خلافات قوى الثورة السودانية.. هل تضع الفترة الانتقالية على المحك؟
تقرير – 8 مايو 2020م
برزت في الآونة الأخيرة خلافات واضحة بين مكونات الحاضنة السياسية للحكومة الإنتقالية في السودان “قوى إعلان الحرية والتغيير”، وتمظهرت تلك الخلافات في التصريحات المتباينة التي تصدر عن أجسام التحالف المختلفة، ونتجت تلك الخلافات من الاختلافات في الرأي من الموقف السياسي الراهن والأزمة الاقتصادية الحاضرة والتي تثقل كاهل المواطن في ظل سعي الحكومة لحلها.
ورغم اتفاق تلك القوى على الحد الأدنى لإدارة الفترة الإنتقالية في ميثاق الحرية والتغيير الذي قام عليه التحالف ومؤخراً الوثيقة الدستورية التي تم الإتفاق فيها مع المكون العسكري لإدارة الفترة الإنتقالية، إلا أن الصراع السياسي ألقى بظلاله على تلك المواثيق، الأمر الذي عطل إنجاز مهام الفترة الإنتقالية، وأدى ذلك لعودة أطراف الحكومة بشقيها للجلوس مع قوى الحرية والتغيير والإتفاق على مصفوفة تمكن من إنجاز المهام الموكلة.
مواقف الأمة
وقبل اسبوعين، أعلن حزب الأمة القومي برئاسة الإمام الصادق المهدي، تجميد عضويته في تحالف الحرية والتغيير، ويمثل حزب الأمة في التحالف عن طريق كتلة نداء السودان. وراج جدل كثيف حول خطوة حزب الأمة التي وصفها متابعون بأنها لا تسير في اتجاه حل أزمة التحالف وإنما تزيد من شدتها.
وقال حزب الأمة في بيانه إن أسباب تجميد نشاطه مؤقتاً في التحال تكمن في ظهور عيوب أساسية تتمثل في اضطراب موقف القيادة السياسية لقوى إعلان الحرية والتغيير بصورة مخلة وتمترس بعض المكونات خلف موافقها الحزبية، إضافة إلى الإختلاف حول الملف الإقتصادي الأمر الذي قال إنه صنع اصطفافاً حاداً لا يمكن احتوائه، كما قال حزب الأمة إن أحد أسباب تجميد نشاطه هي تناول ملف السلامة دون منهجية واستراتيجية ما قاد لفتح المجال المزايدات ومطالبات تعجيزية من القوى المسلحة وتجاوز الوثيقة الدستورية.
ودعا حزب الأمة القومي لإنجاز ما أسماه مهام عاجلة تشمل تكوين المفوضيات القومية المنصوص عليها في الوثيقة الدستورية ووضع إستراتيجية لعملية السلام تضمن شموليتها والتزامها بأجندة السلام بعيداً عن أية طموحات وبرامج حزبية والإسراع بتكوين المجلس التشريعي بصورة متوازنة. وأعلن تسليمه لما أطلق عليه “عقد اجتماعي جديد لمكونات الثورة” ودعا لقيام مؤتمر تأسيسي لقوى الثورة من كافة الموقعين على إعلان الحرية والتغيير داخل و خارج هياكل قوى الحرية والتغيير الراهنة.
انتقادات لاذعة
ووجد موقف حزب الأمة، انتقادات في الأوساط السياسية وحملت آراء متقاربة تقول إن حزب الأمة أحد الأحزاب التي تعطل إنجاز مهام الفترة الإنتقالية، وتساءل كثيرون عن غرض حزب الأمة من تجميد نشاطه، رغم موافقتهم على الملاحظات التي أبداها حزب الأمة والتي تسببت في تجميد عضويته.
بينما كشفت مصادر موثوقة لـ(عاين) عن انخراط حزب الأمة في اجتماعات مطولة مع مكونات قوى الحرية والتغيير بعد انتهاء المهلة التي حددها لإبقاء عضويته في التحالف أم سحبها، وأكدت تلك المصادر أن حزب الأمة سيصر على موقفه في حال رفض التحالف ملاحظاته.
مناشدة الشيوعي
وكان الحزب الشيوعي السوداني دعا قيادة حزب الأمة لمراجعة قرارها بتجميد نشاطها داخل التحالف وقال في بيان له الإسبوع الماضي :”نرى أنه بحكم موقعنا المشترك في تحالف قوى الحرية والتغيير خاصة في هذه المرحلة المفصلية في مسيرة الثورة، نرى أنه من المهم لكل القوى السياسية وضع الهم الوطني العام فوق كل مصالح ومطامح أي فئة كانت”، وأشاد الشيوعي بنضالات جماهير حزب الأمة التي ساهمت في إسقاط نظام البشير البائد.
وحذر الحزب الشيوعي من مغبة انقسام قوى الثورة الذي قال إنه يساعد أعداءها ويعرض مكاسبها للخطر، داعياً إلى تدعيم الممارسة الديمقراطية عبر تعيين الولاة المدنين وتكوين المجلس التشريعي والعودة إلى حوار جاد حول قضايا السلام العادل والشامل وتحقيق العدالة للشهداء ومراجعة السياسة الاقتصادية لتعبر عن مصالحنا الوطنية وحشد مواردنا الذاتية.
صعوبات الانتقالية
وبذات الصدد، قال القيادي بالحزب الشيوعي صديق فاروق التوم لـ(عاين)، إن الخلافات بين قوى الثورة شيء طبيعي مستبعداً أن تؤدي لانهيار الفترة الانتقالية، وأكد أن الخطأ الأكبر الذي يلازم الفترة الانتقالية حتى الآن، هو غياب المجلس التشريعي وتأخر تشكيله.
