضت مشروعها في إجراء إصلاحات بهيئة الموانئ البحرية إلى جانب ذلك فإن جنرالات الجيش والدعم السريع شجعوا استمرار موالين لحزب البشير في الهيئات الحكومية و عرقلة خطط المدنيين” يوضح المصدر لـ(عاين).

ميناء بورتسودان

يعتقد المحلل في مجال النقل البحري أيمن عز الدين، أن الإصلاحات الحكومية في الخطوط البحرية تبدأ بتوفر إرادة سياسية قوية لدى صانع القرار داخل كابينة الحكومة وقد حاول رئيس الوزراء ذلك بتعيين وزراء جيدين إلى حد ما لكن العمل في الموانئ الرئيسية وعلى ساحل البحر الأحمر مسألة معقدة لأسباب قبيلة لأن الاضطرابات الاجتماعية هي التي تتحكم في الموانئ والخطوط البحرية أيضا مرتبطة بساحل البحر الأحمر لأن 40% من تجارة العالم تمر عبر ساحل البحر الأحمر.

ويرى عز الدين في مقابلة مع (عاين)، أن السودانيين يدفعون ثمن تدهور الموانئ والخطوط الوطنية بارتفاع تكلفة النقل البحري للحاوية من ثلاثة آلاف دولار إلى 10 آلاف دولار خلال عامين فقط وأحيانا 11 ألف دولار كلما زادت المسافات وزادت التكلفة مع الاحتجاجات التي أغلقت الميناء في 2021 لـ 45 يوما.

وإضافة إلى تكلفة النقل البحري إلى السودان، فإن الدولة تفرض ضرائب باهظة على السلع الواردة وزادتها قبل أسبوعين إلى 565 جنيها للدولار الجمركي ما يعني أن المواطن يدفع أمام أي سلعة مستوردة قيمة الدولار في السوق الموازي وبدلا من شرائها بقيمة ألف جنيه على سبيل المثال سيشتريها بقيمة 17 ألف جنيه أي بزيادة 16 ألف جنيه. يقول عز الدين.

صفقة اضطرارية

على أرضية شبكة قطارات قديمة تطلق القوات الأمنية الغاز المسيل للدموع لمنع آلاف المتظاهرين من العبور إلى القصر الرئاسي وسط العاصمة السودانية منذ 9 أشهر وتستغرق هذه الإجراءات نحو خمسة ساعات وقد يعبر قطار واحد مستخدما هذه الشبكة التي تربط العاصمة من شمالها إلى جنوبها ويوضح هذا الأمر كيف أن السكك الحديدية في بلد شاسع مثل السودان “تلاشت أثرا بعد عين”.

متظاهرون في محيط محطة شروني قرب القصر الرئاسي في الخرطوم 14 يناير 2022

بدأت الحكومة الانتقالية في 2021 خطة لاستيراد قطارات صينية، وهذا المشروع الحيوي الذي انتهى بوصول القطارات والماكينات نهاية يوليو الماضي كلف السودان في المرحلة الأولى 12 مليون دولار واضطرت السلطة الحاكمة لإبرام الصفقة مع الشركة الصينية تجنبا لدفع الشرط الجزائي الذي قد يكلف أكثر.

ومع ذلك فإن مشروع القطارات الصينية لن يساهم في رفع كفاءة السكك الحديدية لأن السودان ذهب إلى هذه الصفقة لانقاذ هذا القطاع من الانهيار بعد التحذيرات التي وصلته من الخبراء العاملين في هذا المجال.

وتعمل نحو 18 ألف شاحنة للنقل البري في شحن السلع بين الموانئ والمدن في السودان أغلبها مملوكة لقيادات من النظام البائد ورجال أعمال مقربون من حزب البشير.

خبير: تكلفة النقل عبر القطارات 20 ألف للحاوية والنقل البري 280 ألف

يرى الخبير في اقتصاديات النقل عبد القادر كدام يقول لـ(عاين)، إن “تكلفة النقل عبر السكك الحديدية بين بورتسودان والخرطوم  أقل من النقل البري عبر الشاحنات بحوالي عشرين مرة وسريع وآمن، وبدأت الحكومة الانتقالية في إحياء هذا المشروع بنقل الوقود إلى محطات الكهرباء شمال العاصمة عبر القطارات لكن المشاريع الخاصة بتطوير النقل والبنية التحتية اصطدمت بالانقلاب العسكري وتوقف المانحين والمستمرين”.

ويرى كدام، أن قطاع السكك الحديدية يمتاز بالتكلفة الزهيدة التي قد توفر 300 مليون دولار سنويا للبلاد فبينما يكلف نقل حاوية عبر شاحنة من بورتسودان إلى الخرطوم حوالي 280 ألف ما يعادل 400 دولار أمريكي جنيه فإن تكلفة نفس الحاوية بالقطار يكلف 20 ألف جنيه فقط حوالي 18دولار.

لم يكن سيقتصر خفض تكلفة النقل في السودان على تقليل العبء من المواطنين فالعملية كانت ستؤدي إلى خلق آلاف الوظائف جراء نهوض قطاع الطيران والخطوط البحرية والسكك الحديدية.