موت ونزوح.. مأساة في “جبل مرة” تخفيها سحب دخان الحرب

14 ديسمبر 2020

خلف القتال المسلح بين الفصائل في حركة جيش تحرير السودان جناح عبدالواحد محمد نور في منطقة “جبل مرة” غربي السودان، واقع إنساني مأساوي جديد في دارفور متسبباً في موجة جديدة من النزوح وتشريد آلاف المدنيين من مناطق سيطرة الحركة الى المناطق التي تخضع لقوات الحكومة السودانية في ولايتي جنوب ووسط دارفور.

واندلع القتال بين فصيل القائد الميداني لحركة جيش تحرير السودان، عبد القادر (قدورة) والقائد الميداني المنشق من الحركة (ذو النون) من جهة، و (قدورة) وقائد آخر يدعى “مبارك ولدوك” من جهة أخرى، في الثلاثين من سبتمبر بالمنطقة وتسبب القتال الذي يتجدد من وقت لآخر في نزوح (27) ألف مدنياً خلال شهرين بحسب آخر تقرير لبعثة السلام المشتركة في دارفور “يوناميد” الذي قدمته لمجلس الأمن واستعرضت خلاله آخر التطورات في الإقليم قبل الخروج المزمع للبعثة بنهاية ديسمبر الجاري.

قتال واتهامات

زادت حدة القتال بين الفصائل التي تمتلك أعدادا كبيرة من الاسلحة الثقيلة بعد نحو أسبوع من إعلان (14) قائداً ميدانياً برئاسة “مبارك ولدوك” إنشقاقهم عن جيش حركة تحرير السودان وتقدموا بتقرير لبعثة “اليوناميد” متهمين المجموعة الأخرى بقيادة “قدورة” بالتعدي عليهم الى جانب حجز وقتل المعارضين لتوجهات الحركة.

موت ونزوح.. مأساة في "جبل مرة" تخفيها سحب دخان الحرب

لكن الناطق الرسمي باسم حركة جيش تحرير السودان، محمد عبدالرحمن الناير، ينفي وجود صراع في جبل مرة على النحو الذي تسوق له بعض الجهات “بحسب تعبيره”، ويقول لـ(عاين)، إن “مجموعة صغيرة خرجت عن الخط العام ومشروع الحركة وتم التعامل معهم وفق النظم واللوائح والنظام الأساسي للحركة بعد أن رفضت الانصياع لقرارات وموجهات القيادة العامة لقوات حركة جيش تحرير السودان”. ويضيف، “تم طرد المجموعة من الأراضي المحررة ولجأت الفصائل الى منطقة جاوا التي تقع تحت سيطرة القوات الحكومية”.

وتحمل الحركة المجموعة التي تدعمها الحكومة بإستهداف تجمعات المدنيين وممتلكاتهم بشكل ممنهج بغرض تشريد المدنيين من المناطق الخاضعة لسيطرتها في جبل مرة” لخلق رأي عام سالب ضد الحركة، ودعت الفارين بالعودة الى بلداتهم ومزاولة انشطتهم التجارية والزراعية والرعوية بعد سيطرة قواتهم على الأوضاع الامنية، وقيام الحركة بدور توفر الحماية من اي اعتداءات محتملة تنفذها المجموعة المنشقة وفق ما أكده الناطق الرسمي للحركة.

ولم يتسن لـ(عاين) الوصول للجيش السوداني للتعليق حول دعم الحكومة للفصائل المنشقة من حركة جيش تحرير السودان. ويكشف تقرير بعثة “يوناميد” الذي اطلعت عليه (عاين) أن نزاع المسلحين بسبب السيطرة علي مناجم الذهب بالقرب من بلدة “كيدينير” له دور أساسي في إشعال الحرب في منطقة “جبل مرة” علاوة الخلاف في تحصيل ضرائب غير مشروعة في المنطقة وأدى ذلك إلى مقتل ما لا يقل عن (7) مدنيين وتشريد أكثر من (525) آخرين خلال يوم واحد من البلدات حول منجم “كيدينير”.

ويبدى القيادى السابق  في احدى الحركات المسلحة التي كانت تقاتل الحكومة السودانية في عهد الرئيس المخلوع، عثمان موسى، اسباباً مغايرة للصراع لا سيما بعد التحول السياسي في السودان وانضمام مجموعات للسلام.

ويقول موسى لـ(عاين)، ان مجموعات بحركة تحرير السودان جناح عبدالواحد لها الرغبة في الانضمام لركب السلام وواجهت مقاومة كبيرة من المجموعة التي تتمسك بموقف قائد الحركة عبدالواحد محمد نور الذي ياخذ موقفا رافضا لأي عملية سلام في ظل وجود الحكومة الحالية في السلطة.

