السودان: حكومة الانتقال .. شراكة اقرب للنهاية
27 سبتمبر 2021
شهدت الأيام الماضية تصاعدًا حادًا في الأحداث السياسية في السودان، تصدرها التراشق الإعلامي الحاد بين مكونات حكومة الفترة الانتقالية والخلافات التي برزت إلى السطح ووصلت لحد إعلان القطيعة بين المكونات، وكان آخرها إعلان المكون العسكري بمجلس السيادة إيقاف كل الاجتماعات مع نظيره المدني، وبالمقابل محاولة استنفار المكون المدني لقوى الشارع محذرًا من محاولات مستمرة للانقلاب على الثورة وتعطيل الانتقال الديمقراطي.
وظهرت الصراعات بقوة بعد محاولة الانقلاب الفاشلة التي أعلن عنها العسكريين في 21 سبتمبر الجاري، حيث انتشرت تصريحات لرئيس مجلس السيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان ونائبة قائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو حميدتي، تظهر تململ الشركاء من الحكم سوية، وقال دقلو في مخاطبة اجتماعية إن شركائهم المدنيون يهددونهم بالشارع وبالمجتمع الدولي، وأشار إلى قدرة العسكريين على استنفار شارع مساند لهم أيضا، فيما استنكر دقلو تبرير رئيس الوزراء عبد الله حمدوك بأن المحاولة الإنقلابية تم التمهيد لها بالانفلات الأمني وإغلاق الطرق.
تصعيد
وتصاعدت وتيرة الأحداث بعد صباح أمس الأحد، وإعلان المكون العسكري سحب جميع القوات المشتركة المنتشرة في حراسة المقار والعقارات المستردة بواسطة لجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو وإعلانهم إيقاف الاجتماعات من الشق المدني في الحكومة وسحب حراسة عضو مجلس السيادة ورئيس لجنة التفكيك بالإنابة، محمد الفكي سليمان، الأمر الذي قاد لجنة تفكيك التمكين لإطلاق نداء لجماهير الثوار للحضور لمقر اللجنة الذي شهد حشودًا كثيفة هتفت ضد المكون العسكري ونادت بإصلاح مؤسسة الجيش وتنظيفها من فلول النظام المباد، وتحدث في لقاء حاشد امس الاحد أعضاء لجنة تفكيك التمكين، منادين الجماهير لحماية الثورة من محاولات الردة.
وقال رئيس اللجنة بالإنابة محمد الفكي سليمان، إن اللجنة اللجنة باقية كجزء من من جهاز الدولة باعتبارها مؤسسة تستند الى دستورية الوثيقة الدستورية، ودعا الجماهير المحتشدة إلى ضرورة التحلي بالمسئولية والسلمية واليقظة وعدم الانجرار لأعمال العنف والتخريب.
وأضاف، أن مقر لجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو سيكون مركز عمليات ومقر للاستعداد للمواجهة مع الإنقلابيين متى ما أرادوها، حسب تعبيره.
فيما أشار وزير شؤون مجلس الوزراء في المؤتمر الصحفي خالد عمر يوسف، إلى أن الإنقلابين ليسوا من العساكر فقط وإنما هنالك مدنيون أيضا ينتمون إلى الإنقلابيين، واعتبر أن ما تعرضت له اللجنة يأتي ضمن خطوات تهدف إلى إضعاف المرحلة الانتقالية والانقلاب عليها مشيرًا إن الصراع ليس بين المدنيين والعسكريين وإنما بين الثوار والإنقلابيين قائلًا: ” لن ننساق لمخطط الإيقاع بين المكون المدني والجيش السوداني” .
وفي الأثناء، علق رئيس الوزراء د. عبد الله حمدوك في تصريحات لتلفزيون السودان، بأن الصراع الذي يدور حاليا ليس صراعا بين عسكريين ومدنيين، بل هو صراع بين المؤمنين بالتحول المدني الديمقراطي من المدنيين والعسكريين، والساعين إلى قطع الطريق أمامه من الطرفين.