وأشار التوم، إلى أن ضرورة وتأثير وجود المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير ستكون غير ذات أهمية بعد تشكيل المجلس التشريعي الذي يتيح لكل تلك الأجسام في المجلس التشريعي الذي سيكون رقيباً على الفترة الإنتقالية، وأضاف: “الضمان لنجاح الفترة الانتقالية وسيرها كما هو مطلوب، وجود المجلس التشريعي”.
ولفت صديق التوم، إلى أن حزب غير ممثل داخل قوى الحرية والتغيير كحزب وإنما من خلال كتلة نداء السودان التي تضم عدداً من الأحزاب الأخرى، وقال إن حزب الأمة إذا أراد أن يلغي عضويته في الحرية والتغيير سيكون ذلك من خلال إلغاء عضويته في تحالف نداء السودان. وشدد على ضرورة تشكيل المجلس التشريعي منوهاً إلى أن تعطيله جاء نتيجة لمطالبات الجبهة الثورية بتشكيل التشريعي بعد إتمام مفاوضات السلام.
الثورية والتحالف
وكانت الجبهة الثورية قد ابدت موافقتها على تعيين ولاة مدنيين واقترحت تكوين آلية رباعية لاكمال عملية اختيار حكام مؤقتين للولايات لحين التوصل إلى اتفاق سلام، وقالت في رسالة معنونه إلى رئيس مجلس السيادة ونائبه ورئيس مجلس الوزراء الثلاثاء: “نزولاً عند رغبة الشعب في تفكيك دولة التمكين، وتعيين حكام مدنيين مؤقّتين لأداء هذه المهمة، فإننا نطرح مقترحات مباشرة لاختيار الحكام إلى حين الوصول لاتفاق سلام على أن يكونوا من ذوي الخبرة الإدارية ويتمتعون بالكفاءة وغير منتمين إلى أحزاب، إضافة إلى تمتعهم بقبول من سكان الولايات خاصة التي تدور فيها الحروب، علاوة على تمثيل منصف للنساء”.
ورفضت الجبهة الثورية إلقاء اللوم عليها بشأن تأخير الوصول إلى اتفاق سلام، حيث نصت الوثيقة الدستورية على ضرورة التوصل إليه في غضون 6 أشهر مُنذ بدء تسلم الحكومة الانتقالية لمهامها، وقد انقضت المدة من يناير الفائت.
مآلات الخلاف
ومن جانبها قالت القيادية بتجمع المهنيين السودانيين قمرية عمر لـ(عاين) إن أسوأ السيناريوهات التي يمكن أن تحدث نتيجة لخلافات قوى الثورة، وقوع انقلاب عسكري، وأكدت أن ذلك غير وارد نسبة لغياب الدعم الشعبي لأي انقلاب، وأضافت أن السيناريو الثاني هو قيام انتخابات مبكرة الأمر الذي استبعدته نسبة لعدم جاهزية القوى السياسية. وقالت :”حتى تلك الجهات التي تنادي بالانتخابات المبكرة غير جاهزة”، ونبهت قمرية لأن فترة الإنقاذ أنهكت القوى السياسية التي تحتاج للتعود على المناخ الديمقراطي ومن ثم ترتيب نفسها للدخول في الانتخابات المبكرة.
وقالت قمرية إن خطوة حزب الأمة بتجميد نشاطه سببها كسب انجازات تخص الحزب، وإن الخلافات يمكن أن تؤول لأكثر من ذلك، ودعت مكونات تحالف الحرية والتغيير للتوحد والإضطلاع بتحقيق أهداف الثورة لإنجاز عملية الإنتقال الديمقراطي بصورة سلسة.
مؤتمر تداولي أم تأسيسي
كما كشف القيادي بحركة حق حبيب العبيد، إن مجمل ما جاء في خطاب حزب الأمة من مطالبة بإصلاحات تم إقراره مسبقاً من قبل المجلس المركزي بعد قيام مؤتمر تداولي كان مقرراً له نهاية مارس الماضي، وأضاف أن الإصلاح داخل إئتلاف قوى الحرية والتغيير هي مطالبات مستمرة داخل التحالف لضمان استمراره فعالاً كحاضنة سياسية للحكومة الانتقالية، لافتاً إلى أن حسم قيام مؤتمر تأسيسي غير وارد حتى الآن بعد إقرار المؤتمر التداولي.
بعد خروج الأمة
ومن جهته قال المحلل السياسي صلاح الدومة لـ(عاين) إن الخلافات بين مكونات التحالف ليست شيئاً خطراً مشيراً إلى أن كل القوى مختلفة فيما بينها إيديولوجياً وأن الخلافات السياسية بينها بدأت منذ تكوين التحالف وأن ذلك أمراً طبيعياً، وأضاف الدومة :”إئتلاف الحرية والتغيير لن ينهار بخروج حزب الأمة أو غيره وأن الذي يغادر التحالف هو الخاسر”.
وانتقد صلاح الدومة سياسات حزب الأمة في التحالفات، لافتاً إلى أنه معروف عنه خذلان حلفائه في مراحل صعبة، وقال إن خروج حزب الأمة وسحب مناديبه وممثليه من التحالف لن يوقف التحالف مؤكداً بقاء التحالف كحاضنة سياسية للحكومة وأن الفترة الإنتقالية ستسير بسلاسة.