موت ونزوح.. مأساة في "جبل مرة" تخفيها سحب دخان الحرب

ذكر تقرير بعثة اليوناميد الذي غطى الفترة من سبتمبر إلى أكتوبر 2020، (47) حالة انتهاكات لحقوق الإنسان طالت (169) ضحية من بينهم (19) إمرأة بجانب (13) طفلًا، علاوة على أنه وثق (21) حالة عنف جنسي طالت (21) ضحية. وأضاف “لا يزال من الصعب على ضحايا العنف الجنسي أن يحصلوا على خدمات شاملة بسبب وصمة العار وصعوبة الوصول إلى المناطق النائية وإحجام الضحايا عن الإبلاغ عن الحوادث.

أزمة إنسانية

أجبرت المعارك آلاف المدنيين على الفرار من بلداتهم، بعد حرق اربعة عشرة بلدة بصورة كاملة ونهب ممتلكاتهم وفق افادات لجنة الحصر المحلية التي تقدمت بطلب تقديم مساعدات الى مفوضية العون الإنساني بولاية جنوب دارفور.  ويقول المسؤول الحكومي لمحلية “شرق جبل مرة” الطاهر عبدالله أحمد، ان “الاوضاع الإنسانية مأساوية”. قبل ان يدعو المنظمات الانسانية الى تقديم مواد الإيواء والغذاء للنازحين الذين قدرتهم لجان حصر محلية وسلطات حكومية بنحو (47) ألف معظمهم من الأطفال والنساء وكبار السن.

ولفت المسؤول الحكومي المحلي، إلى أنه رغم المسح الإنساني الذي قامت به نحو (11) منظمة انسانية بجانب مكتب تنسيق المساعدات التابع للأمم المتحدة (أوشا) في المنطقة الا أن حجم الاستجابة كان بصورة ضعيفة للغاية نتيجة للقيود المفروضة بسبب جائحة “كورونا”.

على إثر القتال، توقفت الحركة التجارية في نطاق كبير في مناطق جبل مرة خاصة في ولايتي جنوب ووسط دارفور بسبب الصراع وعادت للمنطقة ظاهرة الاختطاف والاختفاء القسري والتهديد بالقتل التي أختفت مع سقوط نظام الرئيس المخلوع البشير. ويقول المدير التنفيذي لمحلية شرق جبل مرة الطاهر عبدالله إن صراع الفصائل إعاد محلية “شرق جبل مرة”، ” عدنا إلى مربع اللا أمن من جديد.. لا يمر يوم إلا وهناك حادثة قتل أو إنتهاك”.

التطورات العسكرية بمنطقة جبل مرة ستلغي بظلالها السالبة على الأوضاع الانسانية في منطقة جبل مرة بحسب- المحلل السياسي، حبيب احمد علي، والذي يقول لـ(عاين)، ” ستؤدي التطورات الأمنية الأخيرة الى عودة النزوح بشكل أكبر للمخيمات خاصة منطقة “جبل مرة” التي شهدت انفتاح وروح سلام غير مسبوق بعد سقوط نظام الرئيس المخلوع عمر البشير”.

تقرير بعثة “يوناميد” الذي صدر مؤخراً يشير الى حجم الانتهاكات طالت المدنيين في شرق وغرب جبل مرة، وذكرت البعثة في التقرير الذي غطى الفترة من سبتمبر إلى أكتوبر 2020، (47) حالة انتهاكات لحقوق الإنسان طالت (169) ضحية من بينهم (19) إمرأة بجانب (13) طفلًا، علاوة على أنه وثق (21) حالة عنف جنسي طالت (21) ضحية. وأضاف “لا يزال من الصعب على ضحايا العنف الجنسي أن يحصلوا على خدمات شاملة بسبب وصمة العار وصعوبة الوصول إلى المناطق النائية وإحجام الضحايا عن الإبلاغ عن الحوادث”.

ولم تستثن الانتهاكات في المنطقة حتى الأطفال حيث وقعت (17) حالة انتهاك جسيم ضد الأطفال، طالت (36) طفلا من بينهم (14) فتاة، ولفت البعثة في التقرير الى احتمالية أن تكون “حالات انتهاكات حقوق الإنسان الموثقة لا تعكس العدد الفعلي للحالات الفعلية، بسبب عدة عوامل منها تأثير القيود المفروضة بسبب جائحة كورونا على أنشطة تقصي الحقائق والتواصل مع المجتمعات المحلية”.

موت ونزوح.. مأساة في "جبل مرة" تخفيها سحب دخان الحرب

إتهام “يوناميد”

لكن الناطق الرسمي لحركة جيش تحرير السودان محمد عبدالرحمن الناير، يشكك في دقة المعلومات التي أوردتها بعثة “يوناميد” في تقريرها بشأن الاوضاع في دارفور خاصة المتعلقة بالصراع المسلح بين الفصائل وحجم الانتهاكات التي وردت في التقرير. ويقول لـ(عاين)، إن “ما ورد في التقرير لا يعبر عن حقيقة الأوضاع على الأرض وفيه تضخيم ومبالغة كبيرة”.، ويضيف “يوناميد لم تزر تلك المناطق حتى تقف على ما جرى”.