ودعا حمدوك، كل الأطراف المتصارعة إلى الالتزام الصارم بالوثيقة الدستورية، منوهًأ إلى أن مبادرة الأزمة الوطنية وقضايا الانتقال التي طرحها قبل أشهر،هي الطريق لتوسيع قاعدة القوى الداعمة للانتقال الديمقراطي من قوى الشعب الحية من المدنيين والعسكريين، مرحبًا بجميع ردود الأفعال التي صدرت مؤخرًأ من جميع الأطراف حول المبادرة.
الخط الثالث
بينما أصدر تجمع المهنيين السودانيين الذي قاد احتجاجات ديسمبر لإسقاط نظام البشير، بيانًا مقتضبًا دعا فيه لإنهاء الشراكة مع المجلس العسكري وإلغاء الوثيقة الدستورية لتشكيل حكم مدني خالص وفق أهداف ثورة ديسمبر واستكمال الثورة وتصفية سيطرة لجنة البشير الأمنية وليس لحماية أو استمرار السلطة الانتقالية المعطوبة، وطالب بسلطة مدنية جديد من كفاءات ملتزمة بخط وأهداف ثورة ديسمبر.
وفي ذات السياق، دعا الحزب الشيوعي السوداني إلى إسقاط السلطة الحالية بالبلاد وإقامة سلطة مدنية كاملة، مبررًا أن السلطة الحالية تسير في طريق إجهاض مكتسبات ثورة ديسمبر، وقال البيان : “إن طبيعة وتركيبة السلطة الانتقالية، تفرض على القوى الوطنية الديمقراطية ضرورة النضال السلمي من أجل إسقاط هذه السلطة، وإقامة السلطة المدنية الكاملة التي تقود البلاد إلى إكمال الفترة الانتقالية بنجاح”.
تصعيد الأطراف
وفي خضم الصراعات السياسية بين مكونات الحكم الانتقالي، اتسعت في أرجاء البلاد رقعة الاحتجاجات المطلبية بمختلف توجهاتها، ويشهد شرق السودان توترًا منذ عدة أسابيع بقيادة مجلس نظارات البجا المطالب بحل الحكومة الانتقالية وإلغاء مسار شرق السودان في اتفاقية جوبا لسلام السودان، وأعلن تصعيده بإغلاق مطار بورتسودان ومينائي سواكن وبورتسودان والطريق البري الذي يربط السودان بشرقه وإغلاق خطي تصدير واستيراد النفط.
ورغم استمرار مطالب الناظر محمد الأمين ترك وأنصاره بحل لجنة تفكيك التمكين والحكومة الانتقالية المدنية وتشكيل مجلس عسكري لإدارة ما تبقى من الفترة الانتقالية، أرسلت الحكومة وفدًا رسميًا بقيادة عضو مجلس السيادة الفريق شمس الدين الكباشي للتباحث مع مجلس نظارات البجا حول أزمة شرق السودان وخلصت إلى الاتفاق الجزئي على السماح لصادرات بترول جنوب السودان للمرور عبر ميناء بشائر في بورتسودان.
مطالب الدفاع الشعبي
وعلى ذات الصعيد، تشهد ولاية غرب كردفان، احتجاجات مستمرة من مجموعات الدفاع الشعبي المنتمية لنظام البشير للمطالبة باستيعابهم في الجيش السوداني ككتلة واحدة تضم أكثر من 100 ألف شخص وتضمين ذلك في اتفاق جوبا لسلام السودان الموقع في أكتوبر من العام الماضي، وأعلنوا تصعيدهم بإغلاقهم لحقول البترول بالولاية وإغلاق الخط الناقل لبترول دولة جنوب السودان لعدة أيام، الأمر الذي يجعل الاتفاق على فتح الخط الناقل في بورتسودان دون جدوى طالما تم أغلاقه من ولاية غرب كردفان الحدودية مع دولة جنوب السودان.
الحرص على الشراكة
ويقول القيادي بقوى الحرية والتغيير حبيب العبيد لـ(عاين)، إن الأزمة الراهنة مؤقتة ويمكن الخروج منها بالتزام كل الأطراف بأهداف الشراكة والرجوع لميثاقه المتمثل في الوثيقة الدستورية، وأوضح أنهم في التحالف حريصون على استقرار الفترة الانتقالية وشراكتها مع الالتزام بإكمال أهداف لجنة تفكيك نظام الانقاذ، وشدد على ضرورة حل الأزمة الحالية للعبور بالانتقال الديمقراطي إلى الأمام.
هل تنتهي الشراكة؟
وأضاف أن هنالك قوى ناقمة على قوى الحرية والتغيير، حسب قوله، مشيرًا إلى أن وحدة قوى الحرية والتغيير أحد المخارج من الإشكال الحالي، ونفى وجود أي خلاف بين مكونات التحالف، مؤكدًا في الوقت ذاته سعيهم للتوحد من أجل إنجاح الانتقالية، وأكد أن الشراكة بين مكونات الحكم الانتقالي لن تنتهي بسبب ما يدور حاليا واعتبر أن تعليق الاجتماعات بين المدنيين والعسكريين أمر طبيعي في ظل الاختلافات بين الشركاء.
ونوه العبيد، إلى أن الصراع الحالي ليس بين مدنيين ككتلة وعسكريين ككتلة وإنما بين بعض الشخوص في الجانبين، وزاد: “هذه الصراعات يمكن تخطيها بالعودة للوثيقة الدستورية والإلتزام بها”.
وحذر سياسيون وخبراء سودانيون في تصريحات صحفية من خطورة تمدد واتساع نطاق الاحتجاجات في السودان، وانعكاس الخلافات داخل الحكومة الانتقالية على قدرتها على مواجهة هذه الاحتجاجات وما ينتج عنها من انفلات أمني واستقطاب خطير يهدد الأوضاع برمتها.
مخرج من الأزمة
ويشدد المحلل السياسي وأستاذ العلوم السياسية محمد أحمد شقيلة لـ(عاين)، على ضرورة وجود وضع جديد، مبررا ذلك بأن المواجهة التي كانت تتحاشاها جميع الأطراف حدثت الآن، وقال إن المكون العسكري جزءًا من النظام البائد وممثله في الحكومة الانتقالية باعتباره قابضًأ على الشركات الأمنية للنظام المقبور، وأرجع مواقفه المتعنتة لمحاولة منع المساس بالمصالح الإقتصادية لعناصر النظام المباد، وقال : “ذلك هو السبب الأساسي للهجوم العنيف على لجنة إزالة التمكين، وبالمقابل لن تقبل اللجنة التفريط في تفكيك نظام الإنقاذ”.
ونبه شقيلة إلى أن هذا الصراع سيدخل البلاد إلى وضع حرج، ويرى أن مبادرة رئيس الوزراء لم تعد المخرج من المأزق الحالي للبلاد، لجهة أن الأمور تعقدت لتصبح صعبة المنال على المبادرة، ويوضح أن المخرج من هذه الأزمة هو العمل على إصحاح المسار بشكل فوري باستخدام أسلوب المواجهة المباشرة بعيدًأ عن الصراعات الفوقية حول السلطة.
وفسر شقيلة تصريحات بعض قادة الحركات المسلحة بعدم وعيهم بخطورة المرحلة ومحاولتهم لاستغلالها لمصلحتهم في صراعهم الحالي مع قوى الحرية والتغيير حول هيكلة التحالف، وأضاف : “رغم أن المكون العسكري كشر عن أنيابه وظهر بوجهه الحقيقي، إلا أن الشارع لا يهتم لهذه الصراعات بين العسكريين والمدنيين وله معركته التي تتمحور حول التغيير الشامل والعودة لتصحيح مسار الثورة ويستحيل تسخير الشارع لمصلحة أي طرف من الطرفين”.